للتحميل والقراءة: كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، مع التتمة، تأليف أبي منصور الثعالبي

رابط تحميل الكتاب وقراءته

اضغط هنا

************

تنبيه: يميل الثعالبي إلي الباطنيين ويروج لأقوالهم وبدعهم في هذا الكتاب وغيره لذلك وجب التنبيه، ولكم الشكر

******

العنوان:  يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 
المؤلف : أبو منصور الثعالبي (المشبوه)
نبذه عن الكتاب: كتاب يبحث في الأدب العربي متخصص في الشعر العربي في فترة معينة أيام الدولة الحمدانية (الباطنية) والدولة الديلمية (الباطنية المجوسية) .
يتكلم الثعالبي على محاسن أشعار ذلك العصر وذكر أسماء الشعراء وشيئا من شعره. ويروج لأشعار المشبوهين والباطنيين، ولا يقتصر في كتابه هذا على الترجمة المحضة والاستشهاد بالنصوص الشعرية، بل نراه يورد آراء نقدية قيمة وتعليلات أدبية تنم عن ذوق أدبي رفيع، كما يعمد في كثير من الأحيان إلى المقارنة والموازنة بين من يترجم له وبين غيره من الشعراء في الفن الشعري الذي برع فيه .
وقد ألحقنا بآخر الكتاب بمجلدا خاصا تتمة يتيمة الدهر للمصنف نفسه وقد جاءت على منوال اليتيمة وعلى نفس منهجها

اضغط هنا للوصول إلى كتاب خريدة القصر وجريدة العصر: للتحميل
تأليف : العماد الأصبهاني
موضوع الكتاب : الشعر و الشعراء : تراجم الشعراء
كتاب ضخم، تقع مطبوعته في (21) مجلداً، ترجم فيه العماد لشعراء القرنين الخامس والسادس الهجريين
وعداده في ذيول (يتيمة الدهر) للثعالبي جمع فيه كما يقول، طبقته وطبقة آبائه وأعمامه (السالف الماضي والحاضر النامي). ولم يقتصر فيه على قطر من الأقطار. وكان باعثه على تأليفه: جمع ما مُدِحَ به عمُّه أبو النصر أحمد بن حامد الأصفهاني، وتخليد مادحيه من الشعراء، إلا أنه تجاوز هذا الباعث ليشمل عمله تراجم شعراء القرنين الخامس والسادس الهجريين.

*****

 سيرة الثعالبي

عبد الملك بن محمد بن إسماعيل' الذي يُعرف بأبي منصور الثعالبي النيسابوري، أديب لقب بالثعالبي لأنه كان فرَّاء يخيط جلود الثعالب، وكان يؤدِّب الصِّبيان في كُتَّاب، وعاش الثعالبي بنيسابور، وكان هو ووالد الباخرزي صِنوَين لَصيقَي دار، وقريني جوار، تدور بينهما كتب الإخوانيات، ويتعارضان قصائد المجاوبات. ونشأ الباخرزي في حجر الثعالبي، وتأدب بأدبه، واهتدى بهديه، وكان له أبا ثانيا، يحدوه بعطفه، ويحنو عليه ويرأف به. ذكر تلك الصلة الباخرزي، ونقل عن الثعالبي فيما نقل عنه في كتابه "دمية القصر" أشعارا له رواها أبوه عنه إلا أنه لم يذكر لنا شيئا مما جرى بين الشيخين الصديقين.

وكان الثعالبي كثير الحفظ، فعرف بحافظ نيسابور، وأوتي حظا من البيان بزَّ فيه أقرانه، فلقب بجاحظ زمانه، وعاش بنيسابور حجَّة فيما يروي، ثقة فيما يحدِّث، مكينا في علمه، ضليعا في فنه، فقصد إليه القاصدون.

قال ابن بسام: "كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، والمصنفين بحكم أقرانه، طلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في الغياهب، وتآليفه أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر من أن يستوفيها حدٌّ أو وصف، أو يوفي حقوقها نظم أو رصف".
وقال الباخرزي: "هو جاحظ نيسابور، وزبدة الأحقاب والدهور، لم تر العيون مثله، ولا أنكرت الأعيان فضله، وكيف ينكر وهو المزن يحمد بكل لسان، وكيف يستر وهو الشمس لا تخفى بكل مكان".
وقال الصفدي: "كان يلقب بجاحظ زمانه، وتصانيفه الأدبية كثيرة إلى الغاية".
وقال ابن الأنباري في نزهة الألبا: "وأما أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل الثعالبي فإنه كان أديبا فاضلا، فصيحا بليغا".
وقال الحصري في كتابه زهر الآداب: "وأبو منصور هذا يعيش إلى وقتنا هذا، وهو فريد دهره، وقريع عصره، ونسيج وحده، وله مصنفات في العلم والأدب، نشهد له بأعلى الرتب". وفيه يقول أبو الفتح علي بن محمد البستي:
قلبي رهَينٌ بنسابور عند أخٍ * ما مثله حين تَستَقري البلاد أخُ له صحائف أخلاق مهذبةٍ * من الحِجا والعلا والظرف تُنتَسَخُ
وقال ابن قلاقِس يُطري كتابه "يتيمة الدهر" أشعارا منها:
كُتْبُ القَر يضِ لآلي
* نُظِمَتْ على جِيدِ الوجودْ
فَضلُ اليتيمة بينها
• فضل اليتيمة في العقودْ
• ومنها:
أبيات أشعار اليتيمة

• أبيات أفكار قديمةْ
• ماتوا وعاشت بعدهم *
 فلذاك سميت اليتيمةْ
هذه الطُّرفة التي جرت بينه وبين سهل بن المرزبان
ما يعطيك صورة عن الثعالبي شاعرا: قال الثعالبي: قال لي سهل بن المرزبان يوما:
إن من الشعراء من شَلْشَل، ومنهم من سَلْسَل، ومنهم من قَلْقَل، ومنهم من بَلْبَل {يريد بمن شلشل: الأعشى في قوله:
وقد أروح إلى الحانوت يتبعني * شاوٍ مِشَلٌ شَلولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ
وبمن سلسل: مسلم بن الوليد في قوله:
سُلَّتْ وسُلَّتْ ثم سُلَّ سَليلها * فأتى سَليلُ سَليلها مَسْلولا
 وبمن قلقل: المتنبي في قوله:
 فقَلْقَلْتُ بالهمِّ الذي قَلْقَل الحَشا * قَلاقل عيسٍ كلهن قَلاقِلُ}
فقال الثعالبي: إني أخاف أن أكون رابع الشعراء { أراد قول الشاعر:
الشعراء فاعلمنَّ أربعة *
فشاعر يجري ولا يُجرى معه
وشاعر من حقه أن ترفعه *
وشاعر من حقه أن تسمعه
وشاعر من حقه أن تصفعه}

ثم إني قلت بعد ذلك بحين:
 وإذا البلابل أفصحت بلغاتها * فانفِ البلابل باحتساء بَلابِلِ
فكان بهذا رابع فحول ثلاثة لهم القدم الثابتة في الشعر، نعني الأعشى، ومسلم بن الوليد، والمتنبي: وما دمنا قد عرضنا للثعالبي الشاعر فما أولانا أن نذكر جملا مختارة من شعره، قال رحمه الله، وكتب بها إلى الأمير أبي الفضل الميكالي:
لك في المفاخر معجزات جمَّة * أبدا لغيرك في الورى لم تُجمَعِ
بحران بحر في البلاغة شابه * شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي
وتَرَسُّل الصابي يزين عُلوَّه * خط بن مقلة ذو المقام الأرفعِ
كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو * كالوشي في برد عليه موشَّعِ
وإذا تَفَتَقَ نورُ شِعرك ناضِراً * فالحسن بين مصرَّعٍ ومُرَصَعِ
 أرجلت أفراس الكلام ورُضتَ أفـــــ * ــــراس [أفراس] البديع وأنت أمجد مبدعِ
ونقشت في مغنى الزمان بدائعاً * تُزري بآثار الربيع المُمرعِ

ومنها يصف فرسا أهداه إليه:
يا واهب الطَّرفِ الجواد كأنَّما * قد أنعلوه بالرِّياح الأربعِ
لا شيء أسرع منه إلا خاطري * في وصف نائلك اللطيف الموقِعِ
ولو أني أنصفت في إكرامه * لجلال مُهديه الكريم الألمعي
 أقضمته حب الفؤاد لحبِّه * وجعلت وربطه سواد الأدمعِ
وخلعت ثم قطعت غير مضيِّعٍ * برد الشباب لجُلِّهِ والبُرقُعِ
 ومن غزلياته الرقيقة:
سقطت لحين في الفراش لزمته * أضم إلى قلبي جناح مَهيضِ
 وما مرض بي غير حبّي وإنما * أُدَلِّسُ منكم عاشقا بمريضِ
 وقال الباخرزي: أنشدني والدي قال أنشدني -يريد الثعالبي- لنفسه: عَرَكَتْنِي الأيام عرك الأديم * وتجاوزن بي مدى التقويمِ
 وَغَضضن اللحاظ منِّيَ إلا * عن هلال يرنو بمقلة ريمِ
 لحظهُ سُقْمُ كل قلبٍ صحيح * ثَغرُهُ بُرء كل جسم سقيمِ

مولده ووفاته

 ليس بين الذين تحدثوا عن الثعالبي خلاف في ميلاده، بل تكاد ترى لهم كلمة مجمعا عليها بأن أبا منصور ولد سنة خمسين وثلاث مائة، ولم يشر للخلاف في سنة وفاته غير الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات حيث قال: "وتوفي -يريد الثعالبي- سنة ثلاثين وأربع مائة، وقيل سنة تسع وعشرين" وعلى الرأيين فقد قضى الثعالبي نحبه في الثمانين من عمره تاركا ما يُربي على الثمانين مؤلفا يُعمَرُ بها ضعف هذا العمر، وقد تنقضي أعمار كثيرة دون أن تبلغ في هذا شأوه، غير أنه عاش مع هذه البسطة في العلم والتواليف مهضوما، شبه مُضَيَّق يشكو مع العوز جورا وظلما، قال:
ثلاث قد مُنيت بهن أضحت * لنار القلب مني كالأثافي
ديون أنقضت ظهري وجور * من الأيام شاب له غُدافي
ومقدار الكفاف وأي عيش * لمن يُمنى بفقدان الكفافِ

والثعالبي نشأ في جوار الأمير أبي الفضل الميكالي وفي ظل الوزير سهل بن المرزبان تربط بينهم جميعا صداقة ومودة، وخوارزم شاه ووزيره أبي عبد الله الحمدوني. كتبه:

وفيما يلي كتبه كتابا كتابا، معتمدين في هذا النقل على الصفدي،
 وها هي ذي:

كتاب أجناس التنجيس. أحاسن المحاسن=أحسن ما سمعت. كتاب الأحاسن من بدائع البلغاء.
كتاب أحسن ما سمعت: كتاب الأدب مما للناس فيه من أرب.
كتاب إعجاز الإيجاز. غرر أخبار ملوك فارس
. كتاب الأعداد=برد الأكباد في الأعداد.
كتاب أفراد المعاني. كتاب الاقتباس.
كتاب الأمثال والتشبيهات.
كتاب أنس الشعراء.
كتاب الأنيس في غزل التجنيس.
كتاب بهجة المشتاق.
كتاب التجنيس.
كتاب تحفة الوزراء.
كتاب التحسين والتقبيح.
كتاب ترجمة الكاتب في آداب الصاحب.
كتاب التفاحة. كتاب تفضل المقتدرين وتنصل المعتذرين.
كتاب التمثيل والمحاضرة في الحكم والمناظرة.
كتاب الثلج والمطر.
كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب.
كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن.
كتاب حجة العقل. كتاب حشو اللوزينج.
كتاب حلي العقد.
كتاب خاص الخاص.
كتاب خصائص الفضائل.
كتاب الخولة وشاهيات. ديوان أشعاره.
كتاب سجع المنثور.
كتاب سِحر البلاغة وسر البراعة.
كتاب سحر البيان.
كتاب سر الأدب في مجاري كلام العرب.
كتاب سر البيان.
كتاب سر الوزارة.
كتاب السياسة.
كتاب الشكوى والعتاب وما وقع للخلان والأصحاب.
كتاب الشمس.
كتاب الشوق
كتاب صفة الشعر والنثر
. كتاب طبقات الملوك.
كتاب الظَّرْف من شعر البُسْتي.
كتاب الطرائف واللطائف.
كتاب عنوان المعارف
. كتاب عيون النوادر.
كتاب غرر البلاغة في الأعلام.
كتاب غرر المضاحك.
كتاب الغلمان.
كتاب الفرائد والقلائد.
كتاب الفصول الفارسية.
كتاب الفصول في الفضول.
كتاب فقه اللغة.
كتاب الكشف والبيان.
كتاب الكناية والتعريض.
كنز الكتاب=المنتحل.
كتاب لباب الأحاسن.
كتاب لطائف الظرفاء.
كتاب لطائف المعارف.
كتاب اللطيف الطيب.
كتاب اللمع والفضة.
كتاب ما جرى بين المتنبي وسيف الدولة.
كتاب المبهج.
كتاب المتشابه لفظا وخطا=ثمار القلوب في المضاف والمنسوب. مدح الشيء وذمه.
كتاب المديح.
كتاب مرآة المروآت.
كتاب المضاف والمنسوب.
كتاب مفتاح الفصاحة. المقصور والممدود. مكارم الأخلاق. ملح البراعة.
كتاب المُلَح والطُرَف. كتاب نمادمة الملوك.
كتاب من أعوزه المطرب.
كتاب من غاب عنه المؤنس.
كتاب المنتحل. مؤنس الوحيد في المحاضرات. نثر النظم وحل العقد.
كتاب نسيم الأنس. كتاب نسيم السحر. النهاية في الكناية.
كتاب النوادر والبوادر.
كتاب الورد. يتيمة الدهر. يتيمة اليتيمة.
كتاب يواقيت المواقيت.

****

مقدمة يتيمة الدهر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خير ما بدئ به الكلام وختم، وصلى الله على النبي المصطفى وآله وسلم.
أما بعد فإن محاسن أصناف الأدب كثيرة، ونكتها قليلة، وأنوار الأقاويل موجودة، وثمارها عزيزة وأجسام النثر والنظم جمة، وأرواحهما نزرة، وقشورهما معرضة، ولبوبها معوزة. ولما كان الشعر عمدة الأدب، وعلم العرب الذي اختص به عن سائر الأمم، وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل، على النبي منهم المرسل، صلوات الله عليه وآله وسلم، كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين ألطف من أشعار المتقدمين، وأشعار المولدين أبدع من أشعار المحدثين، وكانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البدائع من أشعار سائر المذكورين؛ لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهايات الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإعجاب إلى الإعجاز، ومن حد الشعر إلى حد السحر، فكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفكارهم أتم الألفاظ والمعاني استيفاء لأقسام البراعة، وأوفرها نصيباً من كمال الصنعة، ورونق الطلاوة.
وكذاك قد ساد النبي محمد ... كل الأنام وكان آخر مرسل
وقد سبق مؤلفوا الكتب إلى ترتيب المتقدمين من الشعراء، وذكر طبقاتهم ودرجاتهم، وتدوين كلماتهم، والانتخاب من قصائدهم ومقطوعاتهم، فكم من كتاب فاخر عملوه، وعقد باهر نظموه، لا يشينه الآن إلا نبو العين من إخلاق جدته، وبلى بردته، ومج السمع لمردداته، وملالة القلب من مكرراته. وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة، ولذة الجدة، وحلاوة قرب العهد، وازدياد الجودة على كثرة النقد، غير محصورة بكتاب يضم نشرها، وينظم شذرها، ويشد أزرها، ولا مجموعة في مصنف يقيد شواردها، ويخلد فوائدها، وقد كنت تصديت لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلثمائة، والعمر في إقباله، والشباب بمائة، فافتتحته باسم بعض الوزراء مجرياً إياه مجرى ما يتقرب به أهل الأدب إلى ذوي الأخطار والرتب، ومقيماً ثمار الورق، مقام نثار الورق، وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه، ولا تتسع لتوفية شرطه، فارتفع كعجالة الراكب، وقبسة العجلان، وقضيت به حاجة في نفسي. وأنا لا أحسب المستعيرين يتعاورونه، والمنتسخين يتداولونه، حتى يصير من أنفس ما تشح عليه أنفس أدباء الإخوان، وتسير به الركبان إلى أقاصي البلدان، فتواترت الأخبار، وشهدت الآثار، بحرص أهل الفضل على غدره وعدهم إياه من فرص العمر وغرره واهتزازهم لزهره، واقتفارهم لفقره، وحين أعرته على الأيام بصري، وأعدت فيه نظري، تبينت مصداق ما قرأته في بعض الكتب: أن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتاباً فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه، هذا في ليلة واحدة فكيف في سنسن عدة؟ ورأيتني أحاضر بأخوات كثيرة لما فيه وقعت بأخرة إلى، وزيادات جمة عليه حصلت من أفواه الرواة لدي. فقلت: إن كان لهذا الكتاب محل من نفوس الأدباء، وموقع من قلوب الفضلاء، كالعادة فيما لم يقرع من قبل آذانهم، ولم يصافح أذهانهم، فلم لا أبلغ به المبلغ الذي يستحق حسن الإحماد، ويستوجب من الاعتداد أوفر الأعداد؟ ولم لا أبسط فيه عنان الكلام، وأرمي في الإشباع والاتمام هدف المرام؟ فجعلت أبنيه وأنقصه، وأزيده وأنقصه، وأمحوه وأثبته، وأنتسخه ثم أنسخه، وربما أفتتحه ولا أختتمه، وأنتصفه فلا أستتمه، والأيام تحجز، وتعد ولا تنجز، إلى أن أدركت عصر السن والحنكة، وشارفت أوان الثبات والمسكة، فاختلست لمعة من ظلمة الدهر، وانتهزت رقدة من عين الزمان، واغتنمت نبوة من أنياب النوائب، وخفة من زحمة الشوائب، واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة، وتحريرها من بين النسخ الكثيرة، بعد أن غيرت ترتيبها، وجددت تبويبها، وأعدت ترصيفها، وأحكمت تأليفها. وصار مثلي فيها كمثل من يتأنق في بناء داره التي هي عشه، وفيها عيشه، فلا يزال ينقض أركانها، ويعيد بنيانها، ويستجدها على أنحاء عدة، وهيئات مختلفة، ويستضيف إليها مجالس كالطاووس، ويستحدث فيها كنائس كالعرائس ثم يقورها آخر الأمور قوراء توسع العين قرة، والنفس مسرة. ويدعها حسناء تخجل منها الدور، وتتقاصر عنها القصور. فإن مات فيها مغفوراً له انتقل من جنة إلى أخرى، وورد من جنة الدنيا إلى جنة المأوى.

فهذه النسخة الآن تجمع من بدائع أعيان الفضل، ونجوم الأرض من أهل العصر، ومن تقدمهم قليلاً وسبقهم يسيراً، ما لم تأخذ الكتب العتيقة غرره، ولم تفتض عذره، ولم ينتقص قدم العهد وتطاول المدة زبره وتشتمل من نسج طباعهم، وسبك أفهامهم، وصوغ أذهانهم، على الحلل الفاخرة الفائقة، والحلى الرائقة الشائقة. وتتضمن من طرفهم وملحهم لطائف أمتع من بواكير الرياحين والثمار، وأطيب من فوح نسيم الأسحار، بروائح الأنوار والأزهار، ما لم تتضمنه النسخة السائرة الأولى.
والشرط في هذه الأخرى إيراد لب اللب، وحبة القلب، وناظر العين، ونكتة الكلمة، وواسطة العقد، ونقش الفص، مع كلام في الإشارة إلى النظائر والأحاسن والسرقات، وأخذ في طريق الاختصار، ونبذ من أخبار المذكورين، وغرر من فصوص فصول المترسلين، يميل إلى جانب الاقتصار. فإن وقع في خلال ما أكتبه البيت والبيتان - مما ليس من أبيات القصائد، ووسائط القلائد - فلأن الكلام معقود به، والمعنى لا يتم دونه ولأن ما يتقدمه أو يليه مفتقر إليه، أو لأنه شعر ملك أو أمير أو وزير أو رئيس خطير، أو إمام من أهل الأدب والعلم كبير. وإنما ينفق مثل ذلك بالانتساب إلى قائله، لا بكثرة طائله.
وخير الشعر أكرمه رجالاً ... وشر الشعر ما قال العبيد
وإن أخرت متقدماً فعذري فيه أن العرب قد تبدأ بذكر الشيء والمقدم غيره، كما قال الله تعالى: " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " وقال تعالى: " يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين " وكما قال حسان ابن ثابت: وذكر بني هاشم:
بهاليل منهم جعفر وابن أمه ... علي، ومنهم أحمد المتخير
وكما قال الصلتان العبدي:
فملتنا أننا مسلمون ... على دين صديقنا والنبي
وإن قدمت متأخراً فسبيله على ما قال إبراهيم الموصلي لمسرور، وقد تقدمه في المسير: إن تقدمتك كنت مطرقاً لك، وإن تأخرت فلحق الخدمة.
وقال أبو محمد المزني للملك نوح في مثل تلك الحال: إن تقدمت فحاجب، وإن تأخرت فذاك واجب.
ثم إن هذا الكتاب المقرر ينقسم إلى أربعة أقسام: يشتمل كل قسم منها على أبواب وفصول:

القسم الأول: في محاسن أشعار آل حمدان الباطنيين، وشعرائهم، وغيرهم من أهل الشام وما يجاورها ومصر والموصل والمغرب ولمع من أخبارهم.
القسم الثاني:  في محاسن أشعار أهل العراق، وإنشاء الدولة الديلمية الباطنية من طبقات الأفاضل، وما يتعلق بها من أخبارهم ونوادرهم، وفصوص من فصول المترسلين منهم.
القسم الثالث: في محاسن أشعار أهل الجبال وفارس وجرجان وطبرستان وأصفهان من وزراء الدولة الديلمية وكتابها وقضاتها وشعرائها وسائر فضلائها، وما ينضاف إليها من أخبارهم وغرر ألفاظهم.
القسم الرابع: في محاسن أشعار أهل خراسان وما وراء النهر من إنشاء الدولة السامانية والغزنية، والطارئين على الحضرة ببخارى من الآفاق، والمتصرفين على أعمالهم، وما يستطرف من أخبارهم، وخاصة أهل نيسابور والغرباء الطارئين عليها والمقيمين بها.
وفيما لم يقع إلي من جنس هذا الكتاب كثرة، ولعله يزيد على ما حصل لدي، ومن يقدر على حصر الأنفاس وضبط بنات الأفكار؟ وفي الزوايا خبايا، ولا نهاية للخواطر، ولا منقطع لمواد المحاسن، وما على المؤلف إلا جهده، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
القسم الأول
في محاسن أشعار آل حمدان وشعرائهم،وغيرهم من أهل الشام، وما يجاورها من مصر والموصل ولمع من أخبارهم وفيه عشرة أبواب
الباب الأول من القسم الأول
في فضل شعراء الشام على سائر البلدان
وذكر السبب في ذلك
لم يزل شعراء عرب الشام وما يقاربها من شعراء عرب العراق وما يجاورها، في الجاهلية والإسلام، والكلام يطول في ذكر المتقدمين منهم، فأما المحدثون فخذ إليك منهم العتابي. ومنصوراً النمري، والأشجع السلمي ومحمد بن زرعة الدمشقي، وربيعة الرقي. على أن في الطائيين اللذين انتهت إليهما الرئاسة في هذه الصناعة كفاية، وها هما.
ومن مولدي أهل الشام المعوج الرقي، والمريمي، والعباسي المصيصي، وأبو الفتح كشاجم، والصنوبري، وأبو المعتصم الأنطاكي، وهؤلاء رياض الشعر، وحدائق الظرف.
فأما العصريون ففيما أسوقه من غرر أشعارهم أعدل الشهادات على تقدم أقدامهم.

والسبب في تبريز القوم قديماً وحديثاً على من سواهم في الشعر: قربهم من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز، وبعدهم عن بلاد العجم، وسلامة ألسنتهم من الفساد العارض لألسنة لأهل العراق لمجاورة الفرس والنبط، ومداخلتهم إياهم، ولما جمع شعراء العصر من أهل الشام بين فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة، ورزقوا ملوكاً وأمراء من آل حمدان وبني ورقاء هم بقية العرب، والمشغوفون بالأدب، والمشهورون بالمجد والكرم، والجمع بين أدوات السيف والقلم، وما منهم إلا أديب جواد، يحب الشعر وينتقده، ويثيب على الجيد منه فيجزل ويفضل - انبعثت قرائحهم في الإجادة، فقادوا محاسن الكلام بألين زمام، وأحسنوا وأبدعوا ما شاءوا.
وأخبرني جماعة من أصحاب الصاحب أبي القاسم إسماعيل بن عباد أنه كان يعجب بطريقتهم المثلى، التي هي طريقة البحتري في الجزالة والعذوبة. والفصاحة والسلاسة، ويحرص على تحصيل الجديد من أشعارهم، ويستملي الطارئين عليه من تلك البلاد ما يحفظونه من تلك البدائع واللطائف، حتى كسر دفتراً ضخم الحجم عليها، وكان لا يفارق مجلسه، ولا يملأ أحد منه عينه غيره، وصار ما جمعه فيه على طرف لسانه، وفي سن قلمه، فطوراً يحاضر به في مخاطباته ومحاوراته، وتارة يحله أو يورده كما هو في رسائله، فمن ذلك قول القائل:
سلام على تلك المعاهد إنها ... شريعة وردي أو مهب شمالي
ليالي لم نحذر حزون قطيعة ... ولم نمش إلا في سهول وصال
فقد صرت أرضى من سواكن أرضها ... بخلب برق أو بطيف خيال
وقول الآخر:
إذا دنت المنازل زاد شوقي ... ولا سيما إذا بدت الخيام
فلمح العين دون الحي شهر ... ورجع الطرف دون السير عام
وقول الآخر:
فسقى الله بلدة أنت فيها ... كدموعي عند اعتراض الفراق
وأرانيك فالصبا قد ترقت ... يا بروحي إلى أعالي التراقي
وقول الآخر:
ووالله لا فارقت عقدة وده ... ولا حلت ما عمرت عن حفظ عهده
ولا بد أن الدهر كاشف أهله ... ويظهر للمولى موالاة عبده


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16438906
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة