للقراءة والتحميل: الشيخ عثمان الأروادي والعسيليون، د. محمود السيد الدغيم، جريدة الحياة؛ العدد:16258 الصفحة: 21. يوم الثلاثاء 27 من رمضان سنة 1428 هـ/ 9 تشرين الثاني/ أكتوبر سنة 2007م
هنا جميع مجالس رمضان: المقالة في جريدة الحياة: هنا العسيلي

الشيخ عثمان بن أحمد بن عثمان بن علي العسيلي الأروادي والعسيليون
د. محمود السيد الدغيم
***
رابط قراءة وتحميل المقال بجريدة الحياة صيغة بي دي اف
اضغط هنا

**

برنامج إذاعي خاص عن الشيخ العسيلي

اضغط هنا للاستماع والتحميل

**

جزيرة أرواد

اضغط هنا

ينتسب الشيخ العسيلي إلى العسيليين، والعُسَيْلِيّ، وهذه النسبة إلى "عُسيل" وهو بطن من سامة بن لؤي حسبما ذكره أحمد بن الهيثم بن قراش بن محمد بن عمه في "بني سامة بن لؤي"، وهو عُسيل بن عقبة بن صمعة بن عاصم بن مالك بن قيس بن مالك بن حيي بن صبرة بن عتبة بن أبي بن أسعد بن الشطن بن مالك بن لؤي بن الحارث بن سامة بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو الملقب بقريش بن مالك بن النضر، و اسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، و اسمه عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وقال الزبيدي في تاج العروس: "قلتُ عُسيل بن عقبة : بطن من سامة بن لؤي، من العدنانية. منهم بقية ببيت المقدس و الشام وريف مصر (تاج العروس للزبيدي ج 8 ص 19). ومن العسيليين البرهان إبراهيم بن يوسف بن سليمان المناوي المنزل، العسيلي النسب من أصحاب الشيخ محمد الغمري توفي سنة 886هـ/ 1481م، و ولده الشمس محمد بن إبراهيم ولد بمنية سلسيل سنة 856هـ/ 1452م، و تميز بالفضيلة و أُشير إليه بالعلم كما أجازه كل من الشَّادِيُّ والخَيْضَرِيُّ و الدِّيَمِيُّ والسخاوي حيث ذكره في كتابه الضوء اللامع.

ومن العسيليين محمد بن موسى بن علاء الدين العسيلي المقدسي توفى سنة 1031 هـ/ 1622 م) وينتهي نسبه إلى الشيخ عبد الرحمن الصنابحي العسيلي، وقد أخذ العلم والتصوف عن شيوخه في القدس ومصر وغيرهما،
وكان من كبار الفضلاء أصحاب التصانيف، وقد أخذ الفرائض عن الشيخ محمد الدجاني، وأجازه، وأخذ الفقه والحديث عن الشيخ يحيى ابن قاضي الصلت القدسي، والتصوف والعقائد عن الشيخ محمد العلمي، وكان حافظاً لعلمه وقارئ درسه، وأخذ علم المعاني والبيان عن شيخ الإسلام رضى الدين اللطفي والشيخ محمود البيلوني، وقرأ البيضاوي بتمامه على المنلا علي الكردي، وأجازه شيخ الإسلام التمرتاشي الغزي، صاحب التنوير رحمه الله تعالى بما لَهُ من مروياته نظماً. وأرسل له النور الزيادي إجازة من مصر لما سأله عن أسئلة عديدة، وطلب منه الإجازة فأجازه ولم يره، ومن مؤلفاته حاشية على الفاكهي، وقطعة كبيرة على الجلالين، اخترمته المنية قبل إكمالها، ونظم قطر الندى وشرحه، ونظم خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وشرح النظم شرحاً لطيفاً لم يسبق إليه مع زيادات على أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب، وسماه النظم القريب في خصائص الحبيب، وكانت وفاته في سنة إحدى وثلاثين وألف/ 1622م، ودفن بما مَنَّ الله ( ماملا ) من أعمال بيت المقدس، وهنالك الكثير من العلماء العسيليون الآخرون.

وأبرز العلماء العسيلون في جزيرة أرواد السورية هو الشيخ عثمان بن أحمد بن عثمان بن علي العسيلي الأروادي، ولد و نشأ في جزيرة أرواد من ساحل الشام سنة 1276هـ/1860م، وكان إمام أهل السُّنَّة و الجماعة، وهي طائفة جزيرة أرواد الوحيدة .
وكان والده من كبار تجار أرواد في الوقت الذي كانت فيه أرواد هي المركز التجاري لجزء كبير من الساحل السوري و ما ورائه لأنها مجمع السفن .
و كان جده لأبيه من مشايخ الجزيرة و كذلك والد جده أما والدته فمن آل حمود الذين توارثوا العلم الشرعي، وتتالوا على الدراسة في الجامع الأزهر ومن هنا كان اتجاه الشيخ في طريق العلم تأثراً بمسلك أسرتيه الكريمتين .

لقد حفظ العسيلي القرآن الكريم في كتّاب أحد شيوخ جزيرة أرواد، ثم أقبل على مبادئ العربية و العلوم الدينية يتلقاها على أحد أجداده لأمه من آل حمود، ولما بلغ السن التي تساعده على الاغتراب شخص إلى مصر ليلتحق بالأزهر الشريف في مصر، ثم عاد إلى بلده، و مع ثقل التبعات التي كان عليه أن يتحملها بعد وفاة والده الذي ترك له عائلة هو أكبر المسؤولين فيها، ولم يستطع الانصراف عن العلوم الشرعية التي استهوته، واستقطبت مواهبه، فمضى بمتابعتها بنشاط لم تلبث آثاره أن برزت في دروسه وخطبه وعمله في القضاء الشرعي، وكان ذو ثقافة دينية و أدبية و تاريخية واسعة.

قضى الشيخ عثمان أحمد العسيلي معظم عمره المديد في ظل الخلافة الإسلامية العثمانية قبل أن تفاجئ أرواد ببعض قطع الأسطول الفرنسي تفرض عليها سيطرتها سنة 1915م بعد حصار دام أشهر لتتخذ منها قاعدة انطلاق تغير منها على الساحل الذي ظل في قبضة الجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، فكان أن أسست فيها فرنسا دولة دعتها دولة أرواد، و بذلك أتيح للشيخ رحمه الله أن يلمس طلائع التحول الذي طرأ على حياة الناس في سائر البلاد التي كانت من نصيب الفرنسيين تنفيذاً لمؤامرة سايكس بيكو .
ومنذ ذلك الحين أصبحت كل معاملاتها تمهر بخاتم حكومة أرواد، وأصدرت طوابع، وجوازت سفر، وبطاقات شخصية إلى أن ضُمت إلى سوريا بعد اكتمال احتلالها .

و قد أثرت أجواء الجزيرة المحافظة في أخلاق الشيخ عثمان العسيلي، وسائر تصرفاته إذ كان كثير الوقار طويل الأناة لطيف المعشر لا يمنعه خلق الجدِّ من التبسط مع تلاميذه و أصدقاءه إلى الحد المعقول، وربما نظم بعض مزاحه لهؤلاء في أبيات يتسابقون لحفظها .

- عين الفرنسيون الكومندان ( ترابو ) حاكماً عسكرياً لجزيرة أرواد، ففوجئ بِحُسن أدب سكان الجزيرة، و تمسكهم بالشريعة الإسلامية، فقرر استقدام بعض العملاء إلى الجزيرة من الساحل السوري، وأوعز للوافدين بالتهتك والإساءة إلى سكان الجزيرة، فتصدى الشيخ عثمان أحمد العسيلي لقوات الإحتلال، وللطابور الخامس من العملاء المحليين الذين يدّعون التقدمية والثورية بانتهاك الأخلاق التي نعتوها بالرجعية، وكان الشيخ عثمان قاضياً شرعياً في جزيرة أرواد كما كان مستشاراً في المحكمة المدنية، ومع ذلك لم يُصغِ إليه الحاكم العسكري الفرنسي، فرفع شكوى إلى الجنرال ( بيوت) في بور سعيد حيث القيادة الفرنسية للمستعمرات في الشرق الأوسط، ولكن ( ترابو) استعان بالعملاء المنحطين، فرفعوا عريضة طالبوا فيها بتأمين الترفيه والتحلُّل من الأخلاق الإسلامية في جزيرة أرواد، ولما زار الجنرال جزيرة أرواد حاول الحاكم ( ترابو ) الحيلولة بين الشيخ و الجنرال، ولكن الشيخ حضر، ومعه رئيس البلدية، وأخبرهب ما يحاول الحاكم نشره من فساد أخلاقي هو وعملاؤه، فما كان من الجنرال إلا أن قدر الشيخ عثمان العسيلي، ورئيس البلدية، وأصدر أمره إلى الحاكم بصيانة الأخلاق وفق ما يراه الشيخ القاضي عثمان أحمد العسيلي .

ولم يقتصر دور الشيخ على إصلاح الأخلاق، بل حوَّل الجامع الغربي في الجزيرة إلى مدرسة عامة يدرس فيها علوم القرآن الكريم، وعلوم الحديث النبوي الشريف، وعلوم اللغة العربية، و إلى جانب التعليم، فقد ألف العسيلي الرسائل المفيدة في الرد على المبشرين الفرانسيسكان، كما ألف كتباً في قواعد اللغة العربية باعتبارها حصن الأمة المنيع في وجه قوات الإحتلال، ومحاولات الْفَرْنَسَة التي كان يقومُ بها المحتلون .

ولقد كان لرسالته فضائح المبشرين صدى طيباً في سوريا، كما كان من مؤلفات الشيخ رحمه الله رسالة ( المسيح و المرأة الفينيقية ) والعديد من الرسائل التي كانت تنشر على صفحات الجرائد في بيروت وسواها ، ومن كتبه أيضاً كتاب ( بغية المشتاق لتهذيب الأخلاق )
طبع بمطبعة جريدة بيروت ( دون تاريخ ) وذكره يوسف اليان سركيس في كتابه معجم المطبوعات الجزء الثاني الصفحة 1329 والموافق طباعته سنة 1919 م .
وبعد حياة عامرة بالجهاد و العطاء العلمي و الإسلامي رحل شيخ جزيرة أرواد عثمان بن أحمد العسيلي رحمه الله سنة 1369هـ /1950م، وطويت صفحة شيخ مكافح لا يخشى في الله لومة لائم.
*********