للقراءة والتحميل: محمد الخانجي البوشناقي مؤلف مجمع البحار في تاريخ العلماء والأسفار. د. محمود السيد الدغيم، جريدة الحياة؛ العدد:16250. الصفحة: 21. يوم الإثنين 19 من رمضان المبارك سنة 1428 هـ/ 1 تشرين1/ أكتوبر سنة 2007م

**اضغط هنا**

*********

*******

Launch in external player

*****

محمد الخانجي البوشناقي مؤلف ذيل "كشف الظنون " المسمّى "مجمع البحار في تاريخ العلماء والأسفار
د. محمود السيد الدغيم

رابط قراءة المقال في جريدة الحياة

اضغط هنا

*******

ألّف الضابطُ العثمانيّ المعروفُ عند العرب بحاجي خليفة، والمشهور عند العثمانيين والأتراك بكاتب جلبي، وقد بدأ تأليف كتاب كشف الظنون في مدينة حلب الشهباء عاصمة الشمال السوري؛ وذلك سنة 1042هـ/ 1632م، وفرغ من تأليف مسوّدته وبدأ بتبييضه سنة 1062هـ/ 1652م بعد عشرين سنة تقريبا من البحث الدائب في خزائن المخطوطات.

وتابع العلماء مسيرة التأليف في مجال التعريف بالمؤلفات وأصول العلوم وفروعها، فكتبوا لنا الكثير من الذيول على كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" ولعلّ آخر ما استدركه المؤلفون على حاجي خليفة هو كتاب "مجمع البحار في تاريخ العلماء والأسفار" الذي العالم البوسنويُّ محمد الخانجي المعروف عند البوسنويين بمحمد خانجيتش، ويقع هذا الذيل في ثلاثة أجزاء.

لقد ألف محمد الخانجي كتاب "مجمع البحار في تاريخ العلماء والأسفار" سنة 1931م، ومازالت مخطوطته محفوظة في مكتبة الغازي خسروبك في مدينة سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، وخطها واضح مقروء، وهي بانتظار مَن يتصدى لتحقيقها ونشرها، وهذا الذيل ثمرة بحوث في مكتبات البوسنة والهرسك ومصر وغيرها من مكتبات العالم الإسلامي وغير الإسلامي. ومخطوطة الكتاب متوفرة على مصورات الميكروفيلم، وعلى قرص مدمج سي دي.

إن الزائر لمكتبة الغازي خسرو بك في سراييفو يلاحظ وجود ملاحظات كتبها محمد الخانجي على العديد من المخطوطات، وقد صحح نسبة بعض المخطوطات إلى مؤلفيها كما صحح بعض أسماء المخطوطات، وساهم في الفهرسة الأولى للمكتبة التي مازالت تحتفظ بالكثير من آثاره التي تدل على ثقافة إسلامية موسوعية ترفدها معرفة باللغات العثمانية والبوسنوية والعربية.

لقد نشأ محمد الخانجي "خانجيتش" في ظروف عصيبة تعرّضت لها بلاد البوسنة والهرسك، ومع ذلك حقّق تفوُّقاً علميا رائعاً وحصّل الكثير من أنواع العلوم المتاحة في بلاده وفي المهجر.

وكانت ولادة محمد الخانجي في مدينة سراييفو البوسنوية سنة 1324 هـ/ 1906م، ونشأ نشأةً إسلامية صافية محافظة حيث كانت الإدارةُ العثمانية مستمرةً في بلاد البوسنة والهرسك رغم الاحتلال العسكري "النمساوي – المجري" الذي كُرِّسَ بموجب معاهدة برلين التآمرية التي وُقِّعتْ في 13 رجب 1295 هـ/ 13 تموز/ يوليو 1878م، ثم ضُمَّتْ البوسنة والهرسك إلى "إمبراطورية النمسا والمجر" في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1326 هـ/ 1908م، ثم استمرّ الاحتلال "النمساوي – المجري/ الهنغاري" حتى سنة 1336 هـ/ 1918م.

وبعد انكفاء الاحتلال "النمساوي – المجري" انتقلت البوسنة والهرسك من يدٍ استعمارية إلى يدٍ إستعمارية أشرس وأكثر إيذاءً، فقد ألحقت البوسنة والهرسك "بمملكة الصرب والكروات والسلوفينيين" ثُمّ تَمّ تغيير التقسيمات الإدارية سنة 1347 – 1348 هـ/ 1929م لإضعاف لبوسنة والهرسك وذلك بتقسيم سواحلها الجنوبية بين الصرب والكروات، وسلخ إقليم سنجق نوفي بازار وإلحاقه بصربيا.

ولم يكفِ الْمُحتلون بالنهب الاقتصادي ومصادرة الأراضي، بل امتدَّ إيذاؤهم إلى الكيان الثقافي للأمة البوشناقية، فبعد احتلال "مملكة الصرب والكروات والسلوفين" للبوسنة والهرسك المسلمة تَمَّ استبدال الحروف "البوسنوية – العربية" بالحروف "السيرلية – السلافية" وفُرضت هذه الجريمة بالقوّة سنة 1348 – 1349 هـ/ 1930م، واستولت المملكة اليوغوسلافية على جميع المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية الإسلامية.

وفي سنة 1360 هـ/ 1941م اجتاحت البوسنة والهرسك قوات دول المحور الألمانية والهنغارية والإيطالية والبلغارية، فهرب الملك بطرس الثاني، وفي سنة 1364 هـ/ 1945م صار جوزيب بروز تيتو رئيسا لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الشعبية ذات التوجهات الشيوعية المعادية للإسلام والمسلمين. (للمزيد من التفصيل؛ انظر جريدة كتاب البوسنة والهرسك؛ منشورات مكتبة السنة بمصر؛ ص: 27- 48، وجريدة الحياة العدد: 10858، الأحد:1/11/ 1992م، والعدد: 10868، الأربعاء: 11/11/ 1992م).

وُلد العالم البوسنوي محمد الخانجي "خانجيتش" في ظلِّ تلك الظروف الاستثنائية القاسية في مدينة سراييفو البوسنوية سنة 1324 هـ/ 1906م، وكانت وفاته بالمستشفى في 7 شعبان 1363 هـ/ 29 تموز/ يوليو 1944م، وذلك بعد عملية استئصال الزائدة الدودية مما يثير الشبهات والتساؤلات عن السبب الحقيقي للوفاة التي كانت بمثابة اغتيال لعالم بوسنوي نشيط حريص على حرية واستقلال بلاده.

بدأ محمد الخانجي "خانجيتش" مسيرته العلمية في سِنٍّ مبكّرة، فالتحق منذ نعومة أظفاره بالكُتّاب، وقرأ القرآن الكريم ومُتون المؤلفات الأدبية والعلمية واللغوية، ثم درس حسب المناهج الإسلامية العثمانية في مدرسة الغازي خسروبك في سراييفو، ونهل من مخطوطات ومطبوعات مكتبة الغازي خسروبك الكثير من العلوم الشرعية الإسلامية، وعلوم اللغة العربية.

وبعدما أنهى محمد الخانجي تحصيله في مدارس البوسنة والهرسك، وأتقن اللغة البوشناقية واللغة العربية واللغة العثمانية التركية واللغة الفارسية؛ التحق بجامعة الأزهر في مصر سنة1344 هـ/ 1926م فتابع تحصيل العلوم الدينية والدنيوية، وتخرّج سنة 1349 هـ/ 1930م، وبدأ نشرَ كتاباته عندما بلغ سِنَّ الثانية والعشرين أثناء الدرسة قبل التخرُّج وذلك منذ سنة 1347 هـ/ 1928م، فقد نشرتْ له مجلة نوفي بهار البوسنوية بحثاً حول الأصول السلافية لجوهر الصقلي مؤسس مدينة القاهرة عاصمة مصر.

وبعدما تخرج من الأزهر عاد إلى سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، فعمِل بالتدريس في كلية الغازي خسروبك، وقد درّس الموادّ الخاصة بدراسات اللغة العربية، وعلوم القرآن الكريم، وأصول وفروع الحديث النبوي الشريف، والفقه وأصول الفقه الإسلامي، وتاريخ الإسلام والمسلمين، وبعد تدريس تسع سنوات تقريبا في كلية الغازي خسروبك انتقل محمد الخانجي للتدريس في المعهد العالي للدراسات الإسلامية أثناء العام الدراسي 1358 – 1359 هـ/ 1939 – 1940م، وأنيطَ به تدريس مواد تفسير القرآن الكريم وأصول الفقه الإسلامي.

ولم تتوقف أنشطة الشيخ محمد الخانجي عند حدود الدراسة والتدريس بل كان يتفاعل مع معاناة مواطنيه المسلمين في البوسنة والهرسك الذي تعرضوا للتصفيات الجسدية والإبادة الجماعية وتزييف الهوية الدينية والقومية، ولا سيما بعد إسقاط السلطنة العثمانية وإلغاء الخلافة الإسلامية، وتحوُّل المسلمين إلى أيتام لا نصير لهم ينافح عنهم وعن عقيدتهم في المحافل الإقليمية والدولية.

بقيت البوسنة والهرسك بكامل أراضيها ولايةً عثمانية منذ سنة 1528م حتى سنة 1878م، وبعد رحيل القوات العثمانية حقق البوسنويون بعض المكاسب بموجب قانون سنة 1906م الذي أتاح للمسلمي البوسنة والهرسك قيام إدارة ذاتية للشؤون الدينية الإسلامية أطلق عليها اسم "وقف المعارف" الذي ترأّسَه رئيس العلماء البوشناقي التابع للمشيخة الإسلامية العثمانية في أسطنبول التي ألغيت مع قيام الجمهورية التركية العلمانية.

ولما أقرّ النمساويون دستور سنة 1910م سمح لمسلمي البوسنة والهرسك بالحقوق المدنية الشرعية الإسلامية من زواج وطلاق وميراث وممارسة الشعائر الدينية، ثم انتخب مسلمو البوسنة والهرسك وباقي أقاليم المملكة الصربية الكرواتية شيخ الإسلام بعد إلغاء ذلك المنصب في تركيا، واستمرّ حتى قام المملكة اليوغوسلافية الأكثر ديكتاتورية وشوفينية وشمولية سنة 1930م، فألغت قوانين الحكم الذاتي لإدارة الشؤون الإسلامية وشؤون الوقف والمعارف، وصار جمال الدين جاويشوفيتش أول رئيس للعلماء سنة 1930م.

وقد أصدر المسلمون العديد من المجلات مثل المجلة الإسلامية "بهار 1900- 1911م" ومجلة "الطارق 1908 -1910م" ومجلة "المعلم 1910 – 1913م" ومجلة "المصباح 1912 – 1913م" وطبعت تلك المجلات باللغة البوشناقية والحروف العربية. وتشكلت في البوسنة والهرسك جمعيات مدنية للمسلمين ومنها جمعية الهداية التي أصدرت مجلة "الهداية" التي كان محمد الخانجي أحد أنشط قياداتها وكتابها المتنورين. وأثناء حياة محمد الخانجي تعرض المسلمون للإرهاب الصربي الذي تصدرته عصابات "جيتنيك" والإرهاب الكرواتي الذي تصدرته عصابات "أوستاش" ولاسيما أثناء الحرب العالمية الثانية من سنة 1939 حتى 1945م.

هكذا ولد وعاش محمد الخانجي في ظل ظروف قاهرة تعرضت لها بلاده في البوسنة والهرسك، ومع ذلك فقد خلف لنا الكثير من المؤلفات في شتى أنواع العلوم الدينية والدنيوية، وبعد وفاته نال وفاء علماء البوسنة الذين أصدروا "أعمال المختارة" في سراييفو سنة 1999م، وتقع في ست مجلدات تضم بحوثه وكتبه التي نشرت في حياته، وبعد مماته، بإشراف كل من أسعد دراكوفيتش وأنس كاريتش اللذين أزالا مايحيط من غموض بشخصية محمد الخانجي.

ومن كتب محمد الخانجي التي نشرت باللغة العربية كتاب "الجوهر الأسنى في تراجم علماء وشعراء بوسنة" الذي نشرته  مكتبة المعاهد الدينية في القاهرة سنة 1349هـ/1930م. ثم صدرت منه طبعة ثانية غير منقحة وغير محقّقة في القاهرة 1992م، رغم ادعاء الناشر أنها بتحقيق د. عبد الفتاح الحلو، ثم صدرت طبعة تجارية أخرى من هذا الكتاب عن دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1993م، وادت الناشر أنها بتحقيق سيد كسروي حسن الذي لم يضفْ شيئا جديدا شأنه في ذلك شأنه سلفه الحلو، ومثل هذا كثير في المنشورات التراثية التي تنشر نشرا تجاريا لكسب المال بكافة الوسائل.

وهنالك كتب ألفها محمد الخانجي مازالت محفوظة في مكتبة الغازي خسروبك في سراييفو وقد لاحظت ذلك حينما حررت فهارسها من المجلد الرابع حتى المجلد الثامن والطبعة المكررة من المجلد الأول، ومن مؤلفاته : "رحلة إلى مصر"، و "رسالة الحق الصحيح في اتباع نزول سيدنا المسيح" و"شرح تيسير الوصول إلى جامع الأصول" الذي ألفه ابن الأثير الجزري، و"تفسير آيات الأحكام في سورة النساء" و"محاضرات في أصول الفقه" أما بحوثه المنشورة فقد شملت معظم العلوم الإسلامية  من علوم القرآن الكريم إلى علوم السنة النبوية المطهرة، إلى الفقه الإسلامي وأصوله؛ وأصول الدين، وتاريخ الإسلام والمسلمين وآدابهم ومساهماتهم الحضارية في أراضي الوطن العربي والعالم ولاسيما في منطقة البلقان الكبير والمناطق التي فتحتها الخلافة الإسلامية العثمانية. وكانت للخانجي مساهمات بالتعريف بالمخطوطات، ومن ذلك بحثه المنشور سنة 1933م حول نوادر المخطوطات في مكتبة "قره كوز" في مدينة موستار حيث يعرض ستّ مخطوطات بخطوط مؤلفيها البوشناقيين، وست مخطوطات منسوخة لمؤلفين بوشناقيين، ومخطوطين من أسقفية الفرانسيسكان في الهرسك، ومخطوط في مقتطفات طبية.

تجدر الإشارة إلى أنّ مكتبة الراحل محمد الخانجي مازالت محفوظة في مكتبة الغازي خسروبك في مدينة سراييفو حيث نُقلتْ إليها كما نُقلت إليها مكتبة "قره كوز"، ومكتبة عثمان صوقلوفيتش، ومكتبة إلجي، وغير ذلك من مكتبات البوسنة والهرسك التي تَمَّتْ فهرسةُ مخطوطاتها في فهرس عام، وبدأتْ أعمالُ فهرسة وثائقها، كما صُوّرَ أكثرُ المخطوطات على الميكروفيلم، وتستمرّ أعمال تصويرها وتصوير الوثائق الهامة على الأقراص المدمجة سي دي، وذلك بدعمٍ مالي أساسي من حكومة ماليزيا وغيرها، وجهود بوشناقية برعاية رئيس العلماء مصطفى تسيرتش، وإشراف مدير المكتبة مصطفى يحيتش