المعمار الإسلامي العثماني في الدور التمهيدي والدور التأسيسي -1
جريدة الحياة؛ يوم الجمعة الثاني من شهر رمضان المبارك 1428هـ/ 14 أيلول/ سبتمبر 2007م. العدد:16233. الصفحة: 21 . د. محمود السيد الدغيم
*اضغط هنا*

****

إن العِمارة الإسلامية في منطقة البلقان الواقعة في أوربة الشرقية هي امتدادٌ للعمارة الإسلامية العثمانية، والعمارة العثمانية هي حلقة هامة من حلقات العمارة الإسلامية بشكل عام، وقد نشأت العِمارة الإسلامية ـ زمنياً ـ مع الهجرة النبوية وبناء المسجد النبوي في المدينة المُنورة، وتمتد حتى العصر الراهن، وسوف تستمر في المستقبل مع استمرار وجود الأمة الإسلامية، كما إن للعِمارة الإسلامية امتداداً جغرافياً واسعاً يمتد من بلاد الملايووالبنغال وتايلاند والفلبين شرقاً إلى الأندلس غرباً وهذا الامتداد قديمٌ.
أما في العصر الراهن فتنتشر المُنشآت الإسلامية في شتى أنحاء المعمورة، ولكن وجودَ بعض المُنشآت لا يُعطي المدينة هوية المدينة الإسلامية لأن المدينة الإسلامية تُعبِّرُ عن الشخصية الإسلامية المُميزة في عاداتها وذوقها وثقافتها، وقد بدأ نشوء المُدن الإسلامية ببناء المسجد؛ وما يحيط به من مساكن ومُنشآتٍ كالقلعة وسبيل الماء، والحمام، والقناطرِ، والجسور، والمدارس، والبيمارستانات، والخانات، والأسواق، ومثلما امتازت المدينة الإسلامية بأنواعِ المباني فقد امتازت كُلُّ نوع من الأبنية بميزاتٍ خاصة، فمن ميزات الجامع وجود الأبواب الخارجية والداخلية، والسور الخارجي والداخلي، والصحن، والأروقة، والمِزولة، والمَيضَأة، والحرم، والمآذن، والمنبر، والمحراب، وكراسي الوعظ، ومحفل المُؤذنين، ومُصلى النساء، والزخارف التي تزين الأبواب والجدران والسقوف.
إن المدينة الإسلامية أصبحت مُميزة المعالم، واضحة الهوية بعد الهجرية النبوية، ثم تكاملت في عهود الخلفاء الراشدين الأربعة أمراء المؤمنين أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين وعلي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وازدهرت العمارة الإسلامية في عهود الخلفاء الأمويين حيث استفاد البناؤون المسلمون من التطور العمراني الرومي البيزنطي، وتجلى ذلك المزج بين الفنّ المعماري الإسلامي والفن المعماري البيزنطي في الجامع الأموي بمدينة دمشق، والجامع الأموي بمدينة حلب، وقبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس، ثم تطورت الفنون المعمارية الإسلامية في عهود الخلفاء العباسيين حيثُ انتشرت المدارس النظامية التي شيدها الوزيرُ نظام المُلك السلجوقي، ثم شُيدت المدرسة المُستنصرية في بغداد في بداية القرن السابع الهجري ـ الثالث عشر الميلادي ـ فبلغت بغدادُ آنذاك درجة رفيعةَ مُعبرة عن محتويات العاصمة الإسلامية التي استفادت من المؤثرات المعمارية البيزنطية والساسانية والسلجوقية والهندية، ولكن تآمُر الوزير ابن العلقمي مع التتار أدخل هولاكو إلى بغداد بصحبته نصيرُ الدين الطوسي  سنة 656 هـ / 1258م فانتشر الخراب محل العمار، وطويت صفحة التطور الحضاري والعيش المشترك في بغداد.
 وبعد ذلك انتقلت عاصمة الخلافة العباسية إلى القاهرة التي أصبحت رمز العاصمة الإسلامية، وحاضنة الخلافة العباسية واستمرت على تلك الحالة حتى فتحها السلطان سليم الأول ونقل عاصمة الخلافة الإسلامية إلى مدينة اسطنبول سنة 923 هـ / 1517م، فتطور فنُ العمارة الإسلامية العثمانية حيثُ جمعَ بين فنون العِمارة الإفريقية والآسيوية والأوربية، وتطورت العِمارة الإسلامية العثمانية بشكل مُتلازمٍ مع تطور الدولة العثمانية واتسع نطاقها مع اتساعِ رقعة الدولة العثمانية.

وقد قسَّم العلماء تاريخ العِمارة الإسلامية العثمانية إلى سبعة أدوارٍ واضحة المعالم أعقبت الدور التمهيدي، أما الدور التمهيدي فيعُم الفترة الزمنية السابقة على أيام السلطان أورخان الذي تسلطن سنة 726 هـ / 1325 م / ويشملُ الدور التمهيدي المُنشآت التي أنشأها الأمير أرطغرل بن سليمان شاه المولود سنةَ 587 هـ / 1289م، والذي بدأ تأسيس إمارته سنة 629 هـ / 1231 م، واستمر في توسيعها وتطويرها حتى وفاته سنة 680 هـ / 1281م، م، وأبرز الآثار المعمارية في عهد أرطغرل هو جامع أرطغرل في  بلدة سوغوت التركية.

ففي زمن أرطغرل امتدت رقعة الإمارة العثمانية بالفتوحات من مدينة (اسكيشهر) إلى (كوتاهيا) وصارت مساحة الإمارة حوالي ألفين كيلومتر مُربع سنة 630 هـ /1232م، وبعد وفاته تلاه في حكم الإمارة عثمان الأول المولود سنة 656 هـ / 1258م، والذي حَكَمَ الإمارة العثمانية كأميرٍ ثم بيك، ثم أصبح سلطانا بمبايعة السلاجقة سنة 699 هـ/ 1299م بعدما أسقط غازان الإيلخاني المغولي مملكة سلاجقة الأناضول في مدينة قونيا، واستمرت سلطنة عثمان الأول حتى سنة سنة 726 هـ/ 1326م، واتخذ من المدينة الجديدة "يني شِهر" عاصمة للسلطنة العثمانية، وتطورت العِمارة الإسلامية العثمانية في يني شهر؛ ثم مرَّت بعدة أدوار فشكل عهد أرطغرل وخليفته عثمان الأول مرحلة الدور المعماري العثماني التمهيدي الذي استمرّ حتى نهاية عهد عثمان الأول، وأبرز ما في هذا الدور من آثارٍ معمارية هو جامع الشاويش صمصام في قرية قُنبز.
 
وبعد وفاة السلطان عثمان الأول خلفه ولده السلطان أورخان، فبدأ دور معماري جديد، فتطورت العِمارة الإسلامية العثمانية حيثُ فُتِحتْ مدينة بورصة عشية وفاة السلطان عثمان الأول، فاتخذها السلطان أورخان عاصمةً للدولة العُثمانية بعد العاصمة الأولى في مدينة يني شِهر، ثم فتح السلطان أورخان مدينة إزنيك المُسماة نيقيا "المقدسة عند الروم"، واستطاع السيطرة على سواحل البحر الأسود وبحر مرمرة، ومع امتداد السلطنة العثمانية إلى المُدن المفتوحة اتسع نطاق العمارة الإسلامية، وازدهرت فنونها، وأصبحت مدينة بورصة نموذجاً رائعاً للمدينة الإسلامية بكل مكوناتها المتطورة، وقد حذتْ حذو مدينة قونيا عاصمة السلاجقة في الأناضول، وبعدما حقَّقَ السلطان أورخان رحمه الله انتصاراته في أسيا قرَّرَ التوجُّه غرباً نحو أوربا لمتابعة الفتوحات، ونشر الحضارة الإسلامية بكل ما فيها من حسنات تحقّق المصالح الإنسانية وتدفع المفاسد، وحقّق آماله بفتح مدن الضفة الغربية لمضيق الدردنيل الذي يصل بين بحر مرمرة شمالاً وبحر إيجة جنوباً.
****
نشر في جريدة الحياة في الثاني من شهر رمضان سنة 1428 هـ
 المبارك / 14 أيلول/ سبتمبر 2007
 للوصول إلى المقال في موقع جريدة الحياة الصفحة: 21
اضغط هنا
الجريدة ملف بي دي اف

icon Ramadan-2.pdf (233.88 KB)

***

Launch in external player

thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16438887
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة