برنامج الشعر والغناء، الحلقة: الحادية عشرة، وهي حول الشعر المغنى للشاعر أبي فراس الحمداني
Dr. Mahmoud EL-Saied EL- Doghim, إعداد وتقديم: د.  محمود السيد الدغيم

Launch in external player

برنامج الشعر والغناء
إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم

هذه الحلقة حول الشعر المغني المغنى للشاعر الباطني أبي فراس الحمداني ، وهذه الحلقة هي الحلقة : 11 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 42 دقيقة
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 15/11/ 1997م، وأعيد بثها أكثر من مرة

وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات

**
رابط استماع وتحميل البرنامج
اضغط icon Firas-Abu.ram (9.79 MB)   هنا
**


إذا لم تسمعوا الصوت فهذا يعني أن ليس لديكم برنامج ريل بلير، ومع ذلك يمكنكم الاستماع بتشغيل الملف التالي "فلاش"

بالضغط على السهم الأبيض وسط المربع الأسود

***

أبو فِراس الحَمَداني
320 - 357 هـ / 932 - 967 م
الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي، أبو فراس.
شاعر أمير، فارس، ابن عم سيف الدولة. له وقائع كثيرة، قاتل بها بين يدي سيف الدولة، وكان سيف الدولة يحبه ويجله ويستصحبه في غزواته ويقدمه على سائر قومه، وقلده منبج وحران وأعمالها، فكان يسكن بمنبج ويتنقل في بلاد الشام.
جرح في معركة مع الروم، فأسروه وبقي في القسطنطينية أعواماً، ثم فداه سيف الدولة بأموال عظيمة.
قال الذهبي: كانت له منبج، وتملك حمص وسار ليتملك حلب فقتل في تدمر، وقال ابن خلّكان: مات قتيلاً في صدد (على مقربة من حمص)، قتله رجال خاله سعد الدولة.
*********

أبو فراس الحمداني شاعرباطني متشيع كبني حمدان؛  واسمه الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، وأبو فراس كنيته، وُلد في الموصل 320 هـ، وقُتل في 357 هـ في موقعة بينه وبين ابن أخته أبو المعالي بن سيف الدولة ، نشأ في كنف ابن عمه وزوج أخته سيف الدولة الحمداني بعد أن قتل ناصر الدولة أباه سعيد بن حمدان، فنشأ عنده كريماً عزيزاً، وولاه منبج من أعمال الشام كما صحبه في حربه ضد الروم. اغتيل والده وهو في الثالثة من عمره على يد ابن أخيه جرّاء طموحه السياسي، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس.

استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب.وتعلم الأدب والفروسية، ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم. وقع مرتين في أسر الروم. وطال به الأسر وهو أمير ، فكاتب ابن عمه سيف الدولة ليفتديه، لكنّ سيف الدولة تباطأ وظلّ يهمله. كانت مدة الأسر الأولى سبع سنين وأشهراً على الأرجح. وقد استطاع النجاة بأن فرّ من سجنه في خرشنة، وهي حصن على الفرات. أما الأسر الثاني فكان سنة 962 م. وقد حمله الروم إلى القسطنطينية، فكاتب سيف الدولة وحاول استعطافه وحثّه على افتدائه، وراسل الخصوم . وفي سنة (966) م تم تحريره. وفي سجنه نظم الروميات، وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه.

علم سيف الدولة أن أبا فراس فارس طموح، فخاف على ملكه منه، ولهذا أراد أن يحطّ من قدره وان يكسر شوكته ويخذله ويذلّه بإبقائه أطول فترة ممكنة في الأسر. ولهذا قام بمساواته مع باقي الأسرى، رغم انه ابن عمه، وله صولات وجولات في الكرم والدفاع عن حدود الدولة وخدمة سيف الدولة الحمداني.

سقوط الفارس في ساحة الميدان
بعد سنة من افتداء الشاعر، توفي سيف الدولة (967) م وخلفه ابنه أبو المعالي سعد الدولة، وهو ابن أخت الشاعر. وكان أبو المعالي صغير السن فجعل غلامه التركي فرعويه وصياً عليه. وعندها عزم أبو فراس الحمداني على الاستيلاء على حمص، فوجّه إليه أبو المعالي مولاه فرعويه، فسقط الشاعر في أوّل اشتباك في الرابع من نيسان سنة 968 م وهو في السادسة والثلاثين من عمره. وهكذا نجد أنّ رأي سيف الدولة الحمداني فيه كان صادقاً وفي محله. فقد كان أبو فراس الحمداني طموحاً الأمر الذي جرّ عليه الويلات.

أشعاره :
قال الصاحب بن عباد: بُدء الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرأ القيس وأبو فراس.

يقول:
لم أعدُ فـيـه مفاخري  ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ  ولا المجونِ ولا اللعبْ

هو صاحب البيت الشهير:
الشعر ديوان العرب  أبداً وعنوان الأدب

وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:
أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
 أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
نعم أنا مشتاق وعنـديَ لوعةٌ
 ولكنّ مثلي لا يُذاع له سـرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى
 وأذللتُ دمعاً من خلائقهِ الكِبْرُ

ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:
لولا العجوز بـمنبجٍ  ما خفت أسباب المنيّـهْ
ولكان لي عمّا سألت  من فدا نفـس أبــيّهْ

وفي قصيدة أخرى إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر، يقول:
مصابي جليل والعزاء جميلُ 
وظني بأنّ الله سوف يديلُ
جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ 
أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُ

وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:
بمن يثق الإنسان فـيمـا نواه؟
 ومن أين للحرّ الكريم صحاب؟

وقبل وفاته رثى نفسه بأبيات مشهورة موجهة إلى ابنته.
أبنيّتـي لا تـحزنـي  كل الأنام إلى ذهـــابْ
أبنيّتـي صبراً جـميلاً  للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ  من خلفِ ستركِ والحجابْ
قولـي إذا ناديتنـي  وعييتُ عـن ردِّ الجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ  لم يمتَّعْ بالشبــــابْ
******************

***
نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ:

أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ
أيا جارتا هلْ باتًَ حالكَ حالي ؟
معاذَ الهوى ! ماذقتُ طارقة َ النوى
وَلا خَطَرَتْ مِنكِ الهُمُومُ ببالِ
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ
على غصنٍ نائي المسافة ِ عالِ ؟
أيا جارتا ، ما أنصفَ الدهرُ بيننا
تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي!
تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحاً لَدَيّ ضَعِيفَة ً
تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَالي
أيَضْحَكُ مأسُورٌ، وَتَبكي طَلِيقَة ٌ
ويسكتُ محزونٌ ، ويندبُ سالِ ؟
لقد كنتُ أولى منكِ بالدمعِ مقلة ً؛
وَلَكِنّ دَمْعي في الحَوَادِثِ غَالِ
****
أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُـكَ   الصَّبْـرُ
 أما لِلْهَوى نَهْـيٌ عليـكَ و لا   أمْـرُ؟

بَلى، أنـا مُشْتـاقٌ وعنـديَ    لَوْعَـةٌ
 ولكـنَّ مِثْلـي لا يُـذاعُ لـهُ  سِـرُّ!

إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ    الهـوى
وأذْلَلْتُ دمْعـاً مـن خَلائقِـهِ   الكِبْـرُ

تَكادُ تُضِيْءُ النـارُ بيـن    جَوانِحـي
 إذا هـي أذْكَتْهـا الصَّبابَـةُ   والفِكْـرُ

مُعَلِّلَتي بالوَصْـلِ، والمَـوتُ    دونَـهُ
إذا مِتُّ ظَمْآنـاً فـلا نَـزَلَ   القَطْـرُ!

حَفِظْـتُ وَضَيَّعْـتِ المَـوَدَّةَ بيْنـنـا 

 وأحْسَنُ من بعضِ الوَفاءِ لكِ    العُـذْرُ

ومـا هـذه الأيـامُ إلاّ    صَحـائـفٌ 

 لأحْرُفِهـا مـن كَـفِّ كاتِبِهـا بِشْـرُ

بِنَفْسي من الغادينَ في الحـيِّ    غـادَةً 

 هَوايَ لهـا ذنْـبٌ، وبَهْجَتُهـا   عُـذْرُ

تَروغُ إلى الواشيـنَ فـيَّ، وإنَّ   لـي 

 لأُذْناً بهـا عـن كـلِّ واشِيَـةٍ   وَقْـرُ

بَدَوْتُ، وأهلـي حاضِـرونَ،   لأنّنـي 

 أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها،    قَفْـرُ

وحارَبْتُ قَوْمي في هـواكِ،    وإنَّهُـمْ 

 وإيّايَ، لو لا حُبُّـكِ المـاءُ   والخَمْـرُ

فإنْ يكُ ما قال الوُشـاةُ ولـمْ    يَكُـنْ 

 فقدْ يَهْدِمُ الإيمـانُ مـا شَيَّـدَ   الكفـرُ

وَفَيْتُ، وفي بعـض الوَفـاءِ  مَذَلَّـةٌ،

لإنسانَةٍ في الحَـيِّ شيمَتُهـا    الغَـدْر

وَقورٌ، ورَيْعـانُ الصِّبـا  يَسْتَفِزُّهـا،

فَتَـأْرَنُ، أحْيانـاً كمـا، أَرِنَ   المُهْـرُ

تُسائلُني مـن أنـتَ؟ وهـي   عَليمَـةٌ 

 وهل بِفَتىً مِثْلي علـى حالِـهِ   نُكْـرُ؟

فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لهـا   الهـوى: 

 قَتيلُـكِ! قالـت: أيُّهـمْ؟ فَهُـمْ   كُثْـرُ

فقلتُ لها: لـو شَئْـتِ لـم   تَتَعَنَّتـي، 

 ولم تَسْألي عَنّي وعندكِ بـي    خُبْـرُ!

فقالتْ: لقد أَزْرى بكَ الدَّهْـرُ    بَعدنـا 

 فقلتُ: معاذَ اللهِ بل أنـتِ لا    الدّهـر

وما كان لِلأحْزان، ِ لـولاكِ،   مَسْلَـكٌ 

 إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلـى   جِسْـر

وتَهْلِكُ بين الهَـزْلِ والجِـدِّ    مُهْجَـةٌ 

 إذا ما عَداها البَيْـنُ عَذَّبهـا   الهَجْـرُ

فأيْقَنْتُ أن لا عِـزَّ بَعْـدي  لِعاشِـقٍ، 

 و أنّ يَدي ممّـا عَلِقْـتُ بـهِ   صِفْـرُ

وقلَّبْتُ أَمـري لا أرى لـيَ   راحَـة،ً 

 إذا البَيْنُ أنْساني ألَـحَّ بـيَ    الهَجْـرُ

فَعُدْتُ إلى حُكـم الزّمـانِ    وحُكمِهـا 

 لها الذّنْبُ لا تُجْزى بهِ ولـيَ   العُـذْرُ

كَأَنِّـي أُنـادي دونَ مَيْثـاءَ   ظَبْـيَـةً 

 على شَرَفٍ ظَمْيـاءَ جَلَّلَهـا    الذُّعْـرُ

تَجَفَّـلُ حينـاً، ثُـمّ تَرْنـو   كأنّـهـا 

 تُنادي طَلاًّ بالوادِ أعْجَـزَهُ    الحَُضْـرُ

فـلا تُنْكِرينـي، يابْنَـةَ العَـمِّ،   إنّـهُ 

 لَيَعْرِفُ من أنْكَرْتهِ البَـدْوُ   والحَضْـرُ

ولا تُنْكِرينـي، إنّنـي غيـرُ   مُنْكَـرٍ 

 إذا زَلَّتِ الأقْدامُ، واسْتُنْـزِلَ   النّصْـرُ

وإنّـي لَـجَـرّارٌ لِـكُـلِّ    كَتيـبَـةٍ 

 مُعَـوَّدَةٍ أن لا يُخِـلَّ بهـا    النَّصـر

وإنّـي لَـنَـزَّالٌ بِـكـلِّ   مَخـوفَـةٍ

 كَثيرٍ إلـى نُزَّالِهـا النَّظَـرُ   الشَّـزْرُ

فَأَظْمَأُ حتى تَرْتَـوي البيـضُ والقَنـا 

 وأَسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذِّئْـبُ    والنَّسْـرُ

ولا أًصْبَحُ الحَـيَّ الخُلُـوفَ    بغـارَةٍ 

 و لا الجَيْشَ ما لم تأْتِهِ قَبْلِـيَ   النُّـذْرُ

ويا رُبَّ دارٍ، لـم تَخَفْنـي،    مَنيعَـةً 

 طَلَعْتُ عليها بالرَّدى، أنـا    والفَجْـر

وحَـيٍّ رَدَدْتُ الخَيْـلَ حتّـى   مَلَكْتُـهُ

هَزيماً ورَدَّتْنـي البَراقِـعُ    والخُمْـرُ

وساحِبَـةِ الأذْيـالِ نَحْـوي،   لَقيتُهـا 

 فلَم يَلْقَهـا جافـي اللِّقـاءِ ولا   وَعْـرُ

وَهَبْتُ لها مـا حـازَهُ الجَيْـشُ كُلَّـهُ 

 ورُحْتُ ولم يُكْشَـفْ لأبْياتِهـا   سِتْـر

ولا راحَ يُطْغينـي بأثوابِـهِ    الغِنـى

ولا باتَ يَثْنيني عـن الكَـرَمِ   الفَقْـرُ

وما حاجَتي بالمـالِ أَبْغـي    وُفـورَهُ 

 إذا لم أَفِرْ عِرْضي فلا وَفَـرَ    الوَفْـرُ

أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى، 

 ولا فَرَسي مُهْـرٌ، ولا رَبُّـهُ    غُمْـرُ

ولكنْ إذا حُمَّ القَضـاءُ علـى   امـرئٍ

 فليْـسَ لَـهُ بَـرٌّ يَقيـهِ، ولا بَـحْـرُ

وقال أُصَيْحابي: الفِرارُ أو    الـرَّدى؟ 

 فقلتُ:همـا أمـرانِ، أحْلاهُمـا   مُـرُّ

ولكنّنـي أَمْضـي لِمـا لا   يَعيبُنـي، 

 وحَسْبُكَ من أَمْرَينِ خَيرُهمـا   الأَسْـر

يَقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَـةَ  بالـرَّدى 

 فقُلْتُ: أما و اللهِ، مـا نالنـي   خُسْـرُ

وهلْ يَتَجافى عَنّـيَ المَـوْتُ  ساعَـةً 

 إذا ما تَجافى عَنّيَ الأسْـرُ   والضُّـرُّ؟

هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ    ذِكْـرُهُ 

 فلم يَمُتِ الإنسانُ مـا حَيِـيَ    الذِّكْـرُ

ولا خَيْرَ فـي دَفْـعِ الـرَّدى   بِمَذَلَّـةٍ 

 كما رَدَّها، يومـاً، بِسَوْءَتِـهِ   عَمْـرُو

يَمُنُّـونَ أن خَلُّـوا ثِيابـي،   وإنّـمـا 

 علـيَّ ثِيـابٌ، مـن دِمائِهِـمُ   حُمْـرُ

وقائِمُ سَيْـفٍ فيهِـمُ انْـدَقَّ    نَصْلُـهُ، 

 وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُـمُ حُطِّـمَ   الصَّـدْرُ

سَيَذْكُرُنـي قومـي إذا جَـدَّ   جِدُّهُـمْ،

وفي اللّيلـةِ الظَّلْمـاءِ يُفْتَقَـدُ   البَـدْرُ

فإنْ عِشْتُ فالطِّعْـنُ الـذي يَعْرِفونَـهُ 

 وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ    الشُّقْـرُ

وإنْ مُـتُّ فالإنْسـانُ لابُـدَّ   مَـيِّـتٌ 

 وإنْ طالَتِ الأيـامُ، وانْفَسَـحَ   العُمْـرُ

ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفـوا بـهِ 

 وما كان يَغْلو التِّبْرُ لو نَفَـقَ الصُّفْـرُ

ونَحْـنُ أُنـاسٌ، لا تَوَسُّـطَ  عندنـا، 

 لنا الصَّدْرُ دونَ العالميـنَ أو    القَبْـرُ

تَهونُ علينـا فـي المعالـي نُفوسُنـا 

 ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها    المَهْـرُ

أعَزُّ بَني الدُّنيا وأعْلـى ذَوي   العُـلا

وأكْرَمُ مَنْ فَـوقَ التُّـرابِ ولا   فَخْـرُ
***
أبنيتي
أبنيـتـي ، لا    تحـزنـي 

 كلُّ الأنـامِ إلـى    ذهـابِ
أبنيتـي ، صبـراً    جمـي 

 لاً للجَليلِ مِـنَ   المُصَـاب!
نُوحِـي عَلَـيّ بِحَسْـرَة    ٍ

! من خَلفِ سترِك وَالحجابِ
قُـولـي إذَا   نَادَيْـتِـنـي، 

 و عييتِ عنْ ردِّ الجوابِ 
زينُ الشبابِ ، " أبـو   فـر 

 ا سٍ، لمْ يُمَتَّعْ    بِالشّبَـابِ
***
إنْ زُرْتُ «خَرْشَنَة ً» أسِيرَا

إنْ زُرْتُ «خَرْشَنَة ً» أسِيرَا
فَلَكَمْ أحَطْتُ بها مُغِيرا
وَلَقَدْ رَأيْتُ النّارَ تَنْـ ـتَهِبُ المَنَازِلَ وَالقُصُورَا
وَلَقَدْ رَأيْتُ السّبْيَ يُجْـ ـلبُ نحونا حوَّا ، وحورا
نَخْتَارُ مِنْهُ الغَادَة َ الْـ ـحسناءَ ، والظبيَ الغريرَا
إنْ طالَ ليلي في ذرا كِ فقدْ نعمتُ بهِ قصيرا
و لئنْ لقيتُ الحزن فيـ ـكَ فقدْ لقيتُ بكِ السرورا
وَلَئِنْ رُمِيتُ بِحادِثٍ،
فلألفينَّ لهُ صبورا
صبرا ً لعلَّ اللهَ يفـ ـتحُ بعدهُ فتحاً يسيراً
منْ كانَ مثلي لمْ يبتْ إلاّ أسِيراً، أوْ أمِيرا
لَيْسَتْ تَحُلّ سَرَاتُنَا
إلا الصدورَ أو القبورا
**
دَعِ العَبَرَاتِ تَنهَمِرُ انْهِمَارَا،

دَعِ العَبَرَاتِ تَنهَمِرُ انْهِمَارَا،
و نارَ الوجدِ تستعرُ استعارا
أتطفأُ حسرتي ، وتقرُّ عيني ،
و لمْ أوقدْ ، معَ الغازينَ ، نارا؟
رأيتُ الصبرَ أبعدَ ما يرجَّى ،
 إذَا ما الجَيْشُ بِالغَازِينَ سَارَا
وَأعْدَدْتُ الكَتَائِبَ مُعْلَماتٍ
تنادي ، كلَّ آنٍ ، بي : سعارا
وَقَدْ ثَقّفْتُ للهَيْجَاءِ رُمْحي،
وَأضْمَرْتُ المَهَارِي والمِهَارَا
و كانَ إذا دعانا الأمرُ حفَّتْ
بِنَا الفِتْيَانُ، تَبتَدِرُ ابْتِدَارَا
بخيلٍ لاَ تعاندُ منْ عليها ،
وَقَوْمٍ لا يَرَوْنَ المَوْتَ عَارَا
وراءَ القافلينَ بكلِّ أرضٍ ،
وَأَوَّلُ مَنْ يُغِيرُ، إذَا أغَارَا
ستذكرني ، إذا طردتْ ، رجالٌ ،
دفقتُ الرمحَ بينهمُ مرارا
و أرضٌ ، كنتُ أملؤها خيولاً ،
و جوٍّ ، كنتُ أرهقهُ غبارا
لَعَلّ الله يُعْقِبُني صَلاحاً
قويماً ، أو يقليني العثارا
فأشفي منْ طعانِ الخيلِ صدراً
وَأُدرِكُ من صُرُوفِ الدّهرِ ثَارَا
أقمتُ على " الأميرِ " ، وكنتُ ممنْ
يعزُّ عليهِ فرقتهُ ، اختيارا
إذا سارَ " الأميرُ " ، فلا هدوًا
لنفسي أو يؤوبَ ، ولا قرارا
أكابدُ بعدهُ همَّـا ، وغمَّـا ،
و نوماً ، لا ألذُّ به غرارا
وَكُنْتُ بِهِ أشَدّ ذَوِيّ بَطشاً،
وَأبْعَدَهُم، إذا رَكِبُوا، مَغَارَا
أشُقّ، وَرَاءهُ، الجَيشَ المُعَبّا،
و أخرقُ ، بعدهُ ، الرهجَ المثارا
إذَا بَقِيَ الأمِيرُ قَرِيرَ عَيْنٍ
فديناهُ ، اختياراً ، لا اضطرار
أبٌ برٌّ ، ومولى ، وابنُ عمٍ ،
و مستندٌ ، إذا ما الخطبُ جارا
يَمُدّ عَلى أكَابِرِنَا جَنَاحاً،
و يكفلُ ، في مواطننا ، الصغارا
أراني اللهُ طلعتهُ ، سريعاً ،
وَأصْحَبَهُ السّلامَة َ، حَيثُ سَارَا
وَبَلّغَهُ أمَانِيَهُ جَمِيعاً،
و كانَ لهُ منَ الحدثانِ جارا
****
أيا أمَّ الأسيرِ 

أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ ،
بكُرْهٍ مِنْكِ، مَا لَقِيَ الأسِيرُ! 
أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ ،
تَحَيّرَ، لا يُقِيم وَلا يَسِير! 
أيا أمَّ الأسيرِ ، سقاكِ غيثٌ ،
إلى منْ بالفدا يأتي البشيرُ؟ 
أيا أمَّ الأسيرِ ، لمن تربى
وقدْ متِّ ، الذوائبُ والشعورُ ؟ 
إذا ابنكِ سارَ في برٍ وبحرٍ ،
فمنْ يدعو لهُ ، أو يستجيرُ ؟ 
حرامٌ أن يبيتَ قريرَ عينٍ !
ولؤمٌ أنْ يلمَّ بهِ السرورُ ! 
وَقَد ذُقتِ الرَزايا وَالمَنايا
وَلا وَلَدٌ لَدَيكِ وَلا عَشيرُ 
و غابَ حبيبُ قلبكِ عنْ مكانٍ ،
مَلائِكَة ُ السّمَاءِ بِهِ حُضور 
لِيَبْكِكِ كُلُّ يَوْمٍ صُمتِ فيهِ
مُصَابِرَة ً وَقَد حَميَ الهَجِير 
لِيَبْكِكِ كُلّ لَيلٍ قُمْتِ فيهِ
إلى أنْ يبتدي الفجرُ المنيرُ! 
لِيَبْكِكِ كُلّ مُضْطَهَدٍ مَخُوفٍ
 أجرتيهِ ، وقدْ عزّ المجيرُ ! 
لِيَبْكِكِ كُلّ مِسكِينٍ فَقِيرٍ
أغَثْتِيهِ، وَمَا في العَظْمِ زِير 
أيا أماهُ ، كمْ همٍّ طويلٍ
مضى بكِ لمْ يكنْ منهُ نصيرُ ! ؟ 
أيا أماهُ ، كمْ سرٍّمصونٍ
بقلْبِكِ، مَاتَ لَيسَ لَه ظُهُور 
أيا أماهُ ، كمْ بشرى بقربي
 أتَتْكِ، وَدُونَها الأجَلِ القَصِير 
إلى منْ أشتكي ؟ ولمنْ أناجي ،
 إذا ضاقتْ بما فيها الصدورُ ؟ 
بِأيّ دُعَاءِ دَاعِيَة ٍ أُوَقّى ؟
بأيِّ ضياءِ وجهٍ أستنيرُ ؟ 
بِمَن يُستَدفَعُ القَدرَ المُوَفّى
بِمَن يُستَفتَحُ الأَمرُ العَسيرُ 
نُسلَّى عنكَ : أنا عنْ قريب ،
إلى ما صرتِ في الأخرى ، نصيرُ
***
هيَ الدّارُ من سَلمَى وَهاتي المَرَابعُ،

هيَ الدّارُ من سَلمَى وَهاتي المَرَابعُ،
فحتى متى ياعينُ ، دمعكِ هامعُ ؟!
ألمْ يَنهكِ الشّيبُ الذي حَلّ نازِلاً؟
وَللشَيْبُ بَعدَ الجَهلِ للمَرْء رَادع!
لئنْ وصلتْ " سلمى " حبالَ مودتي
فإنَّ وشيكَ البينِ ، لا شكَّ ، قاطعُ
و إنْ حجبتْ عنا النوى " أم مالكٍ "
لَقَدْ سَاعَدَتْهَا كِلّة ٌ وَبَرَاقِع!
و إن ظمئتْ نفسي إلى طيبِ ريقها
لقدْ رويتَ بالدمعِ مني المدامعُ
وَإنْ أفَلَتْ تِلْكَ البُدورُ عَشِيّة ً،
فإنَّ نحوسي بالفراقِ طوالعُ
وَلمّا وَقَفْنا لِلْوَدَاعِ، غَدِيّة ً،
أشارتْ إلينا أعينٌ وأصابعُ
وَقالت: أتَنْسَى العهدَ بالجِزْعِ وَاللّوَى
و ما ضمهُ منا النقا والأجارعُ ؟
وَأجرَتْ دمُوعاً من جُفونٍ لِحَاظُها
شِفَارٌ، على قَلبِ المُحبّ قَوَاطِع
فقلتُ لها : مهلاً ! فماالدمعُ رائعي ،
وَمَا هُوَ للقَرْمِ المُصَمِّمِ رَائِع!
لَئنْ لمْ أُخَلّ العِيسَ وَهْيَ لَوَاغِبٌ
حدابيرَ ، منْ طولِ السرى ، وظوالعُ
فما أنا منْ " حمدانَ " في الشرفِ الذي
لَه مَنْزِلٌ بَينَ السّمَاكَينِ طَالِع
*******
مُصَابي جَلِيلٌ، وَالعَزَاءُ جَمِيلُ،

مُصَابي جَلِيلٌ، وَالعَزَاءُ جَمِيلُ،
وَظَنّي بِأنّ الله سَوْفَ يُدِيلَ
جِرَاحٌ، تحَامَاها الأُسَاة ُ، مَخوفَة ٌ،
وسقمانِ : بادٍ ، منهما ودخيلُ
و أسرٌ أقاسيهِ ، وليلٌ نجومهُ ،
 أرَى كُلّ شَيْءٍ، غَيرَهُنّ، يَزُولُ
تطولُ بي الساعاتُ ، وهي قصيرة ؛
وفي كلِّ دهرٍ لا يسركَ طولُ !
تَنَاسَانيَ الأصْحَابُ، إلاّ عُصَيْبَة ً
ستلحقُ بالأخرى ، غداً ، وتحولُ !
و من ذا الذي يبقى على العهدِ ؟ إنهمْ ،
و إنْ كثرتْ دعواهمُ ، لقليلُ !
أقلبُ طرفي لا أرى غيرَ صاحبٍ ،
 يميلُ معَ النعماءِ حيثُ تميلُ
وصرنا نرى : أن المتاركَ محسنُ ؛
 وَأنّ صَدِيقاً لا يُضِرّ خَلِيلُ
فكلُّ خليلٍ ، هكذا ، غيرُ منصفٍ !
 وَكُلّ زَمَانٍ بِالكِرَامِ بَخِيلُ!
نعمْ ، دعتِ الدنيا إلى الغدرِ دعوة ً ،
أجابَ إليها عالمٌ ، وجهولُ
وَفَارَقَ عَمْرُو بنُ الزّبَيرِ شَقِيقَهُ،
وَخَلى أمِيرَ المُؤمِنِينَ عَقِيلُ!
فَيَا حَسْرَتَا، مَنْ لي بخِلٍّ مُوَافِقٍ
أقُولُ بِشَجوِي، مَرّة ً، وَيَقُولُ!
وَإنّ، وَرَاءَ السّتْرِ، أُمّاً بُكَاؤهَا
عَلَيّ، وَإنْ طالَ الزّمَانُ، طَوِيلُ!
فَيَا أُمّتَا، لا تَعْدَمي الصّبرَ، إنّهُ
إلى الخَيرِ وَالنُّجْحِ القَرِيبِ رَسُولُ!
وَيَا أُمّتَا، لا تُخْطِئي الأجْرَ! إنّهُ
على قدرِ الصبرِ الجميلِ جزيلُ
أما لكِ في " ذاتِ النطاقينِ "أسوة ٌ ،
بـ"مكة َ " والحربُ العوانُ تجولُ ؟
أرَادَ ابنُها أخْذَ الأمَانِ فَلَمْ تُجبْ
و تعلمُ ، علماً أنهُ لقتيلُ!
تأسّيْ! كَفَاكِ الله ما تَحْذَرِينَهُ،
فقَد غالَ هذا النّاسَ قبلكِ غُولُ!
و كوني كما كانتْ بـ " أحدٍ " "صفية ٌ"
ولمْ يشفَ منها بالبكاءِ غليلُ !
ولوْ ردَّ ، يوماً " حمزة َ الخيرِ "حزنها
إذاً مَا عَلَتْهَا رَنّة ٌ وَعَوِيلُ
لَقِيتُ نُجُومَ الأفقِ وَهيَ صَوارِمٌ،
وَخُضْتُ سَوَادَ اللّيْلِ، وَهْوَ خيولُ
وَلمْ أرْعَ للنّفْسِ الكَرِيمَة ِ خِلّة ً،
عشية َ لمْ يعطفْ عليَّ خليلُ
ولكنْ لقيتُ الموتَ ، حتى تركتها ،
وَفِيها وَفي حَدّ الحُسَامِ فُلولُ
ومنْ لمْ يوقَ اللهُ فهوَ ممزقٌ !
ومنْ لمْ يعزِّ اللهُ ، فهوَ ذليلُ!
و منْ لمْ يردهُ اللهُ ، في الأمرِ كلهِ،
فليسَ لمخلوقٍ إليهِ سبيلُ
****
يَا حَسْرَة ً مَا أكَادُ أحْمِلُهَا

يا حَسرَةً ما أَكادُ أَحمِلُها
آخِرُها مُزعِجٌ وَأَوَّلُها 
عَليلَةٌ بِالشَآمِ مُفرَدَةٌ
باتَ بِأَيدي العِدى مُعَلِّلُها 
تُمسِكُ أَحشاءَها عَلى ح
ُرَقٍ تُطفِئُها وَالهُمومُ تُشعِلُها 
إِذا اِطمَأَنَّت وَأَينَ أَو هَدَأَت
عَنَّت لَها ذُكرَةٌ تُقَلقِلُها 
تَسأَلُ عَنّا الرُكبانَ جاهِدَةً
بِأَدمُعٍ ماتَكادُ تُمهِلُها 
يامَن رَأى لي بِحِصنِ خِرشَنَةٍ
أُسدَ شَرىً في القُيودِ أَرجُلُها 
يامَن رَأى لي الدُروبَ شامِخَةً
دونَ لِقاءِ الحَبيبِ أَطوَلُها 
يامَن رَأى لي القُيودَ موثَقَةٌ
 عَلى حَبيبِ الفُؤادِ أَثقَلُها 
يا أَيُّها الراكِبانِ هَل لَكُما في
حَملِ نَجوى يَخِفُّ مَحمَلُها 
قولا لَها إِن وَعَت مَقالَكُما
وَإِنَّ ذِكري لَها لَيُذهِلُها 
يا أُمَّتا هَذِهِ مَنازِلُنا
نَترِكُها تارَةً وَنَنزِلُها 
يا أُمَّتا هَذِهِ مَوارِدُنا
 نَعُلُّها تارَةً وَنُنهَلُها 
أَسلَمَنا قَومُنا إِلى نُوَبٍ
أَيسَرُها في القُلوبِ أَقتَلُها 
وَاِستَبدَلوا بَعدَنا رِجالَ وَغىً
يَوَدُّ أَدنى عُلايَ أَمثَلُها 
لَيسَت تَنالُ القُيودُ مِن قَدَمي
وَفي اِتِّباعي رِضاكَ أَحمِلُها 
ياسَيِّداً ماتُعَدُّ مَكرُمَةٌ
 إِلّا وَفي راحَتَيهِ أَكمَلُها 
لاتَتَيَمَّم وَالماءُ تُدرِكُهُ
 غَيرُكَ يَرضى الصُغرى وَيَقبَلُها 
إِنَّ بَني العَمِّ لَستَ تَخلُفُهُم
 إِن عادَتِ الأُسدُ عادَ أَشبُلُها 
أَنتَ سَماءٌ وَنَحنُ أَنجُمُها
 أَنتَ بِلادٌ وَنَحنُ أَجبُلُها 
أَنتَ سَحابٌ وَنَحنُ وابِلُهُ
أَنتَ يَمينٌ وَنَحنُ أَنمُلُها 
بِأَيِّ عُذرٍ رَدَدتَ والِهَةً
عَلَيكَ دونَ الوَرى مُعَوَّلُها 
جاءَتكَ تَمتاحُ رَدَّ واحِدِها
 يَنتَظِرُ الناسُ كَيفَ تُقفِلُها 
سَمَحتَ مِنّي بِمُهجَةٍ كَرُمَت
أَنتَ عَلى يَأسِها مُؤَمَّلُها 
إِن كُنتَ لَم تَبذِلِ الفِداءَ لَها
 فَلَم أَزَل في رِضاكَ أَبذِلُها 
تِلكَ المَوَدّاتُ كَيفَ تُهمِلُها
 تِلكَ المَواعيدُ كَيفَ تُغفِلُها 
تِلكَ العُقودُ الَّتي عَقَدتَ لَنا
كَيفَ وَقَد أُحكِمَت تُحَلِّلُها 
أَرحامُنا مِنكَ لِم تُقَطِّعُها
وَلَم تَزَل دائِباً تُوَصِّلُها 
أَينَ المَعالي الَّتي عُرِفتَ بِها
 تَقولُها دائِماً وَتَفعَلُها 
ياواسِعَ الدارِ كَيفَ توسِعُها
وَنَحنُ في صَخرَةٍ نُزَلزِلُها 
ياناعِمَ الثَوبِ كَيفَ تُبدِلُهُ
 ثِيابُنا الصوفُ مانُبَدِّلُها 
ياراكِبَ الخَيلِ لَو بَصُرتَ بِنا
 نَحمِلُ أَقيادُنا وَنَنقُلُها 
رَأَيتَ في الضُرِّ أَوجُهاً كَرُمَت
 فارَقَ فيكَ الجَمالَ أَجمَلُها 
قَد أَثَّرَ الدَهرُ في مَحاسِنِها
 تَعرِفُها تارَةً وَتَجهَلُها 
فَلا تَكِلنا فيها إِلى أَحَدٍ
مُعِلُّها مُحسِناً يُعَلِّلُها 
لايَفتَحُ الناسُ بابَ مَكرُمَةٍ
صاحِبُها المُستَغاثُ يُقفِلُها 
أَيَنبَري دونَكَ الكِرامُ لَها
وَأَنتَ قَمقامُها وَأَحمَلُها 
وَأَنتَ إِن عَنَّ حادِثٌ جَلَلٌ
 قُلَّبُها المُرتَجى وَحُوَّلُها 
مِنكَ تَرَدّى بِالفَضلِ أَفضَلُها
مِنكَ أَفادَ النَوالَ أَنوَلُها 
فَإِن سَأَلنا سِواكَ عارِفَةً
فَبَعدَ قَطعِ الرَجاءِ نَسأَلُها 
إِذا رَأَينا أولى الكِرامِ بِها
 يُضيعُها جاهِداً وَيُهمِلُها 
لَم يَبقَ في الناسِ أُمَّةٌ عُرِفَت
 إِلّا وَفَضلُ الأَميرِ يَشمَلُها 
نَحنُ أَحَقُّ الوَرى بِرَأفَتِهِ
 فَأَينَ عَنّا وَأَينَ مَعدِلُها 
يامُنفِقَ المالِ لايُريدُ بِهِ
 إِلّا المَعالي الَّتي يُؤَثِّلُها 
أَصبَحتَ تَشري مَكارِماً فُضُلاً
فِداؤُنا قَد عَلِمَت أَفضَلُها 
لايَقبَلُ اللَهُ قَبلَ فَرضِكَ ذا
 نافِلَةً عِندَهُ تُنَفِّلُها

***
أيَا رَاكِباً

أيَا رَاكِباً، نَحوَ الجَزِيرَة ِ، جَسرَة ً
عُذَافِرَة ً، إنّ الحَدِيثَ شُجُونُ!
مِنَ المُوخَداتِ الضُّمَّرِ اللاّءِ وَخدُها ك
َفيلٌ بحَاجَاتِ الرّجالِ ضَمِينُ
تحملْ إلى "القاضي" سلامي وقلْ لهُ :
ألا إنّ قَلْبي، مُذْ حَزِنتَ، حَزِينُ
و إنَّ فؤادي ، لافتقادِ أسيرهِ ،
أسِيرٌ، بِأيْدِي الحادِثَاتِ، رَهِينُ
أحاولُ كتمانَ الذي بي منَ الأسى
وَتَأبَى غُرُوبٌ ثَرّة ٌ وَشُؤونُ
بِمَنْ أنَا في الدّنيا عَلى السّرّ وَاثِقٌ،
و طرفي نمومٌ ، والدموعُ تخونُ
يضنُّ زماني بالثقاتِ ؛ وإنني
بسري ، على غيرِ الثقاتِ ، ضنينُ
لعلَّ زماناً بالمسرة ِ ينثني ؛
وعطفة َ دهرٍ باللقاءِ تكونُ
ألا لا يَرَى الأعداءُ فِيكَ غَضَاضَة ً،
فللدهرِ بؤسٌ ، قدْ علمتَ ، ولينُ
و أعظمُ ما كانتْ همومكَ تنجلي ،
وأصعبُ ما كانَ الزمانُ يهونُ
ألاَ ليتَ شعري ـ هل أنا الدهرَ ، واجدٌ ـ
قريناً ، لهُ حسنُ الوفاءِ قرينُ ؟
فأشكو ويشكو ما بقلبي وقلبهِ ،
كِلانَا، عَلى نَجوَى أخِيهِ، أمِينُ
و في بعضِ منْ يلقي إليكَ مودة ً
عَدوٌّ، إذا كَشّفتَ عَنهُ، مُبِينُ
إذا غَيّرَ البُعْدُ الهَوَى فَهَوَى أبي
حُصَينٍ مَنِيعٌ، في الفُؤادِ، حَصِينُ
فَلا بَرِحَتْ بِالحَاسِدينَ كَآبَة ٌ،
وَلا هَجَعَتْ لِلشّامِتِينَ عُيُونُ

*****

لَوْلا العَجُوزُ بِمَنْبِجٍ
لَوْلا العَجُوزُ بِمَنْبِجٍ
مَا خِفْتُ أسْبَابَ المَنِيّهْ
وَلَكَانَ لي، عَمّا سَأَلْـ ـتُ منَ الفدا ، نفسٌ أبيهْ
لكنْ أردتُ مرادها ،
وَلَوِ انْجَذَبْتُ إلى الدّنِيّهْ
وَأرَى مُحَامَاتي عَلَيْـ ـهَا أنْ تُضَامَ مِنَ الحَمِيّهْ
أمستْ بـ " منبج " ، حرة ً
بالحُزْنِ، من بَعدي، حَرِيّهْ
لوْ كانَ يدفعُ حادثٌ ،
أوْ طارقٌ بجميلِ نيهْ
لَمْ تَطّرِقْ نُوَبُ الحَوَا دثِ أرضَ هاتيكَ التقيهْ
لَكِنْ قَضَاءُ الله، وَالـ أحكامُ تنفذُ في البريهْ
وَالصَّبْرُ يَأتي كُلَّ ذِي
رُزْءٍ عَلى قَدْرِ الرّزِيّهْ
لا زَالَ يَطْرِقُ مَنْبِجاً،
في كلِّ غادية ٍ ، تحيهْ
فيها التقى ، والدينُ مجــ ـمُوعَانِ في نَفْسٍ زَكِيّهْ
يَا أُمّتَا! لا تَحْزَني،
وثقي بفضلِ اللهِ فيَّــهْ !
يَا أُمّتَا! لا تَيّأسِي، للهِ ألطافٌُ خفيهْ
كَمْ حَادِثٍ عَنّا جَلا هُ،
وَكَمْ كَفَانَا مِنْ بَلِيّهْ
أوصيكِ بالصبرِ الجميــ ــلِ ‍! فإنهُ خيرُ الوصيهْ !

***
لقراءة المزيد من قصائد أبي فراس
اضغط هنا

وهنا

*******

مُناظَرَةُ أَبِي فِراسٍ الحَمْدانِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي

كَما ذَكَرَهُ البَدِيْعِيُّ في الصُّبْحِ المُنْبِي، وابِراهِيْمِ اليازِجِي في العِرْفِ الطَّيِّبْ.

*فِيْما كانَ سَيْفُ الدَّوْلِةِ في مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عَدَدٌ غَفِيْرٌ مِنَ العُلَماءِ والقُوَّادِ مِنْ جُمْلَتِهم الأَمِيْرُِ أَبي فِراسٍ، أَقْبَلَ المُتَنَبِّي وأَلْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ القَصِيْدَةَ الَّتِي مَطْالَعُها:

وا حَـرَّ قَلْبـاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بِجِسْمِي وَحالِي عِنْدَهُ سَقَمُ

مالِي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدِي
وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الأُمَمُ

*شَعَرَ أَبو فِراسٍ، أَنَّ هُناكَ اغْتِمازاً لَهُ فِي قَوْلِ المُتَنَبِّي:"وَتَدَّعِي حُبَّ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الأُمَمُ"، لَكِنَّهُ سَكَتَ عَلَى مَضَضٍ. وَتابَعَ المُتَنَبِّي الإِنْشادَ فَقالَ:

يا أَعـْدَلَ النَّاسِ إِلاَّ فِي مُعامَلَتِي
فِيْكَ الخِصامُ وأَنْتَ الخِصْمُ والحَكَمُ

أُعِيـْذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صـادِقَةً
أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فِيْمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ

*فَقالَ أَبو فِراسٍ، لَقَدْ مَسَخْتَ قَوْلَ دَعْبَلِ:
وَلَسْتُ أَرْجُو انْتِصافاً مِنْكَ ما ذَرَفَتْ
عَيْنِي دُمُوْعاً وَأَنْتَ الخِصْمُ والحَكَمُ

وَبِصَدَدِ البَيْتِ الثَّانِي صَرَخَ:" مَنْ أَنْتَ يا دَعِيَّ كِنْدَة حَتَّى تَأْخُذَ أَعْراضَ الأَمِيْرِ فِي مَجْلِسِهِ"، فاسْتَمَرَّ المُتَنَبِّي مُنْشِداً:

سَيَعْلَمُ الجَمْعُ مِمَّنْ ضَمَّ مَجْلِسُنا
بِأَنَّنِي خَيـْرُ مَنْ تَسْـعَى بِهِ قَدَمُ

أَنا الَّذِي نَظَـرَ الأَعْمَى إِلَى أَدَبِي
وَأَسْـمَعَتْ كَلِمـاتِي مَنْ بِـهِ صَمَمُ

*فَقالَ أَبو فِراسٍ، قَدْ سَرَقْتَ هَذا عَنْ عَمْرُ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الوَرْدِحَيْثُ يَقُوْلُ:
أَوْضَحْتُ مِنْ طُرُقِالآدابِ مااشْتَكَلَتْ
دَهْراً وَأَظْهَـرْتُ إِغْرابـاً وإِبْداعا

حَتَّى فَتَحْتُ بِإِعْجـازٍ خُصِصْتُ بِهِ
لِلْعُمْيِ والصُّمِّ أَبْصـاراً وَأَسْماعا

*وَلَمَّا انْتَهَى المُتَنَبِّي إِلَى قَوْلِهِ:

الخَيْـلُ واللَّيْـلِ والبَيْداءُ تَعْرِفُنِي
والسَّيْفُ والرِّمْحُ والقُرْطاسُ والقَلَمُ

*قالَ أَبو فِراسٍ:"ماذا أَبْقَيْتَ لِلأَمِيْرِ إِذْوَصَفْتَ نَفْسَكَ بالرِّياسَةِ والكِياسَةِ والسَّماحَة، تَمْدَحُ الأَمِيْرَ بِما سَرَقْتَهُ مِنْ كَلامِ غَيْرِكَ، أَما سَرَقْتَ هَذا مِنَ الهَيْثَمِ بْنِ الأَسْوَدِ النَّخْعِيِّ الكُوْفِيِّ المَعْرُوْفِ بِأَبِي العَريانِ العُثْمانِيِّ:

أَناابْنُ الفَلاوالضَّرْبِ والطَّعْنِ والسُّرَى
وَجُرْدِ المَذاكِي والقَنَـا والقَواضِبِ

*فَقالَ المُتَنَبِّي:
وَما انْتِفاعُ أَخِي الدُّنْيا بِناظِـرِهِ
إِذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُ

*فَقالَ أَبو فِراسٍ وَهَذا سَرَقْتَهُ مِنْ قَوْلِ مَعْقِلِ العُجْلِي:
إِذا لَمْ أُمَيِّـزْ بيْنَ نُوْرٍ وَظُلْمَـةٍ
بِعَيْنَيَّ فَالعَيْنَيْـنِ زُوْرٌ وَبـاطِـلُ

وَمِثْلُهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بْنِ مُرَّةِ البَكْرِيِّ:
إِذا المَرْءُ لَمْ يُدْرِكْ بِعَيْنَيْهِ ما يَرَى
فَما الفَـرْقُ بَيْنَ العُمْيِ والبُصَراءِ

*فَضَجِرَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ مِنْ كَثْرَةِ المُناقَشَةِ في القَصِيْدَةِ، فَضَرَبَ المُتَنَبِّي بالدَّواةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ المُتَنَبِّي:

إِنْ كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا
فَما لِجُرْحٍ إِذا أَرْضـاكُمُ أَلَـمُ

*فَقالَ أَبو فِراسٍ:"وَهَذا أَخَذْتَهُ مِنْ قَوْلِ بَشَّارٍ":
إِذا رَضِيْتُمْ بِأَنْ نُجْفَى وَسَرَّكُمُ
قَوْلُ الوُشاةِ فَلا شَكْوَى وَلا ضَجَرُ

*فَلَمْ يَلْتَفِتْ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى قَوْلِ أَبِي فِراسٍ، وَرَضِيَ عَلَى المُتَنَبِّي فأَدْناهُ وَقَبَّلَهُ، وأَجازَهُ بأَلْفِ دِيْنارٍ.

***

المتنبي - اتصاله بسيف الدولة
كان سيف الدولة ملكًا عَلَى حلب انتزعها من يد أحمد بن سعيد الكلابي سنة 333 وكان أديبًا شاعرًا مجيدًا شديد الاهتزاز لجيّد الشعر. قيل لم يجتمع بباب أحد الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من الشعراء وله معهم أخبار كثيرة. وكانت ولادته سنة 303 وهي سنة ولادة المتنبي، ووفاته سنة 356 بعد مقتل المتنبي بسنتين.
فاشترط المتنبي عَلَى سيف الدولة أول اتصاله به أنه إذا أنشد مديحه لا ينشده إلا وهو قاعدٌ وأنه لا يكلَّف بتقبيل الأرض بين يديه. وكان ذلك سنة 337، وصحب سيف الدولة في غزواته وامتدحه وحسن موقعه عنده فقرَّبه إليه وأحبه وأجازه الجوائز السنيَّة وسلمَّه إلى الروَّاض فعلموه الفروسية والطراد والمشافقة.
قال عبد المحسن بن لوجك عن أبيه: كنت بحضرة سيف الدولة وأبي الطيب اللغوي وأبي الطيب المتنبي وأبي عبد الله بن خالويه النحوي وقد جرت مسئلة في اللغة تناقش فيها ابن خالويه وأبو الطيب اللغوي فأضعف المتنبي قول ابن خالويه فأخرج من كمه مفتاحًا لكم به المتنبي فقال هذا: اسكت ويحك فإنك أعجمي وأصلك خوزي فمالك وللعربية فضرب وجه المتنبي بالمفتاح فأسال دمه عَلَى وجهه وثيابه. وغضب المتنبي إذ لم ينتصر له سيف الدولة لا قولاً ولا فعلاً وكان سبب فراقه سيف الدولة سنة 346. قال الدهان في المآخذ النكدية من المعاني الطائية إن أبا فراس الحمداني قال يومئذٍ لسيف الدولة إن هذا المتشدّق كثير الإدلال عليك وأنت تعطيه كل سنة ثلاثة آلاف دينار فلو فرَّقت مائتي دينار عَلَى عشرين شاعرًا لأتوك بأحسن من شعره. فتأثر سيف الدولة بكلام أبي فراس وعمل به. وكان المتنبي غائبًا وبلغته القصة فدخل عَلَى سيف الدولة وقال القصيدة التي مطلعها: واحرّ قلباه ممن قلبه شبم  ومن بجسمي وحالي عنده سقمُ 
حكى عليّ بن حمزة البصروي قال: بلوتُ من أبي الطيب ثلاث خلال محمودة وتلك أنه ما كذب ولا زنى ولا لاط. وبلوت منه ثلاث خلال ذميمة وتلك أنه ما صام ولا صلى ولا قرأ القرآن. وقال ابن فورجة : كان المتنبي رجلاً داهية مرّ النفس شجاعًا حافظًا للآداب عارفًا بأخلاق الملوك ولم يكن فيه ما يشينه ويسقطه إلا بخله وشرهه علَى المال.
وأحسن قصائد أبي الطيب هي التي في سيف الدولة. وتراجع شعره بعد مفارقته وسئل عن ذلك فقال: قد تجوَّزت في قولي وأعفيت طبي واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان.
قال أبو عثمان بن جني: كنتُ قرأتُ ديوان المتنبي عليه فلما وصلتُ إلى قوله في مدح كافور : أُغالبُ فيك الشوقَ والشوقُ أغلب  وأعجبُ من ذا الهجر والوصلُ أعجبُ 
قلت له يعزُّ عليَّ كيف يكون هذا الشعر في ممدوح غير سيف الدولة. فقال حذرناه وأنذرناه وما نفع فيه الإنذار، ألست القائل فيه: أخا الجود أعط الناس ما أنت مالكٌ: فهو الذي أعطاني إلى كافور بسوء تدبيره وقلة تمييزه.
ولما عزم أبو الطيب عَلَى الرحيل من حلب أتى دمشق وكان فيها يهودي من أهل تدمر يُعرف بابن ملك من قِبل كافور الإخشيدي ملك مصر فالتمس من المتنبي أن يمدحه فثقل عليه فغضب ابن ملك. وطلب كافور المتنبي من ابن ملك فكتب هذا إليه أَن أبا الطيب قال: لم أقصد العبد وإن دخلتُ مصر فما قصدي إلا ابن سِيده. وضاقت دمشق بالمتنبي فصار إلى الرملة فحمل إليه أميرها ابن طغج هدايا نفيسة وخلع عليه وحمله عَلَى فرسٍ بموكب كبير وقلده سيفًا محلَّى. وكان كافور يقول لأصحابه أترونه يبلغ الرملة ولا يأتينا. ثم كتب يطلبه من الحسين أمير الرملة فسيَّره إليه. فلما قدم أبو الطيّب أمر له كافور بمنزل ووكل به جماعة وأكرم وفادته وخلع عليه وطالبه بمدحه. فقال المتنبي قصيدته المشهورة التي استهلالها: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا  وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمانيا 

***

قال ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان 
أبو فراس ابن حمدان
أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان-وسيأتي تتمة نسبه عند ذكرهما إن شاء الله تعالى-؛ قال الثعالبي في وصفه: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر، بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة، ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد اشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب بن عباد يقول:
بدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرأ القيس وأبا فراس.
وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيباً له وإجلالاً، لا إغفالاً وإخلالاً. وكان سيف الدولة يعجب جداً بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته وستخلفه في أعماله.
وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها، وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه، ونقلته إلى خرشنة، ثم منها قسطنطينية، وذلك في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين.
قلت: هكذا قال أبو الحسن علي بن الزراد الديلمي، وقد نسبوه في ذلك إلى الغلط، وقالوا: أسر أبو فراس مرتين، فالمرة الأولى بمغارة الكحل في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، وما تعدوا به خرشنة، وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله، فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، والله أعلم،
والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال سنة إحدى وخمسين، وحملوه إلى قسطنطينية. وأقام في الأسر أربع سنين، وله في الأسر أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه. وكانت مدينة منبج إقطاعاً له، ومن شعره:
قد كنت عدتي التي أسطو بهـا  ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي 
فرميت منك بضد ما أملـتـه  والمرء يشرق بالزلال البـارد
فصبرت كالولد التقي لـبـره  أغضى على ألم لضرب الوالد
وله أيضاً:
أساء فزادته الإساءة حظـوة  حبيب على ما كان منه حبيب 
يعد علي الواشـيان ذنـوبـه  ومن أين للوجه الجميل ذنوب 
وله أيضاً:
سكرت من لحظه لا من مدامته  ومال بالنوم عن عيني تمايلـه
فما السلاف دهتني بل سوالفـه  ولا الشمول ازدهتني بل شمائله 
  ألوى بعزمي أصداغ لوين له  وغال قلبي بما تحوي غلائله 
ومحاسن شعره كثيرة.
وقتل في واقعة جرت بينه وبين موالي أسرته في سنة سبع وخمسين وثلثمائة.
ورأيت في ديوانه أنه لماحضرته الوفاة كان ينشد مخاطباً ابنته:
أبنـيتـي لا تـجـزعـي  كل الأنـام إلـى ذهـاب
نوحي علـي بـحـسـرة  من خلف سترك والحجاب 
قولي إذا كـلـمـتـنـي  فعييت عن رد الجـواب
زين الشبـاب ابـو فـرا  س لم يمتع بالـشـبـاب
وهذا يدل على أنه لم يقتل، أو يكون قد جرح وتأخر هوته، ثم مات من الجراحةوقيل إن هذا الشعر قاله وهو أسير في أيدي الروم، وكان قد جرح ثم أسر ثم خلص من الأسر، فداه سيف الدولة مع من فودي من أسرى المسلمين.
قال ابن خالويه: لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرغويه، فأنفذ إليه من قاتله، فأخذ وقد ضرب ضربات فمات في الطريق.
وقرأت في بعض التعاليق: أن أبا فراس قتل يوم الأربعاء لثمان خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وثلثمائة، في ضيعة تعرف بصدد.
وذكر ثابت بن سنان الصابئ في تاريخه، قال: في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى من سنة سبع وخمسين وثلثمائة، جرت حرب بين أبي فراس، وكان مقيماً بحمص، وبين أبي المعالي بن سيف الدولة، واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البرية إلى أن جاءه بعض الأعراب فكفنه ودفنه.
قال غيره: وكان أبو فراس خال أبي المعالي، وقلعت أمه سخينة عينها لما بلغها وفاته، وقيل إنها لطمت وجهها فقلعت عينها. وقيل لما قتله قرغويه لم يعلم به أبو المعالي، فما بلغه الخبر شق عليه.
ويقال: إن مولده كان في سنة عشرين وثلثمائة، والله أعلم. وقيل: سنة إحدى وعشرين.
وقتل أبوه سعيد في رجب سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، قتله ابن أخيه ناصر الدولة بالموصل، عَصَرَ مذاكيره حتى مات لقصة يطول شرحها، وحاصلها أنه شرع في ضمان الموصل وديار ربيعة من جهة الراضي بالله، ففعل ذلك سراً، ومضى إليها في خمسين غلاماً، فقبض ناصر الدولة عليه حين وصل إليها ثم قتله، فأنكر ذلك الراضي حين بلغه، رحمهم الله تعالى.
وحكى ابن خالويه أيضاً قال: كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج كتاباً صدره:
كتابي أطال الله بقاء مولانا من المنزل وقد وردته ورود السالم الغانم مثقل الظهر والظهر وفراً وشكراً، فاستحسن سيف الدولة بلاغته ووصف براعته، وبلغ ذلك أبا فراس فكتب إليه:
هل للفصاحة والسما  حة والعلا عني محيد 
إذ أنت سـيدي الـذي  ربيتني وأبي سعـيد
في كل يوم أستـفـي  د من العلاء وأستزيد
ويزيد فــي إذا رأي  تك للندى خلق جديد
وكان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب، فوافت حضرته إحدى المحسنات من قيان بغداد، فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير أن يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة، فكتب إليه يستحثه على استحضارها:
محلك الجوزاء أو أرفـع  وصدرك الدهناء أو أوسع
وقلبك الرحب الذي لم يزل  للجد والهزل به موضـع
رفه بقرع العود سيفاً غـدا  قرع العوالي جل ما يسمع 
فبلغت هذه الأبيات الوزير المهلبي فأمر القيان والقوالين بتحفظها وتلحينها، وصار لا يشرب إلا عليها.
وأهدى الناس إلى سيف الدولة فأكثروا، فكتب إليه أبو فراس:
نفسي فداؤك قد بعـث  ت بعهدتي بيد الرسول 
أهديت نفسي إنمـا يه  دى الجليل إلى الجليل
وجعلت ما ملكت يدي  صلة المبشر بالقبـول
وعزم سيف الدولة على غزو واستخلاف أبي فراس على الشام فكتب إليه قصيدة منها:
قالوا المسير فهز الرمح عامـلـه  وارتاح في جفنه الصمصامة الخذم 
حقاً لقد ساءني أمـر ذكـرت لـه  لولا فراقك لـم يوجـد لـه ألـم
لا تشغلن بأمر الشـام تـحـرسـه  إن الشآم على من حـلـه حـرم
  وإن للثغر سوراً من مهابـتـه  صخوره من أعادي أهله القمم 
لا يحرمني سيف الدين صحبته  فهي الحياة التي تحيا بها النسم
وما اعترضت عليه في أوامره  لكن سألت ومن عاداته نـعـم
وكتب إليه يعزيه:
لابد من فقـد ومـن فـاقـد  هيهات ما في الناس من خالد 
كن المعزى لا المعـزى بـه  إن كان لابد مـن الـواحـد
وله أيضاً:
المرء نصب مصايب ما تنقضي  حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجل يلقى الردى في أهلـه  ومعجل يلقى الردى في نفسه
وله أيضاً وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية وهو في الأسر فقال:
أقول وقد ناحت بقربي حـمـامة  أيا جارتا هل بات حالك حالـي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى  ولا خطرت منك الهموم بـبـال
أتحمل محزون الـفـؤاد قـوادم  على غصن نائي المسافة عالـي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننـا  تعالي أقاسمك الهموم تعـالـي
تعالي تري روحا لدي ضـعـيفة  تردد في جسم يعـذب بـالـي
أيضحك مأسور وتبكي طـلـيقة  ويسكت محزون ويندب سالـي
لقد كنت أولى منك بالدمع مقـلة  ولكن دمعي في الحوادث غالي
وخرشنة-بفتح ا لخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الشين المثلثة والنون-وهي بلدة بالشام على الساحل، وهي للروم.
وقسطنطينية-بضم القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون النون وكسر الطاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون-من أعظم مدائن الروم بناها قسطنطين، وهو أول من تنصر من ملوك الروم.
وفيات الأعيان  ابن خلكان

**

الوافي بالوفيات : الصفدي 
أبو فراس بن حمدان
الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، الأمير أبو فراس، ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة. قال الثعالبي: كان فرد دهره وشمس عصره أدباً وفضلاً وكرماً ومجداً، وبلاغة وبراعةً، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سيّار بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة، ومعه رواء الطّبع وسمة الظّرف وعزّة الملك. ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلاّ في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعدّ أشعر منه عند أهل الصنعة بنقد الكلام. وكان الصاحب ابن عباد يقول: بدىء الشعر بملك وختم بملك، يعني أمرأ القيس وأبا فراس.
وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يجترىء على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيباً له وإجلالاً له لا إغفالاً ولا إخلالاً.
وكان أبو فراس يعجب جداً بمحاسن أبي فراس ويميزّه بالإكرام على سائر قومه، ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله.
وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها، وهو جريح قد أصابه نصلٌ في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى القسطنطينية في سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة وقداه سيف الدولة سنة خمس وخسمين.
قال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله تعالى: هكذا قال أبو الحسن علي بن الزّراد الدَّيلمي وقد نسبوه في ذلك إلى الغلط وقالوا: أسر أبو فراس مرّتين، فالمرة الأولى بمغارة الكحل سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وما تعدَّوا به خرشنة يقال إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات. والمرة الثانية أسرته الروم على منبج في شوال سنة إحدى وخمسين وحملوه إلى القسطنطينية وأقام في الأسر أربع سنين وله في أسره أشعار كثيرة مثبتةٌ في ديوانه، وكانت منبج إقطاعه.
وقال ثابت بن سنان الصّابي في تاريخه قال: في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلاثمئة جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيماً بحمص وبين أبي المعالي بن سيف الدولة.
واستظهر عليه أبو المعالي فقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته مطروحة في البريّة إلى أن جاء بعض الأعراب وكفّنه ودفنه.
وقال غيره: كان أبو فراس خال أبي المعالي فلما بلغت وفاته أم أبي المعالي لطمت وجهها وقلعت عينها.
وكان مولده سنة عشرين وثلاثمئة فعاش سبعاً وثلاثين سنة. وقال ابن خلكان: رأيت في ديوانه أنّه لما حضرته الوفاة كان ينشد ابنته مخاطباً لها: من مجزوء الكامل
نوحي علـيَّ بـحـسـرةٍ  من خلف سترك والحجاب 
قولي إذا كـلَّـمـتـنـي  فعييت عن ردِّ الجـواب
زين الشّبـاب أبـو فـرا  سٍ لم يمتَّع بالـشـبـاب
وهذا يدل على أنه لم يقتل أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة.
ومن شعره:
من الكامل المرء نصب مصائب لا تنقضي  حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجَّلٌ يلقى الرَّدى في غـيره  ومعجَّل يلقى الردى في نفسه
ومنه: من الطويل  
مرام الهوى صعبٌ وسهل الهوى وعر  وأوعر ما حاولته الحبُّ والصَّـبـر
أواعدتي بالوصـل والـمـوت دونـه  إذا متّ ظمآناً فلا نـزل الـقـطـر
بدوت وأهلي حـاضـرون لأنّـنـي  أرى أنّ داراً لست من أهلها قـفـر
وما حاجتي في المال أبغـي وفـوره  إذا لم يفر عرضٌ فلا وفر الـوفـر
هو الموت فاختر ما علا لـك ذكـره  فلم يمت الإنسان ما حـيي الـذكـر
وقال أصيحابي الـفـرار أو الـرّدى  فقلت هما أمران، أحلاهـمـا مـرُّ
سيذكرني قومـي إذا جـدَّ جـدّهـم  وفي الليلة الظلماء يفتـقـد الـبـدر
ولو سدّ غيري ما سددت اكتفـوا بـه  وما كان يغلو التبر لو نفق الصُّـفـر
ونحن أنـاسٌ لا تـوسُّـط عـنـدنـا  لنا الصدر دون العالمين أو القـبـر
تهون علينا في المعالي نـفـوسـنـا  ومن طلب الحسناء لم يغلها مـهـر
ومن شعره:
من الطويل
 أساء فزادته الإساءة حظـوةً  حبيبُ على ما كان من حبيب 
يعدّ عليّ الواشـيان ذنـوبـه  ومن أين للوجه المليح ذنوب
ومنه: من الكامل
وقد كنت عدَّتي التي أسطو بها  ويدي إذا اشتدّ الزمان وساعدي 
فرميت منك بغير ما أمَّلـتـه  والمرء يشرق بالزلال البـارد
ومنه: من البسيط
سكرت من لحظه لا من مدامته  ومال بالنَّوم عن عيني تمايلـه
فما السُّلاف دهتني بل سوالفـه  ولا الشَّمول ازدهتني بل شمائله 
ألوت بعزمي أصداغٌ لوين لـه  وغال قلبي بما تحوي غلائلـه
ومنه في مملوكه: من الخفيف
 يا غلامي بل سيّدي ما أمـلّـك  هب لمولاك لا عدمتك فضلك
خوف أن يصطفيك بعدي غيري  لا أرى أن أقول قدِّمت قبلـك
ومنه: من مجزوء الكامل
 لا تطـلـبـنَّ دنـوَّ دا  رٍ من خليلٍ أو معاشر 
أبقى لأسباب الـمـود  دة أن تزار ولا تجاور 
ومنه: من الطويل
أيا عاتباً لا أحمل الدَّهر عـتـبـه  عليّ ولا عندي لأنعمـه جـحـد
سأسكت إجلالاً لعلمـك، إنـنـي  إذا لم تكن خصمي لي الحجج اللُّدُّ 
ومنه: من الوافر
 أما من أعجب الأشياء علجٌ  يعرّفني الحلال من الحرام 
بنو الدنيا إذا ماتـوا سـواءٌ  ولو عمر المعمِّر ألف عام 
الوافي بالوفيات  الصفدي 

******** 


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16407258
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة