رحلة الى دار الفتح ، هنا دخلوا في الاسلام أفواجاً
المدينة المنورة : جغرافيا الشوارع والحارات وتاريخ المناخة والجرف والخندق
الكاتب: محمود السيد الدغيم . جريدة الحياة،العدد: 13973، الصفحة: 19
تاريخ النشر: 26 ربيع الأول 1422 هـ/ 26/3/2001م

*********

 يتوسط المدينة المنورة المسجد النبوي الشريف. وإلى الشرق من المسجد النبوي توجد مقبرة بقيع الغرقد، وتوجد شمال المسجد حديقة الصافية، وإلى الشمال الغربي منه توجد مكتبة الملك عبدالعزيز، وإلى الشمال منه يوجد مركز طيبة، ويحد هذه المنطقة شارع الملك فيصل بن عبدالعزيز. ويتجه شرقاً شارع الملك عبدالعزيز من عند المسجد النبوي وإلى الشمال من بقيع الغرقد، ويصل إلى الطريق الدائري الثاني بعد اجتياز الطريق الدائري الأول من شمال إدارة مرور المدينة وإدارة التوجيه التربوي. ويقابله شارع يتجه غرباً من عند المسجد النبوي هو شارع باب السلام الذي يجتاز الطريق الدائري الأول والدائري الثاني مروراً من جنوب كلية البنات، والجامعة الإسلامية، وإلى الجنوب من هذين الشارعين توجد الأحياء التالية من الغرب إلى الشرق: طيبة، الحرة الغربية، الأنصار، الخلفاء، الروضة، السلام،  العوالي. وإلى الجنوب من هذه المناطق توجد: قباء، وقربان، ومدينة الحجاج، ويوجد جبل قريظة جنوب شرقي المدينة المنورة، وفي الجنوب الغربي جبل غُرابة الذي يرتفع 850م عن سطح البحر. وإلى الشمال منه يوجد جبل جمَّة ويفصل ما بين المدينة والجبلين وادي العقيق الذي يمتد شمالاً ويعبر ما بين الُرف غرباً، وجبل أُحُد شرقاً مروراً بالعيون. إلى الشمال من شارع باب السلام يوجد شارع السيح، ومنطقة الخندق، وفيها المساجد السبعة وجبل سلع، وإلى الشمال الغربي من سلع توجد منطقة العقيق. وإلى الغرب منها بعد الطريق الدائري الثاني يوجد مسجد القبلتين. وإلى الشمال منه يوجد شارع خالد بن الوليد وهو يصل الجرف. يليه شارع أبي بكر الصديق وإلى الشمال منه توجد منطقة النصر. وإلى الشرق منها يوجد شارع عثمان بن عفان. ويلتقي عند المسجد النبوي بشارع سيد الشهداء حمزة الذي يصل ما بين المسجد النبوي جنوباً وجبل الرماة ومرقد حمزة وشهداء أُحد شمالاً. ويوازيه شارع أبي ذر الغفاري، وما بين الشارعين تقع منطقة البيعة، وإلى الشرق منها تقع منطقة أُحُد. ومن شمال شرقي المسجد النبوي ينطلق شارع الملك فهد بن عبدالعزيز فيمر بوادي العاقول، ويصل إلى المطار. وما بين طريق الملك فهد وطريق الملك عبدالعزيز توجد الحرة الشرقية، وإلى الشمال منها منطقة الأوس. وفي شمال المدينة المنورة يوجد جبل أُحُد الذي يرتفع أكثر من ألف متر عن سطح البحر.  أغواتُ الحرمين الشريفين اندثر حي الأغوات في القرن العشرين. ولكن بقية من الأغوات ما زالت موجودة في الحرمين الشريفين. والمقصود بالأغوات: الخدم الذين في الحرمين الشريفين. وأوّل مَن عينَ الخدم في الحرمين الشريفين هو الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. وأولُ من اتخذَ الخِصيان لخدمة الكعبة هو الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، وأولُ من رتب الأغوات في المسجد الحرام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور. وأما أول مَنْ عيَّنَ أغوات المسجد النبوي من الخصيان فهو الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقد ازداد عددهم أيام المماليك والعثمانيين ثم بدأ يتناقص في القرن العشرين جراء مزاحمة التكنولوجيا للأعمال اليدوية.  ظلّ الأغوات يتميّزون بزيّ مُعيّن على مَرّ العصور. وتحسّن زيهم في أيام السلطان العثماني سليمان القانوني في القرن السادس عشر الميلادي، إذ صار للأغوات شارات ورُتبٌ تُفرّق بين كبار الأغوات وصغارهم. وأعلى رتبهم هي رُتبةُ شيخ الأغوات، وهو ناظر أوقافهم والمسؤول عن سير أعمالهم.  وشرطُ الالتحاق بسلك الأغوات أن يكون الراغبُ بالالتحاقِ مَخصيّاً لكي لا يؤذي النساء اللواتي يقصدن الحرمين الشريفين للزيارة والعبادة. ويُشترطُ أن يُرابطَ في الحرم سبع سنوات متواصلة. ومن المعلوم أن آخر آغا عين في سلك الأغوات سنة 1399هـ. وعدد الأغوات حالياً ٤١ آغا في الحرم المكي، و٢١ آغا في المسجد النبوي الشريف. وكان للأغوات سابقاً ٢٤ وظيفةً، أما الآن فانحصرت أعمالهم في أربع وظائف هي: المشاركة في استقبال خادم الحرمين الشريفين والوفد المرافق له، وخدمة كبار ضيوف الدولة، وفصل النساء عن الرجال، ومنع النساء من الطواف بعد الأذان.  وحظي الأغوات باهتمام المملكة العربية السعودية منذ أيام الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي أصدر مرسوماً ملكياً حُفِظتْ بموجبه حقوقهم وذلك في 19/4/1346هـ، وفي ما بعد صدر قرار مجلس الوزراء السعودي رقم: 925، بتاريخ ١٢/٩/١٩٣١هـ، وجاء فيه: »يبقى الأغوات على عاداتهم وتقاليدهم وما هُم عليه«. وللأغوات أوقاف خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف والأحساء والعراق والمغرب واليمن وبعض الدول الأخرى، وتصرف لهم حكومة خادم الحرمين الشريفين مرتبات شهرية مُجزية من طريق الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف مما يؤمّن لهم عيشاً رغيداً.   من أشهر الحارات والمناطق في المدينة المنورة سابقاً حي الأغوات، الذي كان يبدأ بزقاق الحارة. وهو زقاقٌ كانت أرضيتُه ترابية، وكان طوله نحو  552 متراً، وعرضه مترين، وكان يبدأُ الزقاقُ من أمام باب جبريل من الناحية الشرقية للمسجد النبوي، ثمّ يتجه شرقاً إلى باب الجمعة في السور العثماني الذي يفضي إلى البقيع، كما كان يتّجِه فرع العين الزرقاء  في وسط حارة الأغوات من عند الرُّستمية إلى الناحية الجنوبية ليتصلَ بشارع ذروان، وشارع درب الجنائز. كانت بيوت حارة الأغوات بشكل عام قديمةً جداً، ومبنيّةً بالطين والطوب وهي على ارتفاع دورين أو ثلاثة أدوار. وكان في حارة الأغوات أزقة مثل: زقاق اللبان، وزقاق الحبس، وزقاق سيدنا إسماعيل، وزقاق مظهر، وزقاق الخشب، وكان يوجد فيها كتّابُ بنت الشيخ خليل، ومدرسة ومكتبتها قرباش ومكتبتها بجانب بيت المدني  ومدرسة عمر أفندي ومكتبتها، ومكتبة مدرسة رباط مظهر ولا أدري ما علاقة هذا الرباط بالشيخ مظهر حسين والد الشيخ عبدالرحمن كبير مطوفي الهند في أيام الملك عبدالعزيز  ومكتبة الشيخ عبدالغفور البخاري، ومدارس سليم بك، والشيخ عبدالقادر الشلبي، والشيخ البري، ومدرسة حسين آغا جوهرجي.  وترجع تسمية حارة الأغوات بهذا الاسم لأن الأغوات كانوا يسكنون فيها لقربها من المسجد النبوي مقرّ عملهم، وهو ما يفسر ازدحام الأربطة والمدارس في هذه الحارة. اشتهر من سكانها: إبراهيم محمود اسكندراني، وعبدالقادر شلبي، وأحمد سراج السندي، ويوسف ديولي، ومحمود ديوليو، وحسن محمد المراكشي، وعبدالرحمن البيجاوي، وآل مكوار، وحسن صباغ، وعمر الحيدري، ورجب مجلد، وأبو بكر أحمد القاضي، وأحمد رضوان الطرابيشي. ونظراً للضرورةِ أزيلت هذه الحارة في مشروع توسعة المسجد النبوي وصارت جزءاً من ساحاته في الوقت الحاضر.    شارع العنبرية يقع شارع العنبرية في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة المنورة على الطريق المفضية إلى المسجد النبوي الشريف بالنسبة الى القادم من مكة المكرمة وجدة ويَنْبُع، وهو الشارع الرئيس في المدينة المنورة، ومن أعظم شوارعها وأعذبها هواء وأكبرها مورداً على الدوام لدخول قوافل الحجاج والزوار وركبان أهالي مكة وجدة وغيرهم.   يبدأ الشارع من باب العنبرية غرباً إلى مسجد الغمامة شرقاً، عرضه بين 20 و30 متراً، وسمي بالعنبرية اشتقاقاً من العنبر وهو من العطور الثمنية التي تباع بالمدينة المنورة ومكة المكرمة؛ أو من النخل الذي كان يُزرع في هذا الشارع، ويثمر التمر المسمى: عنبر أو تيمناً بشخص اسمه عنبر كان يعيش في هذا المكان، وهذا هو أرجح الأقوال عند بعض مؤرخي المدينة المنورة. وتتفرع من شارع العنبرية شوارع وأزقة وبعض الأحواش.  المناخة تقع منطقة المناخة غرب المسجد النبوي من ثنية الوداع الشامية شمالاً إلى بداية قُربان جنوباً.  وكان القسم الشمالي من المناخة ميداناً للسباق والتدرب على ركوب الخيل والرماية. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر بعض التدريبات ويحض المتدربين على أن يجودوا، ويسابق بينهم أحياناً، وقد بني في موقع السباق مسجد سمي مسجد السبق.   وفي قسمه الثاني اختط النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ للمسلمين السوق في السنوات الأولى من الهجرة ليخلصهم من سيطرة الْمُرابين اليهود على الأسواق الأخرى، وقال صلى الله عليه وسلم: »هذا سوقكم فلا يضيق ولا يؤخذ منه خراج«. وكانت السوق مكشوفة ليس فيها بناء. وكان يحضر التجار إليها صباحاً. ومن سبق إلى موقع وضع بضاعته فيه ويتاجر إلى نهاية اليوم ثم يحمل متاعه ليعود في اليوم الثاني. وفي عهد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك بني في منطقة السوق بناء كبير ونظمت فيه الدكاكين ليكون سوقاً ثابتاً. ولكن أهل المدينة هدموا البناء إثر وفاة هشام، وفي العهود المتأخرة بني للمرة الثانية واستثمره بعض المستفيدين. وفي فترة الحرب العالمية الأولى حوصرت المدينة فهدم فخري باشا السوق. وبعد ذلك قام حي سكني في المنطقة لقربها من المسجد النبوي وبقيت في الدّور الأرضي من مساكنه دكاكين ومعارض تجارية، ثم أزيلت في مشروع تحسين المناطق المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، وحفر على امتداد المنطقة نفق للسيارات يصل بين طريق حمزة سيد الشهداء شمالاً وأول منطقة قربان جنوباً،  وبقيت ساحة المناخة وامتداد السوق القديم ممراً للمشاة ولخدمة المسجد النبوي الشريف.   الْجُـرف تقع منطقة الجرف الآن في الشمال الغربي من المدينة المنورة، وتمتدُّ إلى ما وراء جبل أُحُد، وتمرّ فيها الطريق الخاصة بغير المسلمين والآتية من المطار شرقاً خارج حرم المدينة المنورة، وكانت منطقة الجرف من قبل أرضاً منبسطة فيها مجموعة من البساتين وفيها بعض الآبار، وأشهرها بئر رومة التي اشتراها الخليفة الراشد الثالث الشهيد عثمان بن عفان وأوقفه للمسلمين.  وينسب بعض المصادر التاريخية تسميته بهذا الاسم إلى تُبع ملك اليمن الذي مرّ بالمنطقة في العصر الجاهلي وأطلق عليها هذا الاسم. ولا يوجد أي دليل على صحة هذه الرواية. واستثمر المسلمون أرضَ الْجُرف وأقاموا فيها المزارع، وكان لعدد من الصحابة فيها بساتين. وفي أواخر أيام النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ أمرَ جيشَ أُسامةَ بن زيد أن يُرابطَ في الْجُرف استعداداً لتأديب الروم الذين مارسوا الإرهاب ضدَ المسلمين. وفي العهد الراشد استخدمت أرضُ الْجُرف المنبسطة لإقامة معسكر للمجاهدين، يتجمع فيه الذين يكتتبون للجهاد قبل توجّهِهم إلى الميادين. وكانت تُضرب في الْجُرف الخيام وتُعقد الرايات وتُوجّه منه الجيوش. وفي العهد العُثماني شيّد العُثمانيون قلعةً على سفح جبل أحد تُشرف على الْجُرف لحماية المدينة المنورة من الغُزاة الصليبيين وأعوانهم. ومازالت القلعةُ شامخةً. وفي الوقت الحاضر زحف العمران الإسمنتي الجشعُ على الْجُرف، فتقلصت مساحات المزارع والبساتين حتى أوشكت أن تختفي نهائياً لولا حماية الدولة للبساتين التي فيها بئر رومة، والتي جعلتها مزرعة تجريبية. وحافظ بعضُ الخيرين على واحات النخيل في غرب وشمال جبل أحُد.   قُبــاء  تقع منطقة قُباء جنوب المدينة المنورة، ويجري فيها وادي رانوناء. كانت من قبل قريةً مستقلة على طريق القوافل القادمة من مكة المكرمة، ثم امتد العمران إليها فاتصلت ببقية أنحاء المدينة المنورة، ويُروى أنها سُميت قُباء لبئر كانت فيها يقال لها قُبار، فتطير الناس منها فسمّوها قُباء.  تتميز قُباء بالمياه الجوفية القريبة من سطح الأرض. كما تتميز بخُصوبة تربتها. ولذلك تكثر فيها مزارع النخيل، والعنب، والبساتين المتنوعة الأشجار والثمار، وكانت قُباء إلى عهد قريب مجموعةً مـن المزارع المتصلة التي تنتشر بينها البيوت، أو تتجمع على شكل أحياء صغيرة، وخصوصاً حول مسجدها التاريخي الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم  عندما وصل إليها، وشارك الصحابة في بنائه، وهو أول مسجد بُني في الإسلام.  وردت في فضائله أحاديث كثيرة في أُمهات مُتون كُتُب أهل السُّنّة والجماعة. وكان الرسول يزوره بين الحين والآخر،  كما كان يزور بعض الصحابة في قباء. وانتشر العمران حالياً وامتد في جميع الاتجاهات وتقلصت المزارع والبساتين عمّا كانت عليه سابقاً. وبقيت في قُباء بعضُ بساتين النخيل التي تُضفي على المنطقة جمالاً وجلالاً.  الْخَنْدَق كان الخندقُ حفرة طويلة ممتدة وعميقةً حفرها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم،  والصحابة الكرام في السنة الخامسة للهجرة، عندما جمعت قريش عدداً من القبائل التي اسهمت في تشكيل الأحزاب الْمُناوئة لله وللرسول وللمؤمنين، وسارت قريش وأحزابها إلى المدينة راجيةً أن تستأصلَ المسلمين المؤمنين، وكانت أطراف المدينة الجنوبية الشرقية، وبعض أطرافها الغربية مُغطى ببقايا ركامٍ بُركانية شكّلت مع مزارع النخل الكثيفة حمايةً طبيعية لأرض المدينة المنورة. الجهتان الغربية والشمالية مكشوفةً يسهل العبور منها إلى قلب المدينة المنورة، فاستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأشار عليه سلمان الفارس  بحفر خندق على امتداد المنطقة المكشوفة من أطراف المدينة المنورة كي يحولَ دون مرور غُزاة الأحزاب الطامعين، وخطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندقَ، ووزّع الصحابة كل عشرة يحفرون أربعين ذراعاً من الخندق، وشاركهم النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ في العمل فكان يحفر بيديه الشريفتين، ويُحطّمُ الصخور التي يعجز الصحابة عن تحطيمها،  واستمر العمل في الخندق ستة أيام، ونُصبتْ خيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أُقيم في موقعِها في ما بعد مسجدُ الفتح. وسعى بعض الباحثين لتحديد موقع الخندق بدقة فلم يصلوا إلى نتيجة مرضية، ووضع الأستاذ الراحلُ عبدالقدوس الأنصاري  صاحبُ مجلة المنهل السعودية خارطة تقريبية للموقع بناء على ما جاء في المصادر التاريخية، وحسبما حدّدتْه هذه الخريطة فإنّ الخندقَ يبدأ من طرف حرّة الوبرة، أي: الحرة الغربية، عند مرور وادي بطحان قربها، ويمتدّ إلى غرب سلع، ثم ينعطف على شكل شبه قوسٍ ؛ فيمر قُرْبَ جبلِ ذباب، ويتجّه إلى أجمة الشيخين، وينتهي عند طرف حرة واقم أي: الحرة الشرقية، وبذلك يبلغ طول الخندق 12كم تقريباً،  ويعتقد أن عرضَه أكثر من أربعة أمتار لأن قليلاً من خيل المشركين استطاعت أن تعبره فتصدى لها المسلمون، وهلك فُرسانها، ودليلُنا على أنّ عرضه يتجاوز الأربعة أمتار هو أن الخيول الأصيلة المدربة تقفز أكثر من أربعة أمتار، ولو لم يكن عرضُ الخندق أكثر من أربعة أمتارٍ لتمكنت خيول الأحزاب كافة من اجتيازه، ولَتمكنوا من اقتحام المدينة المنورة. بعدما هُزمتِ الأحزابُ في غزوة الخندق تتالت انتصارات المسلمين، وفُتحت مكة المكرمة، وقويت شوكةُ الدولة الإسلاميةِ، وعُبِّرَ عن الدولة في القرآن الكريم بلفظ القرية والمدينة.ولم تَعُدْ للخندق ضرورة فأُهمل وانهارت جُدرانه وانهال الترابُ بعد الغزوة وانطمر معظمه في العهد الراشدي.  ثُمّ أعيد حفر الخندق سنة 63 للهجرة عندما رفضَ أهل المدينة طاعةَ الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، وتحصّن أهلُ المدينة المنورة خلف الخندق، وأرسل الخليفة يزيد جيشاً استطاعت مجموعة منه أن تقتحم الخندق من جهة حرة واقم، أي الحرة الشرقية، ثمّ دخلت أرض المدينة المنورة، واستطاعت مجموعة أخرى أن تردم جزءاً من الخندق وتعبره. بعد ذلك انطمر الخندق ثمانين عاماً، ثم حُفِرَ للمرة الثالثة عندما ثار محمد بن عبدالله بن الحسين المدعو بالنفس الزكية، وتمرّد على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. ولكن الجيش العباسي اقتحم الخندقَ ووضع حدّاً للتّمرّد، ولم يحفر الخندق بعد ذلك، وذكرَ السمهوديّ في كتابه »وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى«، أن بقايا متفرقة من الخندق كانت موجودة في عصره أي في القرن التاسع الهجري، ولكنها انطمرت بمرور الزمن ولم يبق منها الآن شيء على الإطلاق، ولكنّ المكان معروفٌ ولا سيما في منطقة المساجد السبعة، ولم تعُد للخندق حاجة دفاعية منذ أمدٍ طويلُ.   ٭ الكاتب: د. محمود السيد الدغيم، زميل باحث في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية SOAS في جامعة لندن.


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16437391
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة