العنوان: من أدلة أصول الفقه الاسلامي. الاستحسان في معناه اللغوي والتشريعي
الكاتب: محمود السيد الدغيم
جريدة الحياة،  العدد: 12567 ، الصفحة: 20
تاريخ النشر: 23 ربيع الأول 1418هـ/ 27 تموز/ يوليو 1997م

 للاستحسان تعريفان أحدهما لغوي وثانيهما اصطلاحي: أ: الاستحسان : في اللغة : مشتق من الحسن و»الحسن: ضد القبح« (١) »واستحسنه: عده حسناً. ومنه قولهم: صرف هذا استحسانٌ، والمنع قياسٌ...« (2) ويقال: استحسنت هذا الأمر، أي: اعتبرته حسناً، والاستحسان: استفعال، من الحسن، وهو ضد الاستقباح.

 ب : الاستحسان : في الاصطلاح : وله أكثر من تعريف.

  1ً: فعند الأحناف »هو العدول عن موجب قياس الى قياس أقوى منه« (٣).

 2ً: و»هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه. وهذا اللفظ، وإن عم جميع أنواع القياس ولكنه يشير الى ان الاستحسان: تخصيص العلة، وانه ليس بتخصيص«(٤).

 3ً: وعند الأحناف : معناه : »القول بأحد الدليلين، مثل تخصيص بيع العرايا، من بيع الرطب بالتمر، للسُّنة الواردة في ذلك...«(٥). 4ً:

وعند الحنابلة »الاستحسان: ترجيح أحد الدليلين على الآخر (...) ولفظ الاستحسان يؤيد هذا، فإنه اختيار الأحسن، وانما يكون في شيئين حسنين، وانما يوصف القول بالحسن اذا جاز العمل به لو لم يعارض...« (٦).

 5ً: والاستحسان »في مذهب مالك: الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي. ومقتضاه: الرجوع الى تقديم الاستدلال المرسل على القياس.

فإن من استحسن لم يرجع الى مجرد ذوقه وتشهيه، وانما رجع الى ما علم من قصد الشارع في الجملة، في أمثال تلك الاشياء المفروضة، كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمراً، إلا ان ذلك الأمر يؤدي الى فوت مصلحة من جهة اخرى، أو جلب مفسدة كذلك. وكثيراً ما يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي، والحاجي مع التكميلي، فيكون اجراء القياس مطلقاً في الضروري يؤدي الى حرج ومشقة في بعض موارده، فيستثنى موضع الحرج، وكذلك في الحاجي مع التكميلي، أو الضروري مع التكميلي. وهو ظاهر...

وقيل في الاستحسان: انه إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخيص، لمعارضته ما يعارض به في بعض مقتضياته...« (٧). 

 أنواع الاستحسان ينقسم الاستحسان الى نوعين: : استحسان »قوي تأثيره« وهو أولى مما ضعف تأثيره من القياس الجلي. ومثاله: »سؤر سباع الطير، فإنه نجس، قياساً على سؤر سباع البهائم، طاهرٌ استحساناً. لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر« (٨). ومن المعلوم ان الحكم على السؤر مرتبط بالحكم على اللحم، فلحم السباع نجس ولعابها كذلك ولذلك تنجس سؤرها. : استحسان »ظهرت صحته، وخفي فساده. أي اذا نظر اليه بأدنى نظر ترى صحته، ثم اذا تؤمِّل حق التأمل علم انه فاسد« (٩).

وهذا النوع من الاستحسان أضعف من القياس الجلي الذي ظهر فساده وخفيت صحته »لأن المعتبر هو التأثير لا الظهور« (10). ومثال وقوع هذا النوع من الاستحسان وهذا النوع من القياس: »سجدة التلاوة تؤدى بالركوع قياساً لا استحساناً، لأن كلاً منهما لما اشتمل على التعظيم كان القياس فيما وجب بالتلاوة في الصلاة أن تؤدى بالركوع كما تؤدى بالسجود لمناسبة ظاهرة بينهما«.

فهذا قياس جلي فيه فساد ظاهر، هو: العمل بالمجاز بلا تعذر الحقيقة. وصحة خفية هي: إن سجدة التلاوة لم تجب قربة مقصودة، وانما المقصود هو التواضع، ومخالفة المتكبرين، وموافقة المطيعين على قصد العبادة، وهذا حاصل في الركوع في الصلاة، إلا ان المأمور به سجود مغاير للركوع، فينبغي ان لا ينوب عنه الركوع، كما لا ينوب عن السجدة الصلاتية، وكما لا ينوب الركوع خارج الصلاة مع انه لم يستحق بجهة اخرى بخلاف الركوع في الصلاة. وهذا قياس خفي يسمى استحساناً.

وفيه أثر ظاهر هو العمل بالحقيقة وعدم تأدية المأمور به بغيره، وفساد خفي هو جعل غير المقصود مساوياً للمقصود. فعملنا بالصحة الباطنة في القياس، وجعلنا سجدة التلاوة في الصلاة متأدية بالركوع ساقطة به كما تسقط الطهارة للصلاة بالطهارة لغيرها بخلاف الركوع خارج الصلاة لأنه لم يشرع عبادة، وبخلاف السجدة الصلاتية فإنها مقصودة بنفسها كالركوع...« (١١) وفي هذا المثال يرجح القياس على الاستحسان.

: أقسام الاستحسان بالأدلة: أدلة الشرع المتفق عليها هي النص من الكتاب والسنة والاجماع والقياس، أما الأدلة المختلف فيها فقد ذكرناها في بداية هذا الفصل، ويقع الاستحسان بما يلي من الأدلة:

 : الاستحسان بالنص: »إن ترك القياس يكون بالنص تارة، وبالاجماع اخرى، وبالضرورة اخرى...« (٢١).

 : الاستحسان بالقرآن الكريم، ويتم بالعدول عن حكم القياس في مسألة ما الى حكم يخالف حكم القياس ويثبت بنص قرآني. ومثاله: الوصية، وهي تمليك يحصل بعد موت الذي أوصى بها، وهي مخالفة للقاعدة القياسية التي تقتضي إبطال الوصية لانعدام الملك بعد الموت، ولأن ملكية أموال الميت تؤول الى الورثة، فيصبح حق التصرف بالميراث من حق الورثة لا من حق الميت، ولكن استحسان الوصية حصل استحساناً لقوله تعالى: »ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين... « (سورة النساء: 11).

 : الاستحسان بالسنة، ويتم باستحسان حكم يخالف الحكم الكلي للثابت بالدليل العام، وسبب استحسان ذلك الحكم المستحسن هو استنباطه من السنة. ومثاله: استمرار صوم الناسي اذا أكل أو شرب، فمع انه تناول المفطرات فإن صيامه لا يفسد، وهذا مخالف لمقتضى القياس القائم على القاعدة القائلة: يفسد الصوم بعدم الامساك عن الطعام والشرب وبقية المفطرات.

ويقوم استحسان استمرار صوم الناسي استناداً لما استثني في قول النبي صلى الله عليه وسلم: »من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه« (13).

 : الاستحسان بالاجماع: ويتم بترك ما يوجبه القياس استناداً الى فتوى المجتهدين : بمسألة ما : باستحسان ما يخالف حكم الأصل في أمثالها، ويجوز الاستحسان بالإجماع السكوتي أيضاً.

ويتم الاستحسان بالاجماع بأنواعه لتحقيق مصالح الناس، ودفع الضرر والحرج عنهم أيضاً.

ومثاله: الاستصناع، وذلك ان يطلب شخص من صاحب صنعة ان يصنع له أداة ما، لقاء مبلغ ما. فهذا تعاقد على شيء غير موجود أثناء التعاقد لأنه لم يكن قد صنع بعد. والتعاقد على ما هو معدوم : غير موجود : تعاقد باطل لأنه على خلاف الأصل، لأنه معارض للحديث »لا تبع ما ليس تملك«، ومع ذلك ثبت استحسان الاستصناع بالاجماع (14).

 : الاستحسان بالضرورة: ويتم اذا وجدت ضرورة تدفع المجتهد الى الإعراض عن القياس، والأخذ بما تقتضيه الحاجة أو الضرورة دفعاً للأضرار، وجلباً للمنافع. 

ومثاله: »تطهير الحياض والآبار والأواني. فإن القياس نفي طهارة هذه الأشياء بعد تنجسها لأنه لا يمكن صب الماء على الحوض أو البئر ليتطهر، وكذا الماء الداخل في الحوض، أو الذي ينبع من البئر تتنجس بملاقاة النجس، والدلو تتنجس أيضاً بملاقاة الماء فلا تزال تعود وهي نجسة، وكذا الإناء اذا لم يكن أسفله ثقب يخرج الماء منه اذا جرى من أعلاه لأن الماء النجس يجتمع في أسفله فلا يحكم بطهارته، إلا أنهم استحسنوا ترك العمل بموجب القياس للضرورة المحوجة : الى ذلك : لعامة الناس، وضرورة أثر في سقوط الخطاب« (٥١). »فإن الحرج مدفوع النص، وفي موضع الضرورة يتحقق معنى الحرج لو أخذ فيه بالقياس، فكان متروكاً بالنص« (16). : الاستحسان بالعرف والعادات والتقاليد.

 : العرف : في اللغة : هو: »المعروف، وهو الخير والرفق والاحسان« (17) و»العرف: ضد النُّكرِ. والعارف: الرجل الصبور (...) والعريف: الذي يعرف أمر القوم (...) ويقال: إن عريف القوم سيدهم...« (18) و»العرف: اسم لكل فعل يعرف بالشرع والعقل حُسنه. والعرف: المعروف من الاحسان« (19). 

العرف : في الاصطلاح : »ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول، وهو حجة : أيضاً : لكنه أسرع الى الفهم (...). العرفي: ما يتوقف على فعل مثل المدح والثناء.

العرفية العامة: هي التي حُكم فيها بدوام ثبوت المحمول للموضوع، أو سلبه عنه ما دام ذات الموضوع متصفاً بالعنوان.

 ومثاله، سلباً: لا شيء من الكاتب ساكن الأصابع ما دام كاتباً. العرفية الخاصة: هي العرفية العامة، مع قيد اللادوام بحسب الذات، وهي: إن كانت موجبة : كقولنا: كل كاتب متحرك الأصابع ما دام كاتباً لادائماً : فتركيبها من موجبةٍ عرفيةٍ عامة، وهي الجزء الأول. وسالبة مطلقة عامة، وهي مفهوم اللادوام. وان كانت سالبة : كقولنا: لا شيء من الكاتب ساكن الأصابع ما دام كاتباً لا دائماً : فتركيبها من سالبة عرفية عامة، وموجبة مطلقة عامة« (20) و»العرف: ما تعورف من أمور العقلاء على نسق واحد. مأخوذ من عُرف الفرس« (21).

 : العادة : في اللغة : »سُميت كذلك لأن صاحبها يعاودها، أي: يرجع اليها مرة بعد اخرى. وعودته كذا، فاعتاده وتعوده، أي: صيرته له عادة« (22) »والعادة: اسم لتكرير الفعل والانفعال حتى يسهل تعاطيه فيصير كالطبع، ومن ثم قيل: العادة طبع خاص، والعادة: طبيعة ثانية« (23).

 العادة : في الاصطلاح : »هي ما استمر الناس عليه على حكم العقول، وعادوا اليه مرة بعد أخرى« (24) وشرط اعتبارها هو عدم مخالفة الشريعة، ومن العادات التي أقرها الشرع: الأمور الطبيعية »كالعادة في الحيض، وفي المعاملات، من حيث الثمن، أو شرط اعتيد ان يستدل بها. فيعتبر عادة الحائض بالنظر الى العبادات، كما لم تختلف العادة.

 ويحمل المطلق على المعتاد في الثمن والشرط. وعادة الرسول : صلى الله عليه وسلم : من الدلائل التي يستنبط منها الأحكام، وهي الداخلة في السنة. 

 والأمور التي تتوقف عليها الحياة لا تعد من العادات والله أعلم (...)

ومبنى الفقه على أربعة

اليقين: لا يرفع بالشك

والضرر: مزال

والمشقة: تجلب التيسير

والعادة: محكمة

وفي معنى هذه القاعدة: »الضرورات تبيح المحظورات، وإذا ضاق الأمر اتسع« (25)،

والمعتاد هو: »ما تكرر وقوعه من الحوادث على نسق واحد، أو ما أعيد تكراره من الحوادث على نظام واحد« (26). 

 أنواع العادة 

 العادة نوعان: قوليّ وفعلي.

 1ً: العادة القولية: هي تخصيص العام، ومثالها: اذا اعتادوا اطلاق الطعام على المقتات به خاصة، ثم ورد النهي عن بيع الطعام بالطعام متفاضلاً، فإن النهي يكون خاصاً بالمقتات به، لأن الحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية.

 2ً: العادة الفعلية: هي ان يوضع اللفظ لمعنى يكثر استعماله أهل العرف لبعض أنواع ذلك المسمى دون بقية أنواعه، وهي نوعان:

 أ: عادة عملية أو عرف عملي وجد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم النبي (صلى الله عليه وسلم« به وأقره، ولم يمنع منه، فهذا النوع يعتبر مخصصاً، والتخصيص هو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم.

 ب : عادة عملية أو عرف عملي وجد بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن استمر العمل به حتى صار إجماعاً عملياً فهو يخصص العموم، لكن المخصص حينئذ هو الاجماع لا العادة. : العادة والعرف، يتلازمان ويردان بنفس الحكم حيث نجد ان »العادة: العرف العملي مخصص عند الحنفية، خلافاً للشافعية، كحرّمت الطعام.

وعادتهم أكل البُر انصرف إليه وهو الوجه. أما بالعرف القولي: فاتفاق، كالدابة: على الحمار، والدرهم: على النقد الغالب...« (27).

إن بعض العادات تتغير من مصر الى مصر، كما تتغير من عصر الى عصر، وبعضها غير قابل للتغير، فالعادات التي تختلف هي عادات خاصة بأهل مصر من الأمصار، أو عصر من أعصار، أما العادات التي لا تتغير فهي عادات عامة.

وحكم العادات الخاصة خاص بأهلها، وحكم العادات العامة عام يشمل الجميع. ويذكر ان »الأصـل في العبادات بالنسبة الى المكلف: التعبد، دون الالتفات الى المعاني، وأصل العادات الالتفات الى المعاني« (28) أي إن العبادات فروض ربانية، أما العادات فهي اتفاق بشري، والدليل هو: »ان وجوه التعبدات : في أزمنة الفترات : لم يهتد اليها العقلاء اهتداءهم لوجوه معاني العادات، فقد رأيت الغالب فيهم الضلال فيها، والمشي على غير طريق، ومن ثم حصل التغيير في ما بقي من الشرائع المتقدمة، وهذا مما يدل دلالة واضحة على ان العقل لا يستقل بدرك معانيها ولا بو ضعها، فافتقرنا الى الشريعة في ذلك، ولما كان الأمر كذلك تحذر أهل الفترات في عدم اهتدائهم (...) (بينما نجد) ان الالتفات الى المعاني قد كان معلوماً في الفترات، واعتمد عليه العقلاء، حتى جرت بذلك مصالحهم، وأعملوا كلياتها على الجملة فاطردت لهم، سواء في ذلك أهل الحكمة الفلسفية وغيرهم، إلا أنهم قصروا في جملة من التفاصيل فجاءت الشريعة لتتم مكارم الاخلاق، فدل على ان المشروعات في هذا الباب جاءت متممة لجريان التفاصيل في العادات على أصولها المعهودات، ومن ها هنا اقرت الشريعة جملة من الاحكام التي جرت في الجاهلية، كالدية، والقسامة، والاجتماع يوم العروبة : وهي الجمعة : للوعظ والتذكير، وأشباه ذلك مما كان عند أهل الجاهلية محموداً، وما كان من محاسن العوائد ومكارم الاخلاق التي تقبلها العقول...« (29).

 : حجية العرف والعادات: تباينت مواقف علماء أصول الفقه في حجية العرف والعادات، حيث اعتبرها بعضهم حجة وردها بعضهم، والبعض قَبِل بعضها وردّ بعضها الآخر.

 : المعارضون: قالوا: »وأما ترك القياس للعادة فباطل،

 فإن العادة تنقسم الى الحق والباطل، وقياس الشرع حق، فلا يترك الحق الظاهر بالمتردد المحتمل إلا ان يثبت ان هذه العادة مروية عن السلف، فيترك القياس حينئذ للاجماع الوارد عن السلف لا للعادة، فأما العادة المستحدثة مثل التعليم المختلط، فلا يترك لها القياس. والأصولي ليس يليق بنظره الكلام في أفراد المسائل وآحادها، وانما يتكلم في القواعد والكليات« (30) وهذا رأي جمهور الشافعية.

 : المؤيدون: قالوا: »أما العوائد: فهي غلبة معنى من المعاني على الناس، وقد تكون هذه الغلبة في جميع الأقاليم، وقد تختص ببعض البلاد، أو بعض الفرق، فيقضى بالعادة عند المالكية : خلافاً لغيرهم : وذلك ما لم تخالف الشريعة« (31) ووافقهم الحنابلة والأحناف.

 : المتوسطون: قالوا: إن إطلاق  الاستحسان على العدول عن حكم الدليل الى العادة هو موضع نزاع، وحقيقته: »ان يقال: إن أردتم بالعادة ما اتفقت عليه الأمة من أهل الحل والعقد، فهو حق، وحاصله راجع الى الاستدلال بالاجماع.

 وان أريد به عادة من لا يحتج بعادته، كالعادات المستحدثة للعامة فيما بينهم، فذلك مما يمتنع ترك الدليل الشرعي به« (32).

 : خلاصة القول: ان الاستحسان بالعرف والعادات دليل شرعي معتبر ما لم يخالف الأدلة المتفق عليها بإجماع جمهور علماء أصول الفقه الاسلامي وهي: الكتاب والسنة والاجماع والقياس.

 فإذا خالف العرف والعادات هذه الأدلة المتفق عليها لا تعتبر تلك المخالفة دليلاً شرعياً.

 ولا يجوز للمفتي »ان يفتي في الإقرار، والأيمان، والوصايا وغيرها مما يتعلق باللــفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ دون ان يعرف عرف أهلها والمـــتكلمين بها، بل فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه، وان كان : المفتي : مخالفاً لحقائقها الأصلية، فمتى لم يفعل ذلك ضل وأ ضل.

فلفظ الدينار : عند طائفة : اسم لثمانية دراهم، وعند طائفة: اسم لاثني عشر درهماً.

والدرهم : عند غالب البلاد اليوم : اسم للمغشوش. فإذا أقر له بدراهم، أو حلف ليعطينه إياها، أو أصدقها امرأة لم يجز للمفتي، ولا للحاكم ان يلزمه بالدراهم الخالصة (الصحيحة) فلو كان في بلد : انما : يعرفون الخالصة، لم يجز له ان يلزم المستحق بالمغشوشة، وكذلك في ألفاظ الطلاق والعتاق، فلو جرى عرف أهل بلد أو طائفة في استعمالهم لفظ الحرية في العفة دون العتق، فإذا قال أحدهم عن مملوكه: إنه حر، أو عن جاريته: انها حرة، وعادته استعمال ذلك في العفة، لم يخطر بباله غيرها، لم يعتق بذلك قطعاً، وان كان اللفظ صريحاً عند من ألف استعماله في العتق، وكذلك اذا جرى عرف طائفة في الطلاق بلفظ: التسميح بحيث لا يعرفون لهذا المعنى غيره. فإذا قالت له: اسمح لي. فقال لها: سمحت لك. فهذا صريح في الطلاق عندهم. (وفي هذه الصور يعتبر التخصيص بالعرف) دون موضوع اللفظ لغة، أو في عرف غيره (...) ومن لم يراع المقاصد والنيات والعرف في الكلام فإنه يلزمه ان يجوز له« (33) ما لا يجوز.

ولهذا نجد ان جمهور المسلمين من الاحناف والمالكية والحنابلة أجازوا الاستحسان بالعرف والعادة اذا لم يتعارض العرف والعادة مع دليل شرعي أقوى من العرف والعادة، وهذا هو الراجح، وشرط صحة الاستحسان بالعرف والعادة: ان لا يصدر عن هوى وانما يصدر عن دليل يراعي جانب الشريعة الاسلامية. 

 : مثال الاستحسان بالعرف: كل شرط جرى به العرف يعد صحيحاً ولو خالف القياس.

مثل بيع الثمار قبل نضوجها اعتماداً على التخمين بشرط ان تبقى الثمار على الشجر حتى تنضج.

 فهذا صحيح استحساناً، ولكنه مخالف للقاعدة القائلة: كل بيع فيه شرط لا يجوز. لأن النبي صلى الله عليه وسلم »نهى عن بيع وشرط« (34) وهكذا نجد ان بيع الثمار قبل نضجها لا يصح إلا بالاستحسان عرفاً. 

مصادر البحث 

 ١ : مجمل اللغة، ابن فارس، ج١/ ص ٣٣٢.

 ٢ : تاج العروس، ج٨١/ ص ٣٤١.

 ٣ : كشف الأسرار، عبدالعزيز البخاري، ج٣/ ص ٣.

 ٤ : كشف الأسرار، ج٤/ ص ٣.

 ٥ : أحكام الفصول، الباجي، ج٢/ ص ٤٦.

 ٦ : المسودة، آل تيمية ص ٥٠٤.

 ٧ : الموافقات، الشاطبي، ج٤/ ص ٦٠٢ : ٨٠٢.

 ٨ : مرآة الأصول، منلا خسرو ص ١٥٢.

 ٩ : مرآة الأصول، ص ١٥٢.

 ٠١ : مرآة الأصول، ص ١٥٢.

 ١١ : مرآة الأصول، ص ١٥٢. 12

 : أصول السرخسي، ج٢/ ص ٢٠٢.

 ٣١ : جامع الأصول، ابن الأثير ج٧/ ص ٧٩١.

 ٤١ : كشف الأسرار، ج٤.

٥١ : كشف الأسرار، ج٤.

٦١ : أصول السرخسي، ج٢/ ص ٣٠٢.

 ٧١ : المصباح المنير، الفيومي ص ٤٠٤.

 ٨١ : مجمل اللغة، ج٢/ ص ١٦٦.

 ٩١ : بصائر ذوي التمييز، الفيروز آبادي، ج٤/ ص ٧٥.

  ٠٢ : التعريفات، الجرجاني، ص ٩٤١ : ٠٥١.

 ١٢ : الكافية، ص ٨٥.

 ٢٢ : المصباح المنير، ص ٦٣٤.

 ٣٢ : عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ص ٨٨٣.

 ٤٢ : التعريفات، الشريف الجرجاني، ص ٦٤١.

 ٥٢ : المصقول، ص ٤٤١.

 ٦٢ : الكافية في الجدل، الجويني، ص ٨٥.

 ٧٢ : التحرير، ابن همام، ص ٥٢١.

٨٢ : الموافقات، الشاطبي، ج٢/ ص ٠٠٣.

 ٩٢ : الموافقات، ج٢/ ص ٤٠٣ : ٧٠٣.

 ٠٣ : الوصول، ابن برهان، ج٢/ ص ٢٢٢ : ٣٢٢.

 ١٣ : تقريب الوصول الى علم الأصول، ص ٨٤١.

 ٢٣ : الأحكام، الآمدي، ج٤/ ص ٨٣١.

 ٣٣ : اعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، ج٤/ ص ٩٩١.

 ٤٣ : الايضاح، يوسف بن الجوزي، ص ٩١٤.

********

  24489 (الحياة)...........عام (العنوان: من أدلة أصول الفقه الاسلامي . الاستحسان في معناه اللغوي والتشريعي