مقالات قديمة : العنوان: استهجان الحوار العربي- العربي، ودعوة إلى الحوار العربي- العبري!)  (الكاتب: محمود السيد الدغيم )

(التاريخ: 07-08-1994 )(هـجري: 30-02-1415 )(المواصفات: (العدد: 11494 )(الصفحة: 19 )الكتاب: أسئلة الحقيقة  ورهانات الفكر مقاربات نقدية وسجالية. المؤلف: الفيلسوف الشيعي اللبناني: علي حرب. الناشر: دار الطليعة - بيروت. الطبعة الأولى: 1994م. 200 صفحة 

(“ أهدى علي حرب كتابه إلى “قيصر حداد، رجل التربية القدير الذي يعامل نفسه، ويدير أفكاره بصورة خلاقة مثمرة”. وبعد الاهداء مهّد لكتابه تحت عنوان “علاقتنا بأفكارنا” وذكر ان هذا الكتاب يتضمن “فصولاً متفرقة، ومقالات متناثرة قد جُمعت ورُتبت على نحو عرضي، إذ لا اتصال بينها ولا مفهوم ينتظمها، ولا سيرورة تخضع لها، ومن الممكن قراءتها من الآخر أو من الوسط أو من الفصل الأول نفسه. ولا فرق في ذلك. فلسنا هنا ازاء خطاب استدلالي يفضي فيه السابق إلى اللاحق، أو ينتج اللاحق عن السابق. انها مقالات مستقلة حول قضايا ومحأور أمارس التفكير فيها من خلال ممارستي لعلاقتي بأشياء كالنصّ، والحقيقة، والحوار، والتراث، والليبرالية، والديموقراطية، والايديولوجية وسواها من العنأوين التي هي مدار الكلام في هذه الفصول (… ) ما أُمارسه في معالجاتي هو انني أمارس التفكير كفاعلية نقدية ثمرتها كسر القوالب أو التحرر من الأنساق، أو اختراق الكثافات، أو كشف الفراغات، أو تبيان التداخل والتخارج، أو ممارسة الاختلاف والمغايرة (… ) وأشير بنوع خاص إلى منطقة الخطاب، وهي المنطقة التي أوليها اهتمامي وأحاول استثمارها، والتي آثرت تسميتها “نقد النص” أو “انطولوجيا النص” وأعني بالخطاب هذه المنطوقات التي ننتجها ونتدأولها وندونها، والتي هي ملازمة لنا ملازمة وجودنا. الا انها لم تكن تحظى بالاهتمام والاعتراف…”. ان ما يدعيه الكاتب من عدم الاهتمام والاعتراف بالخطاب حظي بالاهتمام والاعتراف منذ قرون عدة. وعرّف إمام الحرمين الجويني (٩١٤ - ٨٧٤هـ- ٨٢٠١ - ٥٨٠١م ) الخطاب فقال: “وأما الخطاب، والتكلم، والتخاطب، والنطق - واحد في حقيقة اللغة - وهو ما به يصير الحيّ متكلماً. وقد قيل: حقيقته ما يُفهم منه الأمر والنهي والخبر، ومتى فُهم منه أحد هذه، فقد فهم الكل. فإن كل أمر نهيٌ وخبر. وكل نهي: أمر. وكل خبر: أمر ونهي. ولو اقتصرت في تحقيقه على واحد فقلت: ما فهم منه الأمر أو النهي أو الخبر أو الاستخبار، لاستقام. والكتابة والعبارة لا يفهم منهما ذلك، وإن فهم بهما، فلذلك لم يكونا على الحقيقة كلاماً. وقد قيل في العبارة: انه كلام ايضاً حقيقة. فمن أجرى اسم الكلام على العبارة - مع انها دلالة على ما في النفس من الكلام - لم يستبعد اجراء اسم الكلام على الكتابة المفهوم بها الكلام. والصحيح: انهما يُسميان كلاماً مجازاً، لأنه يفهم بهما الكلام، كما سبق علماً وإرادة، إذ فهم بهما الكلام، لأن حقيقة صفة الحيّ لا تقف في الايجاب على الاصطلاح، أو التوقيف، كالقدرة والحياة والإرادة، والسمع والبصر وغيرهما من صفات الاجسام، كالحركة والسواد والطعوم وغيرها…” (الكافية في الجدل ص: ٢٣ - ٣٣، الفقرة: ٥٧ ). وأورد الشهيد يوسف بن عبد الرحمن ابن الجوزي (ت ٦٥٦هـ- ٨٥٢١م ) حدّ الخطاب فقال: “هو الكلام الذي يفهم المستمع منه شيئاً. والحكم: عبارة عن ورود خطاب الشرع في أفعال المكلفين، بالأمر والنهي، أو الإباحة. وعن ورود خطابه في حادثة يجعلها سبباً أو شرطاً أو مانعاً. وأما مفهوم الموافقة فهو فحوى الخطاب ولحنه. وحقيقته هي: ان يكون حكم مسكوته موافقاً لحكم منطوقه، ويكون أولى به، كقوله تعإلى: “فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ” (سورة الإسراء، الآية ٣٢ ) فإن تحريم التأفيف يدلّ على تحريم الضرب العنيف، بطريق الأولى”. (الإيضاح لقوانين الاصطلاح، الورقة ٩ ب ). ان ما ذكره الجويني وابن الجوزي يؤكد ان الخطاب حظي بالاهتمام والاعتراف، ومن يتتبع النصوص في كتب أصول الفقه والجدل وعلم الكلام يمكنه جمع كتاب يساوي أضعاف الكتاب الذي كتبه حرب، وحجتنا الدامغة هي النصوص الواردة في كتب العلماء، والمكانة السامية التي أولتها الشريعة الاسلامية للمنقول حيث وُضع الصحيح منه في مرتبة أعلى من مرتبة المعقول، لأن الثابت بالنقل منزّه عن الخطأ، اما المستند على العقل فصحته وفساده مرتبطان بنوعية العقل لأنه الآلة المنتجة للمعقول. والشواهد كثيرة على فساد المعقول، ودليلنا ما نشاهده من تقلبات الداعين إلى المعقول الذين يُمسون في أقصى اليسار، ويصبحون في أقصى اليمين، يمسون عرباً ويصبحون عبرانيين وتذبذهم هذا دليل على اضطراب الآلية العقلية عندهم. وهم يدعون إلى الديموقراطية ويلغون الآخر إذا خالفهم ومثل هذا التناقض واضح في آراء دعاة المعقول حينما تضطرب العقول وتختلط المفاهيم. وفي الكتاب الذي بين أيدينا أمثلة كثيرة. كيف يمكننا أن نسلّم بما ادعاه الكاتب في أن “المنطوقات (… ) لم تكن تحظى بالاهتمام والاعتراف” وبين أيدينا منطوقات لا يحصرها عدد حظيت باهتمام العلماء واعترافهم بالإجماع؟ ولو عدنا إلى كتب أصول الفقه لوجدنا مبحثاً في وضع اللفظ للمعني يضم مطالب في الخاص وما يتضمنه من المطلق والمقيد، والأمر والنهي وفي العام وما يتضمنه، والمشترك وما يتضمنه، ومبحثاً في اللفظ باعتبار استعماله في المعنى ويتضمن الحقيقة والمجاز والصريح والكناية، ومبحثاً في دلالة اللفظ على المعنى يتضمن واضح الدلالة وفيه: الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم، كما يتضمن غير واضح الدلالة وفيه: الخفي، والمشكل، المجمل، والمشابه، ومبحثاً عن كيفية دلالة اللفظ على المعنى ويتضمن عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص، ومفهوم المخالفة. وتحت هذه العناوين الرئيسية عناوين فرعية تدل دلالة واضحة على ما حظي به الخطاب من اهتمام، وما ناله من اعتراف العلماء الأجلاء. في القسم الأول “انطولوجيا النص” تناول الكاتب: زحزحة المعنى، وقراءة تنويرية، وقراءتين، وطرق استنطاق، وكشف، وصراع التأويلات. وخلص إلى القول: “وحدها النظرية الجديدة التي أوثر تسميتها (انطولوجيا النص ) تعيد الاعتبار في آن للنص ولتفاسيره وقراءاته. وذلك بقدر ما تتعامل مع الخطاب بوصفه مصدراً للمعنى أو منتجاً للحقيقة، فالفكر والقصد والعني، كل ذلك يمرّ في مخرطة اللغة، ويخضع لتقاطيع الخطاب” (ص: ٤٣ ). اما القسم الثاني “الفلسفة واشكالاتها” فتتضمن عنأوين فرعية هي: الفلاسفة روحانيون، إذن زنادقة. ومَنْ هو الفيلسوف، وسقراط الحاضر أبداً، وهايدغر يحاكم في قبره، وقراءة في سيرورة الفلسفة، وهل الفلسفة ضرورية؟ والفلسفة ومؤتمراتها، وازدهار الوجود. وفي هذا القسم يدّعي الكاتب “ان تصور الاسلاميين للاسلام لا يتطابق من جهة أولى مع الرؤية القرآنية، ولا يتطابق من جهة ثانية مع تصور المسلم العادي لدينه…” (ص: ٦٣ ). ووضع الكاتب للقسم الثالث عنوان “اسئلة الحقيقة والواقع نقد الحقيقة” وضمّنه قطعاً هي: السؤال الحقيقي، والتعريب والتغريب، والمفكر والداعية، والمؤمن والدهري، ونقد الحقيقة، والحق يشهد للحقيقة: فرويد والقرآن، وحقيقة الهداية، والغيب اللاهوتي والغيب الانطولوجي. يبلغ الكاتب - في القسم الثالث - مرتبة التعسف عندما يتنأول “فرويد والقرآن” إذ يقول: “لا يبتعد فرويد، بعلمه التحليلي، عن الرؤية القرآنية كلّ البعد. بل هو أقرب اليها مما نظن. يتبين لنا ذلك، إذا اجرينا مقارنة بسيطة بين نظرية فرويد في النفس وبين كلام القرآن عليها. فمن المعلوم ان مؤسس التحليل النفسي يحلل النفس بتنأولها على صعد ثلاثة. مميزاً بذلك بين قوى ثلاث يتكون منها الجهاز النفسي، وتمثل العوامل الرئيسية الفاعلة في نشاط الانسان وسلوكه، وهي: “الهُوَ” و”الأنا” و”الأنا الأعلى”. وهذه المراتب الثلاث تضاهي نفوساً ثلاثاً يشير اليها القرآن، وهي: “النفس الامّارة” و”النفس المطمئنة” و”النفس اللوامة”. اما “الهُوَ” فإنه نظير “النفس الامارة” كونه يشكل منبع الغرائز وبؤرة الشهوات (… ) وأما “الأنا الأعلى” فهو نظير “النفس اللوامة” فإنه على الضد من “الهو” يمثل نظام الجماعة، ويصدر عن النمإذج الاصلية، ويخشى المحرم، ويستلهم المثل، ويتوحد بالقوانين والمعايير، وينوب مناب السلطات التي يخضع لها الفرد. سلطة الحاكم، وسلطة الأب والرب. وبالاجمال: فالأنا الأعلى يستبطن الأمر اخلاقي الواجب بذاته. من هنا فإنه يشكل مؤسسة للاقتصاد في الهوى وقمع الشهوات، انه أداة ضبط الحاجات، وتقنين الرغبات بقدر ما هو آلة التهذيب ووسيلة الترويض والتطبيع، فهويته هي إذن أنسية مدنية، ومجتمعية سلطوية. وأما “الأنا” فإنه نظير “النفس المطمئنة” وهو يشكل مبدأ الانسجام والتوازن في حياة النفس. لأنه يوازن بين “الهو” و”الأنا الأعلى” ويوفق بين الأهواء، وسُلّم القيم (… )”. الكاتب في هذه المقارنة بين ما نزل في القرآن، وما ابتدعه فرويد، هو واحد من اثنين: إما جاهل بأحوال النفس وأنواعها، وإما عالم بذلك ولكنه من الذين “يحرّفون الكَلِمَ عن مواضعه”. ودليلنا على ذلك شرحه معاني النفس شروحاً تتفق مع النمط الفرويدي، وتتعارض مع الشرح العربي الاسلامي، والدليل هو ما تضمنته كتب التراث، ونكتفي بما قاله الشريف علي بن محمد الجرجاني (٠٤٧ - ٦١٨هـ- ٩٣٣١ - ٣١٤١م ) في كتاب التعريفات، ص: ٣٤٢. ١ - “النفس الامارة: هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية، وتأمر باللذات والشهوات الحسية، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، فهي مأوى الشرور، ومنبع الأخلاق الذميمة. ٢ - النفس اللوامة: هي التي تنورت بنور القلب، قدر ما تنبهت به عن سنّة الغفلة، كلما صدرت عنها سيئة - بحكم جِبلتها الظلماتية - اخذت تلوم نفسها، وتنوب عنها. ٣ - النفس المطمئنة: هي التي تم تنوّرها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة، وتخلقت بالاخلاق الحميدة”. ويقول الجرجاني في معرض تعريفه النفس الناطقة: “فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت مطمئنة، وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت موافقة للنفس الشهوانية، ومتعرضة لها سميت: لوامة. لأنها تلوم صاحبها عن تقصيرها في عبادة مولاها. وان تركت الاعتراض وإذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات، ودواعي الشيطان سميت: أمارة”. (التعريفات ص: ٤٤٢ ). وكلام الجرجاني ليس بعيداً عن كلام المفسرين في تفسيرهم النفس الامارة، في سورة يوسف، الآية: ٣٥، والنفس اللوامة، في سورة القيامة، الآية: ٢، والنفس المطمئنة، في سورة الفجر، الآية: ٧٢. والعلماء مجمعون على ان النفس المطمئنة هي الناجية، والنفس الامارة هي الهالكة، والنفس اللوامة بين المرتبتين فإن تابت وآبت نجت، وإلا فمصيرها كمصير النفس الأمارة. ان مقارنة الكاتب “الأنا” بالنفس المطمئنة، و”الأنا الأعلى” بالنفس اللوامة و”الهو” بالنفس الأمارة غير موفقة لأنها تناقض الحقيقة وتنسلك في سلك التعسف غير المنطقي. ومثل هذه الهفوات يتكرر في طيات هذا الكتيب. أدرج الكاتب القسم الرابع تحت عنوان “لبنانيات” وفيه عنأوين فرعية هي: فلنصنع ليبراليتنا، والوجه الآخر، وحق المشاهد، وسلطة أهل الفكر، وما وراء الكتابة، والديموقراطية والدعوة، وتحت العنوان الأخير يقول الكاتب: “عندما يتحول المثقف إلى داعية يتراجع عن مهمته النقدية ويؤسس للاستبداد. هذا هو الدرس الذي يستفاد من التجارب الحديثة، تجارب الديموقراطية الاشتراكية أو الاشتراكيات الديموقراطية: ان الديموقراطية تنتج أسوأ الحكومات عندما تتحول إلى عقيدة أو مذهب أو دعوة. ولا نعجبن فالدعوة هي نقيض الديموقراطية. لأن الديموقراطية تفترض سلطة حرة مفتوحة تستوعب المختلف وتقبل النقاش، بينما تؤول الدعوة إلى الانغلاق والوحدانية (… ) ان الداعية يتصرف على أساس انه أوعى من الناس وأولى بهم من أنفسهم، ولهذا فإن كل دعوة، أياً كان عنوانها، تنطوي على بذور الاستبداد وجرثومة الفاشية” (ص: ٥٥١ ). هكذا ينظّر الكاتب بشكل عبثي، ودعواه “ان كل دعوة (… ) تنطوي على بذور الاستبداد وجرثومة الفاشية” هي دعوة متهأوية تسأوي بين الانساني والوحشي. وكفى بهذا للدلالة على الخلط والاختلاط الذي وقع فيه. ويتضح تناقض الكاتب عندما ينتقد بيان “الملتقى الديموقراطي في لبنان” ويبرر نقده بوصفه: “هو دعوة لنقد الدعوات على اختلافها، فما أكثر الدعاة، وما أقل النقاد”. (ص ٦٥١ ). وهنا من حقنا ان نسأل الكاتب: أليس ناقد شيء ما هو داعية إلى شيء آخر؟ وكيف يمكننا الفصل بين الناقد والداعية؟ أليس الداعية إلى مذهب ما هو ناقد للمذهب الآخر؟ ويقدم الكاتب القسم الخامس تحت عنوان “سجالات” ويندرج تحته: عماء الايديولوجية، وحوار الحقيقة، ونحو وعي كوكبي، وفي النقد قوة. يقع الكاتب في مغالطات منها قوله: “ولا مراء ان للماركسية بُعدها المثالي، فهي ككل ايديولوجية ذات طابع طوبأوي بل لاهوتي (ص ٩٥١ ) والماركسيون يشبهون في هذا الموقف - أعني في هذه الحيلة الفكرية - الدعاة الاسلاميين الذين تنهض دعوتهم على الفصل بين الاسلام كرسالة، ومعتقد، ونموذج وبين الدولة التي حكمت باسمه”. (ص ٠٦١ ). وواضح ان مقارنة الماركسي باللاهوتي والاسلامي ما هو الا من باب التعسف الذي يرفضه الطرفان اللذان لا يلتقيان إلا في مخيلة الكاتب. هكذا يبشر الكاتب بالنظام المرتقب، ثم يهاجم من يخالفه الرأي الفاسد، ففي رأيه “غريب امر أولئك الكتاب اللبنانيين والعرب الذين يقيمون في عواصم الغرب هرباً من أهلهم وديارهم، أو ضيقاً بهويتهم وانتماءاتهم، ثم هم ينكرون على المقيمين وسط أهلهم، وفي أوطانهم ان ينتقدوا هويتهم، ويراجعوا ذوات انفسهم، والذي يبدو من مقالاتهم وتعليقاتهم ان ثمة استراتيجية للرفض تتحكم في مناقشاتهم وردود فعلهم الفكرية. فهم يتعاملون مع هويتهم الثقافية كشيء لاهوتي لا ينبغي المساس به أو النيل منه…” (ص ٩٧١ ). ويختتم علي حرب كتابه بالقسم السادس “قضايا الحوار” الذي ضمنه: لغة الحوار، وامكان الحوار، ووهم الحقيقة الساطعة، والماركسيات، واسلام متعدد، والحقيقة أقل مما هي، والمسأواة في الابتداع، وتاريخية الأصل، والتبشير ضد الحوار. يُثبط الكاتب همم دعاة الحوار، ويشكك بمصداقية الحوار الاسلامي - الاسلامي، والمسيحي - المسيحي، والاسلامي - المسيحي، والاسلامي - الماركسي فيقول: “من هنا الشك بمصداقية الحوار الدائر الآن بين الأرثوذكس والكاثوليك، أو بين المسيحيين والمسلمين، أو بين السنّة والشيعة، وكذلك شأن الحوار الذي يُراد له ان يجري بين الاسلاميين والماركسيين، من دون اغفال التفأوت بين هذين الطرفين. (ص ٣٠٢ ) ولكنه يعلّق آماله على “الحوار بين العرب والاسرائيليين بعد كل تلك اللاءات المشهورة، هو حوار بين من يتحدرون من أصل واحد وينتمون إلى أرومة لغوية واحدة، واللغة تجمع وتفرق في آن (… ) فعسى ان يؤدي الحوار بينهما إلى خرق أسوار الممنوع، واجتياز حدود المصطنع لصنع سلام يرضى به الطرفان…” (ص ٧٨١ ). هكذا تبدو هوية الكاتب انه يائس من كل أنواع الحوار الا الحوار العربي - العبري . عرب. عبر. ولا خلاف بين الجذرين اللغويين في ذهنه.

 10124 (جريدة الحياة ).عام (العنوان: استهجان الحوار العربي ــ العربي، ودعوة إلى الحوار العربي ــ

********************

ردّ علي حرب على نقد د. محمود السيد الدغيم

 (العنوان: استهجان الحوار العربي ــ العربي، ودعوة إلى الحوار العربي ــ العبري  ! )
(العنوان:نقد متسرع وقراءة في ظاهر الكلام  . شاهد على نفي العربي للعربي) (الكاتب:علي حرب) (ت .م:14-08-1994) (ت .هـ:07-03-1415) (الواصفات:   ) (العدد:11501) (الصفحة:19)   قرأت ما كتبه محمود السيد الدغيم، حول كتابي:»اسئلة الحقيقة ورهانات الفكر« . ولا استغرب الطريقة التي كتب بها اعتراضه وعَنْون نقده: »استهجان الحوار العربي - العربي ودعوة الى الحوار العربي - العبري« . لا استهجن هذه الطريقة البوليسية، لأن مثل هذه النماذج العقائدية والنسخ الإيديولوجية الإرهابية لا تفكر إلا على هذه الشاكلة، ولا تحسن ان تكتب غير ذلك . اطمع في مخاطبة صاحب العقل النيّر والبصيرة المفتوحة الذي يقرأ العمل الفكري، فيلتفت الى ما يطرحه عليه من الأسئلة، او الى ما يقدمه من امكانات للفهم والتفسير . وهذا ما اجتهدت ان افعله في كتابي، وبالتحديد في القسم المسمّى: قضايا الحوار، حيث حاولت ان افهم اللامفهوم في ما يخصنا نحن العرب، عنيت اننا بقدر ما تزداد دعوتنا الى الحوار ويزداد سعينا الى الوحدة، نزداد اختلافاً وتنازعاً وانقساماً . وهذا ما لم يره السيد الدغيم، لأنه لا يريد حواراً، بل يريد كل شيء سوى الحوار والتواصل .  في الخطاب القول أن الخطاب لم يكن يحظى، من قبل، بالإهتمام والإعتراف، معناه عند من يُحسن القراءة ويعرف معنى ما يُقال، ان الخطاب لم يكن في ما مضى ميداناً معرفياً مستقلاً، ثم اصبح اليوم كذلك، اي غدا موضوعاً لإنتاج افكار ومفاهيم اجرائية او نماذج تفسيرية، باتت تشكل عدة معرفية بإمكان الباحثين استخدامها او استثمارها في معالجة القضايا والمشكلات، في اي حقل من حقول المعرفة . هذا هو الإنجاز الذي تحقق في هذا العصر المعرفي:لقد اصبح الخطاب فرعاً من فروع المعرفة يُضاف ويغني سائر الفروع . والمعرفة التي تُنتج في هذا الفرع المستجد، انما تغيّر معرفتنا بالمؤلف والمعنى والنص والقارىء فضلاً عن المعرفة نفسها . وهذا الفرع الذي يسميه بعضهم اثريات المعرفة، او نظام الخطاب، او نظرية النص، او علم النص، اسميه »نقد النص«، تمييزاً له عن نقد العقل، بل توكيداً على انني ادخل على العقل من مدخل النص . مع انني آثرت تسميته في كتابي الذي هو مدار الكلام، »أنطولوجيا النص«، فذلك ادق وابلغ . لأن ما جرى فعلاً هو حدث انطولوجي تمثل في اكتشاف منطقة جديدة يتيح العمل فيها بناء امكانات للفكر والقول لم تكن مُتاحة من قبل . وهذا شأن كل منطقة وجودية يجري اكتشافها:انها تغير خارطة التفكير بقدر ما تحملنا على اعادة ترتيب علاقتنا بالأشياء وبالفكر نفسه . ولكن الدغيم يرى الى الأمور بعينه التقليدية وعقله الإيديولوجي، ولهذا لم ير ما حدث او لم يرد الإعتراف به . من نافلة القول ان الأمر ليس جديداً، فلا انقطاع يحدث، بصورة جذرية، بين القديم والحديث . ولا شك ان هناك معارف حول الخطاب تكونت وتراكمت لدى اليونان والعرب، خصوصاً لدى العرب . وكنت قد اشرت في كتابي »نقد النص« الى ان لنا اسلافاً مهمين في هذا الميدان، ذكرت من بينهم ابن عربي . طبعاً هناك الكثيرون من العلماء والمفكرين الذين كانت لهم مباحثهم في الألفاظ والمنطوقات . ولكن تلك المباحث، لم تكن تشكل فرعاً معرفياً، وانما كانت ملحقة بالفروع المعرفية القائمة، كالنحو والبلاغة والمنطق والكلام واصول الفقه . فلم يتحول الخطاب الى ميدان له مشروعيته، اي كينونته المستقلة، إلا في هذا العصر . نحن اذن حيال فرع جديد، لا ازاء فرع قديم نعطيه اسماً جديداً . ولهذا لا ينبغي ان نلعب لعبة الإسقاط والإلتفاف، فنعزو انجازات الغرب الحديث، الى العرب الماضين، تغطية لعجزنا وقصورنا . آن لنا ان نعترف بالحقائق لكي نحسن صنع حقيقتنا . في القراءة القراءة هي عندي فعل معرفي، اقرأ من خلاله ما لم يُقرأ في النص، باستنطاقه عن بداهاته او رصد احتمالاته او الحفر في طبقاته او الكشف عن محجوباته . . ولا فارق عندي أكان النص قديماً ام حديثاً، نبوياً ام فلسفياً، مكتوباً بالعربية ام بالأجنبية . المهم ان اقرأه قراءة مثمرة تجدد المعرفة به وبالمعرفة، او توسع مفهومنا له وللفهم . ومثل هذه القراءة لا تكتفي، طبعاً، بالشرح والتفسير، وانما تتعدى ذلك الى التأويل . والتأويل خرق للدلالة وانتهاك للنص . وقد تتعدى القراءة ذلك الى التفكيك الذي يقطع مع ما يقوله المؤلف او يطرحه النص، لكي يهتم بالمستبعد والمسكوت عنه، اي بآليات النص واجراءاته في انتاج المعنى وتوليد الحقيقة . ومع ذلك، لا أدّعي ان قراءتي للآيات القرآنية في ضوء علم فرويد التحليلي، كانت من هذا القبيل، لأنني لم اكد اتعدى، حدود التفسير الى رحاب التأويل . واني اذ لجأت الى المقارنة بين نظرية فرويد في النفس والرؤية القرآنية لها، فليس لكي أُمارس الإسقاط وأقول أن القرآن ينطوي على كل النظريات العلمية، كما يقول اصحاب التفاسير الرائجة . وانما اردتها اطلالة فرويدية على الآيات القرآنية لاستنطاقها عن ابعاد غير مرئية او لتوظيفها في حقل جديد للرؤية . كما اردت ان امثّل بالآيات لكي اوضح ما لم يتضح في اقوال فرويد ومقولاته . بكلام اوضح:كان القصد من وراء ذلك القول أن النصوص لا تتنافى بل تتمرأى، بصرف النظر عما يمكن ان يكون بينها من اختلاف ثقافي او تباعد زمني . بل قصدت ان اقول ان العلم الفرويدي ليس عبثاً او تخريباً للثقافات والهويات كما كُتب عندنا، من المعنيين والمتطفلين على السواء . ولكن الذين يعبدون اصولهم ويقيمون في قوقعتهم، لا يحسنون سوى نفي الغير والتعامي عن الحقائق، ولهذا فهم لا يحسنون ان يحاوروا احداً لا في الخارج ولا في الداخل . طبعاً لا غنى عن العودة الى المعاجم والقواميس لاستشارتها، كما يمكن العودة الى الشروحات والتفاسير لقراءتها او للإسترشاد بها . ولكننا لا نعود اليها كسلطة معرفية لا تجادل، بل كمادة يمكن الإشتغال عليها، او كرأسمال يمكن توظيفه . هذا لمن شاء ان يمارس التفكير وان يفهم ما لم يُفهم . وهكذا يمكن لأحدنا ان يقرأ النصوص القديمة، مسلّحاً بعدة معرفية حديثة، تتيح له ان يرى ما لم يره الماضون، او ان يفكر في ما استبعدوه من نطاق التفكير، او ان يفسر ما عجزوا عن فهمه وتفسيره، عاملاً بذلك على اغناء فكره وتوسيع مفهومه او حقل رؤيته . اما من اراد التقليد والترداد او ان يكون عبداً للنصوص او تبعاً للماضين، فهذا شأنه، وهذا ما يستحقه في ذاته . ومع ذلك فإن محمود الدغيم الذي اتهمني بالتعسف والتحريف، كوني شرحت الآيات على غير ما شرحها المفسرون، اورد تفسيراً للنفس الأمّارة لا يتعارض مع شرحي لها، عند المقارنة بينها وبين »الهو« لدى فرويد، اذ جاء في التفسير القديم ان النفس الأمّارة »تأمر باللذات والشهوات«، في حين انني قلت أنها »منبع الغرائز والشهوات«، اي انني اعدت صياغة التفسير القديم بلغتي الحديثة . ولكن الدغيم من فرط أيديولوجيته، عنيتُ من فرط ضيقه، لم ير المرئي . ثمة »استراتيجية للرفض« تحكم من الأساس موقفه من كتابي . وهو يقدم بذلك الشاهد، تلو الشاهد، على ان العربي، المثقف والداعية، يعمد الى نفي العربي، ولا يرغب في محاورته . من هنا فإن اتهامه لي بأنني استهجن الحوار بين العرب مجرد افتراء، اذ هو الذي يفكر بمنطق النفي المضاد للحوار . في الدعوة لا مناص للواحد من ان يدعو ويبشّر ما دام يكتب وينشر . بل ذكرت في مقالتي حول الديموقراطية والدعوة، أنه لا مناص من الدعوة، والا بَطُل السعي والإجتماع . ولكنني ذكرت في المقابل أنه لا مناص من النقد، حتى لا تتحول الدعوات، اياً كانت منطلقاتها ومضامينها الى عقائد مغلقة او الى ادلوجات فولاذية تنتج حكومات استبدادية او انظمة فاشية او كلانية . والوقائع صارخة وبليغة في هذا الصدد، خاصة في العالم العربي، حيث انقلبت الدعوات على دعاتها، خصوصاً ان الحرية والديموقراطية والعدالة والعلمانية والإشتراكية والعقلانية، وسواها من الشعارات، صرفت على الأرض بأضدادها . والإسلام لا يشذ عن ذلك، اذ ان دعاته لا يحسنون سوى قصف الأهداف التي يسعون الى تحقيقها . والوقائع لا تدفعني الى اليأس وتثبيط الهمم، كما لا تدفعني الى التشبث الأعمى بآرائي ومواقفي . ولكنها لا تحملني على التفتيش عن مذاهب جديدة او ادلوجات مختلفة . وانما تحملني على اعادة التفكير، لكي افسر ما جرى .  في الحوار ثمة واقع ينبغي ان لا نقفز عنه، هو ان العرب والمسلمين لا يحسنون التحاور في ما بينهم، كما يتحاور مثلاً الأوروبيون، او العبرانيون . والشواهد القريبة تصدم في هذا الخصوص، على ما جرى في اليمن، او في حرب الخليج قبل ذلك، او كما يجري الآن في افغانستان حيث لغة المدفع تسود على لغة التعارف والتواصل، او كما جرى في ايران، حيث هذه الطائفة تتهم الأخرى بهدم مسجد لها، فترد عليها بتفجير مزار من مزاراتها . هذا هو الواقع الآن:الحوار يكاد يكون مقطوعاً على جبهة العرب او المسلمين، فيما الحوار جار على قدم وساق بين العرب والعبرانيين . وسيبقى الأمر كذلك ما دمنا نفكر بالطريقة التي يفكر بها السيد الدغيم، اي بصورة دوغمائية تبسيطية احادية، لا تنتج سوى نفي الآخر وقتل الحوار . واذ تكلمت على الحوار في كتابي، انما انطلقت من الوقائع، ولكن لا لأذعن لها او اصادق عليها، بل لكي اعيد التفكير، ولا امل من التكرار . والتفكير في المسألة جعلني اقول:لن يكون الحوار مجدياً وفاعلاً ما دمنا نصدر عن العقلية الضيقة ذاتها، ونفكر بالمنطق الحصري نفسه، ونستخدم الأساليب المتشنجة عينها . وللمثال لا يجدي حوار بين عربي وعربي في ظل الرؤية الأحادية اللاهوتية التبسيطية الى الوحدة .  اصل بذلك الى الحوار بين العربي والعبري، وهو بيت القصيد . وما قلته في هذا الشأن المصيري، الذي لا يجوز لمثقف او مفكر ان يتغافل عنه، هو انه ما دام أُولو الأمر واهل الحل والربط من القادة والزعماء، وافقوا او انخرطوا في عملية المفاوضة، فإنني تمنيت ان ينجح الحوار بين الطرفين، بما يرضي الطرفين . ولا يرفض مثل هذه الأمنية الا المتطرفون من اعداء السلام وهواة الحرب في كلا الجانبين، مع فارق ان الرافضين والمتطرفين، عندنا، لا يحسنون سوى خسارة الحروب وحصد الهزائم . ومع ذلك لا اريد تبسيط الأمور . فالحوار بين العربي والعبري لن يجدي، الا اذا خرج كل واحد من قوقعته، خصوصاً العبري الإسرائيلي الذي عليه ان يتحرر من عقدة الإصطفاء وعقدة الإضطهاد، وان يقتل في داخله الروح الهاغانية لكي ينفتح على الآخر ويعترف بحقه ومشروعيته .  لا أريد ان انهي ردي كما بدأت به . بل احاول ممارسة ضديتي واختلافي عن ذاتي، حتى لا اقطع الحوار بيني وبين محمود السيد الدغيم، كما اراد هو ان يفعل . ولهذا اقول:ليس كل ما قاله هو عين الخطأ . وفي المقابل ليس كل ما قلته هو عين الصواب . فأنا لا ادعي امتلاك الحقيقة . لأنه لا احد اصلاً يعرف الحقيقة حق المعرفة، سواء تعلق الأمر بنص ام بواقعة . وانما هي افكار تفتح اسئلة وتثير نقاشات او تسهم ببث الحيوية الفكرية او بخلق المناخ المُؤاتي للتفكير بحرية ضد كل ما يعيق عن التفكير . 10347 (الحياة، . . . . . . . . . . .عام (العنوان:نقد متسرع وقراءة في ظاهر الكلام  . شاهد على نفي العربي للعربي  
  


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16438158
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة