للتحميل : مقدمة تاريخ عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي

رابط تحميل الكتاب

اضغط  icon Muqadimat ibn Khaldoud.zip (571.34 KB)  هنا

مقدمة المقدمة

3 بسم الله الرحمن الرحيم

يقول العبد الفقير إلى الله تعالى الغني بلطفه عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي وفقه الله الحمد لله الذي له العزة والجبروت وبيده الملك والملكوت وله الأسماء الحسنى والنعوت العالم فلا يغرب عنه ما تظهره النجوى أو يخفيه السكوت القادر فلا يعجزه شيء في السموات والأرض ولا يفوت أنشأنا من الأرض نسما واستعمرنا فيها أجيالا وأمما ويسر لنا منها أرزاقا وقسما تكنفنا الأرحام والبيوت ويكفلنا الرزق والقوت وتبلينا الأيام والوقوت وتعتورنا الآجال التي خط علينا كتابها الموقوت وله البقاء والثبوت وهو الحي الذي لا يموت والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد النبي العربي المكتوب في التوراة والإنجيل المنعوت الذي تمحض لفصاله الكون قبل أن تتعاقب الآحاد والسبوت ويتباين زحل واليهموت وعلى آله وأصحابه الذين لهم في صحبته وأتباعه الأثر البعيد والصيت والشمل الجميع في مظاهرته ولعدوهم الشمل الشتيت صلى الله عليه وعليهم ما اتصل بالإسلام جده المبخوت وانقطع بالكفر حبله المبتوت وسلم كثيرا أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال وتسموا إلى معرفته السوقة والأغفال وتتنافس فيه الملوك والأقيال وتتساوى في فهمه العلماء الجهال إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار
4 عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها وأدوها إلينا كما سمعوها ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا دفعوها فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل والتقليد عريق في الآدميين وسليل والتطفل على الفنون عريض طويل ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل والحق لا يقاوم سلطانه والباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه والناقل إنما هو يملي وينقل والبصيرة تنقد الصحيح إذا تعقل والعلم يجلوا لها صفحات القلوب ويصقل هذا وقد دون الناس في الأخبار وأكثروا وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا والذين ذهبوا بفضل الشهرة والإمامة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا يكادون يجاوزون عدد الأنامل ولا حركات العوامل مثل ابن إسحق والطبري وابن الكلبي ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي وغيرهم من المشاهير المتميزين عن الجماهير وإن كان في كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز ما هو معروف عند الإثبات ومشهور بين الحفظة الثقات إلا أن الكافة اختصتهم بقبول أخبارهم واقتفاء سننهم في التصنيف واتباع آثارهم والناقد البصير قسطاس نفسه في تزييفهم فيما ينقلون أو اعتبارهم فللعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الأخبار وتحمل عليها الروايات
5 والآثار ثم إن أكثر التواريخ لهؤلاء عامة المناهج والمسالك لعموم الدولتين صدر الإسلام في الآفاق والممالك وتناولها البعيد من الغايات في المآخذ والمتارك ومن هؤلاء من استوعب ما قبل الملة من الدول والأمم والأمر العمم كالمسعودي ومن نحا منحاه وجاء من بعدهم من عدل عن الإطلاق إلى التقييد ووقف في العموم والإحاطة عن الشأو البعيد فقيد شوارد عصره واستوعب أخبار أفقه وقطره واقتصر على تاريخ دولته ومصره كما فعل أبو حيان مؤرخ الأندلس والدولة الأموية بها وابن الرفيق مؤرخ أفريقية والدولة التي كانت بالقيروان ثم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد وبليد الطبع والعقل أو متبلد ينسج على ذلك المنوال ويحتذي منه بالمثال ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال فيجلبون الأخبار عن الدول وحكايات الوقائع في العصور الأول صورا قد تجردت عن موادها وصفاحا انتضيت من أغمادها ومعارف تستنكر للجهل بطارفها وتلادها إنما هي حوادث لم تعلم أصولها وأنواع لم تعتبر أجناسها ولا تحققت فصولها يكررون في موضوعاتها الأخبار المتداولة بأعيانها اتباعا لمن عني من المتقدمين بشأنها ويغفلون أمر الأجيال الناشئة في ديوانها بما أعوز عليهم من ترجمانها فتستعجم صحفهم عن بيانها ثم إذا تعرضوا لذكر الدولة نسقوا أخبارها نسقا محافظين على نقلها وهما أو صدقا لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها ولا علة الوقوف عند غايتها فيبقى الناظر متطلعا بعد إلى افتقاد أحوال مبادىء الدول ومراتبها مفتشا عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها باحثا عن المقنع في تباينها أو تناسبها حسبما نذكر ذلك كله في مقدمة الكتاب ثم جاء آخرون بإفراط الاختصار وذهبوا إلى الاكتفاء بأسماء الملوك والاقتصار مقطوعة عن الأنساب والأخبار موضوعة عليها أعداد أيامهم بحروف الغبار كما فعله ابن رشيق في ميزان العمل ومن اقتفى هذا الأثر من الهمل وليس يعتبر لهؤلاء مقال ولا يعد لهم ثبوت ولا انتقال لما أذهبوا من الفوائد وأخلوا بالمذاهب المعروفة للمؤرخين والعوائد ولما طالعت كتب القوم وسبرت غور الأمس واليوم نبهت عين القريحة من
6 سنة الغفلة والنوم وسمت التصنيف من نفسي وأنا المفلس أحسن السؤم فأنشات في التاريخ كتابا رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا وفصلته في الأخباروالاعتبار بابا باباوأبديت فيه لأولية الدول والعمران عللا وأسبابا وبنيته على أخبار الأمم الذين عمروا المغرب في هذه الأعصار وملأوا أكناف الضواحي منه والأمصار وما كان لهم من الدول الطوال أو القصار ومن سلف لهم من الملوك والأنصار وهما العرب والبربر إذ هما الجيلان اللذان عرف بالمغرب مأواهما وطال فيه على الأحقاب مثواهما حتى لا يكاد يتصور فيه ما عداهما ولا يعرف أهله من أجيال الآدميين سواهما فهذبت مناحيه تهذيبا وقربته لأفهام العلماء والخاصة تقريبا وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكا غريبا واخترعته من بين المناحي مذهبا عجيبا وطريقة مبتدعة وأسلوبا وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمنعك بعلل الكوائن وأسبابها ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك ورتبته على مقدمة وثلثة كتب المقدمة في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع بمغالط المؤرخين الكتاب الأول في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم وما لذلك من العلل والأسباب الكتاب الثاني في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد وفيه من الإلماع ببعض من عاصرهم من الأمم المشاهير ودولهم مثل النبط والسريانيين والفرس وبني إسرائيل والقبط واليونان والروم والترك والإفرنجة الكتاب الثالث في أخبار البربر ومواليهم من زناتة وذكر أوليتهم وأحيالهم وما كان بديار المغرب خاصة من الملك والدول ثم كانت الرحلة إلى المشرق لاجتناء أنواره وقضاء الفرض والسنة في مطافه ومزاره والوقوف على آثاره في دواوينه وأسفاره فزدت ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك الديار ودول الترك فيما ملكوه من الأقطار وأتبعت بها ما كتبته في تلك الأسطار وأدرجتها في ذكر المعاصرين لتلك الأجيال من أمم النواحي وملوك الأمصار والضواحي سالكا سبيل
7 الاختصار والتلخيص مفتديا بالمرام السهل من العويص داخلا من باب الأسباب على العموم إلى الإخبار على الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا وذلل من الحكم النافرة صعابا وأعطى لحوادث الدول عللا وأسبابا فأصبح للحكمة صوانا وللتاريخ جرابا ولما كان مشتملا على أخبار العرب والبربر من أهل المدر والوبر والإلماع بمن عاصرهم من الدول الكبر وأفصح بالذكرى والعبر في مبتدأ الأحوال ومما بعدها من الخبر سميته كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ولم أترك شيئا في أولية الأجيال والدول وتعاصر الأمم الأول وأسباب التصرف والحول في القرون الخالية والملل وما يعرض في العمران من دولة وملة ومدينة وحلة وعزة وذلة وكثرة وقلة وعلم وصناعة وكسب وإضاعة وأحوال متقلبة مشاعة وبدو وحضر وواقع ومنتظر إلا واستوعبت جمله وأوضحت براهينه وعلله فجاء هذا الكتاب فذا بما ضمنته من العلوم الغريبة والحكم المحجوبة القريبة وأنامن بعدها موقف بالقصور بين أهل العصور معترف بالعجز عن المضاء في مثل هذا القضاء راغب من أهل اليد البيضاء والمعارف المتسعة الفضاء في النظر بعين الانتقاد لا بعين الارتضاء والتغمد لما يعثرون عليه بالإصلاح والإغضاء فالبضاعة بين أهل العلم مزجاة والاعتراف من اللوم منجاة والحسنى من الإخوان مرتجاه والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وهو حسبي ونعم الوكيل وبعد أن استوفيت علاجه وأنرت مشكاته للمستبصرين وأذكيت سراجه وأوضحت بين العلوم طريقه ومنهاجه وأوسعت في فضاء المعارف نطاقه وأدرت سياجه أتحفت بهذه النسخة منه خزانة مولانا السلطان الإمام المجاهد الفاتح
8 الماهد المتحلي منذ خلع التمائم ولوث العمائم بحلى القانت الزاهد المتوشح بزكاء المناقب والمحامد وكرم الشمائل والشواهد بأجمل من القلائد في نحور الولائد المتناول بالعزم القوي الساعد والجد المواتي المساعد والمجد الطارف والتالد ذوائب ملكهم الراسي القواعد الكريم المعالي والمصاعد جامع أشتات العلوم والفوائد وناظم شمل المعارف والشوارد ومظهر الآيات الربانية في فضل المدارك الإنسانية بفكره الثاقب الناقد ورأيه الصحيح المعاقد النير المذاهب والعقائد نور الله الواضح المراشد ونعمته العذبة الموارد ولطفه الكامن بالمراصد للشدائد ورحمته الكريمة المقالد التي وسعت صلاح الزمان الفاسد واستقامة المائد من الأحوال والعوائد وذهبت بالخطوب الأوابد وخلعت على الزمان رونق الشباب العائد وحجته التي لا يبطلها إنكار الجاحد ولا شبهات المعاند أمير المؤمنين أبي فارس عبد العزيز ابن مولانا السلطان المعظم الشهير الشهيد أبي سالم إبراهيم ابن مولانا السلطان المقدس أمير المؤمنين أبي الحسن ابن السادة الأعلام من ملوك بني مرين الذين جددوا الدين ونهجوا السبيل للمهتدين ومحوا آثار البغاة المفسدين أفاء الله على الأمة ظلاله وبلغه في نصر دعوة الإسلام آماله وبعثته إلى خزانئهم الموقفة لطلبة العلم بجامع القرويين من مدينة فاس حاضرة ملكهم وكرسي سلطانهم حيث مقر الهدى ورياض المعارف خضلة الندى وفضاء الأسرار
9 الربانية فسيح المدى والإمامة الفارسية الكريمة العزيزة إن شاء الله بنظرها الشريف وفضلها الغني عن التعريف تبسط له من العناية مهادا وتفسح له في جانب القبول آمادا فتوضح بها أدلة على رسوخه وأشهادا ففي سوقها تنفق بضائع الكتاب وعلى حضرتها تعكف ركائب العلوم والآداب ومن مدد بصائرها المنيرة نتائج القرائح والألباب والله يوزعنا شكر نعمتها ويوفر لنا حظوظ المواهب من رحمتها ويعيننا على حقوق خدمتها ويجعلنا من السابقين في ميدانها المحلين في حومتها ويضفي على أهل إيالتها وما أوي من الإسلام إلى حرم عمالتها لبوس حمايتها وحرمتها وهو سبحانه المسئول أن يجعل أعمالنا خالصة في وجهتها بريئة من شوائب الغفلة وشبهتها وهو حسبنا ونعم الوكيل المقدمة في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والألماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأيمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق
10 وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب ومطية الهذر ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد وهذا كما نقل المسعودي وكثير من المؤرخين في جيوش بني إسرائيل بأن موسى عليه السلام أحصاهم في التيه بعد أن أجاز من يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون ويذهل في ذلك عن تقدير مصر والشام واتساعهما لمثل هذا العدد من الجيوش لكل مملكة من الممالك حصة من الحامية تتسع لها وتقوم بوظائفها وتضيق عما فوقها تشهد بذلك العوائد المعروفة والأحوال المألوفة ثم إن مثل هذه الجيوش البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال لضيق ساحة الأرض عنها وبعدها إذا اصطفت عن مدى البصر مرتين أو ثلاثا أو أزيد فكيف يقتتل هذان الفريقان أو تكون غلبة أحد الصفين وشيء من جوانبه لا يشعر بالجانب الآخر والحاضر يشهد لذلك فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء ولقد كان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير يشهد لذلك ما كان من غلب بختنصر لهم والتهامه بلادهم واستيلائه على أمرهم وتخريب بيت المقدس قاعدة ملتهم وسلطانهم وهو من بعض عمال مملكة فارس يقال إنه كان مرزبان المغرب من تخومها وكانت ممالكهم بالعراقين وخراسان وما وراء النهر والأبواب أوسع من ممالك بني إسرائيل بكثير ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد ولا قريبا منه وأعظم ما كانت جموعهم بالقادسية مائة وعشرين ألفا كلهم متبوع على ما نقله سيف قال وكانوا في أتباعهم أكثر من مائتي ألف وعن عائشة والزهري فإن جموع رستم الذين زحف بهم سعد بالقادسية إنما كانوا ستين ألفا كلهم متبوع وأيضا فلو بلغ بنوا إسرائيل مثل هذا العدد لاتسع نطاق ملكهم وانفسح مدى دولتهم فإن العمالات والممالك في الدول على نسبة الحامية والقبيل القائمين بها في قلتها وكثرتها حسبما نبين في فصل الممالك من الكتاب الأول والقوم لم تتسع ممالكهم إلى غير الأردن وفلسطين من الشام وبلاد يثرب وخيبر من الحجاز على ما هو المعروف وأيضا فالذي بين موسى وإسرائيل إنما هو أربعة آباء على ما ذكره المحققون فإنه موسى بن عمران بن يصهر ن قاهت بفتح الهاء وكسرها ابن لاوي بكسر الواو وفتحها ابن يعقوب وهو إسرائيل الله هكذا نسبه في التوراة والمدة بينهما على ما نقله المسعودي قال دخل إسرائيل مصر مع ولده الأسباط وأولادهم حين أتوا إلى يوسف سبعين نفسا وكان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا مع موسى عليه السلام إلى التيه مائتين وعشرين سنة تتداولهم ملوك القبط من الفراعنة ويبعد أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل هذا العدد وإن زعموا أن عدد تلك الجيوش إنما كان في زمن سليمان ومن بعده فبعيد أيضا إذ ليس بين سليمان وإسرائيل إلا أحد عشر أبا فإنه سليمان بن داود بن يشا بن عوفيذ ويقال ابن عوفذ ابن باعز ويقال بوعز بن سلمون بن نحشون بن عمينوذب ويقال حميناذاب بن رم بن حصرون ويقال حسرون بن بارس ويقال بيرس بن يهوذا بن يعقوب ولا يتشعب النسل في أحد عشر من الولد إلى مثل هذا العدد الذي زعموه اللهم إلى المئتين والآلاف فربما يكون وأما أن يتجاوز إلى ما بعدهما من عقود لأعداد فبعيد واعتبر ذلك في الحاضر المشاهد والقريب المعروف تجد زعمهم باطلا ونقلهم كاذبا والذي ثبت في الإسرائيليات أن جنود سليمان كانت اثني عشر ألفا خاصة وأن مقرباته كانت ألفا وأربعمائة فرس مرتبطة على أبوابه هذا هو الصحيح من أخبارهم ولا يلتفت إلى خرافات العامة منهم وفي أيام سليمان عليه السلام وملكه كان عنفوان دولتهم واتساع ملكهم هذا وقد نجد الكافة من أهل العصر إذا افاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي لعهدهم أو قريبا منه وتفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى أو أخذوا في إحصاء أموال الجبايات وخراج السلطان ونفقات المترفين وبضائع الأغنياء الموسورين توغلوا في العدد وتجاوزوا حدود العوائد وطاوعوا وساوس الإغراب فإذا استكشفت أصحاب الدواوين عن عساكرهم واستنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم وفوائدهم واستجليت عوائد المترفين في نفقاتهم لم تجد معشار ما يعدونه وما ذلك إلا لولوع النفس بالغرائب وسهولة التجاوز على اللسان والغفلة على المتعقب و المنتقد حتى لا يحاسب نفسه على خطأ ولا عمد ولا يطالبها في الخبر بتوسط ولا عدالة ولا يرجعها إلى بحث وتفتيش فيرسل عنانه ويسيم في مراتع الكذب لسانه ويتخذ آيات الله هزا ويشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله وحسبك بها صفقة خاسرة ومن الأخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن وجزيرة العرب أنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى أفريقية والبربر من بلاد المغرب وأن أفريقش بن قيس بن صيفي من أعاظم ملوكهم الأول وكان لعهد موسى عليه السلام أو قبله بقليل غزا أفريقية وأثخن في البربر وأنه الذي سماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم وقال ما هذه البربرة فأخذ هذا الاسم عنه ودعوا به من حينئذ وأنه لما انصرف من المغرب حجز هنالك قبائل من حمير فأقاموا بها واختلطوا بأهلها ومنهم صنهاجة وكتامة ومن هذا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والبيلي إلى أن صنهاجة وكتامة من حمير وتأباه نصابه البربر وهو الصحيح وذكر المسعودي أيضا أن ذا الإذعار من ملوكهم قبل أفريقش وكان على عهد سليمان عليه السلام غزا المغرب ودوخه وكذلك ذكر مثله عن ياسر ابنه من بعده وأنه بلغ وادي الرمل في بلاد المغرب ولم يجد فيه مسلكا لكثرة الرمل فرجع وكذلك يقولون في تبع الآخر وهو أسعد أبو كرب وكان على عهد يستاسف من ملوك الفرس الكيانية أنه ملك الموصل وأذربيجان ولقي الترك فهزمهم وأثخن ثم غزاهم ثانية وثالثة كذلك وأنه بعد ذلك أغزى ثلاثة من بنيه بلاد فارس وإلى بلاد الصغد من بلاد أمم الترك وراء النهر وإلى بلاد الروم فملك الأول البلاد إلى سمرقند وقطع المفازةإلى الصين فوجد أخاه الثاني الذي غزا إلى سمر قند قد سبقه إليها فأنحنا في بلاد الصين ورجعا جميعا بالغنائم وتركوا ببلاد الصين قبائل من حمير فهم بها إلى هذا العهد وبلغ الثالث إلى قسطنطينية فدرسها ودوخ بلاد الروم ورجع وهذه الأخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة في الوهم والغلط وأشبه بأحاديث القصص الموضوعة وذلك أن ملك التبابعة إنما كان بجزيرة العرب وقرارهم وكرسيهم بصنعاء اليمن وجزيرة العرب يحيط بها البحر من ثلاث جهاتها فبحر الهند من الجنوب وبحر فارس الهابط منه إلى البصرة من المشرق وبحر السويس الهابط منه إلى السويس من أعمال مصر من جهة المغرب كما تراه في مصور الجغرافيا



thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16432456
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة