للتحميل : كتاب : المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تاريخ "الموحدين" الباطنيين وخصوصاً ملوك المصامدة بني عبد المؤمن من لدن ابتداء دولتهم إلى زمن المؤلف عبد الواحد بن علي المراكشي
********
في سنة 541 هـ= 1146 م بدأت دولة الموحدين الباطنيين، وكان من حكّامها عبد المؤمن بن عليّ (487 - 558 هـ= 1094 - 1163 م) صاحب "محمد بن تومرت" ويُعدّ عبد المؤمن بن علي الرجل الثاني بعد ابن تومرت المؤسس الحقيقي والفعلي لجماعة الموحدين.
نسبه وقبيلته:
هو عبد المؤمن بن علي بن مخلوف بن يعلى بن مروان، أبو محمد الكومي، نسبته إلى كومية (من قبائل البربر).
ولد في مدينة "تاجرت" بالمغرب قرب "تلمسان"، ونشأ فيها طالب علم، وأبوه صانع فخار.
وفي وصف "عبد المؤمن بن عليّ" قال عبد الواحد المراكشي في المعجب وكان أبيض ذا جسم عمم تعلوه حمرة شديد سواد الشعر معتدل القامة وضيء الوجه جهوري الصوت فصيح الألفاظ جزل المنطق وكان محبباً إلى النفوس لا يراه أحد إلا أحبه وبلغني أن ابن تومرت كان ينشد كلما رآه:
تكاملت فيك أخلاق خصصت بها
فكلنـا بك مسـرور ومغتبـط
فالسن ضاحكـة والكـف مانحة
والصدر منشرح والوجه منبسط
وذكر الذهبي في كتابه العبر، وابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكًا عادلًا، سائسًا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير - وهذا يعني أن لبس الحرير كان عادة وإلفًا في زمانه - وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الْمُلْك كأنما خُلق له
ثم بعد هذه الأوصاف نجد هذه العبارة التي تحمل كثيرًا من علامات الاستفهام حيث يقول: وكان سفّاكا لدماء من خالفه.!! خضع له المغربان (الاقصى والاوسط) واستولى على إشبيلية وقرطبة وغرناطة والجزائر المهدية وطرابلس الغرب وسائر بلاد أفريقية، وأنشأ الاساطيل، وضرب الخراج على قبائل المغرب، وهو أول من فعل ذلك هنالك...
ومثل هذه الأوصاف ذكرها ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية، وأضاف: أنه كان يعيبه كثرة سفك الدماء لمن عارضه من أتباعه أو من غير أتباعه.
وهذه بالطبع- هي تعاليم محمد بن تومرت.
وإضافة إلى هذا المنهج العقيم وتلك الصفة السابقة - التساهل في أمر الدماء - فقد كان "محمد بن تومرت" حين يعلم أن أتباعه ينظرون إلى الغنائم التي حصّلوها من دولة المرابطين في حربهم معهم كان يأخذها كلها فيحرقها..
فنشأت جماعة من الطائعين الزاهدين العابدين، لكن على غير نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يحرق الغنائم أو يضرب المتباطئين أو المتثاقلين عن قيام الليل، أو يتبع مثل هذا المنهج وتلك الرهبنة المتشددة، فكَرِهَ كثيرٌ من الناس مثل هذا الأسلوب، لكنهم مع ذلك اتبعوه...!!
وعلى ما يبدو فقد كانت فكرتا العصمة والمهدية اللتين ادّعاهما محمد بن تومرت واقتنع بهما أتباعه من بعده لم يكن عبد المؤمن بن عليّ مقتنعا بهما ؛ لأنه أبدًا ما ادّعى أيا منهما،كما أنه لم يدّع فكر الخوارج الذي كان قد اعتقد به أو ببعضه "محمد بن تومرت".
وعلى الجانب الآخر فإن "عبد المؤمن بن عليّ" لم ينف مثل هذه الأفكار الضالة صراحة؛ وذلك لأن غالب شيوخ الموحّدين كانوا على هذا الفكر وذلك الاعتقاد، فخاف إن هو أعلن أن أفكار "محمد بن تومرت" هذه مخالفة للشرع أن ينفرط العقد ويحدث التفكك في هذه الفترة الحرجة من دولة الموحدين
********
رابط تحميل الكتاب
اضغط al-Muajeb Fi Akhbar al-Maghreb -al-Murrakshi.zip (72.90 KB) هنا
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مفني الأمم وباعث الرمم وواهب الحكم ذي البقاء والقدم الذي لا مطمع في إدراكه لثواقب الأذهان ونوافذ الهمم أحمده على ما علم وألهم وسوغ وأنعم وصلى الله على كاشف الظلم ورافع التهم وموضح الطريق الأمم المخصوص بجوامع الكلم والمبتعث إلى جميع العرب والعجم وعلى آله وصحبه أهل الفضل والكرم وسلم عليه وعليهم وشرف وعظم.
وبعد - أيها السيد الذي توالت علي نعمه وأخذ بضبعي من حضيضي الفقر والخمول اعتناؤه وكرمه وقضى إحسانه إلي ومحبته التي جلبت عليها بأن ألتزم من بره وطاعته ما أنا ملتزمه فإنك سألتني - بوأك الله أعلى الرتب كما عمر بك أندية الأدب ومنحك من سعادتي الدنيا والآخرة أوفر القمع كما جمع لك فضيلتي التدبير والقلم - إملاء أوراق تشتمل على بعض أخبار المغرب وهيئته وحدود أقطاره وشيء من سير ملوكه وخصوصاً ملوك المصامدة بني عبد المؤمن من لدن ابتداء دولتهم إلى وقتنا هذا - وهو سنة 621- وأن ينضاف إلى ذلك نبذة من ذكر من لقيته أو لقيت من لقيه أو رويت عنه بوجه ما من وجوه الرواية من الشعراء والعلماء وأنواع أهل الفضل؛ فلم أر بداً من إسعافك والمسارعة إلى ما فيه رضاك؛ إذ هي الغاية التي أجري إليها والبغية التي أثابر أبداً عليها ولوجوب طاعتك علي من وجوه يكثر تعدادها فاستخرت الله - عز وجل - فيما ندبتني إليه واستعنته واعتمدت في كل ذلك عليه فهو الموئل والملجأ وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هذا مع أني أعتذر إلى مولانا - فسح الله في مدته - من تقصير إن وقع بثلاثة أوجه من الأعذار: فأولها ضعف عبارة المملوك وغلبة العي على طباعه فمهما وقع في هذا الإملاء من فتور لفظ أو إخلال بسرد فهو خليق بذلك.
والوجه الثاني أنه لم يصحبني من كتب هذا الشأن شيء أعتمد عليه وأجعله مستنداً - كما جرت عادة المصنفين - وأما دولة المصامدة خصوصاً فلم يقع إلي لأحد فيها تأليف أصلاً خلا أني سمعت أن بعض أصحابنا جمع أخبارها واعتنى بسيرها وهذا المجموع لا أعرفه إلا سماعا والوجه الثالث أن محفوظاتي في هذا الوقت على غاية الاختلال والتشتت؛ وجبت ذلك هموم تزدحم على الخاطر وغموم تستغرق الفكر فرغبة المملوك الأصغر إجراء مولانا إياه على جميل عادته وحميد خلقه من التسامح والتغاضي لا زال مجده العالي يرفع الهمم ويعقد الذمم ويوصل النعم ويعمر ربوع الفضل والكرم.
فصل في ذكر جزيرة الأندلس وحدودها
فأول ما يقع الابتداء به ذكر جزيرة الأندلس وتحديدها والتعريف بمدنها ونبذ من أخبارها وسير ملوكها من لدن فتحها إلى وقتنا هذا وهو سنة 621 إذ هي كانت معتمد المغرب الأقصى والمعتبرة منه والمنظور إليها فيه وهي كانت كرسي المملكة ومقر التدبير وأم قرى تلك البلاد لم يزل هذا معروفاً من أمرها إلى أن تغلب عليها يوسف بن تاشفين اللمتوني فصارت إذ ذاك تبعاً لمراكش من بلاد العدوة ثم تغلب عليها المصامدة بعده فاستمر الأمر على ذلك إلى وقتنا هذا
فأقول وبالله التوفيق: أما حدود جزيرة الأندلس فإن حدها الجنوبي منتهى الخليج الرومي الخارج من بحر مانطس وهو البحر الرومي مما يقابل طنجة في موضع يعرف بالزقاق سعة البحر هنالك اثنا عشر ميلاً وهذا الخليج هو ملتقى البحرين - أعني بحر مانطس وبحر أقيانس - وحداها الشمالي والمغربي البحر الأعظم وهو بحر أقيانس المعروف عندنا ببحر الظلمة وحدها المشرقي الجبل الذي فيه هيكل الزهرة الواصل ما بين البحرين بحر الروم وهو مانطس والبحر الأعظم ومسافة ما بين البحرين في هذا الجبل قريب من ثلاث مراحل وهو الحد الأصغر من حدود الأندلس وحداها الأكبران الجنوبي والشمالي مسافة كل واحد منهما نحو من ثلاثين مرحلة وهذا الجبل الذي ذكرنا فيه هيكل الزهرة الذي هو الحد المشرقي من الأندلس هو الحاجز ما بين بلاد الأندلس وبين بلاد إفرنسة من الأرض الكبيرة أرض الروم التي هي بلاد إفرنجة العظمى والأندلس آخر المعمور في المغرب لأنها كما ذكرنا منتهية إلى بحر أقيانس الذي لا عمارة وراءه ومسافة ما بين طليطلة التي هي قريبة من وسط الأندلس ومدينة رومية قاعدة الأرض الكبيرة أذكرها في هذا الموضع إلا أن ذكرها سيرد فيما يأتي من تفصيل أخبار الأندلس تعرف ذلك بقول "أعادها الله للمسلمين فهذه جملة من أخبار الأندلس وحدودها وبلادها الكائنة بأيدي المسلمين.