مختصر رحلتي الأولى إلى المدينة المنورة سنة 2001 م، ومشاهدة معالمها، ومقارنة بين الماضي والحاضر
د. محمود السيد الدغيم
زميل باحث في مركز الدراسات الإسلامية
بكلية الدراسات الشرقية والإفريقي
جامعة لندن
 
SOAS

غادرنا مكة المكرمة بعد مناسك الحج والعمرة، ووصلنا المدينة المنورة مساء بسيارة الدكتور عبد العزيز تركستاني

وكان أوّل ما زرناه فور وصولنا من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة المسجدَ النبويَّ الشريفَ الذي تُشدُّ إليه رحالُ المسلمين من كافة مَواطِنِهم ، وبقينا نتردّد عليه طيلةَ أيامِ إقامتنا بالمدينة المنورة، وبعد عدة ايام استضافني مُجمّعُ الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بدعوة من أمينه العام الشيخ الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي حيثُ قضيتُ في ضيافة الْمُجمّع ثلاثة أيام قابلت خلالها المدير العام ورؤساء الأقسام في المجمع واطلعتُ على مايثلج الصدرَ من اهتمامٍ بالقرآن الكريم وعلومه ولهذا الموضوع عودة بإذن الله.

فقد أجريت مع الأعلام مقابلات أخرجتها في برنامج علوم ومعارف، وسوف تكون جاهزة في الموقع فور الانتهاء من تحويل ملفاتها الصوتية

وحينما كنت في المدينة المنورة زرتُ مركز بحوث المدينة المنورة بدعوة من أمينه العام الدكتور عبد الباسط بدر ، وكان لقاؤنا في مقرّ المركز ببناء وقف الداودية وهنالك شاهدتُ مُجسّماً تنوفُ مساحته على المئة متر مربّع ، يُجسّدُ مساجدَ وأبنيةَ وشوارعَ وأزقة وقلاع وساحات وبساتين المدينة المنورة قَبْلَ مئة عام ، وبعد الإستماع إلى شرح مُفصّلٍ عن معالم المدينة التي يتضمّنُها المُجسّم ، شاهدنا فيلمَ فيديو وثائقياً يروي تاريخ المدينة بين الماضي والحاضر ، وهذا ما لفت انتباهي إلى أشياء ما خطرت ببالي من قبلُ ، فطلبتُ من فضيلته أنْ ننتقِلَ من المُشاهدة النظرية إلى المشاهدة العملية ، وكان عند حُسن الظنِّ إذْ أرسل إليَّ في اليوم الثاني سائقاً ودليلاً ومعهما منشورات المركز ومُنتجاته الإليكترونية مع شريط الفيديو ، وقمنا بجولةٍ قلّما تتوفّر لزائرٍ من الذين يزورون المدينة المنورة على عجلٍ ، ولذا وَدَدْتُ أنْ أنقُلَ بعضَ مُشاهداتي ومقروءآتي إلى المشتاقين لمعرفة ذلك من القراء الأعزاء ابتداء بالحديثِ عن أحياء المدينة المنورة بين الماضي والحاضر .

أحياء المدينة المنورة وشوارعها في الوقت الحاضر

يتوسط المدينة المنورة في الوقت الحاضر المسجد النبوي الشريف ، وإلى الشرق من المسجد النبوي توجد مقبرة بقيع الغرقد ، وتوجد شمال المسجد حديقة الصافية ، وإلى الشمال الغربي منه توجد مكتبة الملك عبد العزيز ، وإلى الشمال منه يوجد مركز طيبة ، ويحيط بهذه المنطقة التي تحيط بالمسجد النبوي شارع الملك فيصل بن عبد العزيز ، ويتجه شرقاً شارع الملك عبد العزيز من عند المسجد النبوي وإلى الشمال من بقيع الغرقد ، ويصل إلى الطريق الدائري الثاني بعد اجتياز الطريق الدائري الأول من شمال إدارة مرور المدينة وإدارة التوجيه التربوي ، ويقابله شارع يتجه غرباً من عند المسجد النبوي هو شارع باب السلام الذي يجتاز الطريق الدائري الأول والدائري الثاني مروراً من جنوب كلية البنات ، والجامعة الإسلامية ، وإلى الجنوب من هذين الشارعين توجد الأحياء التالية من الغرب إلى الشرق : طيبة ، الحرة الغربية ، الأنصار ، الخلفاء ، الروضة ، السلام ،  العوالي ، وإلى الجنوب من هذه المناطق توجد : قباء ، وقربان ، ومدينة الحجاج ، ويوجد جبل قريظة جنوب شرق المدينة المنورة ، وفي جنوب غربها يوجد جبل غُرابة الذي يرتفع 850 م عن سطح البحر ، وإلى الشمال منه يوجد جبل جَمَّة وهو بنفس الإرتفاع ، ويفصل ما بين المدينة والجبلين وادي العقيق الذي يمتد شمالاً ويعبر ما بين الُرف غرباً ، وجبل أُحُد شرقاً ، مروراً بالعيون .

وإلى الشمال من شارع باب السلام يوجد شارع السيح ، ومنطقة الخندق ، وفيها المساجد السبعة وجبل سلع ، وإلى الشمال الغربي من سلع توجد منطقة العقيق ، وإلى الغرب منها بعد الطريق الدائري الثاني يوجد مسجد القبلتين ، وإلى الشمال منه يوجد شارع خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو يصل الجرف باتجاه شمال غرب ، وإلى الشمال من شارع خالد يوجد شارع أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإلى الشمال منه توجد منطقة النصر ، وإلى الشرق منها يوجد شارع عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي ينطلق من عند المسجد النبوي جنوباً ويتجه شمالاً ليعبر ما بين جبل أُحُد شرقاً والعيون غرباً ، ويلتقي عند المسجد النبوي بشارع سيد الشهداء حمزة الذي يصل ما بين المسجد النبوي جنوباً و جبل الرماة و مرقد حمزة وشهداء أُحد رضي الله عنهم شمالاً ، و يوازيه شارع أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، وما بين الشارعين تقع منطقة البيعة ، وإلى الشرق منها تقع منطقة أُحُد ، ومن شمال شرق المسجد النبوي ينطلق شارع الملك فهد بن عبد العزيز فيمر بوادي العاقول ، ويتقاطع مع الطريق الدائري الثاني ، ويصل إلى المطار ماراً من شمال غرب العُريّض ، وما بين طريق الملك فهد شمالاً وطريق الملك عبد العزيز جنوباً توجد الحرة الشرقية ، وإلى الشمال منها منطقة الأوس ، وفي شمال المدينة المنورة يوجد جبل أُحُد الذي يرتفع أكثر من ألف متر عن سطح البحر . وهنالك طريق دائري مقترح يتوسط بين الطريق الدائري الأول والدائري الثاني

 

مَنْ هم أغواتُ الحرمين الشريفين اندثر حي الأغوات في القرن العشرين ، ولكن بقيةً من الأغوات مازالت موجودة في الحرمين الشريفين ، والمقصود بالأغوات : الخدم الذين في الحرمين الشريفين ، وأوّل مَن عينَ الخدم في الحرمين الشريفين هو الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، وأولُ من اتخذَ الخِصيان لخدمة الكعبة هو الخليفة الأموي يزيد بن معاوية ، وأولُ من رتب الأغوات في المسجد الحرام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ، وأما أول مَنْ عيَّنَ أغوات المسجد النبوي من الخصيان فهو الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي ، وقد ازداد عددهم أيام المماليك والعثمانيين ثم بدأ يتناقص في القرن العشرين جراء مزاحمة التكنولوجيا للأعمال اليدوية . لقد ظلّ الأغوات يتميّزون بزيّ مُعيّن على مَرّ العصور ، وقد تحسّن زيهم في أيام السلطان العثماني سليمان القانوني في القرن السادس عشر الميلادي ، إذ صار للأغوات شارات ورُتبٌ تُفرّق بين كبار الأغوات وصغارهم ، وأعلى رتبهم هي رُتبةُ شيخ الأغوات ، وهو ناظر أوقافهم والمسؤول عن سير أعمالهم . وشرطُ الإلتحاق بسلك الأغوات أن يكون الراغبُ بالإلتحاقِ مَخصياًّ لكي لايؤذي النساء اللواتي يقصدن الحرمين الشريفين للزيارة والعبادة ، ويُشترطُ أن يُرابطَ في الحرم سبع سنوات متواصلة ، ومن المعلوم أن آخرُ آغا تعين في سلك الأغوات سنة 1399 ه، وعدد الأغوات حالياً أربعة عشر آغا في الحرم المكي ، و اثنا عشر آغا في المسجد النبوي الشريف ، و كانت للأغوات سابقاً إثنتين وأربعين وظيفةً ، أما الآن فقد انحصرت أعمالهم في أربعة وظائف هي : المشاركة في استقبال الملك والوفد المرافق له . خدمة كبار ضيوف الدولة . فصل النساء عن الرجال . منع النساء من الطواف بعد الأذان . وقد حظي الأغوات باهتمام المملكة العربية السعودية منذ أيام الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي أصدر مرسوماً ملكياً حُفِظتْ بموجبه حقوقهم وذلك في 19 / 4 / 1346 ه، وفيما بعد صدر قرار مجلس الوزراء السعودي رقم : 925 ، بتاريخ 21 / 9 / 1391 ه، وجاء فيه : ( يبقى الأغوات على عاداتهم وتقاليدهم وما هُم عليه ) وللأغوات أوقاف خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف والأحساء والعراق والمغرب واليمن وبعض الدول الأخرى ، وتصرف لهم حكومة خادم الحرمين الشريفين مرتبات شهرية مُجزية عن طريق الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف مما يؤمّن لهم عيشاً رغيداً . حارة الأغوات رمز من رموز الماضي من أشهر الحارات والمناطق في المدينة المنورة سابقاً حي الأغوات، الذي كان يبدأ بزقاق الحارة ، وهو زقاقٌ كانت أرضيتُه ترابية ، وكان طوله نحو 255 م، وعرضه 2 م ، وكان يبدأُ الزقاقُ من أمام باب جبريل من الناحية الشرقية للمسجد النبوي ، ثمّ يتجه شرقاً إلى باب الجمعة في السور العثماني الذي يفضي إلى البقيع ، كما كان يتّجِه فرع العين الزرقاء في وسط حارة الأغوات من عند الرُّستمية إلى الناحية الجنوبية ليتصلَ بشارع ذروان، وشارع درب الجنائز . كانت بيوت حارة الأغوات بشكل عام قديمةً جداً ، ومبنيّةً بالطين والطوب وهي على ارتفاع دورين أوثلاثة أدوار،، وكان في حارة الأغوات العديد من الأزقة مثل : زقاق اللبان،و زقاق الحبس، و زقاق سيدنا إسماعيل، وزقاق مظهر، وزقاق الخشب، وكان يوجد فيها كتّابُ بنت الشيخ خليل ، ومدرسة ومكتبة قرباش بجانب بيت المدني ومدرسة ومكتبة عمر أفندي، و مكتبة مدرسة رباط مظهر ولا أدري ماعلاقة هذا الرباط بالشيخ مظهر حسين والد الشيخ عبد الرحمن كبير مطوفي الهند في أيام الملك عبد العزيز ومكتبة الشيخ عبد الغفور البخاري ، ومدارس كل من سليم بك، والشيخ عبد القادر الشلبي، والشيخ البري، ومدرسة حسين آغا جوهرجي . كما كان يوجد في حارة الأغوات العديد من الأربطة، منها : رباط مظهر، ورباط القدم، ورباط البقر، ورباط البدوي، ورباط العرجة، ورباط حواء بياضة،و رباط المارداني، و رباط خير الله،و رباط أبودقة، رباط العجوة، رباط ملكة، رباط العشرة (للعزاب فقط) رباط العشرة (للعازبات فقط) رباط الزيلعي، ورباط الرومي، و رباط الطمبرة، ورباط إسماعيل الأول، و رباط المظفر، ورباط نافع الأول والثاني، ورباط كيخية كاظم، ورباط العين، و رباط جودة، و رباط الهندي، ورباط الكناس، ورباط الأنصاري، ورباط القمبرة، ورباط الجبرت، و رباط الصندل، و رباط إسحاق، و رباط الصادر والوارد، ورباط الحسن والحسين، ورباط البدرة، ورباط سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، كما كان يوجد في حارة الأغوات بئر ماء تسمى عين الحارة . وترجع تسمية حارة الأغوات بهذا الاسم لأن غالب الأغوات كانوا يسكنون بها لقربها من المسجد النبوي مقرّ عملهم ، وهو ما يفسر ازدحام الأربطة والمدارس في هذه الحارة ، وقد اشتهر من سكانها :إبراهيم محمود اسكندراني، وعبد القادر شلبي، و أحمد سراج السندي، ويوسف ديولي، ومحمود ديوليو، و حسن محمد المراكشي، و عبد الرحمن البيجاوي، و آل مكوار، وحسن صباغ، وعمر الحيدري، ورجب مجلد، وأبو بكر أحمد القاضي، و أحمد رضوان الطرابيشي ، ونظراً للضرورةِ فقد أزيلت هذه الحارة في مشروع توسعة المسجد النبوي وصارت جزءاً من ساحاته في الوقت الحاضر . للمزيد من المعلومات انظر : الحرمان الشريفان ، التوسعة والخدمات خلال مئة عام ، الصادر عن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ص : 297 299 ، و أحمد أمين مرشد طيبة وذكريات الأحبة : 1/134 3/76103 –229 ، و ياسين أحمد الخياري صور من الحياة الاجتماعية بالمدينة المنورة ا ص36 106 109 110228 ، رحلة البتنوني ص: 253 ، و مرآة الحرمين : 1/41 ، و رحلات في شبه الجزيرة : 300 ، و حارة الأغوات د، عاصم حمدان ، و آثار المدينة المنورة ـ عبد القدوس الأنصاري ، والتاريخ الشامل للمدينة المنورة ؛ للدكتور عبد الباسط بدر . شارع العنبرية يقع شارع العنبرية في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة المنورة على الطريق التي تؤدي إلى المسجد النبوي الشريف بالنسبة للقادم من مكة المكرمة وجدة ويَنْبُع ، وهو الشارع الرئيس في المدينة المنورة، ومن أعظم شوارعها وأعذبها هواء وأكبرها مورداً على الدوام لدخول قوافل الحجاج والزوار وركبان أهالي مكة وجدة وغيرهم . يبدأ الشارع من باب العنبرية غرباً إلى مسجد الغمامة شرقاً ويبلغ طوله أكثر من كيلو متر واحد ويتراوح عرضه من 20 30م ، وسمي بالعنبرية لعدة اعتبارات هي : ـ من العنبر وهو نوع من العطور الثمينة التي تباع بالمدينة المنورة ومكة المكرمة . ـ من النخل الذي كان يُزرع في هذا الشارع، و يُثمِرُ التمرَ المسمى : عنبر . ـ من شخص اسمه عنبر كان يعيش في هذا المكان، وهذا هو أرجح الأقوال عند بعض مؤرخي المدينة المنورة . وتتفرع من شارع العنبرية عدة شوارع وأزقة وحوله العديد من الأحواش وهي : أ ـ من الشرق إلى الغرب يميناً : ـ شارع السيح ـ زقاق السلطان ـ حوش العبيد ـ حوش أبو ذراع ـ حوش الراعي ـ التكية المصرية ---- مبنى الكلية الإسلامية التي أصبحت مدرسة طيبة الثانوية، ب ـ يساراً : شارع قباء ـ زقاق سيد أحمد ـ حوش مناع ـ حوش عميره ـ مقر المجمع الحكومي القديم ـ حوش الخياري ـ حوش أبو جنب ـ حوش الجوهري ـ زقاق الكاتبية ـ الثكنة العسكرية . ج ـ وعلى امتداد شارع العنبرية من جهة الغرب يقع ميدان العنبرية وباب العنبرية ، و يحتوي الشارع على العديد من العمائر والمباني التي تمتاز بأشكالها الجميلة ، وبكبر أحجامها وكثرة رواشينها، ومعظم هذه العمائر تتكون من دورين أو أكثر وأشهرها: منزل آل جعفر الذي كان يسكنه أمير المدينة بالوكالة، ومنزل آل الخريجي الذي ينزل فيه كبار الضيوف، ومنازل الترجمان، وآل السقاف، وآل عبد العال، وفيه كتَّاب الشيخ بشير ومدرسة البنات، وديوان الحاكم الإداري ، وحمام آل الترجمان ، وو القشلة ، وسوق النحاسين ، والمدرسة المنصورية وغيرها من المواقع . للمزيد من المعلومات انظر : علي بن موسى ـ وصف المدينة ص37 ، ياسين أحمد الخياري ـ صور من الحياة الاجتماعية بالمدينة المنورة : 43: ، هشال عبد العزيز الخريصي ـ شارع العنبرية : ص : 7 . ص المناخة تقع منطقة المناخة غربي المسجد النبوي من ثنية الوداع الشامية شمالاً إلى بداية قُربان جنوباً ، وكان القسم الشمالي من المناخة ميداناً للسباق والتدرب على ركوب الخيل والرماية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر بعض التدريبات ويحض المتدربين على أن يجودوا، ويسابق بينهم أحياناً، وقد بني في موقع السباق مسجد سمي مسجد السبق . وفي قسمه الثاني اختط النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ للمسلمين السوق في السنوات الأولى من الهجرة ليخلصهم من سيطرة الْمُرابين اليهود على الأسواق الأخرى، وقال صلى الله عليه وسلم : ( هذا سوقكم فلا يضيق ولا يؤخذ منه خراج ) وكانت السوق مكشوفة ليس فيها بناء، وكان يحضر التجار إليها صباحاً، ومن سبق إلى موقع وضع بضاعته فيه ويتاجر إلى نهاية اليوم ثم يحمل متاعه ليعود في اليوم الثاني . وفي عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بني في منطقة السوق بناء كبير ونظمت فيه الدكاكين ليكون سوقاً ثابتاً، ولكن أهل المدينة هدموا البناء إثر وفاة هشام، وفي العهود المتأخرة بني مرة ثانية واستثمره بعض المستفيدين، وفي فترة الحرب العالمية الأولى حوصرت المدينة فهدم فخري باشا السوق، و بعد ذلك قام حي سكني في المنطقة لقربها من المسجد النبوي وبقيت في الدّور الأرضي من مساكنه دكاكين ومعارض تجارية ، ثم أزيلت في مشروع تحسين المناطق المحيطة بالمسجد النبوي الشريف ، وحفر على امتداد المنطقة نفق للسيارات يصل بين طريق حمزة سيد الشهداء شمالاً وأول منطقة قربان جنوباً ، وبقيت ساحة المناخة وامتداد السوق القديم ممراً للمشاة ولخدمة المسجد النبوي الشريف . للمزيد من المعلومات انظر : االدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين ص : 224 ، آثار المدينة المنورة ـ عبد القدوس الأنصاري 159 . الْجُـرف تقع منطقة الجرف الآن في الجزء الشمالي الغربي من المدينة المنورة، وتمتدُّ إلى ماوراء جبل أُحُد ، وتمرّ فيها الطريق الخاصة بغير المسلمين والآتية من المطار شرقاً خارج حرم المدينة المنورة ، وقد كانت منطقة الجرف من قبل أرضاً منبسطة فيها مجموعة من البساتين وفيها بعض الآبار، وأشهرها بئر رومة التي اشتراه الخليفة الراشد الثالث الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأوقفه للمسلمين ، وتنسب بعض المصادر التاريخية تسميته بهذا الاسم إلى تُبع ملك اليمن الذي مرّ بالمنطقة في العصر الجاهلي وأطلق عليها هذا الاسم، ولا يوجد أي دليل على صحة هذه الرواية . وقد استثمر المسلمون أرضَ الْجُرف وأنشؤوا فيها المزارع، وكان لعدد من الصحابة فيها بساتين ، وفي أواخر أيام النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ أمرَ جيشَ أُسامةَ بن زيد رضي الله عنهما أن يُرابطَ في الْجُرف استعداداً لتأديب الروم الذين مارسوا الإرهاب الأرثوذكسي ضدَ المسلمين ، وقد تمّ تأديبهم في أيام الخليفتين الراشدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما ، وكان الدرس الذي لن يُنسى في معركة اليرموك ، وماتلا ذلك من تطهير الشام من رجس الروم البيزنطيين ، وفي العهد الراشد استخدمت أرضُ الْجُرف المنبسطة لإقامة معسكر للمجاهدين، يتجمع فيه الذين يكتتبون للجهاد قبل توجّهِهم إلى مناطق ميادين الجهاد في سبيل الله تعالى ، وكانت تُضرب في الْجُرف الخيام وتُعقد الرايات وتُوجّه منه الجيوش ، وفي العهد العُثماني شيّد العُثمانيون قلعةً على سفح جبل أحد تُشرف على الْجُرف لحماية المدينة المنورة من الغُزاة الصليبيين وأعوانهم ، ومازالت القلعةُ شامخةً تحكي قصص البطولات ، وفي الوقت الحاضر زحف العمران الإسمنتي الجشعُ والبشعُ على الْجُرف ، فتقلصت مساحات المزارع والبساتين حتى أوشكت أن تختفي نهائياً لولا حماية الدولة للبساتين التي فيها بئر رومة ،والتي جعلتها مزرعة تجريبية ، وقد حافظ بعضُ الخيرين على واحات النخيل في غرب وشمال جبل أحُد . وفاء الوفا : 4/1175 عمدة الأخبار ص : 288 قُبــاء تقع منطقة قُباء في جنوبي المدينة المنورة ، ويجري فيها وادي رانوناء، وقد كانت من قبل قريةً مستقلة على طريق القوافل القادمة من مكة المكرمة ، ثم امتد العمران إليها فاتصلت ببقية أنحاء المدينة المنورة ، ويُروى أنها سُميت قُباء ببئر كانت بها يقال لها قُبار، فتطير الناس منها فسمّوها قُباء . تتميز قُباء بكثرة المياه الجوفية، وقُربها من سطح الأرض ، كما تتميز بخُصوبة تربتها ، ولذلك تكثر فيها مزارع النخيل، والعنب، والبساتين المتنوعة الأشجار والثمار، وكانت قُباء إلى عهد قريب مجموعةً مـن المزارع المتصلة التي تنتشر بينها البيوت، أو تتجمع على شكل أحياء صغيرة، وخاصة حول مسجدها التاريخي الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم ص عندما وصل إليها، وشارك النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ والصحابة في بنائه ، وهو أول مسجد بُني في الإسلام ، وقد وردت في فضائله أحاديث كثيرة في أُمهات مُتون كُتُب أهل السُّنّة والجماعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يزوره بين الحين والآخر ، كما كان يزور بعض الصحابة في قباء، وقد انتشر العمران حالياً في قباء وامتد في جميع الاتجاهات وتقلصت المزارع والبساتين عمّا كانت عليه سابقاً ، وبقيت في قُباء بعضُ بساتين النخيل التي تُضفي على المنطقة جمالاً وجلالاً . المغانم المطابة 323 / 331 الروض المعطار 452 453 آثار المدينة المنورة 162 / 165 الْخَنْدَق كان الخندقُ حفرة طويلة ممتدة وعميقةً حفرها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، والصحابة الكرام في السنة الخامسة للهجرة، عندما جمعت قريش عدداً من القبائل التي ساهمت في تشكيل الأحزاب الْمُناوئة لله وللرسول وللمؤمنين ، وقد سارت قريش وأحزابها إلى المدينة راجيةً أن تستأصلَ المسلمين المؤمنين ، وكانت أطراف المدينة الجنوبية الشرقية ، وجزء من أطرافها الغربية مُغطاةً ببقايا ركامٍ بُركانية التي شكّلت مع مزارع النخل الكثيفة حمايةً طبيعية لما وراءها من أرض المدينة المنورة ، وكانت أجزاء من الجهة الغربية والشمالية مكشوفةً يسهل العبور منها إلى قلب المدينة المنورة ، فأستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فأشار عليه سلمان الفارس بحفر خندق على امتداد المنطقة المكشوفة من أطراف المدينة المنورة كي يحولَ دون مرور غُزاة الأحزاب الطامعين ، وخطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندقَ ، ووزّع الصحابة كل عشرة يحفرون أربعين ذراعاً من الخندق ، وشاركهم النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ في العمل فكان يحفر بيديه الشريفتين، ويُحطّمُ الصخور التي يعجز الصحابة عن تحطيمها ، واستمر العمل في الخندق ستة أيام ، ونُصبتْ خيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على السفح الشمالي الغربي من سلع ، و أُقيم في موقعِها فيما بعد مسجدُ الفتح ، ووقعت في أيام حفر الخندق عدّةُ مُعجزاتٍ نذكر منها: الكدية التي اشتدت عليهم في الخندق فدعا النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ، بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا الله بما شاء، ورش الماء على الكدية فانهالت كالكثيب ما تَرِدُّ فأساً ولا مسحاً . ومنها: الصخرة التي اعترضت سلمان وأصحابه فضربها النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ بالمعول ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيّ المدينة، فكَبَّرَ النبيُّ مُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ، ثم ضربها الثانية، وبرق منها برق، وكبر وضربها الثالثة كذلك فكسرها، فقال سلمانُ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيتُ شيئاً ما رأيت مثله قط! فقال النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ : ( (نعم ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأخبرني جبريل : أن أمتي ظاهرةٌ عليهم، والثانية أضاءت لي قصورَ الروم، والثالثة قصورَ صنعاء فأبشروا ) . يقول سلمان: فكل هذا قد رأيته . ومنها أيضاً: تلك الحفنة من التمر التي أخذها النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ، من عمرةَ بنتِ رواحة أختِ عبد الله بن رواحة رضي الله عنها وعنه ، ودعا بثوب ووضع عليه التمرَ وَدَحَاْ بِهِ فتبدَّدَ فوقَ الثوب، ونادى أهلَ الخندق جميعَهم للغداء ، وجعلوا يأكلون جميعاً حتى قاموا عنه ، وإنه ليسقط من أطراف الثوب ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومنها: قصة شاة جابر بن عبد الله التي صنعها للنبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ، فدعا النبي مُحَمَّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ ، جميعَ الصَّحابة وأكل الجميعُ ومازالت كما هي ببركته . وقد سعى بعض الباحثين لتحديد موقع الخندق بدقة فلم يصلوا إلى نتيجة مرضية، ووضع الأستاذ الراحلُ عبدالقدوس الأنصاري صاحبُ مجلة المنهل السعودية وضع خارطة تقريبية للموقع بناء على ما جاء في المصادر التاريخية، و حسبما حدّدتْه هذه الخريطة فإنّ الخندقَ يبدأ من طرف حرّة الوبرة ، أي : الحرة الغربية ، عند مرور وادي بطحان بقربها، ويمتدّ إلى غربي سلع، ثم ينعطف على شكل شبه قوسٍ ؛ فيمر قُرْبَ جبلِ ذباب، ويتجّه إلى أجمة الشيخين ، وينتهي عند طرف حرة واقم أي : الحرة الشرقية ، وبذلك يبلغ طول الخندق 12كم تقريباً، ويعتقد أن عرضَه أكثر من أربعة أمتار لأن قليلاً من خيل المشركين استطاعت أن تعبره فتصدى لها المسلمون، وهلك فُرسانها ، ودليلُنا على أنّ عرضه يتجاوز الأربعة أمتار هو : أن الخيول الأصيلة المدربة تقفز أكثر من أربعة أمتار ، ولو لم يكن عرضُ الخندق أكثر من أربعة أمتارٍ لتمكنت خيول الأحزاب كافة من اجتيازه ، ولَتمكنوا من اقتحام المدينة المنورة . بعدما هُزمتِ الأحزابُ في غزوة الخندق تتالت إنتصارات المسلمين على الكفار المجرمين ، وفُتحت مكة المكرمة ، وقويت شوكةُ الدولة الإسلاميةِ ، وعُبِّرَ عن الدولة في القرآن الكريم بلفظ القرية والمدينة .ولم تَعُدْ للخندق ضرورة فأُهمل وانهارت جُدرانه وانهال الترابُ بعد الغزوة وانطمر معظمه في العهد الراشدي. ثُمّ أعيد حفر الخندق سنة 63 للهجرة عندما رفضَ أهل المدينة طاعةَ الخليفة الأموي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، وتحصّن أهلُ المدينة المنورة خلف الخندق ، وأرسل الخليفة يزيد جيشاً استطاعت مجموعة منه أن تقتحم الخندق من جهة حرة واقم ، أي : الحرة الشرقية ثمّ دخلت أرض المدينة المنورة ، و استطاعت مجموعة أخرى أن تردم جزءاً من الخندق وتعبره ، ولله في خلقه شؤون . بعد ذلك انطمر الخندق مدة تقارب ثمانين عاماً، ثم حُفِرَ مرة ثالثة عندما ثار محمد بن عبدالله بن الحسين المدعو بالنفس الزكية، وتمرّد على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور عام 145هـ، ولكن الجيش العباسي اقتحم الخندقَ ووضع حداًّ للتّمرّد ، ولم يحفر الخندق بعد ذلك ، وقد ذكرَ السمهوديّ في كتابه الجليل وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: 4/1204 ،، أن بقايا متفرقة من الخندق كانت موجودة في عصره أي في القرن التاسع الهجري ، ولكنها انطمرت بمرور الزمن ولم يبق منها الآن شيء على الإطلاق ، ولكنّ المكان معروفٌ ولا سيما في منطقة المساجد السبعة ، ولم تعُد للخندق حاجة دفاعية منذ أمدٍ طويل ولله الحمدُ والْمِنّةُ . للتوسع: آثار المدينة المنورة / عبدالقدوس الأنصاري ص154 : عمدة الأخبار ص313 معجم البلدان 2/448 وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودي 4/1204 المغانم المطابة ص133 ـ الروض المعطار ص221 العالية (العوالي) يطلق اسم العالية أو العوالي تاريخياً على المنطقة الواقعة في الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية من المدينة المنورة في خط يمتد شرقاً من البقيع إلى حرة واقم ، وجنوباً بمحاذاة قُباء، وكانت تنتشر في العوالي أحياء سكنية لعدد من قبائل الأنصار ، وتتخلَّلُها مزارعُ نخل وبساتين، وهي من جهتها الشرقية مرتفعة ، ثُمَّ تنخفـض تدريجياً كلما اتجهنا نحوَ الغرب حتى تصبح في مستوى الأرض التي بُنِيَ عليها المسجدُ النبويّ، وقد زحف العمران الحديثُ فغطى مُعظمَ الأراضي التي كانت تشغلها البساتينُ ومزارعُ النخل، وتفير إسمُ العالية فصارت تُسمى العوالي وبعضُ الناس مازال يُسميها العالية ، ويتردد ذكر العالية في كتب التاريخ عبر العصور لِما شهدتْ أحياؤها وبساتينها من الأحداث الكثيرة منذ العهد الجاهلي إلى مشارف العهد الحديث ، فقد وقعت فيها مواجهاتٌ شرسةٌ بين قبيلتيّ الأوس والخزرج قبل الإسلام ، وسكنها بعضُ المهاجرين الأولين . وكانت العاليةُ قرية مستقلة مثل قُباء ، ثم اتصلت بالمدينة المنورة عندما ازدهرت في عهود الخلفاء الراشدين الثلاثة قبل استشهاد الخليفة الثالث عثمان ذي النورين رضي الله عنه ، وبعد ذلك تراجع شأنُها السياسي في عهد الخليفة الرابعُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه نقل مقرَّ عاصمة الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة في العراق ، وبعد ذلك انكمشت المدينة المنورة عن التوسُّع والإزدهار ، وتقلصت في القرن الثالث الهجري حتى انفصلت عنها العاليةُ ثانية وصارت مجموعة مزارع ومساكن لأهلها والعاملين فيها، ولما بُنيَ سورُ المدينة المنورة بقيت العالية خارجَ السور، وفي العصر الحديث أضحت العوالي من الأحياء المكتظة بالأبنية السكنية التي تحتضن أعداد الزائرين في المواسم الدينية للحج والعمرة وغير ذلك . للتوسع: عمدة الأخبار 375 376 . الروض المعطار 422 . قربان من المناطق المحيطة بالمسجد النبوي منطقةُ قربان ، والقُربان باللغة العثمانية والتركية الحديثة هو الأضحية ، ومنطقة قربان هي الممتدة بين قُباء غرباً، والعوالي شرقاً، وكانت مجموعة من مزارع وبساتين متجاورة، تتخللها مساكن المزارعين، وبقيت هكذا حتى العقد التاسع من القرن الرابع عشر الهجري الموافق للعقد السابع من القرن العشرين الميلادي ، إذ لم تكن لمنطقة قربان شهرة تذكر، ولذا لا نجد لها ذِكْراً في الكتب القديمة التي تحدثت عن معالم المدينة المنورة ، و قد ذكرها من المحدثين علامة الجزيرة الراحل الشيخ حمد الجاسر في إضافاته على كتاب المغانم المطابة ، باسم : قرية قربان . لقد زحف العمران الحديث بشراسة عل قرية قربان فاجتاح مزارعها وبساتينها ولم يبق منها إلا القليل، وتتميز الأبنية في قربان بالضخامة نسبياً، وقد تحول الشارع الرئيسي فيها إلى سوق تجارية نشطة لبيع الأدوات الكهربائية والمنزلية، إلى جانب عدد من المطاعم المتنوعة التي حلت محل أشجار النخيل الجميلة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . المغانم المطابة ص 454 و 456 أسوار المدينة لم يُشيد سورٌ للمدينة المنورة في القرنين الأول والثاني الهجريين ، وفي القرن الثالث الهجري تعرضت المدينة المنورة لهجمات متعددة من قبل الطامعين ، وكان آخرها هجوم بني كلاب على المدينة المنورة عام 263هـ ، وجاء الصريخ إلى بغداد فأمر الخليفة العباسي بجمع الأموال فجُمعت، وأرسلت إلى المدينة، فقام أميرُها محمد بن إسحاق الجعدي ببناء سور من الطوب واللبن وجعل له أربعة أبواب: باب في المشرق يخرج منه إلى بقيع الغرقد، وباب في المغرب يخرج منه إلى العقيق وإلى قُباء، وباب ما بين الشمال إلى الغرب، وباب آخر يخرج منه إلى قبور الشهداء بأحد وهنالك قبر حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه . وفي الفترة من عام 367ه372هجدّد سورَ المدينةِ الطاغيةُ عضد الدولة البويهي الفارسي بعد ما سيطرَ على الخلافة العباسية في بغداد ، وجعل لسور المدينة المنورة أربعة أبواب وصفها المقدسي بأنها هائلة، وهي: باب البقيع، وباب الثنية، وباب جهينة، وباب الخندق. ولم يمض على السور الذي بناه البويهيّ قرنان من الزمان حتى تهدّم ولم يبق منه إلا آثاره ورسمه، فقام جمال الدين محمد بن علي بن أبي المنصور المعروف بالجواد عام 540هـ بتجديد سور المدينة المنورة بشكل محكم حفظ أهلها من الأعادي، فلهجت الألسنُ بالدعاء له، وكان الخطيبُ بالمدينة المنورة يقول في خطبته: اللهم صُنْ حريمَ مَنْ صانَ حرمَ نبيك بالسُّور، محمد بن علي بن أبي المنصور. ولمّا تعاظم الخطر الصليبي وقرّر الصليبيون إلحاق الأذى بمكة المكرمة والمدينة المنورة ، وحاولوا الوصول إلى المدينة المنورة لتدنيس الروضة النبوية والمسجد النبوي ، وخشي المسلمون ذلك فرمّم نور الدين زنكي السور القديم ، وبنى سوراً آخر أحاط بالسور القديم والتجمعات السكانية التي أقيمت خارجه، وذلك في سنة 558 ه، ويبدو أن سور نور الدين قد هدمَ مع مرور الزمن ولم يبق منه شيء كما نصَّ عليه غير واحد من المؤرخين . أمّا السور الذي الداخلي القديم فقد تداعى ، وجُدِّدَ أيام السلطان المملوكي حسن بن السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 751ه، كما جَدَّدَ أجزاءً منه السلطان المملوكي الأشرف قايتباي عام 881ه. وفي عام 939هـ قام السلطان العثماني سليمان القانوني بن سليم الأول بتجديد السور الذي بناه الجواد محمد بن علي بن أبي المنصور تجديداً كاملاً، وقد بدأ العمل به عام 939هـ وانتهى في 15 شعبان سنة 946ه، وبلغ طوله 3000م ، و بارتفاع يتراوح ما بين 10أمتار ونصف المتر إلى 12 م، وقد صرف على هذا السور مبلغاً كبيراً من المال قُدّر بأكثر من مائة ألف دينار، عدا الخشب والحديد والحبال والرصاص والدهانات، وكانت لهذا السور أربعة أبواب هي: باب الجمعة أو البقيع، وينفذ إلى البقيع، وهو الباب الشرقي . وباب القلعة أي : ال باب الشامي ؛ وهو في الشمال، وينفذ إلى طريق الجرف وسيدنا حمزة ومقابر شهداء أحد . والباب الصغير ؛ وهو في جنوب الباب الشامي وينفذ إلى منطقة المناخة للقادم من الشمال بعد دخوله من الباب الشامي. وباب المصري ؛ وهو في الغرب ويسمى : باب سويقة ، وينفذ إلى منطقة المناخة للقادم من المسجد النبوي الشريف من سوق الحدرة . ويعد هذا السور أضخم وأقوى وأعلى سور بُني حتى ذلك الوقت، وقد جدده السلطان العثماني محمد بن إبراهيم خان عام 1078هـ ، ثم أصلح ما تهدم منه السلطان العثماني محمود خان عام 1162هـ ، ثم جدده أيضاً السلطان العثماني عبد العزيز سنة 1285هـ وجعل ارتفاعه 25 متراً وبنى فيه 40 برجاً تشرف على جوانب المدينة الأربعة وزودها بالمدافع والآلات الحربية. وفي زمن عمارة السلطان عبد المجيد للمسجد النبوي فتح في هذا السور باباً سُمّيَ باسم الباب المجيدي نسبةً إلى السلطان عبد المجيد ، ويؤدي إلى بئر حاء . كما أحدث بعد ذلك في آخر العهد العثماني باب آخر هو : باب الحمام، ويؤدي إلى ذروان وشارع العوالي. وباب بصري، ويؤدي إلى شارع السحيمي ومحلة باب المجيدي . وباب القاسمية، ويؤدي من المناخة إلى الشونة. وبعد هذا السور الذي بناه السلطان العثماني سليمان القانوني رحمه الله أحدث سور آخر غربي المدينة أحاط بالبيوت التي في خارج السور الأول في غربه وجنوبه، وبدأ من البقيع واتجه جنوباً إلى قُباء فالعنبرية إلى السور الكبير الذي بناه السلطان سليمان القانوني ، وجعلت لهذا السور خمسة أبواب هي : باب العوالي ، وباب الوسط شرقاً . وباب قباء جنوباً، وباب العنبرية في الجنوب الغربي، ويسمى بالباب الحميدي لأن السلطان عبد الحميد جدده وزاد في السور من تلك الناحية في سنة 1305ه، ثم سمي بالباب الرشادي نسبة إلى السلطان محمد رشاد الرابع ، الذي جاء بعده محمد وحيد الدين الخامس ، وكان آخر العثمانيين الخليفة عبد المجيد الثاني . وباب الكومة في الشمال الغربي . وهذا السور أساسه من حجر ، وارتفاعه عن وجه الأرض من اللبن والطين؛ وهو مُجَصَّصٌ، والمشهور بين أهل المدينة أنهم هم الذين بنوه في عهد محمد علي باشا الأرناؤوطي والي مصر، بأمر من السلطان العثماني محمود. وبعد استتباب الأمن في ظلّ الحكم السعودي لم يعد هناك داع لهذه الأسوار ، فتمّ هدمها في عام 1950م . 1 وفاء الوفا 1/757، 2 خلاصة الوفا 2/247، 3 المغانم المطابة ص190، 4 المطري ص73، 5 رحلة ابن جبير ص175، 6 تحقيق النصرة ص147، 7 التحفة اللطيفة ص81، 8 فصول من تاريخ المدينة ص35، 9 عمدة الأخبار ص146، 10مرآة الحرمين 1/411، 11المدينة المنورة في التاريخ ص46، 12المجلة /6 ص110 111، 13المدينة المنورة تطورها العمراني ص24 30، 14رسائل في وصف المدينة ص55،