مكة المكرمة - 4- للاستماع - علوم ومعارف - 99 - 102 - Science and knowledge, By Dr. Mahmoud EL-Saied EL- Doghim - إعداد وتقديم وإخراج : د. محمود السيد الدغيم - يتضمن هذا البرنامج أربع حلقات، وفيها: معلومات عن تجديد  أعلام البيت الحرام في عهد الخلافة الإسلامية والأموية والخلافة العباسية، والتجديد العثماني، والتجديد السعودي في عهد الملك خالد، ثم تجديد الملك فهد


Launch in external player




أعدَّ هذا البرنامج الإذاعي اليومي الصباحي وقدّمه: د. محمود السيد الدغيم حينما كان يعمل في محطة ام بي سي اف ام، وكان بثُّ هذا البرنامج بعد صلاة الصبح مباشرة بتوقيت مكة المكرمة، والهدف منه الفصل بين الأذان، وبقية البرامج، وقدَّمَ من هذا البرنامج أكثر من مئتي حلقة بمعدل حلقة واحدة يومياً
وكان تاريخ بث هذه الحلقات  المباشر ابتداء من يوم الأحد 11/6/ 2000 م حتى يوم الأربعاء 14/6/ 2000 م
نأمل لكم وقتاً ممتعاً

****

*****

جهود الدولة السعودية في تحديد وتجديد
أعلام الحرم المكي الشريف
أ.د. عبدالملك بن عبدالله بن دهيش
الرئيس العام لتعليم البنات سابقا

ملخص البحث

 إن قدسية البيت والحرم ومكانتهما في أفئدة المسلمين في شتى أنحاء المعمورة أمر ثابت لا مرية فيه، والأدلة على ذلك من الكتـاب والسنة أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى، وقد تصدى للتأليف عن مكة، وأخبارها، وفضلها، وعمارة البيت، والمقام، وزمزم، وولاة الحرم، وغير ذلك كثير من العلماء الأجلاء.
وحيث إني لم أجد من تطرق لحدود الحرم وأعلامه في بحث مفرد خاص بهذا الموضوع، لذا فقد استخرت الله تعالى، وشرعت في جمع كل ما يتعلق بمكة والحرم من المصادر والمراجع، وتجمع لدي الكثير  من الكتب المطبوعة والمصورات المخطوطة، وكانت ثمرة الجهد الذي بذلته أن وفقني الله إلى إنجاز هذا البحث الذي أقدمه للقارئ الكريم، راجيا أن ينفع الله به، وأن يكون مستوفيا لما قصدته من توثيق حدود الحرم من جميع جهاته.
والموضوعات الرئيسة التي يشتمل عليها البحث هي:
تاريخ أعلام الحرم المكي، ويتضمن بالشرح والتوضيح والترجيح بالأدلة ما يلي:
- اختيار الحرم على سائر الأرض.
- متى حرمت مكة المكرمة؟
- المسجد الحرام هو الحرم كله.
- المواقيت ودوائر الحرم.
- سبب تحريم الحرم.
- خصائص الحرم المكي وأحكامه.
- تجديد أعلام الحرم المحيطة به.
- أول من وضع أعلام الحرم.
- أعمال الدولة السعودية في تجديد أعلام الحرم.
أولا: تجديد الملك عبدالعزيز آل سعود- طيب الله ثراه- لأعلام الحرم.
ثانيا: تجديد الملك سعود- طيب الله ثراه- لأعلام الحرم.
ثالثا: تجديد الملك خالد- طيب الله ثراه- لأعلام الحرم.
رابعا: تجديد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد- سلمه الله- لأعلام الحرم
.
تمهيد
إنّ لمكّة المكرّمة في نفوس المسلمين مكانة بارزة، فإليها تتجه أفئدة الناس، ويقصدونها للحج والعمرة بشكل دقيق ومرسوم، وفق مواقيت مُعيَّنة ومحدَّدة، لأداء شعائر مفروضة، فيتجه صوبها للحج في كل عام الملايين، مما جعلها تنفرد بوجود هذه الحشود الهائلة من البشر تسير في أرجائها بخشوع وطمأنينة، وهى قبلتهم، حيث يتجه إليها المسلمون في سائر أنحاء المعمورة خمس مرات في اليوم والليلة في صلواتهم، كما أنها مهبط الوحي، ومولد سيد ولد آدم الهادي البشير النذير سيدنا ونبينا محمد صلوات الله عليه وسلامه.
وقد شرف الله سبحانه وتعالى مكة المكرمة، فحرّمها قبل خلق السموات والأرض كما ثبت ذلك عن رسول الله r، وبلّغ إبراهيم عليه السلام عن الله حكمه فيها، وتحريمه إياها، فلها المكانة السامية في نفوس المسـلمين، قال تعالي: (وَإذ جَعَلنَا البَيتَ مَثَابَة للنَّاس وَأَمنَا، وَاتَّخذُواْ من مَّقَام إبرَاهيمَ مُصَلّى وَعَهدنَا إلَى إبرَاهيمَ وَإسمَاعيلَ أَن طَهرَا بيتي للطَّائفينَ وَالعَاكفينَ وَالرُّكَّع السُّجُود)([1]).
وقال سبحانه: (إنَّ  أَوَّلَ بَيت وُضعَ للنَّاس لَلَّذي ببَكَّةَ مُبَارَكَا وَهُدَىً للعَالمين. فيه آيَات بَينَات مقَامُ إبرَاهيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمنا ولله عَلَى النَّاس حجُّ البَيت من استَطَاعَ إلَيه سَبيلا)([2]).
وقد روى المؤرَّخون والمفسّرون أن أول من بنى الكعبة: الملائكة، وقيل: آدم، وقيل: شيث.
وأخرج البيهقي([3])، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال النبي r: "بعث الله جبريل عليه السلام إلى آدم وحواء فقال لهما ابنيا لي بناء، فخط جبريل عليه السلام، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل، فلما بنياه أوحى الله إليه أن يطوف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت".
لكن هذا الحديث تفرد بروايته ابن لهيعة مرفوعا، وهو ضعيف، والصحيح أنه من قول عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه.
وثبت من حديث محمد بن أحمد بن يزيد، قال: حدثنا محمد بن عبدالله الأنصارى، حدثني القاسم بن عبدالرحمن، حدثنا أبو حازم (نبتل) مولى ابن عباس، عن ابن عباس، عن النبي  r: أن آدم أتى ألف أتية لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه([4]).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَعَهدنَا إلَى إبرَاهيمَ وَإسمَاعيلَ أَن طَهرَا بيتي للطَّائفينَ وَالعَاكفين...)([5]).
اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، ثم ذكر الأقوال الواردة في ذلك ووصفها بالغرابة، ثم قال: وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي مما لا يصدق ولا يكذب، ولا يعتمد عليها بمجردها، وإنما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين([6]).
قلت: وعلى هذا فالصحيح الثابت بالنصوص العلمية القطعية من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله  r، أن أول من بنى الكعبة، إنما هو إبراهيم عليه السلام. قال تعالى: (وأذن في الناس بالحج...)([7]) ولم يأت خبر عن المعصوم أن البيت كان قبل الخليل عليه السلام.
ثم بنته قريش في الجاهلية، ووضع النبي r الحجر الأسود في مكانه بيده، ولم تزل الكعبة على بناء قريش، حتى احترقت في أول إمارة عبدالله بن الزبير، فحينئذ نقضها وبناها على قواعد إبراهيم، وأدخل فيها الحجر، وكانت قريش قد أخرجته، وقد ورد من طرق صحيحة متعددة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي r قال: يا عائشة لولا قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة، وألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابا شرقيّا، وبابا غربيّا وزدتُ فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حين بَنَت الكعبة.
وبعد مقتل عبدالله بن الزبير- رضي الله عنه- أعيد بناء الكعبة وفق ما كانت عليه زمن قريش، وحين بلغ عبدالملك بن مروان حديث عائشة- رضي الله عنها- قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.
وكانت هناك ترميمات في داخل الكعبة، آخرها في زمن الملك سعود- رحمه الله- فإنه بعد أن ثبت أَنَّ ثمة تصدعا في سقف الكعبة أمر الملك سعود- رحمه  الله- بتجديد سقفها، وإصلاح ما وهن من جدرانها.
وقد قام الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية (الملك السابق رحمه الله) بتجديدها نيابة عن أخيه الملك سعود، وكان يرافقه ولي عهد المملكة المغربية الحسن الثاني (الملك السابق رحمه الله)، وشارك معهم والدي الشيخ عبدالله بن دهيش بصفته رئيسا لمحاكم مكة، كما شاركت معهم وكنت طالبا في كلية الشريعة بمكة المكرمة، وذلك في يوم الجمعة 8 من رجب 1377هـ الموافق 7 فبراير 1958م، واستمر العمل في البناء والتجديد إلى يوم الأحد 12 من شعبان 1377هـ، حيث وصل الملك سعود، وافتتح العمارة الجديدة للكعبة المشرفة([8]).
وقد جدّد بلاط الكعبة في بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- سلمه الله-. ثم جددت عمارة الكعبة المشرفة تجديدا شاملا في عام 1417هـ، حيث أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، أيده الله بنصره، بعمارتها، وترميم جدرانها من الداخل والخارج، وتلبيسها بالرخام، وهذا التجديد الشامل يعتبر الأول منذ ما يزيد على ثلاثمائة عام، وقد شمل التجديد سقفي الكعبة المشرفة، وتبليط سطحها بالرخام، بعدما تعرضت الأعمدة الخشبية الحاملة لسقف الكعبة للتآكل والتلف بسبب حشرة الأرَضة، وبفعل الرطوبة والفطريات.
وتمت أعمال الإصلاح للجدران الداخلية على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: اشتملت على المداميك الأربعة العليا، والمرحلة الثانية: حتى منسوب الأرضية الداخلية للكعبة، والمرحلة الثالثة: من منسوب الأرضية الداخلية حتى منسوب المطاف الحالي، وأقل منه بعمق 0,40سم إلي 0,70سم، كما تم في المرحلة الأخيرة الكشف على الأساسات أسفل منسوب المطاف للتأكد من سلامتها، وقد وصل الحفر في أرض الكعبة إلى قواعد إبراهيم عليه السلام، وقد شاهدت ذلك، وترددت عليها عدة مرات، كما تم الاستغناء عن الميزاب القديم، واستبدل به ميزاب جديد بالمقاسات والكتابات نفسها، مصنع من الحديد غير القابل للصدأ، وعمل للكعبة سلم جديد من الألمونيوم الجيد، له منور من أعلاه، ودرجة من الزجاج حتى يتخلله النور من الدرج العلوي إلى أسفل الدرج.
وتم اختيار خشب التجديد من شجر يسمى (التيك) من غابات تبعد (250كيلو مترا) عن مدينة رنجون ببورما، حيث إن هذا النوع من الخشب يطرد الأرَضة، ووضعت طبقة من المواد العازلة فوق السقف الخشبي، وغطّيت بطبقة من الخرسانة الخفيفة لحمايتها، وتأمين الميول لتصريف المياه عن السطح، كما تم تبليط السطح بالرخام على كامل مساحته وجوانبه، ووضعت ألواح من الحديد غير القابل للصدأ فوق الألواح الخشبية للسقف المستعار الداخلي، لمنع أي مياه قد تتسرب من السطح الرئيسي من التأثير على السقف المستعار، واستُبدل بالحجارة القديمة للشاذروان رخام جديد، مع المحافظة على الرخامات الصغيرة القديمة الموجودة عند باب الكعبة، وأزيل الرخام القديم لجدران وأرضية حجر إسماعيل عليه السلام، واستبدل به رخام جديد، كما نظفت الفوانيس الموجودة على الجدران، وأعيدت إلى مواقعها السابقة، وتم عمل حاجز لمدخل الحجر.
واستمرت أعمال الترميمات هذه من بداية شهر محرم إلى بداية شهر رجب سنة 1417هـ.
وقد افتتح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية هذا التجديد في احتفال رسمي أقيم بهذه المناسبة، كان لي شرف حضوره.
كانت تلك نبذة موجزة عن أهمية مكة المكرمة ونشأة البيت الحرام، سَرَدْتُها في هذا الموضع، مقدما بذلك للبحث الذي أعددته، والذي وجدت أن إبرازه إلى حيز الوجود من واجبي نحو هذا البلد الأمين؛ بعد أن أسبغ الله علي نعمته بمجاورتي لبيته المحرّم، وجعلني من أهله.
وإن قدسية البيت والحرم ومكانتهما في أفئدة المسلمين في شتى أنحاء المعمورة أمر ثابت لا مرية فيه، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى، وقد تصدى للتأليف عن مكة، وأخبارها، وفضلها، وعمارة البيت، والمقام، وزمزم، وولاة الحرم، وغير ذلك كثير من العلماء الأجلاء.
وحيث إني لم أجد من تطرق لحدود الحرم وأعلامه في بحث مفرد خاص بهذا الموضوع، لذا فقد استخرت الله تعالى، وشرعت في جَمْع كل ما يتعلق بمكة والحرم من المصادر والمراجع، وتجمع لديّ الكثير من الكتب المطبوعة والمصورات المخطوطة، وكانت ثمرة الجهد الذي بذلته أن وفقني الله إلى إنجاز هذا البحث الذي أقدمه للقارئ الكريم، راجيا أن ينفع الله به؛ وأن يكون مستوفيا لما قصدته من توثيق حدود الحرم من جميع جهاته.
والموضوعات الرئيسية التي يشتمل عليها البحث هي:
· تاريخ أعلام الحرم المكي، ويتضمن بالشرح والتوضيح، والترجيح بالأدلة، ما يلي:
- اختيار الحرم على سائر الأرض.
- متى حرّمت مكة المكرمة؟
- المسجد الحرام هو الحرم كله.
- المواقيت ودوائر الحرم.
- سبب تحريم الحرم.
- خصائص الحرم المكي وأحكامه.
- تجديد أعلام الحرم المحيطة به.
- أول من وضع أعلام الحرم.
· تجديد هذه الأعلام بعد إبراهيم عليه السلام إلى أن جددها  النبي r:
أولا: إسماعيل عليه السلام.
ثانيا: عدنان بن أدد.
ثالثا: قصي بن كلاب.
رابعا: قريش أثناء البعثة.
خامسا: تجديد النبي r لأعلام الحرم.
· تجديد أعلام الحرم في عهود الخلفاء:
أولا: تجديد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأعلام الحرم.
ثانيا: تجديد عثمان بن عفان رضي الله عنه، لأعلام الحرم.
ثالثا: تجديد معاوية رضي الله عنه، لأعلام الحرم.
رابعا: تجديد عبد الملك بن مروان، لأعلام الحرم.
خامسا: تجديد المهدي العباسي، لأعلام الحرم.
· توقف تجديد الأعلام التي على رؤوس الجبال.
· الاهتمام بتجديد الأعلام الواقعة على مداخل الحرم.
أولا: تجديد الراضي العباسي، لأعلام الحرم.
ثانيا: تجديد الملك المظفر صاحب إربل، لأعلام الحرم.
ثالثا: تجديد الملك المظفر صاحب اليمن، لأعلام الحرم.
رابعا: تجديد قايتباي لأعلام الحرم.
خامسا: تجديد السلطان أحمد خان الأول، لأعلام الحرم.
سادسا: تجديد الشريف زيد بن محسن، لأعلام الحرم.
سابعا: تجديد السلطان الغازي عبد المجيد خان، لأعلام الحرم.
· أعمال الدولة السعودية في تجديد أعلام الحرم:
أولا: تجديد الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، لأعلام الحرم.
ثانيا: تجديد الملك سعود طيب الله ثراه، لأعلام الحرم.
ثالثا: تجديد الملك خالد، طيب الله ثراه، لأعلام الحرم.
رابعا: تجديد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد سلمه الله، لأعلام الحرم.
· جهود المؤرخين المكيين في ضبط مواضع حدود الحرم الشريف. ويتناول هذا الموضوع ما يلي:
- جهود الإمامين الأزرقي والفاكهي.
- الأودية التي تسكب سيولها من الحل إلى الحرم.
- مداخل مكة المكرمة التي كانت في زمن الأزرقي والفاكهي.
- جهود محب الدين الطبري في ضبطه لمواضع من حدود الحرم.
- جهود الفاسي في ضبطه لمواضع من حدود الحرم الشريف.
- قياس الفاسي لمداخل الحرم.
- جهود الصباغ المكي في ضبطه لمواضع من حدود الحرم الشريف.
· تقييم الجهود المبذولة في تحرير المسافات بين الحرم والأعلام المحيطة به بعد الفاسي.
· قبائل مكة وعلاقاتها بالحد والحرم.
· الجهود التي بذلناها في تحرير المسافات بين الحرم ومداخل مكة المكرمة ودائرة الحرم.
· القواعد الإيضاحية لمواضع الحدود في هذا الباب.
· القواعد العامة في تحديد الحرم المكي الشريف.
تاريخ أعلام الحرم المكي الشريف
اختيار الحرم على سائر الأرض
تقع مكّة المكرّمة في منطقة تحيط بها التلال القاحلة الجرداء، والصخور والجبال المتشابكة، والأودية الجرانيتية، على دائرة عرض 25/21° شمالا، وخط طول 49/39° شرقا، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 360مترا([9]).     
وعلى هذا فهي تقع ضمن سهل تهامة الساحلي، الممتد على طول ساحل البحر الأحمر من أقصى شماله عند خليج العقبة، إلى نهايته الجنوبية عند باب المندب.
وقد توصل أحد العلماء إلى أن الإشعاعات الكونية تتلاقى  في مركزها عند مكة، وذلك بواسطة الأجهزة العلمية الحديثة التي تدرس بواسطتها المواقع الطبوغرافية على كوكب الأرض([10]).
ثم توصل أحد الباحثين العرب المسلمين وهو: الدكتور حسين كمال الدين([11])عند إعداده خريطة جديدة للكرة الأرضية يحدد من خلالها اتجاهات القبلة، وذلك لحاجة المسلمين إلى معرفتها ليتجهوا إليها في الصلاة، عندما يكونون في أماكن بعيدة عن المساجد، أو في بلاد غير المسلمين: إلى أن مكة المكرمة هي مركز الأرض، وتعتبر منتصف العالم؛ إذ يقول: "إنني بعدما وضعت الخطوط الأولى في هذا البحث، ورسمت عليها القارات الأرضية، وجدت أن مكة المكرمة هي مركز لدائرة تمر بأطراف القارات الأرضية، أي أن الأرض اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة، توزيعا منتظما، وأن مدينة مكة المكرمة في هذه الحالة تعتبر مركزا للأرض اليابسة، وصدق الله العظيم، إذ قال سبحانه وتعالى: (وَكَذَلكَ أَوحَينَا إلَيكَ قُرآنا عَرَبيّا لتُنذرَ أَمَّ القُرَى وَمَن حَولَهَا وَتُنذرَ يَومَ الجَمع لاَ رَيبَ فيه… الآية)([12]).
وشرّف الله سبحانه وتعالي مكّة، بأن اختارها لتكون مقرّا لبيته الحرام، ومنطلقا للرسالة السماوية الخاتمة، حيث إنها مركز الدائرة، فموقعها وما يحيط بها يجعلها جديرة بأن تكون مركزا لدعوة تعمّ العالم، وتخاطب الأمم جميعها، وهي دعوة خاتم النبيين الذي بعث إلى الناس كافة.
فقد روي البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال:
 قال رسول الله  r: "أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مدت منها الأرض، وإن أول جبل وضعه الله تعالى على وجه الأرض أبو قبيس، ثم مدت منه الجبال"([13]).
شكل يبّين أنّ مكّة المكرّمة هي مركز العالم
المصدر: د. حسين كمال الدين، إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة
وهذه نتيجة غير مستبعدة([14])، لأن الله سبحانه وتعالى اختار هذه البقعة من الأرض كلها ليجعلها موضع بيته الأمين، وكان الناس يحجّون إليها من لدن آدم، والحج فريضة على المسلمين إلى أن تقوم الساعة.
يقول الله عزّ وجلّ: (إنَّمَا أمرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذه الْبَلْدَة الذي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ وَأَمرْتُ أَنْ أَكُونَ منَ الْمُسْلمينَ)([15]).
قال القرطبي في تفسيره([16]): "يعني مكة التي عظم الله حرمتها، أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد فيها صيد، ولا يعضد فيها شجر".
ويؤيد ذلك حديث رسول الله r من خطبة له عام الفتح إذ قال: "يا أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها..." إلى آخر الحديث([17]).
وقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لأهل مكة: "يا أهل مكة: الله الله في حــــرم الله، ثـــم قال: إنه كان ولاة هــذا البيــــت قبلكم (طسْم)([18])، فتهـــــاونوا به ولم يعظّمــــوا حرمته، فأهلكهــــم الله تعـــالى، ثم وليتــــه بعدهـــم (جرْهم)([19]) فتهاونوا به ولم يعظّموا حرمته، فأهلكهم الله تعالى، فلا تهاونوا به، وعظّموا حرمته"([20]).
وعندما فسّر السلف قوله تعالي: (وَمَن يُرد فيه بإلحَاد بظُلمٍ نُّذقهُ من عَذَابٍ أليمٍ)([21]) قال بعضهم: الإلحاد في الحرم: شتم الخادم فما فوق ذلك ظلما([22])، وقال بعضهم: احتكار الطعام في الحرم، وروي هذا عن عدد من الأئمة.
وعندما فسّروا قوله تعالى: (سواء العاكف فيه والباد)، قال عطاء ومجاهد: العاكف: أهل مكة، وأما البادي: فمن أتاه من غير أهل البلد. وقال بعضهم: العاكف فيه: الساكن فيه. والبادي: الجالب([23])، أي: الذي يجلب الطعام والتجارة إلى البلد الحرام من غير أهلها، فهو وساكن مكة سواء في الحقوق والواجبات.
وقال القرطبي في تفسيره([24]): "العاكف: المقيم الملازم، والبادي: أهل البادية ومن يقدم عليه؛ يقول: سواء في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه الحاضر والذي يأتيه من البلاد، فليس أهل مكة أحق من النازح إليه. وقيل: إن المساواة إنما هي في دوره ومنازله ليس المقيم فيها أولى من الطارئ عليها، وهذا على أن المسجد الحرام الحرم كله، وهذا قول مجاهد ومالك، رواه ابن القاسم، وروي عن عمر وابن عباس وجماعة أن القادم له النزول حيث وجد".
وفى صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي  r أنه قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة... إلخ"([25]).
وروى الفاكهي([26]) بسنده إلى النبي r أنه قال لمكة: "وإنّي لأعلم أنك حرم الله وأمنه وأحب البلدان إلى الله تعالى".
وعن علي- رضي الله عنه- قال: "إني لأعلم أحبّ بقعة في الأرض إلى الله، وهي البيت وما حوله"([27]).
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: "إن الله عزّ وجل اختار الكلام، فاختار القرآن، واختار البلاد، فاختار الحرم، واختار الحرم، فاختار المسجد، واختار المسجد، فاختار موضع البيت"([28]).
ومن المناسب أن نذكر بعض ما قاله السلف في تعظيم هذا الحرم، تذكيرا لأنفسنا وغيرنا من أهل مكة والقادمين إليها من المسلمين:
- عن سعيد بن المسيّب رحمه الله قال يخاطب أحد تلاميذه: عليك بالعزلة فإنها عبادة، وعليك بالحرم، فإن كانت حسنة كانت في الحرم، وإن كانت سيئة كانت في الحل، فإنه بلغني أن أهل مكة أو ساكن مكة  لن يهلكوا حتى يكون الحرم عندهم بمنزلة الحل([29]).
- وعن عياش بن أبي ربيعة، قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما عظّموا هذه الحرمة حقّ تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا([30]).
- وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إن هذا البيت لاق ربه، فسائله عنكم، ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره، ألا واذكروا إذ كان ساكنه لا يسفكون فيه دما حراما، ولا يمشون فيه بالنميمة([31]).
- والأحاديث الصحيحة في تعظيم الحرم، لم تقصر الحرمة على ساكن الحرم من البشر، بل تعدّتهم إلى حرمة الحيوان والنبات البريّين، وثبتت في ذلك أحاديث معروفة ومشتهرة، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي  r قال: "ستة لعنتهم، ولعنهم الله عز وجل وكل نبي مجاب الدعوة: المكذب بقدر الله، والزائد بكتاب الله، والمتسلط بالجبروت ليذلّ من أعزه الله ويعزّ من أذلّه الله، والمستحلّ لحرم الله... الحديث"([32]).
- وقد كان أهل التقوى يتأدبون عند دخول هذا الحرم، ومن آدابهم ما رواه الفاكهي([33]) عن عبدالله ابن الزبير- رضي الله عنهما- قال: إن هذا البيت كان يحجه من بني إسرائيل سبعمائة ألف، يضعون نعالهم بالتنعيم، ثم يدخلون حفاة، تعظيما له.
- وكان من آدابهم أيضا ما روي عن مجاهد، قال: إذا دخلت الحرم فلا تدفعنّ أحدا، ولا تؤذينّ، ولا تزاحم([34]).
- وروي عن يزيد بن أبى زياد، قال: يكره رفع الأصوات بمكة([35]).
- ومن ذلك ما رواه الأزرقي([36]) بسنده عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه كان إذا جاء إلى مكة، كان له فسطاطان، أحدهما في الحلّ، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحلّ، وإذا أراد أن يصلي صلّى في الحرم، فقيل له في ذلك، فقال: إنا كنا نتحدث أن الإلحاد في الحرم أن يقول: كلا والله، وبلى والله. اهـ.
قلت: هذا من دقيق فقه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، فهذا الذي ذكره (كلا والله، وبلى والله) هو يمين اللغو الذي ذكره الله في القرآن فقال: (لا يُؤَاخذُكُمُ الله بالَّلغْو في أَيْمَانكُمْ)([37])، لكن ابن عمرو يرى أن ما كان لغوا في الحلّ، قد يكون كبيرة في الحرم وإلحادا فيه، وهذا من شديد ورعه رضي الله عنهما.
ولقد بلغ الورع ببعضهم أنه لم يكن يأتي مكة إلا للحج أو للعمرة، ثم يخرج بعد أداء النسك مباشرة، من هؤلاء عمر بن عبدالعزيز- رحمه الله-.
فقد روى الأزرقي([38]) عن عبدالعزيز بن أبى رواد، قال: أخبرت أن عمر بن عبدالعزيز قدم مكة، وهو إذ ذاك أمير، فطلب إليه أهل مكة أن يقيم بين أظهرهم بعض المقام، وينظر  في حوائجهم، فأبى عليهم، فاستشفعوا إليه بعبد الله بن عمرو بن عثمان يعني ابن عفان؛ قال: فقال له: اتق الله، فإنها رعيتك، وإن لهم عليك حقّا، وهم يحبّون أن تنظر في حوائجهم فذلك أيسر عليهم من أن ينتابوك بالمدينة؛ قال: فأبى عليه، قال: فلما أبى، قال له عبدالله بن عمرو: أما إذا أبيت فأخبرني لمَ تأب؟ فقال له عمر: مخافة الحدث بها". اهـ.
والأخبار في هذا الباب كثيرة، نقتصر منها على ما سبق،  ففيه ذكرى تنفع المؤمنين.
متى حُرّمت مكّة المكرّمة
إن المتتبع للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، يجد أن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ويؤيد ذلك:
ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي  r يوم فتح مكة: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا، فإن هذا بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة"([39]).
وهذا دليل على أنها لم تكن حلالا في يوم من الأيام إلا في ساعة محددة للنبي  r، ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة([40]).
أما قول الله تعالي عن خليله إبراهيم عليه السلام: (وَإذ قَالَ إبرَاهيمُ رَب اجعَل هَذَا بَلَدا آمنا)([41]).
وقوله تعالى: (وَإذ قَالَ إبرَاهيمُ رَب اجعَل هَذَا الَبَلدَ آمنا)([42]).
 فدعاؤه الأول قبل بناء الكعبة، ودعاؤه الثاني كأنه وقع بعد الفراغ من بنائها، وقد قبل الله دعاء خليله فجعل هذا البلد آمنا.
وما رواه البخاري عن عبدالله بن زيد بن عاصم- رضي الله عنه- عن النبي  r، "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها؛ وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت لها  في مدها وصاعها مثل دعاء إبراهيم لمكة"([43]).
فهذا لا يدل على أن تحريم مكة كان على لسان إبراهيم الخليل، وأنها لم تكن حراما قبل إبراهيم عليه السلام.
وإلى ذلك ذهب الحافظ ابن كثير حيث قال: لا منافاة بين الأقوال الدالة على أن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، والأقوال الدالة على أن إبراهيم عليه السلام حرمها، لأن إبراهيم بلغ عبيدالله حكمه فيها وتحريمه إياها وأنها لم تزل بلدا حراما عند الله، قبل بناء إبراهيم عليه السلام لها([44])، وأمر الله نبيه r أن يعبد رب هذه البلدة المحرمة فقال: (إنَّمَا أمرتُ أن أعُبَد رَبَّ هَذهَ البَلدَة الذي حَرَّمَهَا)([45]).
وهذا التحريم شامل لمكة وحرمها المحيط بها، والحكمة في التحريم: التزام ما يثبت له من أحكام.
المسجد الحرام هو الحرم كله
لقد ذكر المسجد الحرام في كتاب الله عز وجل في مواضع عدة، وقد استدل من بعض هذه الآيات على أن المسجد الحرام هو الحرم كله، بمعنى أن مكة بحدودها التي نحن بصدد التعريف بها هي الحرم بأكمله وليس المسجد الحرام.
ومن ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُواْ إنَّمَا المُشركُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقرَبُواْ المَسجدَ الحَرَامَ بَعدَ عَامهم هَذَا وإن خفتُم عَيلَة فَسَوفَ يُغنيكُمُ الله من فَضله  إن شَاءَ إنَّ الله عَليمٌ حَكيمٌ)([46]).
ومعنى: (فَلاَ يَقرَبُواْ المَسجدَ الحَرَامَ) كما ذكر القرطبي في تفسيره([47]): (فَلاَ يَقرَبُواْ) نهي، ولذلك حذف منه النون، و(المَسجدَ الحَرَامَ) هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم، وهو مذهب عطاء، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع.
ثم قال القرطبي "فإذا جاءنا رسول منهم- يعني المشركين- خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول".
ثم أضاف: "وقال عطاء بن أبي رباح: الحرم كله قبلة ومسجد، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم، لقوله تعالى: (سُبحانَ الذي أَسرى بعَبده لَيلا منَ المسجد الحَرَام)([48]) فقد أورد السيوطي في الدر المنثور([49]) عند تفسير هذه الآية أنها نزلت ورسول الله  r نائم في بيته، إذ قال: "وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن طريق يونس عن ابن شهاب عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله  r قال: فُرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرّج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه  في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء... إلى آخر الحديث".
وقـال ابن حجـر العسـقلاني في فتح الباري([50]) عند شـرحه لحديث الإسـراء:... في رواية الزهري عن أنس عن أبى ذر: فُرج سقف بيتي وأنا بمكة، وفى رواية الواقـدي بأسانيده أنه أسري به من شعب أبي طالب، وفي بيت أم هانئ عند الطبراني أنه بات  في بيتها، قال ففقدته من الليل فقال إن جبريل أتاني، والجمع بين هذه الأقوال أنه نام  في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففُرج سقف بيته".
ويدل ذلك على أن المقصود بقوله عز وجل: (أَسرى بعَبده لَيلا منَ المسجد الحَرَام)، يعني من مكة وليس من موضع المسجد؛ واستدل على ذلك من شرح حديث الإسراء سالف الذكر.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (ذَلكَ لمَن لَّم يَكُن أَهلُهُ حَاضري المَسجد الحَرَام)([51]).
قال الطبري([52]) عند تفسيره لهذه الآية عدة أقوال وأسانيد تؤكد أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم، ومن ذلك ما أورده من حديث ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، قال: قال ابن عباس ومجاهد: هم أهل الحرم".
ومن ذلك يستدل على أن المقصود بـ (المَسجد الْحَرَام) في هذه الآية: أهل الحرم كله، يعني: مكة.
كما أن قوله تعالى: (وَمن حَيثُ خَرَجْتَ فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ المَسجد الْحَرَام وَإنَّهُ لَلحَقُّ منْ ربكَ وَمَا الله بغَافلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)([53]).
وأيضا قوله عز وجل: (وَمن حَيثُ خَرَجتَ فَوَل وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجد الحَرَام وَحَيثُ مَا كُنْتُم فَوَلُّواْ وُجُوهَكُم شَطرَهُ لئَلاَّ يَكُونَ للنَّاس عَلَيكُم حُجَّةٌ إلاَّ الَّذينَ ظَلَمُواْ منْهُمْ فَلاَ تَخْشَوهُمْ وَاخْشَوني وَلأتمَّ نعْمَتي عَلَيْكُم وَلَعَلَّكُم تَهتَدُونَ)([54]).
يدلان على أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه عليه السلام بأن يولّي وجهه شطر الكعبة، أي يعاينها إذا صلى تلقاءها، وقوله جل شأنه: (وَحَيثُ مَا كُنْتُم) يعني: وجوب استقبال الكعبة، ثم استقبال مكة المكرمة من جميع المواضع من نواحي الأرض([55]).
وفي ذلك دليل على أن المقصود بـ(المَسْجد الحَرَام) مكة جميعها حيث لا يعقل أن يرى المصلى من خارج مكة أو حتى من بداخلها والذي يبعد عن المسجد: الكعبة. ولكن المقصود هنا هو التوجه باستقبال القبلة من أي مكان في الأرض صوب مكة المشرفة.
وكما دلّت تلك الآيات القرآنية على أن مكة المعظمة كلها حرم، فقد تضمنت الأحاديث النبوية والآثار ذلك، ومنها:
- أخرج ابن ماجة في سننه([56]) عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت رسول الله r يخطب عام الفتح، فقال: "يا أيها الناس: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد. فقال العباس: إلا الإذخر([57])، فإنه للبيوت والقبور. فقال رسول الله r إلا الإذخر".
- وأخرج مثله الإمام أحمد في المسند([58]) عن ابن عباس فقال: "إن رسول الله  r قال: "إن الله عز وجل حرم مكة فلم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أُحلَّت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يلتقط لقطتها إلا لمعرف، فقال العباس إلا (الإذخر) لصاغتنا وقبورنا، فقال: إلا الإذخر".
- وذكر الفاكهي في أخبار مكة([59]) أقوالا كثيرة في تحريم الحرم وتعظيمه، ومن ذلك ما ذكره عن مجاهد، قال: إذا دخلت الحرم فلا تدفعن أحدا، ولا تؤذين ولا تزاحم؛ قال أبو جعفر: يريد بقوله: لا ترفع الأصوات تعظيما لمكة.
- وكذلك ما ذكره عن الزهري([60]) أن رسول الله  r قال: "إني لأعلم أنك حرم الله وأمنه- يعني مكة شرفها الله- وأحب البلدان إلى الله تعالى"([61]).
- وأورد أيضا الحديث المروي عن أنس بن مالك([62]) رضي الله عنه قال: قال رسول الله  r: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة"([63]).
- كما أورد حديث ابن الزبير([64]) رضي الله عنهما أن هذا البيت كان يحجه من بني إسرائيل سبعمائة ألف يضعون نعالهم بالتنعيم، ثم يدخلون حفاة تعظيما له([65]).
- وذكر الفاكهي([66]) كذلك الحديث المروي عن سفيان، قال: حدثني شيخ من قريش يقال له: الوليد بن المغيرة، قال: قال لي سعيد بن المسيب: عليك بالعزلة، فإنها عبادة، وعليك بالحرم فإن كانت حسنة كانت في الحرم، وإن كانت سيئة كانت في الحلّ، فإنه بلغني أن أهل مكّة، أو قال: ساكن مكة لن يهلكوا حتى يكون الحرم عندهم بمنزلة الحلّ.
- وكذلك أورد القرطبي([67]) في تفسيره: (وَمَن يُرد فيه بإلحَاد بظُلمٍ) قال: كان لعبدالله بن عمرو بن العاص فسطاطان أحدهما في الحلّ، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحلّ، واذا أراد أن يصلي صلّى في الحرم.
- وأيضا ذكر الفاكهي في أخبار مكة([68]) عن القاتل يدخل الحرم في أمن فيه حتى يخرج فيقام عليه الحد، إذ  أورد حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال نبي الله  r: "من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل".
- وقال أبو سعيد الخدري: الحدث: الرجل يقتل القتيل، أو يصيب الذنب العظيم الذي أنزل الله- تبارك وتعالى- أنه لا ينجيه منه إلا الحرم، فأمر نبي الله r ألا يطعم ولا يسقى ولا يؤويه أحد، فمن فعل من ذلك شيئا لعنه الله والملائكة والناس أجمعون، لا يقبل منه صرف ولا عدل حتى يخرجه الجوع من الحرم، فيؤخذ بحدثه. وقد ذكر الفاكهي في إسناد هذا الحديث: أبو هارون العبدي([69])، وهو متروك.
مما تقدم يستدل على أن مكة، شرفها الله تعالى وأدام أمنها وأمانها وخيرها ورخاءها، كلها حرم، فقد قال سبحانه وتعالي: (أَوَلَم نُمَكّن لَهُم حَرَما آمنَا تُجبى إلَيه ثَمَرَاتُ كُلّ شَيءٍ رّزقا مّن لَّدُنَّا)([70])، وحتى العرب  في الجاهلية على الرغم من إغارة بعضهم على بعض وقتال بعضهم لبعض، فإن أهل مكة كانوا يأمنون من ذلك لحرمة الحرم.
المواقيت ودوائر الحرم
الكعبة المشرفة تحيط بها دوائر ثلاث هي:
- (الأولى): دائرة المسجد.
- (الثانية): دائرة الحرم.
- (الثالثة): دائرة المواقيت.
فالمسجد: هو حرم المسجد مهما وسع أو زيد فيه من زيادات.
والحرم: هو ما أحاطت به أعلام الحرم، وهو موضوع بحثنا هذا.
والمواقيت: مواضع حدها الشارع، فلا يتجاوز هذه المواقيت إن كان قاصدا دخول مكة المكرمة، مريدا للحج أو العمرة إلا أحرم وأهّل بالتلبية، وهذه المواقيت هي:
- ذو الحليفة: وهي ميقات أهل المدينة ومن بعدها، وبعدها عن حرم مكة المكرمة (450) كيلو مترا.
- الجحفة: وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب، وبعدها عن حرم مكة المكرمة (187) كيلو مترا.
- ذات عرق: وهي ميقات العراق وخراسان والمشرق وما بعدها، وبعدها عن حرم مكة المكرمة (94) كيلو مترا.
- قرن المنازل: وهو ميقات أهل نجد، وبعده عن حرم مكة المكرمة (94) كيلومترا .
- يلملم: وهو ميقات أهل اليمن، وبعده عن حرم مكة المكرمة (54) كيلو مترا([71]).
والذي حد ميقات ذات عرق، هو عمر بن الخطاب بعد فتح مصر والعراق، وإنما حدها لأنها حذو قرن أو محاذيتها. أما من قال إنه روي أبو داود من حديث عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله  r وقّت لأهل العراق ذات عرق([72]).
فالجواب أن إسناده ضعيف، وقد روي عن أبي داود أنه قال: الصحيح أن عمر وقّتها لأهل العراق بعد فتحها. ويدل على صحة هذا ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر وابن عباس- رضي الله عنهم- عن رسول الله  r أنه ذكر المواقيت الأربعة، ولم يذكر ذات عرق([73]).
وهذه المواقيت، لأهلها ولمن مر بها من غير أهلها ممن يريد النسك، فلا يتجاوزها حتى يحرم، فإذا جاوزها مريدا النسك، ثم أحرم بعدها فعليه دم. على تفصيل لدى الفقهاء- رحمهم الله-.
سبب تحريم الحرم
أما ما جاء في سبب تحريم الحرم، وكيف حرّم، فقد وردت بعض الروايات، ننقل منها ما يأتي:
1 - عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: إنّ النبي  r قال: "لولا ما طبع الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والآثمة لاستشفى به من كل عاهة، ولألفي اليوم كهيئة يوم خلقه الله، وإنما غيّره الله بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلي زينة الجنة، وليبصرن إليها، وإنها لياقوتة من ياقوت الجنة، وضعه الله حين أنزل آدم في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، والأرض يومئذ طاهرة، ولم يعمل فيها شيء من المعاصي، وليس لها أهل ينجسونها فوضع له صف من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجّن لا ينبغي لهم أن ينظروا إليه لأنه شيء من الجنة، فالملائكة يذودونهم عنه، وهم وقوف على أطراف الحرم حيث أعلامه اليوم، يحدقون به من كل جانب، ولذلك سمّي الحرم، لأنهم كانوا يحولون فيما بينهم وبينه"([74]).
ويقارب الرواية السابقة ما روي عن وهب بن منبه، قال: إن آدم عليه الصلاة والسلام  اشتد بكاؤه وحزنه لما كان من عظم المصيبة، حتى إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه وتبكي لبكائه، فعزّاه الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة، قبل أن تكون الكعبة، وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة، وفيها ثلاثة قناديل ذهب من تبر الجنة، فيها نور يلتهب من نور الجنة... فكان ضوء ذلك النور ينتهي إلى موضع الحرم، فلما سار آدم إلى مكة حرسها الله، وحرس تلك الخيمة بالملائكة، فكانوا يقفون على مواضع أعلام الحرم يحرسونه ويذودون عنه سكان الأرض، وسكانها يومئذ الجن والشياطين... فلم تزل تلك الخيمة مكانها حتى قبض الله آدم ثم رفعها إليه([75]).
2 - والسبب الثاني، ما روي أن إبراهيم- عليه السلام- قال لإسماعيل: أبغني حجرا أجعله للناس آية. قال: فذهب إسماعيل ثم رجع ولما يأته بشيء، ووجد الركن عنده، فلما رآه، قال له: من أين لك هذا؟ قال إبراهيم: جاء به من لم يكلني إلى حجرك، جاء به جبريل- عليه السلام- قال: فوضعه إبراهيم- عليه السلام- في موضعه هذا، فأنار شرقا وغربا، ويمنا وشاما، فحرّم الله تعالى الحرم من حيث انتهى نور الركن وإشراقه من كل جانب([76]). أهـ.
3 - قال مالك: بلغني أن الله تعالى لما أراد أن يري إبراهيم مواضع المناسك أوحى إلى الجبال أن تنحي له فانتحت له حتى أراه مواضع المناسك، فهو قول إبراهيم في كتاب الله تعالى: (ربنا وأَرنَا مَنَاسكَنَا) قال ابن رشـد: ليس في التلاوة (ربنا)، وإنما فيها (وأَرنَا مَنَاسكَنَا) ([77]) مجازا، أي أرنا مواضع مناســكنا خرج ذلك مخـرج واسأل الْقَرْيَةَ([78]) أي واسأل أهل القرية، لأن المناسك هي الأعمال التي يتقرب إلى الله بها وينسك له في تلك المواضع من الطواف والإفاضة والوقوف بعرفة وسائر أفعال الحج([79]).
4- وهناك سبب رابع نقله الفاسي في "شفاء الغرام"([80]) عن السهيلي([81])، وهو أن الله سبحانه حيث قال للسمـوات والأرض: (ائْتيَا طَوْعَا أوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعينَ)([82]) لم تجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم، فلذلك حرّمها. أهـ.
قلت: وهذا النص مروي عن كعب الأحبار، وهو من رواة الأخبار الإسرائيلية، ولا تقوم به حجة؛ فظاهر الآية على خلاف ذلك.
5- وقال المحب الطبري إن   في  سبب تحريم الحرم واختلاف حدوده أربعة أوجه:
أحدها: ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما هبط آدم عليه السلام خرّ ساجدا معتذرا فأرسل الله- عز وجل- إليه جبريل بعد أربعين سنه؛ فقال: ارفع رأسك، فقد قبلت توبتك، فقال يا رب، إنما أتلهف على ما فاتني من الطواف بعرشك مع ملائكتك، فأوحى الله- عز وجل- إليه أني سأنزل إليك بيتا أجعله قبلة، فأهبط الله تعالى البيت المعمور، وكان ياقوتة حمراء تلتهب التهابا وله بابان شرقي وغربي، وقد نظمت حيطانه بكواكب بيض من ياقوت الجنة، فلما استقر البيت في الأرض، أضاء نوره ما بين المشرق والمغرب فنفرت لذلك الجن والشياطين وفزعوا وتفرقوا  في الجو ينظرون من أين ذلك النور، فلما رأوه من مكة أقبلوا يريدون الاقتراب إليه فأرسل الله تعالى ملائكة فقاموا حوالي الحرم في مكان الأعلام اليوم فمنعتهم فمن ثم ابتداء اسم الحرم.
الثاني: ما رواه وهب بن منبه، أن آدم عليه السلام لما نزل إلى الأرض اشتد بكاؤه فوضع الله له خيمة بمكة موضع الكعبة، وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من الجنة وفيها ثلاثة قناديل، فيها نور يلتهب من الجنة وكان ضوء النور ينتهي إلى مواضع الحرم، يحرسونه ويذودون عنه سكان الأرض من الجن فلما قبض الله تعالى آدم رفعها إليه.
الثالث: روي أن إبراهيم- عليه السلام- لما بنى البيت قال: لإسماعيل- عليه السلام- ابغني حجرا أجعله للناس آية، فذهب إسماعيل ورجع ولم يأته بشيء، ووجد الركن عنده، فقال من أين لك هذا؟ قال: جاء به من لم يكلني إلى حجرك، جاء به جبريل، فوضعه إبراهيم في موضعه هذا، فأنار شرقا وغربا ويمينا وشمالا، فحرّم الله الحرم حيث انتهى إليه نور الركن وإشراقه من كل جانب.
الرابع: أن آدم- عليه السلام- لما أهبط إلى الأرض خاف على نفسه من الشياطين فاستعاذ بالله، فأرسل الله تعالى ملائكة حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها فحرم الله تعالى الحرم حيث وقفت الملائكة، قال عبدالله بن عمر: والحرم حرام إلى السماء السابعة؛ وقال عطاء: كانوا يرون أن العرش على الحرم([83]).
ولذا يجب تعظيم حرمة الحرم؛ قال تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمنا)([84]) فلفظ هذه الآية لفظ الخبر، ومعناها الأمر، والتقدير: ومن دخله فأمنوه وهو لفظ عام فيمن جنى قبل دخوله أو بعد دخوله، إلا أن الإجماع انعقد على أن من جنى فيه لا يؤمن، لأنه هتك حرمة الحرم؛ ورد الأمان؛ فبقي حكم الآية فيمن جنى خارجا منه ثم لجأ إليه؛ وقد اختلف الفقهاء في ذلك على تفصيل في المسألة([85]).
والحرم محل اجتماع الكثير من الناس لأداء فريضة الحج والعمرة، ولذا أوجب الله تعالى على عباده أن يسود هذا البلد الأمن والاستقرار والسلام، حتى يتمكن المسلمون من أداء مناسكهم كاملة في طمأنينة وأمان. إنفاذا لأمره تعالى، وحتى تسود المحبة والإخاء لجميع المسلمين، وقد حدده الله بأعلام وجعل حرمته كاملة إلى حدوده وأعلامه، وقد جاءت هذه الأعلام متفقة مع العقل لكي يستتب الأمن والسيطرة على مداخل مكة، للحفاظ على حجاج بيته العتيق، ولله في ذلك الحكمة العليا.
خصائص الحرم المكي وأحكامه
لمكة المكرمة من الخصائص، ما يوجب الاستيطان، ويدعو إلى الاستقرار والاطمئنان.
قال تعالى: مخاطبا رسوله r: (إنَّمَا أمرّتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذه الْبَلْدَةَ الذي حَرَّمَهَا)([86]).
قال: المفسرون يعني أمرت أن أخص بعبادتي توحيد الله الذي لا إله إلا هو رب هذه البلدة يعني مكة المكرمة؛ وخصّها بالذكر دون غيرها، لأنها مضافة إليه؛ وأحبّ البلاد وأكرمها عليه.
وقال تعالى: (وَهَذَا الْبَلَد الأَمين)([87]).
وقال تعالى: (لا أقْسمُ بهَذَا الْبَلَد وَأَنْتَ حلٌّ بْهَذَا الْبَلَد)([88]).
وقال تعالى: (وَقَالوُا إنْ نَّتَّبع الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ منْ أَرْضنَا أَوَ لَمْ نُمَكّنَ لَّهُم حَرَما آمنا)([89]).
وقال تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَما آمنا وَيُتَخَطَّفُ الْنَّاسُ منْ حَوْلهم)([90]).
وفى الحديث: أنه ليس من بلد إلا سيطرقه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس نقب([91]) من أنقابها إلا عليه الملائكة حافين يحرسونها.
ووصف البيت، ومكة، والحرم، تارة بالحرمة، وتارة بالأمن في الآيات والأحاديث، وكل من الوضعين المذكورين يكون مرة بالنسبة لذاتها، وأخرى بالنسبة لما حلّ فيها.
فالحرمة الذاتية، والأمن الذاتي، لا زمان لهما منذ خلق الله السموات والأرض لا ينفكان عنها وقتا ما إلى أن يطويها الله تعالى عند قيام الساعة.
أما الحرمة: فظاهرة، فإنها حكم أثبته الله لها، ويستحيل رفع أحد له ونزعه عنها.
وأما الأمن:  فكذلك إذ هو معنى إفاضة الله عليها وحفظها به عن الانتقامات الإلهية التي لا يستطيع مخلوق أن يأتي بمثلها، كالخسف، والزلزال، فهذه الحرمة الذاتية والأمن الذاتي لا ينقضان ولا يرفعان، عن البيت الحرام.
ومكة وحرمها بوجه من الوجوه، وهو ما تضمنه قول الله: (جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قيَاما للنَّاس)([92]).
وقوله تعالى: (رَبَّنَا إنّي أَسْكَنْتُ منْ ذَرّيَّتي بوَادٍ غَيْر ذي زَرْعٍ عنْدَ بَيْتكَ الَمُحَرَّم)([93]).
وقوله تعالى: (إنَّمَا أُمرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذه الْبَلْدَةَ الذي حَرَّمَهَا)([94]).  
وقوله تعالى: (وَهَذا الْبَلَد الأَمين)([95]).
وقوله تعالى: (أَوَ لَمْ نُمَكّنُ لَهُمْ حَرَما آمنا)([96]).
وقوله تعالى: (وَإذْ قَالَ إبْرَاهيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدا آمنا)([97]).
وأما الحرمة والأمن بالنسبة لما حلّ فيها، فمتضمن في قوله تعالى: (ضَرَبَ الله مَثَلا قَرْيَة كَانَتْ آمنَة مُّطْمَئنَّة)([98]).
وقوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمنا)([99]).
وقوله تعالى: (لَتَدْخُلَنَّ الْمَسْجدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ الله آمنينَ)([100]).
وقوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت الذي أَطْعَمَهُمْ مّنْ جُوع وآمَنَهُمْ منْ خَوْفٍ)([101]).
وقول النبي r: "من مات بمكّة أو في طريق مكّة، بعثه الله تعالى مع الآمنين"([102]).
فهم آمنون من فتنة الدجال والخسف، ولكن ما وقع خلاف ذلك كقصة ابن الزبير ونحوها فهو كالأمر النادر الذي لا يبنى عليه كلام، ولا ينقض به أمر الحرمة والأمن، ومع ذلك تزداد حرمتهم وأمنهم بمضاعفة الثواب على صبرهم عند الله تعالى.
ومن ذلك أنه يستحب المجاورة في مكة المكرمة، وذلك لما روى الزهري عن أبي سلمة عن عبدالله بن عدي بن الحكم أنه سمع النبي  r يقول وهو واقف بالحزورة([103])، في سوق مكة: "والله إنك خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي، وقال حسن صحيح([104]).
ومن الخصائص التي يختص بها الحرم:
1 - أن الصلوات الخمس تضاعف فيه. لما روى عن جابر بن عبدالله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة"([105])، وعلى هذا فالعبادة فيه أفضل من العبادة فيما سواه، وهذا باتفاق العلماء .
2 - تضاعف القربات، وجميع الأعمال الصالحة.
3 - تضاعف السيئة عند جماعة من العلماء، ومنها أن الإنسان يؤاخذ بـ "الهّم" بالسيئة وإن لم يفعلها، على تفصيل لدى الفقهاء رحمهم الله، هل المضاعفة بالكم، أو بالكيف، قال تعالى: (وَمَن يُرد فيه بإلحَاد بظُلمٍ نُّذقهُ من عَذَابٍ أليمٍ)([106]).
4 - عدم كراهية صلاة النافلة، التي لا سبب لها في الأوقات الخمسة.
5 - أن صلاة العيد تقام بالمسجد الحرام، لا في الصحراء.
6 - وجوب قصد الكعبة في كل سنة على طائفة من الناس لإقامة شعيرة الحج، وهذا من فروض الكفاية.
7 - ألا يدخل الحرم إلا بإحرام، على تفصيل في المسألة.
8 - أن أهل الحرم ومن علي مرحلتين من الحرم لا دم عليهم في التمتع ولا القران، لقوله تعالى: (ذَلكَ لمَن لَّم يَكُن أَهلُهُ حَاضري المَسجد الحَرَام)([107]).
9 - كراهية إقامة الحد فيه- أي حد القتل-، وقال أبو حنيفة- رحمه الله- لا يقتل  في الحرم حتى يخرج إلى الحل؛ واختار لا يجالس ولا يكلم، ويوعظ ويذكّر حتى يخرج إلى الحل.
10- أنها اختصت ببئر زمزم، وما ورد في ذلك من ثواب لشاربها.
11- أنه لا يجوز حمل السلاح بها، على تفصيل لدى الفقهاء.
12- أنه لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه. قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: إلا الإذخر([108])، واستثنى من ذلك ما أنبته الآدمي فلا يحرم([109]).
13- أنه تجبى إليها ثمرات كل شيء، بدعوة إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: (وَارْزُقْ أَهْلَهُ منْ الثَّمَرَات)([110]).
14- أن الله حرم على غير المسلمين دخول الحرم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُواْ إنَّمَا المُشركُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقرَبُواْ المَسجدَ الحَرَامَ)([111]).
ولذا فإن الحرم فاضل، وغيره بالنسبة إليه مفضول، لما أفاض الله تعالى عليه من رحمته الباهرة للعقول([112]).
قال تعالى: (أَوَ لَم نُمَكّن لهُم حَرَما آمنَا تُجبى إلَيه ثَمَرَاتُ كُلّ شَيءٍ رّزقا مّن لَّدُنَّا وَلَكنَّ أَكَثْرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)([113]) صدق الله العظيم.
تجديد أعلام الحرم المحيطة به
أول من وضع أعلام الحرم
لا شكّ أن معرفة حدود الحرم من أهم ما ينبغي أن يُعتني به، فإنه يتعلّق به أحكام كثيرة، وقد اعتنى بذلك بعض الأنبياء عليهم السلام والصحابة والتابعون وأئمة المسلمين وفقهاء الإسلام.
فقد ساق ابن سعد في الطبقات([114]) حديثا بسنده عن ابن خثيم عن أبي الطفيل، عن ابن عباس أن رسول الله r بعث عام الفتح([115]) بتميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم.
وبمثله أورد ابن حجر في الإصابة([116]) وزاد عليه أن إبراهيم وضع هذه الأنصاب يريه إياها جبريل.
وإلى ذلك ذهب المحب الطبري([117])، وابن الجوزي([118])، والفاسي([119])، وعبدالرزاق، فقد روي في مصنفه([120]) عن ابن جريج، قال: "أخبرني عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن محمد بن الأسود بن خلف أنه أخبره أن إبراهيم عليه السلام هو أول من نصب الأنصاب للحرم، أشار له جبريل عليه السلام إلى مواضعها"أهـ.
وروى الأزرقي([121]) بإسناد إلى الحسن بن القاسم، قال: لما قال إبراهيم: "رّبنا وأَرنا مَنَاسكْنَا" نزل إليه جبريل فذهب به، فأراه المناسك، ووقفه على حدود الحرم، فكان إبراهيم يرضم الحجارة، ويحثي عليها التراب، وكان جبريل يقفه على الحدود" أهـ.
وروى الفاكهي([122]) بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام نصب أنصاب الحرم، يريه جبريل عليه السلام".
وعلى ذلك تكاد تجمع الروايات أن إبراهيم عليه السلام هو أول من نصب أعلام الحرم، بدلالة جبريل عليه السلام.
وللحرم علامات مبنية في جوانبه الأربعة، وما زالت موجودة إلى اليوم، تجدد في كل عصر عند حدوث تلف فيها، وهي علامات بعضها حديثة بالأسمنت المسلَّح والرخام الممتاز، والبعض منها قديم مبني بالحجر ومُجصَّصة بالنورة وبعضها بالرضم، وهذه العلامات يطلق عليها العلماء أنصاب الحرم([123]).
تجديد أعلام الحرم
أما الذين قاموا بتجديد هذه الأعلام بعد إبراهيم عليه السلام إلى أن جَدَّدها النبي  r، فهم:
أولا: إسماعيل عليه السلام
ذكره الفاكهي([124])، ونقله عنه الفاسي في "شفاء الغرام"([125]).
ثانيا: عدنان بن أدد
ذكر ذلك الفاكهي([126]) عن شـيخه الزبير بن بكّار، وكذلك نقله الفاسي في "شفاء الغرام" عن الزبير، وصرّح أن الأزرقي لم يذكر تجديد إسماعيل عليه السلام ولا تجديد عدنان.
ثالثا: قصي بن كلاب
ذكر تجديده لأعلام الحرم، الأزرقي([127]) والفاكهي([128]).
رابعا: قريش  بعد البعثة (قبل الهجرة)
روى الأزرقي([129]) بسنده إلى موسى بن عقبة، قال: عدت قريش على أعلام الحرم فنزعتها، فاشتد ذلك على النبي r فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله r فقال: يا محمد، اشتد عليك أن نزعت قريش أعلام الحرم؟ قال: نعم، قال: أما إنهم سيعيدونها، قال: فرأى رجل من هذه القبيلة من قريش، ومن هذه القبيلة حتى رأى ذلك عدة من قبائل قريش قائلا يقول: حرم كان أعزكم الله به، ومنعكم، فنزعتم أعلامه؟ الآن تخطفكم العرب؛ فأصبحوا يتحدثون بذلك في مجالسهم، فأعادوها، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله r فقال: يا محمد قد أعادوها ، قال: أفأصـابوا يا جبريل؟ قال: ما وضعوا منها علما إلا بيـد ملك. أهـ([130]).
فهذه أربع مرّات تعاهد الناس فيها أعلام الحرم، وإن كانت المرة الرابعة تجديدا اضطراريّا، لكن هذا يدلنا على ما لهذه الأعلام من حرمة  في نفوس أهل مكة، ومن حولها من الناس.
خامسا: تجديد النبي r لأعلام الحرم
لم يكن باستطاعة النبي r أن يجدّد أعلام الحرم قبل الهجرة، حيث لم يكن يملك سلطة يومذاك، لكنه ما كادت أقدامه تصل إلى مكة فاتحا عام (8هـ)، حتى أرسل من يقوم بهذه المهمة العظيمة.
روى البزار بسنده([131]) إلى محمد بن الأسود بن خلف، عن أبيه أن النبي  r أمره أن يجدّد أعلام الحرم عام الفتح السنة الثامنة للهجرة النبوية.
وروى عبدالرزاق في "المصنف"([132]) من طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن محمد بن الأسود بن خلف قال: إن النبي r أمر يوم الفتح، تميم بن أسد الخزاعي جد عبدالرحمن بن المطلب بن تميم  فجدّدها. أهـ.
فتأمل قوله (يوم الفتح) وهي أدق من (عام الفتح)، وعلى ذلك فقد كان الأمر بتجديد الأعلام (يوم الفتح) وهذا لعمر الحق شيء يدعو للتأمل.
إنّ النبي r عندما جاء على رأس جيش تعداده (عشرة آلاف) رجل فتح مكة، كان يعرف ماذا يستقبله من عظائم الأمور، كان يعرف أن المشركين قد جعلوا من مكة المكرمة أعظم قلعة للشرك  في أرض العرب، فلابد من تحطيم قلاع الشرك هذه واستئصالها من الأرض الطاهرة، ثم من القلوب المتعلقة بها. وكان شديد الحرص على أن لا يُراق دم في البلد الحرام، وإن كان الله قد أحلّ له ذلك، لأن أوجع ما يوجع القلوب أن تسفك دماء العشيرة، وأن تستذل حرمة الوطن، وضبط عشرة آلاف جندي قلوبهم تلتهب حماسة للقضاء على الشرك وأهله شيء ليس بالسهل، خاصة إذا خالط ذلك نشوة الظفر والتغلب، إن هذه القضية وحدها تؤرق القادة، وتستغرق تفكيرهم ونشاطهم، ثم إنّ أمامه بعد ذلك مبايعة (الطلقاء)، وتقرير قواعد الدين الحنيف، وإقامة إدارة جديدة في مكة، تقوم على النظام الإسلامي، وإعلان هذه التشريعات على الملأ، والأكبر من ذلك هو تفقيه أهل مكة وتعليمهم الوضوء والصلاة، وصلاة الجماعة والجمعة، وكذلك إرساء قواعد النظام القضائي الجديد وما يتعلق بالقصاص والديات، وما إلى ذلك.
وكان بعد ذلك إرسال سرايا عاجلة بقيادة خالد بن الوليد وغيره، لتطهير مخابئ الشرك حول مكة، ووصلت هذه السرايا إلى منطقة (الليث) وما حولها، وكان أمامه r أمور اجتماعية كثيرة، تتطلب منه صلة رحم هذا، والسلام على ذاك، وإعطاء هذا، وزيارة هذا وذاك مما يعمله المفارق العزيز الذي عاد إلى أرض الوطن.
وفي غمرة هذه المهام الكبيرة، توارد إلى سمعه r أنّ هوازن تُعدّ العدّة لغزوه، فقام لتوّه ينظّم جيشه، ويستعير الدروع من صفوان بن أمية، ليستعد من جديد لنزال رهيب لا يعلم إلا الله ما هي نتيجته.
والسؤال هنا:كم بقي النبيr  في مكة بعد الفتح ليقوم بكل هذه الأمور العظام؟ كم يتوقع القارئ يكفي من الوقت لتعليم أهل مكة مبادئ الدين الحنيف، وتعليمهم الوضوء والصلاة فقط؟.
إنّ أصح الروايات تقول: إن النبي r إنما مكث في مكة بعد الفتح عشرة أيام فقط.
نعم: عشرة أيام، كانت كافية لإزالة الشرك المتوارث منذ أجيال بكل عقائده، وتقاليده وشعائره التعبدية، ثم التمكين للإسلام، كي يدخل حشايا القلوب، ويتأصل في عروق النفوس، عشرة أيام كانت كافية: لإرساء قواعد النظام الإداري والقضائي وغير ذلك في مدينة ليست صغيرة هي (أم القرى)، عشرة أيام كانت كافية لإرسال سرايا حول مكة للقضاء على بقايا سلطة المشركين وإخضاعهم لدين الله، عشرة أيام كانت كافية لإعادة تنظيم وتسليح جيش لينازل أكبر قبائل العرب في تلك المنطقة، على أرضها، ومعها حلفاؤها، وليس على أرض المسلمين.
ومع هذا كله لم ينْسَ النبي r أمر تجديد الحرم، ترى كم كانت هذه المسألة تأخذ من أهمية ضمن أعمال جليلة ينجزها النبيr  في عشرة أيام من جهاد متواصل عظيم.
إذن هذه القضية من القضايا الكبرى التي يجب أن تنال من اهتمام الأمراء بعد النبي  r الشيء الكثير. وهكذا فقه الصحابة عن النبي  r هذا الأمر.
وسنرى كم كانت هذه المسألة مهمة عند أمراء المسلمين، حتى قامت هيئة في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بأمر منه، عملها تجديد أعلام الحرم كل عام([133])، نعم كل عام.
وقبل أن ننتقل إلى المبحث الآخر، لابد من معرفة أولئك الذين كلفوا بتجديد أعلام الحرم يوم الفتح، وهما: تميم بن أسد، والأسود بن خلف.
أما الأول
فهو تميم بن أسد بن عبدالعزّى بن جعونة بن عمرو بن القين الخزاعي([134])، أسلم وصحب النبي  r قبل الفتح، وكان شاعرا.
قال ابن إسحاق([135]) في خبر فتح مكة، وكيف حطمّ النبي  r الأصنام: فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك:
وفى الأصنـام معتبر وعلم  لمن يرجو الثواب أو العقابا
والخبر الذي أوردناه من عبدالرزاق عندما يقول محمد بن الأسود بن خلف عن تميم هذا (جدّ عبدالرحمن بن المطلب بن تميم)، ومحمد بن الأسود من الصحابة، يفهم منه أنه كان شيخا كبيرا، يوم أمره النبي r بالتجديد، وهاتان صفتان سوف تتكرران في كثير من المجددين، وهو أن يكون شيخا كبيرا، وأن يكون من الساكنين حول حدود الحرم، وخزاعة كانت تسكن قرب حدود الحرم، وما زالت كثير من منازلها إلى اليوم على حدود الحرم، وتسكن جنوب مكة المكرمة، فصاحب الأرض أدرى بها من غيره، وأما كبر السن فلا يخفى أنه أدرك ما لم  يدركه من هو أصغر منه.
وأما الثاني
الأسود بن خلف، فهو: الأسود بن خلف بن عبد يغوث القرشي، الزهري، على الصحيح، وقيل: الجمحي، فهو قرشي بدون خلاف، وقريش تسكن قرب حدود الحرم، وخاصة في الحد الشرقي، وما زالت مزارعهم ومنازلهم على حدود الحرم.
أسلم يوم الفتح، وروى عن النبي  r أربعة أحاديث فقط ذكرها ابن حجر في الإصابة([136])، وما عرفت من حاله أكثر من هذا.
والملاحظ هنا أن قريشا وخزاعة شاركت في هذا الأمر، أمر القيام بتجديد أعلام الحرم، وسيمرّ مثل هذا فيما يأتي إن شاء الله .
تجديد أعلام الحرم في عهود الخلفاء
أولا: تجديد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لأعلام الحرم
ذكره الأزرقي([137])، والفاكهي([138])، ورويا بإسناديهما إلى عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس، قال: فلما كان زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعث أربعة من قريش فجددوها، منهم: مخرمة بن نوفل بن يربوع، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبدالعزّي، وأزهر بن عبد عوف.
قال الفاكهي([139]): وسمعت الزبير بن أبى بكر، يقول: صبيحة بن الحارث بن جبيلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم هو أحد القرشيين الذين بعثهم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يجدّدون أعلام الحرم. أهـ.
وهذا الخبر يضيف رجلا خامسا للأربعة السابقين، وقد ذكر هذا التجديد في زمن عمر، الطبري في "تاريخه"([140])، وابن الأثير في "الكامل"([141])، والفاسي في "شفائه"([142])، وابن فهد في "إتحاف الورى بأخبار أم القرى"([143]) وأضاف هؤلاء أن هذا التجديد كان في سنة 17من الهجرة.
وعلى ذلك فالأعلام لم تجدّد في عهد أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وذلك لقصر عهده ولانشغال المسلمين يومذاك بحروب الردّة، ثم متابعة توجيه الجيوش نحو دولتي (فارس والروم)، وبعد أن استتب الأمر لعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعد أن سقطت القوتان العظميان في تلك الأيام، التفت إلى هذا الجانب بعد أن حدث أمر مهم في مكة، وهو سيل عظيم احتمل المقام ونقله أسفل مكة، فذهب بنفسه لإعادة المقام في موضعه، ولإجراء إصلاحات شملت المسجد الحرام وشوارع مكة، وتجديد أعلام الحرم، وليس هناك بين تجديد النبي  r وتجديد عمر- رضي الله- عنه إلا تسع سنوات، وهذه المدة لا تبنى فيها الأعلام، ولكن عمر- رضي الله عنه- أراد ألا يغفل عن هذه المسألة، فألف لجنة قرشية تتوافر فيهم الخبرة التي عند الخزاعيين.
لأن الأزرقي عندما أورد الخبر السابق في أمر عمر لهؤلاء بتجديد الأعلام، قال: "حتى كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، فبعث أربعة من قريش كانوا يبتدون في بواديها، فجددوا الحرم، منهم مخرمة بن نوفل... إلخ".
فأنت ترى قوله: "كانوا يبتدون في بواديها" أي: يطيلون المكث في بوادي مكة، فهم أهل خبرة بالأرض التي تكون فيها أعلام الحرم؛ وهؤلاء الأربعة هم:
1- مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، القرشي الزهري، وهو والد الصحابي (المسور بن مخرمة)، قال الزبير بن بكار: كان من مسلمة الفتح، وكانت له سنّ عالية، وعلم بالنسب، وزاد ابن سعد: وكان عالما بأعلام الحرم، وهو من المؤلفة قلوبهم، وأعطاه النبي r(50) بعيرا من غنائم حنين، وكانت فيه خشونة لسان، كان يداريه من أجلها الأمراء، مات سنة 54هـ (673م) بعد أن عاش (115) سنة، وقد عمي قبل وفاته رضي الله عنه([144]).
2 - سعيد بن يربوع بن عنكشة بن عامر بن مخزوم القرشي المخزومي، كان اسمه (الهرم) فغيرّه النبي r وسمّاه: سعيدا، وكان له ولدان: هود، والحكم، وكان يكنى: أبا هود؛ وهو من مسلمة الفتح، وأعطاه النبي  r من غنائم حنين، لقيه النبي r يوما فقال له: "أينا أكبر أنا أو أنت؟" قال: أنت أكبر وأخير مني، وأنا أقدم سنا. وعندما كبر أصيب ببصره فعمي، فعاده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: لا تدع شهود الجمعة والجماعة، فقال: ليس لي قائد، فبعث إليه غلاما من السبي، وكان عمر رضي الله عنه يستشيره في بعض أمره، مات رضي الله عنه سنة 54هـ (673م)، وله من العمر (120) عاما، وقيل (124) سنة([145]).
3 - حويطب بن عبدالعزي بن أبي قيس بن عبد ودّ بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري، يكنى: أبا محمد، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا، وكان من المؤلفة قلوبهم، وقد رأى النبي  r يوم الحديبية كيف يعامله أصحابه، فانصرف يومها وهو يستيقين أن النبي  r سيظهر. قال: لما دخل رسول الله r مكة خفت خوفا شديدا؛ ثم ذكر قصة طويلة حتى قال: "ففرّقت أهلي بحيث يأمنون، وانتهيت إلى حائط عوف([146])، فأقمت فيه، فإذا أنا بأبي ذر- رضي الله عنه- وكانت لي به معرفة، والمعرفة أبدا نافعة، فسلّمت عليه، فذكرت له، فقال: اجمع عيالك وأنت آمن، وذهب إلى رسول الله r فأخبره، فاطمأننت، فقال لي أبو ذر: حتى متى يا أبا محمد، قد سُبقت وفاتك خير كثير، ورسول الله  r أبرّ الناس وأحلم الناس، وشرفه شرفك، وعزه عزك، فقلت: أنا أخرج معك، فقال: إذا رأيته، فقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فقلتها، فقال: وعليك السلام، فتشهدت، فسرّ بذلك، وقال: "الحمد لله الذي هداك،" واستقرضني مالا فأقرضته أربعين ألفا، وشهدت معه حنين وأعطاني من الغنائم". أهـ.
ثم قدم حويطب المدينة فنزلها إلى أن مات، وباع داره من معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه-، مات- رضي الله عنه- في خلافة معاوية سنة 54هـ (673م) بعد أن بلغ (120سنة)([147]).
4- أزهر بن عوف بن عبدالحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، عم عبدالرحمن بن عوف، ووالد عبدالرحمن بن أزهر الآتي ذكره. وهو من مشايخ بني زهرة، قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: امتريت أنا ومحمد بن الحنفية في الساقية، فشهد طلحة وعامر بن ربيعة، وأزهر بن عبد عوف، ومخرمة بن نوفل أن النبي   r دفعها إلى العباس يوم الفتح. أهـ.
ولم أعرف متى توفي، إلا أنه يبدو من أقران من سبقه من أعضاء هذه اللجنة المباركة.
وهناك اثنان آخران بعثهما عمر- رضي الله عنه- لتجديد الحرم، إضافة إلى الأربعة السابق ذكرهم، وهم:
5 - صبيحة بن الحارث بن جبيلة([148]) بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرّة القرشي التيمي؛ من مسلمة الفتح، وهو أحد من بعثه عمر لتجديد أعلام الحرم؛ وكان عمر قد دعاه إلى صحبته في سفر أخرجه إلى مكة، فرافقه. ولم أعرف متى توفي رضي الله عنه إلا أنه كان ممن يودّ عمر مرافقتهم  في السفر، وهذا يكفي.
6 - وأضاف البلاذري سادسا للمجددين وهو: عجير بن عبد يزيد بن هاشم ابن عبدالمطلب بن عبد مناف المطلبي. أسلم يوم الفتح، وأطعمه النبي r ثلاثين وسقا من خيبر، وذكر البلاذري وغيره أن عمر- رضي الله عنه- بعثه ليجدد أعلام الحرم، وقد عاش عجير بعد ذلك، وروى عن علي- رضي الله عنه-([149]).
هؤلاء هم النفر الذين انتخبهم عمر- رضي الله عنه- لتجديد الحرم في زمانه، وأنت تراهم من أصحاب السن والخبرة والعقل، ممن يستشارون ويصدقون- رضي الله عنهم- وعمّن اختارهم لهذه المهمة الجليلة.
ثانيا: تجديد عثمان بن عفان- رضي الله عنه- لأعلام الحرم
روى الفاكهي([150]) بسنده إلى عبدالرحمن بن حاطب، قال: لما ولي عثمان- رضي الله عنه- بعث على الحج عبدالرحمن بن عوف- رضي الله عنه- وأمره أن يجدّد أعلام الحرم، فبعث عبدالرحمن بن عوف- رضي الله عنه- حويطب بن عبدالعزي، وعبدالرحمن بن أزهر، ونفرا من قريش، فكانوا يجدّدون أعلام الحرم في   كل سنة.
وروى هذا الخبر الأزرقي([151]) وزاد فيه: وكان سعيد بن يربوع قد ذهب بصره في آخر خلافة عمر، وذهب بصر مخرمة بن نوفل  في خلافة عثمان. أهـ.
وزيادة الأزرقى هذه تعلل لنا عدم تكليف جميع أعضاء اللجنة السابقة في خلافة عمر- رضي الله عنه- بمتابعة عملها، حيث إن عنصرين منها قد فقدا بصريهما، ولكن أزهر خلفه ابنه عبدالرحمن في  هذه المهمة.
وكان تجديد عثمان رضي الله عنه هذا  في سنة 26هـ (671م) ذكر ذلك الطبري في "تأريخه"([152]) وابن الأثير في "الكامل"([153]) والفاسي في "شفاء الغرام"([154]) وابن فهد في "إتحاف الورى"([155]) و"إتحاف فضلاء الزمن"([156]).
ولم نعرف بقية القرشيين الذين كلفهم عبدالرحمن بن عوف بهذه المهمة، وحويطب قد تقدمت ترجمته.
أما: عبدالرحمن بن أزهر، فقد عرفنا نسبه في ترجمة أبيه، فهو زهري يكنى: أبا جبير، وهو ابن عم عبدالرحمن بن عوف، شهد حنينا مع النبي  r وقال: إنّ خالد ابن الوليد كان على الخيل يوم حنين، فرأيت النبي r فسعيت بين يديه، وأنا محتلم.
ووقع عند ابن أبي حاتم: رأى النبي  r وهو غلام عام الفتح.
وقال ابن سعد: هو نحو عبدالله بن عباس في السن، وعاش إلى فتنة عبدالله بن الزبير وقيل: مات بالحرة([157]).
ولا أعرف السبب الذي جعل عبدالرحمن بن أزهر يقوم مقام أبيه في تجديد أعلام الحرم، إلا أن يكون قد أصابه ما أصاب أقرانه، أو يكون قد توفي.
إلا أن الشيء اللافت للنظر أن هذه اللجنة كانت لجنة دائمة لتجديد أعلام الحرم كل سنة، يتعاهدونها، ويجددون ما رثّ منها، ولا نعرف متى توقف عمل هذه اللجنة.
إلا أنها بالتأكيد لم تستمر في خلافة علي رضى الله عنه؛ بدليل أن معاوية- رضي الله عنه- عندما أراد تجديد أعلام الحرم، كتب إلى عامله بمكة أن يجددها، فلو استمرت اللجنة في عملها لما احتاج التجديد إلى أمر جديد من معاوية، ثم إن بعض أعضاء اللجنة توفي في زمن معاوية رضي الله عنهم أجمعين.
ثالثا: تجديد معاوية رضي الله عنه لأعلام الحرم
سكتت المصادر عن التجديد في أيام علي رضى الله عنه، وأيام خلافته إنما قضاها في معالجة ما جدّ من الأحداث، ثم إنه أقام  في الكوفة، وربما لأنها لم تحتجْ إلى تجديد لقرب العهد في تجديدها، وعندما ولي معاوية رضي الله عنه التفت إلى ذلك فكتب إلى عامله على مكة أن يجدّدها([158]).
ولم تبيّن رواية الفاكهي، والأزرقي من هو العامل الذي كتب إليه معاوية بذلك، ولكن نقل ابن حجر في "الإصابة"([159]) في ترجمة (كرز بن علقمة الخزاعي) عن الكلبي قوله: عمي على الناس بعض أعلام الحرم، وكتب مروان إلى معاوية بذلك، فكتب إليه: إن كان كرز حيّا فسله أن يقيمك على معالم الحرم، ففعل. أهـ.             
فعرفنا من ذلك اسم الوالي الذي كتب إليه معاوية بذلك، لكن المصادر لم تبين في أي سنة كان ذلك.
إلا أن الفاسي([160]) نقل عن ابن عبد البرّ قوله: "وكان معاوية لما صار الأمر إليه ولاه المدينة، ثم جمع له إلى المدينة مكة والطائف، ثم عزله عن المدينة سنة ثمان وأربعين"، وعزله عن المدينة يعني عزله عما ألحق بها، وهذا يشعر أن هذا التجديد كان قبل سنة 48هـ (668م).
وعرفنا من رواية الكلبي أن الدليل الذي أوقف والي مكة على معالم الحرم هو كرز بن علقمة الخزاعي.
وكرز هذا، هو: ابن علقمة بن هلال بن جرية بن عبد نهم الخزاعي، أسلم يوم الفتح، وعمّر طويلا، وعمي في آخر عمره، وكان في أول عمره ممن يقصون الأثر.
قال الكلبي: وهو الذي وضح للناس معالم الحرم في زمن معاوية، وهي هذه المنار التي بمكة إلى اليوم، قيل إنه سكن المدينة، وقيل سكن عسقلان، ولم يمت حتى بلغ من العمر عتيا- رضي الله عنه-.
وكرز هذا واحد من أولئك الرجال الذين كانوا يتولون هذا العمل المبارك الميمون.
وبعد وفاة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان عام 60هـ (679م) اضطربت أحوال الدولة الأموية وكادت الخلافة تنتقل في الحجاز إلى عبدالله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة هناك وأيده في  عمله هذا بعض أهل العراق والشام ومصر، إلا أن مروان ابن الحكم 64-65هـ (683-684م) استطاع أن يحول دون تحقيق ذلك، فقضى على أتباع ابن الزبير في الشام في معركة (مرج راهط)، وترك الأمر لابنه عبدالملك بن مروان (65-86هـ) الذي استطاع هو الآخر تثبيت الحكم الأموي في الحجاز بالقضاء على حركة عبدالله بن الزبير وحركات أخرى.
رابعا: تجديد عبدالملك بن مروان([161]) لأعلام الحرم
بقيت أعلام الحرم على ما تركها عليه معاوية رضي الله عنه إلى أن حلّ العام الخامس والسبعون، أي بقيت متروكة دون تجديد ما يقارب الثلاثين عاما حتى جددها عبدالملك بن مروان.
فقد روى الأزرقي([162]) بسنده إلى المسور بن رفاعة، قال: لما حجّ عبدالملك بن مروان أرسل إلى أكبر شيخ يعلمه من خزاعة، وشيخ من قريش، وشيخ من بني بكر وأمرهم بتجديد الحرم.
وهكذا قال المسور بن رفاعة، ولم نقف على أسماء هؤلاء الشيوخ الثلاثة، ولم نعرفهم، إلا أنه اتضح أن عبدالملك اختارهــم عن معرفة، وأنهـم أهل سن وخبرة.
وذكر هذا التجديد الفاسي في "شفاء الغرام"([163])، إلا أنه أغفل ذكر سنة التجديد أيضا.
والذي ذكر لنا سنة التجديد هو ابن فهد المكي([164])، فقد أرّخها بسنة 75هـ، ولم نعرف أكثر من هذا عن تجديد عبدالملك بن مروان.
وبعد عبدالملك بن مروان اتجهت الدولة نحو الفتوحات الخارجية، خاصة في عهد ابنه الوليد 86-96هـ (705-714م) فانشغلت بالحروب مع الروم والخوارج، وقد أدى ذلك إلى نشاط العصبية القبلية، ولذلك أخذت عوامل الضعف تدب في جسم الدولة الأموية، فكان أحد أسباب سقوطها وقيام الدولة العباسية، دون أن يعرف عن إصلاح خلال عهد الدولة الأموية  في أعلام الحرم المكي الشريف.
وعندما قامت الدولة العباسية لم يعرف من خلفائها الأوائل الذين سبقوا الخليفة محمد المهدى 158-196هـ (774-811م) اهتمام بعمارة أعلام الحرم.
غير أن الخليفة الأول عبدالله السفاح 132-136هـ (739-850م) اهتم ببناء الأبراج والأعلام بين مكة والكوفة، وكذلك الأبراج والأعلام في مكة ورقم الطرق حتى يأمن الحجاج من الضياع، رغم أنه لم يمكث في الخلافة طويلا، كما أنه انشغل في مطاردته للأمويين، وفي بناء مدينة الأنبار له.
أما الخليفة العباسي المنصور فيعتبر المؤسس الثاني للدولة العباسية، وقد واجه حركات مناوئة له، منها: خروج (محمد النفس الزكية) في  الحجاز، وقد يكون سبب عدم اهتمامه بعمران الحرمين الشريفين مناصرة بعض أهل الحجاز لمحمد النفس الزكية؛ كما أنه واجه حركات كثيرة صرفته عن الاهتمام بأعلام الحرمين، مثل: حركة أبي مسلم الخرساني، والخوارج، وحرب الروم، وبناء بغداد.
ولما جاء المهدي بن المنصور امتاز عصره بالاستقرار بالنسبة لمن سبقه من الخلفاء، لأن والده المنصور قضى على أخطر خصوم الدولة، وخلف له الأموال الطائلة، فأكرم الناس فأحبوه، وجلس لمظالمهم، ثم وسع بناء المسجد الحرام والمسجد النبوي، وجدد الأعلام بين مكة والمدينة، وبنى محطات وأحواضا لسقاية الحجاج، وعلامات في الطريق يهتدون بها.
خامسا: تجديد المهدي العباسي([165]) لأعلام الحرم
ذكر ذلك الفاسـي([166])، ولم يذكر سـنة التجديد، ولم ينسـبه لمصدر من المصادر.
والمهدي قام بخدمات جليلة للحرم الشريف، وخاصة المسجد الحرام، وهو أول من رتب البريد بين مكة وبغداد، وحفر الآبار وبنى الحياض والقصور في طريق الحجاج، وخدماته لا تحصرها هذه الأسطر، إلا أنه تولى الخلافة آخر سنة 158هـ (774م) ومات سنة 169هـ (785م) فكان التجديد منحصرا بين هاتين السنتين([167]).
والملاحظ أن التجديد من زمن النبي r إلى زمن المهدي العباسي، كان يشمل جميع أعلام الحرم المحيطة به من جميع جوانبه، إلا أنه من بعد المهدي اقتصر تجديد الأمراء على بعض الأعلام التي تقع على الطرق الرئيسية المؤدية إلى مكة المكرمة.
وبعد المهدي تولى الخلافة الهادي إلا أنه لم يمكث في الخلافة إلا عاما وبضعة أشهر، فخلفه الرشيد الذي واجه كثيرا من الحركات فنكب البرامكة، وحارب العلويين والخوارج، وغزا الروم، واهتم بمطاردة الزنادقة، وقامت زوجته زبيدة بإيصال الماء إلى الحرم والمشاعر المقدسة؛ إلا أنه لم يعرف عنه أنه جدد أو بنى أعلام الحرم.
وخلفه ابنه الأمين الذي واجه فتنة ولاية العهد مع أخيه المأمون وانتهت بمقتل الأمين، حتى إذا ما تولى المأمون الخلافة أظهر القول ببدعة خلق القرآن فامتحن الناس فيها، ولم يفلح في القضاء على حركة الزط. وتولى بعده المعتصم الذي انشغل في حرب الروم، وقتال بابك الخرمي، وقضى على حركة الزط، وسار على نهج أخيه المأمون في الاعتزال، وانشغل في بناء عاصمته سامراء، ولما جاء الواثق سار على نهج المعتصم، إلا أن المتوكل أوقف مناقشات المعتزلة، ولكن انتقاله إلى عاصمته الجديدة التي سماها المتوكلية شغله عن الاهتمام بأعلام الحرم، وبعدها استفحل نفوذ القواد والوزراء والحجاب من الأتراك في الجيش خاصة في الإدارة، فسيطروا على الحكم، واستبدوا بالخلفاء، وظهرت فتنة القرامطة، وبذلك لم يعرف عن هؤلاء الخلفاء إصلاحات في أعلام الحرم، إلا في عهد الراضي.
توقف تجديد الأعلام التي على رؤوس الجبال
أما تجديد أعلام الحرم التي تقع على رؤوس الجبال، فقد توقف منذ زمن المهدي، لأن المؤرخين سكتوا عن تجديد هذه الأعلام، لكنهم لم يسكتوا عن تجديد أعلام الطرق المؤدية إلى مكة، ولو رأوا شيئا أو سمعوا شيئا لكتبوه.
ودليلي على ما أقول أنني سرت حول الحرم باحثا عن الأعلام التي على رؤوس الجبال فرأيت (934علما) بعضها متساقط، ماعدا علمين أحدهما مبني والآخر مرضوم رضما جيدا، ثم إن بعض الأعلام منذ سقوطها لم تحرك حجارتها، وهذا يدل على توقف تجديد أعلام الحرم التي فوق رؤوس الجبال منذ عهد المهدي العباسي، أي منذ ما يزيد على اثني عشر قرنا من الزمان.
هذه هي التجديدات التي وقفنا عليها لكامل أعلام الحرم المحيطة به إحاطة السوار بالمعصم.
الاهتمام بتجديد الأعلام الواقعة على مداخل الحرم
سبق أن استعرضنا تجديد الأعلام المحيطة بالحرم الواقعة على الجبال، أما تجديد الأعلام الواقعة في مداخل مكة المكرمة، فلا يزال التجديد والتحديث يتعاهدها من زمن إلى زمن إلى وقتنا الحاضر، وهذه المداخل هي:
1- من طريق المدينة: ثلاثة أميال عند بيوت السقيا، ويقال لها: بيوت نفار، بكسر النون وفتح الفاء، وهي دون التنعيم.
2- من طريق اليمن: سبعة أميال، عند أضاة لبن، أما أضاة فبالضاد المعجمة، ولبن بكسر اللام وسكون الباء الموحدة .
3- من طريق العراق: أيضا على سبعة أميال، على ثنية خل، بفتح المعجمة آخرها لام مشددة، وهو جبل بالمقطع.
4- من طريق الطائف: من بطن نمرة فذلك أحد عشر ميلا عند طرف عرنة.
5- من طريق الجعرانة: تسعة أميال في شعب عبدالله بن خالد.
6- من طريق جدة: عشرة أميال عند منقطع الأعشاش بشين معجمة، جمع عش، بضم العين المهملة([168]).
 ولقد أثبتت المصادر التاريخية والفقهية اختلاف المؤرخين في تحديد قدر المسافات التي بين الكعبة المشرفة، وحدود الحرم الواقعة على مداخله من كل جهة من الجهات التي سبق ذكرها، ولعل هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف الابتداء من المسجد الحرام إلى تلك الحدود.
وهذا ما سنتناوله في استعراض جهود مؤرخي مكة المكرمة في تحرير هذه المسافات، وذلك في المبحث الخاص بتقييم الجهود المبذولة في تحرير هذه المسافات بعد الفاسي- رحمه الله-.
أولا: تجديد الراضي العباسي([169]) لأعلام الحرم
أمر الراضي العباسي بعمارة العلمين الكبيرين اللذين بالتنعيم في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة (936م) واسمه مكتوب عليهما([170]).
روى ذلك الفاسي، وعنه نقل ابن فهد في "إتحاف الورى"([171])، ولكنه زاد مستدركا: (العلمين الكبيرين اللذين بالتنعيم بالأرض لا بالجبل)، ومن قول ابن فهد يتضح أنه كان في عصره علمان آخران على جبل التنعيم خلاف الموجودين بالأرض عند مسجد التنعيم([172]).
وذكر نحو ذلك الطبري في "الأرج المسكي"([173])، كما نقل صاحب التعليقات على منسك الشربيني أن الأعلام في هذه الجهة جددها الراضي العباسي سنة 325هـ (936م) حيث قال: وعلى الحدّ في تلك الجهة علمان كبيران بنيا في زمن الراضي العباسي([174]).
وبعد الراضي.. شُغل الخلفاء عن الإصلاحات الداخلية، خاصّة حين ظهور أمر بني بُويه من 334- 447هـ (945-1055م) فانشغلت الدولة ببعض الخلافات الداخلية.
وتدهورت البلاد سياسيّا واقتصاديّا- حتى إذا ما دخلت الدولة العباسية في عصر السلجوقيين وهم من القبائل التركية التي سيطرت على الخلافة العباسية في فترة ما بعد عام 447هـ (1055م) لم يعرف من الإصلاحات في الحرم المكي الشريف إلا ما قام به نظام الملك الوزير السلجوقى، فقد بنى السقايا بطريق مكة لسقاية الحجاج.                              
ولم يعرف في أواخر الدولة العباسية من اهتم ببناء أو إصلاح أعلام الحرم إلا الملك المظفر صاحب إربل.
ثانيا: تجديد الملك المظفر([175]) صاحب إربل([176]) لأعلام الحرم
قال الفاسي([177]): "ثم أمر الملك المظفر صاحب إربل بعمارة العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة في سنة ست عشرة وستمائة"([178]).
وذكر مثل قول الفاسي الطبري في "الأرج المسكي"([179])، وكذلك الغازي في "إفادة الأنام"([180])، والعلمان المذكوران هما اللذان في طريق الطائف القديم من جهة عرفة.
ثالثا: تجديد الملك المظفر([181]) صاحب اليمن لأعلام الحرم
قال الفاسي في "شفاء الغرام"([182]): "... ثم الملك المظفر صاحب اليمن في سنة ثلاث وثمانين وستمائة"، ويعني بذلك أن الملك المظفر صاحب اليمن أمر بعمارة العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة، واللذين سبقت الإشارة إلى أن تجديدهما
تم بأمر الملك المظفر صاحب إربل، حيث إن الفاسي أورد هذين الخبرين في سياق واحد. 
وقال ابن فهد في "إتحاف الورى"([183]) في حوادث سنة ثلاث وثمانين وستمائة: "إن الملك المظفر صاحب اليمن جدد الأعلام من جهة عرفة في هذه السنة".
رابعا: تجديد قايتباي([184]) لأعلام الحرم
قال الشيخ محمد طاهر الكردي- رحمه الله-: "ذكر السيد أحمد دحلان في السالنامة بناء مسجد الخيف الموجود الآن، هو بناء السلطان (قايتباي) سلطان مصر بناه سنة 874هـ (1469م) ووسعه عما كان قبل ذلك، وجعل في وسطه مصلى النبي r، وبنى دارا على جانبه يسكنها أمير الحج أيام منى، وجدد أعلام الحرم من جهة عرفة([185])". أ هـ.
وقد ذكر ذلك الطبري في كتابه: "إتحاف فضلاء الزمن لتاريخ ولاية بني الحسن"، كما أشار إلى ذلك الغازي في "إفادة الأنام"([186]).
خامسا: تجديد السلطان أحمد خان الأول([187]) لأعلام الحرم
ذكر الطبري في "الأرج المسكي"([188]) أن السلطان أحمد خان عمر العلمين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفات على يد حسن باشا المعمار في حدود سنة 1023هـ (1614م).
وجاء في السالنامة([189]) أن "السلطان أحمد الأول بن السلطان محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان الأول بن سليم الأول فاتح مصر صدر أمره بتجديد عمارة أعلام الحرم من جهة عرفة، فجُدّدت سنة ألف وثلاث وعشرين، ويُعّد ذلك من مفاخره".
كما ورد في الآثار المبرورة([190]): "أن السلطان أحمد خان أنشأ الأعــلام التي في عرفات، وكذلك الأعلام التي في عمرة التنعيم، والأعلام التي في  طريق يلملم". 
قلت: يوجد اليوم في هذا الموضع علمان قديمان، الأول وهو الشمالي خراب لم يبق منه إلا القليل، وأما الثاني وهو الجنوبي فما زال جزء كبير منه باقيا لم ينهدم، ولم يتهدم منه إلا جزء قليل من جانبه الجنوبي.
وهذا العلم مبني بالنورة والصخر، من أسفله عريض، يتدرَّج في الضيق كلما ارتفع، ويوجد في جانبه الجنوبي صخرة مستطيلة الشكل ليست بالكبيرة، عليها علامة كتابة، لكن العلم كله قد طُلىَ قبل أن يتهدم بطلاء أبيض يميل إلى الزرقة قليلا، وهذا الطلاء قد أتى على ما في هذا اللوح من كتابة، فلم أستطع قراءتها على الإطلاق، لأن الطلاء قد ملأ أخاديد الحروف المنقورة على اللوح، ولقراءتها لابد من إزالة هذا الطلاء برفق وتؤدة ومعالجة فنية، ولم يكن هذا بالميسور لدي، وحجارة هذا العلم بارزة، أي لم يكن العلم قد طُلي بالنورة من خارجه قبل، وهذا العلم يشبه في بنائه وقياساته الأعلام القديمة الفاصلة بين موقف عرفة ووادي عرنة تماما، وكأن بناءها في زمن واحد، بل كأن بانيها واحد، والله أعلم.
والعلم الخراب جهدت في البحث عن الحجر المكتوب عليه تأريخ هذا العلم، فلم أجده، ويحتاج ذلك إلى حفر رمال وصخور كثيرة مكدسة حول هذا العلم، فلعل البناء القائم اليوم هو من بناء سلاطين بني عثمان، ولعله من بناء أحمد الأول، كما ذكر الأستاذ ملحس([191]).
سادسا: تجديد الشريف زيد بن محسن([192]) لأعلام الحرم
قال الطبري في "إتحاف فضلاء الزمن"([193]): "وفي سنة ثلاث وسبعين وألف رممت جميع المشاعر وحدود الحرم وأعلام الجمرات، وذلك في زمن الشريف زيد بن محسن ابن حسين بن حسن"([194]).
سابعا: تجديد السلطان الغازي عبدالمجيد خان([195]) لأعلام الحرم
قال الشيخ محمد حسب الله في تعليقاته([196]) على منسك الشربيني: "إن السلطان عبدالمجيد في سنة ثلاث وستين بعد الألف والمائتين من الهجرة، أعاد أعلام الحرم من طريق جدة".
وورد في الآثار المبرورة([197]): "أن السلطان عبدالمجيد عند تجديده لمسجد التنعيم عام اثنين وستين ومائتين وألف من الهجرة، جَدَّد أعلام الحرم الواقعة عند مسجد التنعيم".
ونحن هنا أضفنا تجديدات كثيرة لم يتطرق إلى بعض منها مؤرخو مكة مثل إبراهيم رفعت، فقد ذكر في مرآة الحرمين (أنه منذ عام 683هـ لم يعثر على تاريخ الأعلام مع شدة حرصه على الوقوف عليها، مع أن بناءها القائم لم يكن بناء سبعة قرون)([198]).
هذه هي التجديدات التي وقفنا عليها للأعلام الواقعة على مداخل مكة المكرمة من عام 325 إلى عام 1263هـ (936-1846م).
ثم استمر تجديد الأعلام الواقعة على مداخل مكة في عهد الحكومة السعودية
أعمال الدولة السعودية
في تحديد وتجديد أعلام الحرم
أولا: تجديد الملك عبدالعزيز آل سعود لأعلام الحرم
لقد أولى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود-  طيب الله ثراه-  عناية خاصة للحرمين الشريفين، وفي زمنه جدّد العلمان اللذان في طريق جدّة القديم؛ ولم أعرف السنة التي بني فيها هذان العلمان، إلا أنه كان مكانهما علمان سابقان.
عرفنا هذا من ظهور هذين العلمين القديمين في صورة([199]) نشرها العلامة إبراهيم رفعت في كتابه (مرآة الحرمين)، ويبدو أن العلمين القديمين إنما جُدّدا بعد الفاسي- رحمه الله-، لأنه صرّح في كتابه "شفاء الغرام"([200]) أنه لم يعرف أعلاما في جهة طريق جدة، وربما كان طريق جدة في عهده لا يمر من منطقة الأعشاش ولا من الحديبية([201]).
والدليل على أن العلمين اللذين ظهرا في "مرآة الحرمين" إنما جُدّدا بعد الفاسي، أنهما يبدوان بحالة جيدة، إذ إن الرؤوس الثلاثة التي تقوم على قمة العلم رؤوس منتظمة وجميلة ولم ينهدم منها شيء، ثم إن شهادة صاحب "مرآة الحرمين" بأن بناءها لا يبدو بناء قديما، يجعلنا نقول: إن علمي الشميسي القديمين كانا من عمل السلطان الغازي عبدالمجيد خان العثماني عام 1263هـ (1846م) كما سبق ذكره.
وقد عملت عوامل التعرية والتآكل فيهما عملها، فكان لابد من تجديدهما، وهذا ما حدا بالملك عبدالعزيز- رحمه الله- إلى أن يأمر بعمارة علمين جديدين موضع العلمين القديمين.
والعلمان اللذان أمر ببنائهما الملك عبدالعزيز رحمه الله ما زالا قائمين، وهما بحالة جيدة، ويشبهان العلمين القديمين في طريقة البناء، ويقوم على قمة العلم ثلاث قباب صغيرة، وكتب علي العلمين هذه العبارة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى هنا أول حدود الحرم
وضع في عهد الملك عبدالعزيز
وكتب أسفل العبارة السابقة عبارة باللغة الإنجليزية تفيد ما أفادته العبارة العربية؛ ولم يكتب على العلمين تأريخ بنائهما، إلا أن تأريخ دخول مكة المكرمة في حكم الملك عبدالعزيز معروف، وعلى ذلك يكون بناؤهما بعد عام 1343هـ (1925م).
ثانيا: تجديد الملك سعود لأعلام الحرم
في زمن الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله- كان طريق جدّة هو الطريق القديم المعروف اليوم، ولكن في منطقة الشميسي يمر بأرض رملية تغوص فيها الأرجل،  فضلا عن عجلات السيارات؛ فأشار بعض أهل الخبرة بشق طريق للسيارات لا يخترق هذه الرمال، بل يتركها ويسير عنها جنوبا، محاذيا لجبال الشميسي الحمراء، فكان ذلك، فشقّ هناك الطريق المزفّت، فكان لابد من وضع أعلام لحدود الحرم على هذا الطريق الجديد بجانب الأعلام التي بنيت في عهد الملك عبدالعزيز- رحمه الله-؛ فوضع علمان على هذا الطريق يبعدان عن العلمين السابقين (كيلو مترين جنوبا)، وعمّر العلمان في سنة 1376هـ (1957م) وهذان العلمان ما زالا قائمين وإن كان الطريق قد رجع إلى موضعه الأول.
والعلمان على هيئة أعلام الملك عبد العزيز، لكنهما بنُيا بالأسمنت والصخر، بدلا من النورة، وطُليا من الخارج بالأسمنت أيضا، ثم طليا بنوع من (الجبس) الأبيض، وكُتبَ في وسطهما بخط أسود هذه العبارة:
إلى هنا انتهى الحرم
الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود
سنة 1376هـ (1957م)
وهذه الكتابة مقروءة الآن، وإن كانت قد تناثرت بعض صبغتها بسبب العوامل الجوية
وفي سنة 1377هـ (1958م) تم بناء علمين كبيرين على طريق الطائف (السيل)([202]) المارّ على (نخلة اليمانية)، وما زالا قائمين، وحالتهما جيدة، وقد بنيا بالأسمنت والصخر، ولا يختلفان في طريقة بنائهما عن العلمين السابقين؛ وكان قد كتب على العلمين كتابة بخط أسود، لم يبق منها أثر يذكر، وبصعوبة بالغة استطعت قراءة العبارة الآتية:
إلى هنا انتهى الحرم
هذان العلمان هما حد الحرم من الحل
الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود
سنة 1377هـ
والذي يستوقف الباحث هنا هو أن موضع هذين العلمين متأخّر عن (ثنية خلّ) التي كانت عليها أعلام الحرم القديم، وما زالت إلى اليوم، الأعلام تبعد (500م) شرقا عن رأس (ثنية خلّ)، ونصوص العلماء من مؤرّخي مكّة وغيرهم كلهم يقولون إن حد الحرم على هذا الطريق، هو (ثنية خلّ)([203]).
ومما تقدم نعلم أنه في زمن الملك سعود- رحمه الله- بنيت أربعة أعلام من أعلام الحرم الشريف.
ثالثا: تجديد الملك خالد لأعلام الحرم
في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز- رحمه الله- تمّ إقامة علمين كبيرين إلى جانب علمي طريق الطائف من جهة عرفة، اللذين تقدم وصفهما فيما سبق.
وعلما الملك خالد رحمه الله، ضخمان مرتفعان أكثر من بقية أعلام الطرق القائمة الآن؛ كما أن هندسة بنائهما مختلفة أيضا، حيث خلا رأس العلمين من القباب الثلاث، والعلم عبارة عن جدار عريض مرتفع، يضيق طولا وعرضا كلما ارتفع، وفي وسط العلم طُلي موضع منه كبير لكتابة معلومات عن هذا العلم ووظيفته، طُلي أولا بالأسمنت الناعم، ثم طلي بجبس أبيض، حيث يرى هذا الموضع كأنه لوح كبير أبيض، لكنه منخسف في  وجه العلم، وجعل فوق هذا اللوح شرافة تحميه من المطر، لتحمي الكتابة التي عليه؛ والكتابة كانت بالخط الأسود.
ومع هذا لم يبق من هذه الكتابة أثر ذو فائدة من الألواح الأربعة، ذلك أن أول شيء ذهب من هذا اللوح هو (الجبس) الذي ليس لديه مقاومة للماء، ولا للشمس ولا للريح، فذهبت طبقة الجبس، وبذهابها ذهب ما عليها من الكتابة؛ وبجهد جهيد استطعت أن أقرأ على أحد العلمين:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى هنا أول حدود الحرم
ولم أستطع قراءة ما بعدها على الإطلاق؛ وإنما ذكرت سبب ذهاب الكتابة ليتنبه من يهمّهم تثبيت معلومات ما على أبنية أو غيرها، أن الكتابة أبقى ما تكون إذا حفرت على الصخر الجيد، والنقش في الحجر لا يعدله شيء في هذا الجانب، وهذا تنبيه أيضا للمجدّدين لأعلام الحرم، أن يحسبوا حساب الكتابة على ما يبقى لا على ما يذهب.
وفى أواخر عهد الملك خالد- رحمه الله- أقيم علمان جديدان في طريق جدّة القديم، إلى جانب علمي الملك عبدالعزيز- رحمه الله-؛ وهذان العلمان الجديدان يختلفان في الهندسة وطريقة البناء عن الأعلام السابقة، فهما علمان جميلان، بنيا أصلا بالأسمنت المسلّح بالحديد، وغلّفا بالمرمر الصناعي الملون في بعض جوانبهما؛ ويقومان على قاعدة مبنية بالصخر الأحمر والأسمنت، وفي كل جانب من جوانب العلم أربعة أعمدة جميلة يقوم فوقها تاج جميل، يمثل رأس العلم، وهذا التاج قد ناب عن القباب الثلاث الصغيرة التي تقوم على رأس العلم؛ وقد صرف من الجهد والوقت في تصميمه وبنائه شيء ليس بالقليل، وهو صورة مصّغرة لما وصل إليه فن الهندسة والعمارة في العصر الحديث.
وقد كتب في وسط العلمين على لوح من المرمر الأبيض هذه العبارة:
هنا نهاية حدود الحرم
وكتب تحتها ما يفيد معنى تلك العبارة باللغة الإنجليزية:
HERE ENDS THE HOLY AREA
هذه أربعة أعلام بنيت في  زمن الملك خالد- رحمه الله-.
رابعا: تجديد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لأعلام الحرم
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- حفظه الله- في سنة 1404هـ (1987م) أقيم علمان جديدان في منطقة التنعيم، بالقرب من مسجد عائشة رضي الله عنها، وهذان العلمان بنيا عندما جدّد بناء مسجد التنعيم، وظهر فيه من ضروب فن الهندسة، والعمارة الحديثة الشيء الكثير.
والعلمان يقومان على يسار قبلة المسجد، ويمتد طولهما من الشمال إلى الجنوب، وليس من الشرق إلى الغرب، وهما عبارة عن جدارين عريضين مرتفعين تربعتْ على قمة كل علم ثلاث قباب صغيرة دُهنت باللون الأخضر، وقد غُلّفَ العلمان بالمرمر الصناعي الأبيض الجميل، بالغلاف نفسه الذي غُلّفتْ به جدران ومآذن مسجد التنعيم من الخارج، ولولا القباب الصغيرة الخضراء على رأسي العلمين لما انتبه أحد إلى أنهما علمان، وذلك لقربهما من المسجد، ولأنهمـا قد غُلّفا بما غُلّف به المسجد .
وهذان العلمان لا يراهما السائر في طريق المدينة السريع، سواء كان داخلا إلى مكة أو خارجا منها، حيث يحول المسجد بينه وبينهما.
كما قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في سنة 1407هـ (1987م) بتجديد أحد العلمين الأسطوانيين القديمين اللذين يقومان في التنعيم؛ وهو العلم الغربي الذي على يسار الخارج من مكة يريد المدينة.
والعلم السابق يشبه العلم الذي ما زال قائما إلى اليوم، وهو علم أسطواني الشكل ليس بالمرتفع كثيرا ورأسه مخروط من أعلاه، وهو مبني بالصخر والنورة البيضاء، وقد طُلي من خارجه بالنورة أيضا.
 والعلم الجديد جُدّد على صورة سابقه نفسها، إلا أنه أصبح أطول منه، وبُني بالأسمنت المسلح بالحديد، وما زال جداره الخارجي لم يدهن إلى الآن.
فهذه ثلاثة أعلام بنيت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- حفظه الله-.
وبذلك يكون مجموع ما بني وجدّد في العهد السعودي ثلاثة عشر علما: ستة على طريق جدّة، واثنان على طريق الطائف من جهة الشرائع، واثنان على طريق الطائف من جهة عرفة، وثلاثة في منطقة التنعيم.
وهكذا فإنك ترى أن التجديد والتعمير إنما كان حتى في وقتنا الحاضر  يتناول الأعلام الموجودة على الطرق القديمة فقط والمؤدية إلى مكة، أما الأعلام التي توجد على الجبال، والتي تحيط بالحرم الشريف، والتي يصل عددها إلى (934) علما فلم يجدد بناؤها؛ ففي الحد الشرقي (110 أعلام)، وفي الحد الشمالي (574 علما)، وفي الحد الغربي (98 علما)، وفي الحد الجنوبي (152 علما).
ولكن نرجو أن لا يفهم القارئ أن هذه المسألة مسكوت عنها اليوم بالكلية، كلا، فقد انتبه إلى هذا بعض العلماء، ونبّهوا ولاة الأمر، فصدرت أوامر سامية بتشكيل لجان من أهل العلم وأهل الخبرة، تتولى البحث في هذا الموضوع، وتخرج لمعاينة ما يحتاج إلى معاينة، وقد وضعت بعض التسهيلات اللازمة لهذه اللجان، ثم تقدم بعد ذلك ما تراه من اقتراحات؛ ولقد خرجت لجان فيها من أفاضل العلماء وأهل الخبرة في سنة 1380هـ (1960م) وسنة 1384هـ (1964م)، ثم وضعت تحت تصرفهم طائرة عمودية، فعاينوا بعض ما عاينوه بالطائرة، وفاتهم الكثير الذي لا يرى بالطائرة، بل لابد من المشي على الأقدام، والبحث المتواصل لحل الإشكالات في اتجاه سير الحد على الجبال والثنايا والسهول.
وتكرر الأمر في سنة 1400هـ (1980م)  ولم ترجح اللجنـة الثالثة شيئا يضـاف إلى ما رأته اللجان السابقة، وكنت أنا ووالدي- رحمه الله- من المشاركين في هذه اللجان، وأدركت أن الأمر أكبر مما تستطيع عمله هذه اللجان بكثير.
وحتى هذه الساعة لم يصدر شيء عن تلك اللجان في هذا الموضوع، بل لم يصدر شيء في  تثبيت مواضع حدود الحرم على طرق جديدة شقت وزفتت، كمداخل جديدة لمكة المكرمة، تعتبر اليوم طرقا رئيسية، مثل طريق جدّة السريع، وطريق الطائف السريع (طريق الهدا)، على أن الأمر لم يمت وما زال بعض الفضلاء يبحثون في هذه الأمور وينقّبون، وسنرى إن شاء الله ما يسرّ الخاطر، ويثلج الصدر.
ومنذ سنوات تأسس (مركز أبحاث الحج)، (معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الآن) هذا المركز جل دراسته دراسات ميدانية، ترى وتسجّل وتبحث وتقترح، وترفع هذه الاقتراحات إلى من يأمر بالتنفيذ.
ولم ينس (مركز أبحاث الحج) موضوع حدود الحرم، فأدلى بدلوه، وحاول أن يعمل شيئا وما زال يحاول.
وهذا ما علمته من جهود مبذولة في هذا الجانب، وقد يكون هناك ما لم أعلمه، وما ذلك إلا ثمرة من ثمرات هذا العهد الزاهر الآمن، يسدّ ثغرة من ثغرات هذا الموضوع، وأسأل الله أن يتقبله، وينفع به، آمين.
جهود المؤرّخين المكّيين في
ضَبْط مَواضع حُدُود الحَرم الشريف
جهود الإمامين الأزرقي والفاكهي
من أقدم الدراسات التاريخية التي وصلتنا، والتي تتعلق بالبلد الحرام، كتابان  الأول: "أخبار مكة" للإمام الأزرقي، والثاني: "أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه" للإمام الفاكهي، والرجلان عاشا في قرن واحد، إلا أن الفاكهي تأخرت وفاته عن الأزرقي ما يقرب من عشرين عاما؛ وقد طبع "أخبار مكة" للأزرقي؛ أما "أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه" للفاكهي فقد وفقني الله وأعانني على تحقيقه، ثم طبعه، ويقع في خمسة مجلدات، والسادس للملاحق والفهارس.
والدراسات فيما يتعلق بموضوعنا هذا دراسات متشابهة في كلا الكتابين، لتَقارُب زمنيهما، ولذلك سنجعل جهودهما مبحثا واحدا في هذا المضمار.
وما ورد في هذين الكتابين- متعلقا بموضوع حدود الحرم، أسميه "دراسات" وإن كان في حقيقة الحال "إشارات فقط"، ولكن لقلة ما وصلنا من الأقدمين في هذا الأمر، فإننا نعتبر تلك "الإشارات" مباحث دراسية مهمة في موضوعنا، ولا مشاحّة في الاصطلاح.
وجهود هذين الإمامين في موضوعنا لها مطلبان:
الأول: المواضع التي ذكراها في حدود الحرم.
الثاني: ذكرهما لمداخل مكة في زمانهما، مع تحرير المسافات بين هذه المداخل والمسجد الحرام بالقياسات المعتبرة في ذلك الزمن.
أما فيما يتعلق بالعنصر الأول، فإن المواضع التي ذكراها في حدود الحرم لم يذكراها كبحث مستقل في مواضع الحدود، ولو فعلا لأراحانا كثيرا، ولقدّما خدمة عظيمة للمهتمين في هذا المجال، ولكنهما سكتا، فسكت من بعدهما من مؤرخي مكة، لأنهما هما القدوة في ذلك، وسبب سكوت هذين الإمامين عن ذكر جميع مواضع حدود الحرم لعله راجع لشهرتها في زمانهما. أما المواضع التي ذكراها في حدود الحرم فهي:
1- جبل نمــرة: قال الفاكهي([204])عنه: "وهو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم، على يمينك إذا خرجت من مأزمي([205]) عرفة تريد الموقـف([206])"، كما ذكـره الأزرقي([207]) وسماه (ذات السليم) وهكذا سماه الفاكهي أيضا، والأزرقي لم يذكر أن عليه أعلام الحرم، بل تفرد الفاكهي بهذه الفائدة.
2- طريق الطائف القديم المار على عرفة: ذكره الأزرقي([208]) وكذا الفاكهي([209]) قال: "ومن طريق الطائف على عرفة من بطن نمرة على أحد عشر ميلا".
3- جبل المقطع: قال الأزرقي([210]) "المقطع: منتهى الحرم من طريق العراق"أهـ،  ومثله قال الفاكهي([211]).
4- ثنية خلّ: قال الأزرقي([212]) "ثنية خلّ([213]): بطرف المقطع، منتهى الحرم من طريق العراق"أهـ، ومثله عند الفاكهي([214]).
5- جبل الستار: (ستار لحيان)، قال الفاكهي([215]): "الستار: من فوق الأنصاب، وإنما سمّي الستار لأنه ستر بين الحل والحرم". أهـ وبنحوه أفاد الأزرقي([216]).
6- ثنية المستوفرة: قال الأزرقي([217]) "المستوفرة: ثنية تظهر على حائط يقال له: حائط ثرير"([218])، وعلى رأسها أنصاب الحرم، فما سال منها على ثرير فهو حل، وما سال منها على الشعب([219]) فهو حرم"؛ ومثله قال الفاكهي([220]).
7- ثنية ذات الحنظل: قال الأزرقي([221]) "أنصاب الحرم على رأس الثنية، ما كان وجهها في هذا الشق فهو حرم، وما كان في ظهرها فهو حل" اهـ؛ وبنحوه قال الفاكهي([222]).
8- التخابر، والأعشاش: قال الأزرقي([223]) "التخابر: بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وهو على يمين الذاهب إلى جدّة إلى نصب الأعشاش، وبعض الأعشاش في الحل، وبعضها في الحرم، وهي بحيرة البهيما، وبحيرة الأصفر، وبحيرة الرغباء، ما أقبل على بطن مرّ منهن فهو حل، وما أقبل على المديراء منهن فهو حرم" أهـ. وبنحوه قال الفاكهي([224]).
9- بشائم: قال الأزرقي([225]): "بشائم: ردهة([226]) تمسك الماء، فيما بين أضاة لبن، بعضها في الحل، وبعضها في الحرم" أهـ، وبنحوه قال الفاكهي([227]).
10- ثنية لبن: ذكرها الأزرقي فقال "ثنية لبن على سبعة أميال من طريق اليمن"([228]).
11- جبل نعيلة: قال الأزرقي([229]) "كبش: الجبل الذي دون نعيلة في طرف الحرم" أهـ. ومثله قال الفاكهي([230]).
12- جبل غراب: قال الأزرقي([231]) "غراب: جبل بأسفل مكة بعضه في الحل، وبعضه في الحرم"أهـ. ومثله قال الفاكهي([232]).
13- الضحاضح: قال الأزرقي([233]): "الضحاضح: ثنية ابن كرز، ثنية من وراء السلفين، تصبّ في النبعة، بعضها في الحل، وبعضها في الحرم" أهـ. وبنحوه قال الفاكهي([234]).
هذه هي المواضع التي ذكرها الإمامان الأزرقي والفاكهي في كتابيهما، مشـتركين فيما له تعلّق بموضوعنا ، وعلى الرغم من قلتها فقد استفدنا منها كثيرا.
الأودية التي تسكب سيولها من الحل إلى الحرم
أضاف الفاكهي مبحثا مهما في هذا الجانب، وهو مبحث (الأودية التي تسكب من الحل في أرض الحرم)([235]).
ولكن الأزرقي([236]) أغلق هذا الباب، وقرر أن أودية الحرم تسكب في الحل ولا عكس، إلا من منطقة واحدة، وهي منطقة التنعيم، وإلى ذلك ذهب أكثر الفقهاء، وجعلوا ذلك مما يتميز به الحرم عن غيره، غير أن الفاكهي تتبع هذا الأمر، فوجد الواقع خلاف ما قال الأزرقي، فأفرد لهذا الموضوع مبحثا يخدم موضوعنا خدمة كبيرة.
قال الفاكهي([237]): "ذكر ما يسكب من أودية الحل في الحرم".
أولا: جبل بأسفل مكة، بعضه في الحل، وبعضه في الحرم، ويقال له "الغراب" يسكب في نبعه.
ثانيا: ردهة يقال لها: ردهة بشائم، تصب فيها أضاة لبن، تمسك الماء، بعضها في الحل وبعضها في الحرم.
ثالثا: ردهة يجتمع فيها الماء، عند حنك الغراب، يقابل إحداهما الأخرى، واحدة في الحل، والأخرى في الحرم، وهي على يسار الذاهب إلى جدّة، واسم الردهة "الجفّة".
رابعا: ذَنَب السّلَم: الجبل الذي بين المزدلفة وذي مراخ، عليه أنصاب الحرم.
خامسا: ثنية كردم (كذا) من وراء السلفين تصب في النبعة، بعضها في الحل، وبعضها في الحرم.
سادسا: التخابر، وهي على يمين الذاهب إلى جدّة، تصب في الأعشاش، والأعشاش بعضها في الحل وبعضها في الحرم.
سابعا: ثم روى الفاكهي بإسناده([238]) إلى ابن أبي نجيح، قال: "ليس يدخل من مكة الحرم إلى الحل (كذا) وهو مقلوب صوابه: من الحل إلى الحرم إلا من شعبة واحدة" أهـ، ثم قال الفاكهي: "وأقول أنا: يعني به وادي نبعة هذا، والله أعلم" أهـ.
ثامنا: ثم قال الفاكهي: "بحيرة المديرة، وبحيرة الأصفر، والرغباء، ما أقبل على (مرّ الظهران) فحلّ، وما أقبل على المديراء فحرم" أهـ.
وهذا المبحث الذي تناوله الفاكهي وصل إلينا مشوشا- مع الأسف- وذلك، لأن النسخة التي وصلت إلينا نسخة سقيمة الخط، وكاتبها ليس من أهل العلم.
على أننا فهمنا منها بعض الأمور، على رأسها ما دلّ عليه عنوان البحث، وهو أن هناك أودية من الحل تسكب في الحرم، وهذه الالتفاتة من الفاكهي وإن لم يوضحها هذا المبحث فإنها تعني أنه ليس هناك قاعدة مطرّدة في سير الحد.
وهي تلك المقولة التي ذكرها الأزرقي والفاكهي (أن سيل الحل لا يدخل إلى الحرم إلا من موضع واحد فقط) وقد اختلفا في هذا الموضع، فالأزرقي يراه عند التنعيم، والفاكهي يراه عند جبل غراب أسفل مكة.
وهذه المقولة سوف يرى القارئ ما ينقضها في أكثر من موضع خلال سير الحد على الجبال والثنايا والأودية، والذي ترجح عندي حين وقوفي الميداني على أعلام الحرم.
إن الأودية التي ذكرها الفاكهي كلها تسكب من الحل إلى الحرم، وشاهدت أن ما أشار إليه حقيقة واضحة، حتى إن هناك موضعين، أحدهما هو أن جزءا من سيل وادي عرنة يدخل الحرم عند قرن الأعفر، والآخر ما ذكره الأزرقي عند بيوت نفار- بكسر النون- وهي دون التنعيم([239]).
ولكن بعض المجدّدين لأعلام الحرم أدخلوا موضعين أحدهما في الحد الشمالي، والثاني في الحد الجنوبي الغربي؛ ولكنهم أبقوا الأعلام القديمة قائمة؛ فأشرت إليهما.
وعلى هذا أقول إن ما ذهب إليه الفاكهي، كان بعد تتبعه لأعلام الحرم، ووقوفه عليها، ولولا أنه وقف عليها لما رأى هذه المواضع التي يسكب سيلها من الحل إلى الحرم.
وهذا ما نؤيده ونرجحه لوقوفنا على كل المواضع المذكورة وتَقَصّينا ما ذكره الفاكهي- رحمه الله-.
لذا فإن النظرية القائلة بأن سيل الحل لا يدخل إلى الحرم إلا من منطقة واحدة وهي عند بيوت نفار، نظرية يخالفها الواقع والمشاهد حين وقوفنا؛ والأعلام القائمة أكبر شاهد على ذلك.
مداخل مكة المكرمة التي كانت في زمن الأزرقي والفاكهي
ذكر الأزرقي والفاكهي ستة مداخل لمكة، وجميع هذه المداخل عليها أعلام الحرم، والغريب أن الأزرقي وضع عنوانا لهذا المبحث أطلق عليه (ذكر حدود الحرم الشريف) كأنّ حدود الحرم هي هذه المواضع الستة فقط؛ ولا شك أنه ما عنى هذا.
ولكن هكذا ترسّخ حتى في أذهان مؤرّخي مكة أن حدود الحرم هي مداخل الطرق المؤدية إلى مكة، هكذا بحث الأزرقي حدود الحرم، وهكذا بحث من بعده من المؤرّخين والفقهاء على السواء إلى يوم الناس هذا؛ وهذا الذي حدا بي إلى تتبُّع حدود الأعلام المحيطة بالحرم المكي، فيما بين تلك المداخل، والتي أهمل ذكرها الأزرقي، ومن تبعه من مؤرّخي البلد الأمين.
حيث تحدث الأزرقي عن ذلك فقال: "من طريق المدينة دون التنعيم، عند بيوت نفار على ثلاثة أميال"([240]).
ومن طريق اليمن: طرف أضاة لبن، في "ثنية لبن"، على سبعة أميال.
ومن طريق جدّة: منقطع الأعشاش، على عشرة أميال.
ومن طريق الطائف: على طريق عرفة من بطن نمرة، على أحد عشر ميلا.
ومن طريق العراق: على ثنية خلّ بالمقطع، على سبعة أميال.
ومن طريق الجعرانة: في شعب آل عبدالله بن خالد بن أسيد على تسعة أميال.
انتهى كلام الأزرقي، وبنحوه قال الفاكهي([241]).
واعلم أن الميل هنا يساوي ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، والذراع هو ذراع اليد، ومقداره أربع وعشرون إصبعا، والإصبع الواحدة ست شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض([242])، هذا هو القياس المعتبر في زمانهم، وحرّرا- رحمهما الله- هذه المسافات، بواسطة حبال كانت تستعمل لهذه الأغراض، يجزّأ كل حبل مقدار ذراع اليد وأجزائه السابقة.
وهذه العملية عملية شاقة ومتعبة، كلّفت الأزرقي الأيام الطوال، فسجّلها لنا في أسطر قليلة وأهداها لنا- جزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء-. 
ويبدو أن هناك أناسا آخرين قاموا بقياس هذه المسافات ولم يعتمدوا على الأزرقي، وعلى رأس هؤلاء في نظري أبو القاسم عبيدالله بن عبدالله بن خرداذبه في كتابه "المسالك والممالك"، بل قام هذا الرجل بالطواف حول الحرم، وقاس هذه المسافة وسجّلها لنا- جزاه الله خيرا- وهو تقريبا الوحيد الذي تعرّض لهذه القضية.
كما أن هذه القضية أخذت بُعْدا فقهيا، فطرحت هذه المسألة على بساط الفقهاء، وأدلوا فيها بدلائهم، منهم المقلّد، ومنهم المجتهد، فحصلتْ لنا من ذلك ثروة في المعلومات المقدَّمة في هذه المسألة، رأيتُ خيرَ مَن جمعها وقارن بينها ثم حرَّر المسافات بنفسه من جديد المؤرّخ المكي الشهير تقي الدين الفاسى([243]).
جهود محب الدين الطبري([244]) في ضبطه لمواضع من حدود الحرم
تحدث الطبري عن حدود الحرم فقال: وحده من طريق المدينة دون التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، وقيل: أربعة أميال. وقال أبو محمد بن أبي زيد المالكي في كتابه  "النوادر": هو إلى منتهى التنعيم أربعة أميال.
ومن طريق اليمن طرف أضاة على ستة أميال.
وقال ابن أبي زيد: سبعة. ومن طريق الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة، على أحد عشر ميلا كذلك ذكره الأزرقي.
 وقال ابن أبي زيد: على تسعة أميال.
ومن طريق العراق على ثنية خلّ بالمقطع على سبعة أميال، كذا ذكره الأزرقي.
وقال ابن أبي زيد ثمانية.
ومن طريق الجعرانة على شعب آل عبدالله بن خالد بن أسيد على تسعة أميال.
ومن طريق جدة منقطع الأعشاش على عشرة أميال.
وقال ابن أبي زيد: ومن طريق جدة إلى منتهى الحديبية على عشرة أميال.
قال مالك: والحديبية في الحرم([245]).
جهود الإمام تقي الدين الفاسي([246])  في ضبطه لمواضع من حدود الحرم الشريف
للإمام الفاسي جهود كبيرة فيما يتعلق بموضوع الحرم، تتضح من إفراده بابا خاصا في كتابه "شفاء الغرام" عنوانه "ذكر حرم مكة، وسبب تحريمه، وتحديده، وعلاماته، وحدوده، وما يتعلق بذلك من ضبط ألفاظ في حدوده، ومعنى بعض أسمائها"، ويقع هذا الباب في إحدى عشرة صفحة([247])، وقد بلغت مباحثه سبعة.
ونرى أن الفاسي إنما عنى بلفظة (حدود الحرم) مداخل مكة فقط، متبعا في ذلك الإمامين الأزرقي والفاكهي، وقد خصص المباحث الأربعة الأخيرة لضبط مسافات هذه المداخل عن المسجد الحرام، لكنه حذف من هذه المداخل مدخلين، ذكرهما الفاكهي والأزرقي، وذلك لأنه لم يعرف موضعي هذين المدخلين، وسنرى من خلال استعراضنا لهذه المباحث السبعة عند الفاسي الجهود التي بذلها في هذا المضمار.
1- بدأ الفاسي المبحث الأول وهو (ذكر الحرم، وسبب تحريمه) بتعريف لحرم مكة، فقال: "أما حرم مكة فهو ما أحاط بها وأطاف بها من جوانبها" ثم قال بعد ذلك: "جعل الله حكمه حكمها في الحرمة تشريفا لها"؛ وأما سبب التحريم فأجمله في ثلاثة أقوال، نسبها إلى أصحابها.
2- وأما المبحث الثاني، وهو (ذكر علامات الحرم) فاستهلّه بقوله: "وهي أعلام مبنيّة في جميع جوانبه، خلا حدّه من جهة جدّة([248])، وجهة الجعرانة، فإنه ليس فيها أعلام([249])"أهـ؛ وهكذا فإنه ترسّخ في ذهن الفاسي- رحمه الله- أن علامات حدود الحرم هي الأعلام المبنية على الطرق المؤدية إلى مكة لا غير، أما الأعلام التي على رؤوس الجبال المحيطة بالحرم، فلم يتعرض لها، ولا أشار إليها لا من قريب ولا من بعيد. وفي هذا المبحث تعرّض لشيء من تاريخ هذه الأعلام في كلام موجز.
3- أما المبحث الثالث وهو (ذكر حدود الحرم وضبط ألفاظ فيها). فقد نقل في أوله أن الأزرقي ذكر حدود الحرم من جهاته الست، وأن غير الأزرقي ذكر هذه الحدود أيضا، لكنه خالف الأزرقي في مقدار المسافة، ثم قال: "وقد تلخص لي مما رأيته في حدود الحرم أن جميع حدوده مختلف فيها على ما سنبينه"أهـ.
ومرة أخرى نعرف أن لفظة (حدود الحرم) إذا أطلقت فالمراد بها "المداخل الستة، أو الأربعة لمكة المكرمة"([250]) وهذه المسألة قد ترسخت في أذهان الفقهاء الذين عالجوا هذا الموضوع؛ ثم بدأ الفاسي في ذكر  الحدود من الجهات الست حدّا حدّا، وبيّن ما وقف هو عليه من أقوال العلماء في مقدار كل حد.
قال رحمه الله: "فأما حدّه من جهة الطائف على طريق عرفة، من بطن نمرة، ففيه أربعة أقوال: نحو ثمانية عشر ميلا، على ما ذكره أبو الوليد الباجي، وأحد عشر ميلا، على ما ذكره الأزرقي والفاكهي وأبو القاسم عبيدالله بن عبدالله بن خرداذبه الخراساني في كتاب "المسالك والممالك"؛ والمحب الطبري نقلا عن الأزرقي، وسليمان ابن خليل([251])، إلا أنه ذكره بصيغة التمريض، وتسعة أميال، بتقديم التاء، على ما ذكره شيخ المذهب أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني في كتاب: "النوادر"، وسليمان بن خليل، وصدّر به كلامه، والمحب الطبري بعد أن حكى ما ذكره الأزرقي، وسبعة أميال بتقديم السين على الباء على ما ذكره الماوردي في "الأحكام السلطانية" له، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في: "مهذبه"، والنووي في "إيضاحه وفي تهذيب الأسماء واللغات" له([252])ا.هـ.
قلت: هذه أقوال عشرة من علماء الأمة، ذكرتهم هنا، ولكل منهم مؤلف معروف، وذكر النووي كتابين هنا، وبذلك يكون قد اعتمد على (أحد عشر) مصدرا في تحرير أقوال الأئمة المختلفة في هذا الحدّ.
وهكذا فعل في حد الحرم من جهة العراق، فقال: "وأما حدّه من جهة العراق ففيه أربعة أقوال: سبعة أميال- بتقديم السين- على ما ذكره الأزرقي([253])، وثمانية أميال على ما ذكره ابن أبي زيد المالكي في النوادر، وعشرة أميال على ما ذكره سليمان بن خليل، وستة أميال على ما ذكره أبو القاسم بن خرداذبه "اهـ.
ثم أخذ في ضبط موضع الحد هنا وهو (ثنية خلّ).
وبعد هذا قال: "وأما حدّه من جهة الجعرانة، ففيه قولان: الأول: تسعة أميال، بتقديم التاء، كما ذكره الأزرقي([254])، واثنا عشر ميلا على ما ذكره ابن خليل، وحكايته لهذا القول بصيغة التمريض بعد ذكره للقول السابق"اهـ.
ثم أخذ في ضبط لفظة (الجعرانة) وبعدها قال: "وحد الحرم من هذه الجهة لا يعرف موضعه الآن، إلا أن بعض أعراب مكة زعم أنه في مقدار نصف طريق الجعرانة وسئل عن سبب معرفته لذلك([255])، فقال: إن الموضع المشهور الذي أشار إليه في محاذاة أعلام الحرم من جهة نخلة، وهي جهة العراق، والله أعلم بصحة ذلك"([256])اهـ.
ثم بعد ذلك انتقل إلى حد الحرم من جهة التنعيم، فنقل فيه أربعة أقوال: ثلاثة أميال، قاله الأزرقي، وابن خرداذبه، والماوردى، وصاحب المهذب، وغيرهم([257])، ونحو أربعة أميال: ونسبه لابن أبي زيد في "النوادر"، وأربعة أميال: ونسبه للفاكهي وخمسة أميال: ونسبه للباجي، ثم قال: "وفي هذا القول نظر، وكذا في القول الذي ذكره الفاكهي، والقول الذي ذكره ابن أبي زيد"اهـ.
ثم ذكر بعد ذلك حد الحرم من جهة جدّة، وقال: "فيه قولان: عشرة أميال على ما ذكره الأزرقي وابن أبي زيد([258])، ونحو ثمانية عشر ميلا على ما ذكر الباجي" اهـ.
ثم ذكر الاختلاف في دخول الحديبية في الحرم، وتعرّض لذكر منطقة الأعشاش، ومعناها، ثم قال: "وهي والأعشاش لا يعرفان اليوم([259])، ويقال إن الحديبية هي البئر التي تعرف بـ (بئر شميسى) في طريق جدّة، والله أعلم بالصواب.."اهـ.
ثم ذكر بعد ذلك حد الحرم من جهة اليمن، وذكر أن فيه قولين:
الأول: سبعة أميال، ونسبه للأزرقي، وابن أبي زيد، وابن خليل.
الثاني: ستة أميال، قاله المحب الطبري في "القرى"([260]).
ثم ذكر (أضاة لبن) وبيّن معناها، وماذا تسمى في زمانه، وضبط لفظة (لبن).
ثم قال بعد ذلك (هذا ما رأيته للناس في حدود الحرم بالأميال).
ثم ذكر قولا غريبا، قاله القاضي شمس الدين السروجي الحنفي في حدود الحرم، استبعده وأهمله لمخالفته للواقع.
وإلى هنا ينتهي استعراض الفاسي لأقوال العلماء في المسافات بين مداخل الحرم الستة والمسجد الحرام، وأنت ترى أنه حرّر هذه الأقوال، ونسبها إلى قائليها.
وبعد هذا التحرير الجيّد لاختلاف العلماء في هذه المسافات، قال: وقد اعتبرت، أي: قست ما قاله الناس في تحديد الحرم من جميع جهاته المعروفة الآن، وهي:
(جهة الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة، وطريق العراق، وطريق التنعيم، وطريق اليمن).
ثم بين بأي آلة قاس هذه المسافات، فقال: "وكان اعتبارنا لذلك بحبل مقدّر على الذراع المعتبر في أميال مسافة القصر، وهو ذراع اليد على ما ذكره المحب الطبري في شرحه للتنبيه "وذكر أن مقداره أربعة وعشرون إصبعا، كل إصبع ست شعيرات مضمومة بعضها إلى بعض" انتهى.
كذا وجدت بخطه، وأشار إلى ذلك النووي في "تحرير التنبيه وغلّط النووي القلعي في قوله: إن الإصبع ثلاث شعيرات؛ ومقدار الذراع المشار إليه من ذراع الحديد المستعمل في القماش بمصر ومكة الآن: ذراع إلا ثمن ذراع، هكذا اعتبره جماعة من أصحابنا بذراع أيديهم ثم اعتبروا ذلك بشعير معتدل مرصوص، فجاء كما قال المحبّ الطبري ومن وافقه، وكان اعتبارهم لذلك بحضوري"أهـ.
وبهذا يكون الفاسي قد أوضح لنا عدة أمور، منها:
1- أن الحبل الذي استعمله في قياساته حبل رسمي، قد قدّر عليه مقدار الذراع الشرعي الذي تقاس به مسافات القصر.
2- مقدار الذراع الشرعي هذا، وهو ذراع اليد لا ذراع الحديد.
3- أجزاء ذراع اليد، وهي (24) إصبعا.
4- أجزاء الإصبع، وهي ست شعيرات.
5- أنه في زمانه كان هناك وحدة قياس أخرى غير ذراع اليد، هذه الوحدة هي (ذراع الحديد) المستعمل في ذرع القماش.
6- أن ذراع اليد ينقص عن ذراع الحديد (ثمن ذراع).
وبهذا قد وضّحتُ الصورة أمام القارئ في وحدة القياس التي استعملها بنفسه في قياس المسافات المطلوبة، وفي أثناء ذكره للمسافات التي قاسها، نبّه إلى شيء مهم، وهو مقدار (الميل) الذي سبق ذكره في مسافات الحرم، لأن الاختلاف في مقدار الميل اختلاف كبير أيضا، فمنهم من  يجعله (2000) ألفي ذراع؛ ومنهم من يجعله (3500) ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع؛ ومنهم من يجعله (4000) أربعة آلاف ذراع؛ ومنهم من يجعله (6000) ستة آلاف ذراع، وقد رجّح أن مقدار الميل الذي يطلقه العلماء في مسافات حدود الحرم (3500) ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، لكونه غالبا أقرب إلى موافقة المشهور في  قدر هذه المسافات.
أما إذا اعتبر على الأقوال الأخرى فهو مشكل جدا، لكثرة الزيادة وكثرة النقص على المشهور في قدر تلك المسافات.
وبذلك أبان لنا عن وحدة القياس (وهو ذراع اليد وأجزاؤه ومضاعفاته)، على النحو التالي:
الميل = 3500  (ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع).
الذراع = 24 (أربعة وعشرون إصبعا).
الإصبع = 6 (ست شعيرات).
قياس الفاسي لمداخل الحرم
سجل لنا الفاسي نتائج قياساته لمداخل الحرم إلى المسجد الحرام، كما يأتي:
أولا: جهة الطائف على طريق عرفة، من بطن نمرة، فقال: "من جدار باب بني شيبة، إلى العلمين اللذين هما علامة لحد الحرم من جهة عرفة: سبعة- بتقديم السين- وثلاثون ألف ذراع، وعشرة أذرع، وسبعا ذراع بذراع اليد؛ يكون ذلك: عشرة أميال، وثلاثة أخماس ميل، وخمس سبع عشر ميل، يزيد سبعي ذراع، هذا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع، وهو الذي ينبغي أن يعتبر في حدود الحرم" أهـ.
وأنت ترى هنا أنه قد جاء بقول خامس في مقدار هذا الحد، حيث سبق أن ذكر فيه أربعة أقوال وهي (18) و(11) و(9) و(7) أميال، ولم يقل منهم أحد إنه (10) أميال، فما جواب الفاسي على هذا الإشكال؟ يقول : "إنّ الزيادة والنقص يكونان في الغالب شيئا يسيرا، وربما كان ذلك لشدّ الحبل المقيس به وإرخائه، أو لأجل ارتفاع الأرض وانخفاضها أو لأجل اعتبار غيرنا لذلك من موضع غير الموضع الذي اعتبرنا منه" اهـ، أي اختلاف نقطة البداية في القياس.
وهذا الجواب مقبول، وبإمكانه أن يجيب أيضا: أن واحدا من أولئك الذين ذكروا مقدار مسافات حدود الحرم، لم يذكر كسرا مع أي من الحدود، فإن تصوّرنا أن في أحد الحدود الستة جاء الرقم صحيحا غير منكسر، فلا نتصور أن هذا الرقم غير منكسر في جميع الحدود الأخرى؛ إذن هم أهملوا الكسور، فإن كان الكسر كثيرا جبروه، وإن كان قليلا حذفوه.
ولم يذكر كسور الأميال والأذرعة إلا الفاسي، وهذا من دقته- رحمه الله- في هذا الأمر، وشدة تحرّيه في الوصول إلى أصدق النتائج وأقربها للواقع.
ومن دقَّته في ذلك أنه قام بقياس هذا الحد مرّة أخرى، إذ إنه في المرة الأولى قد ابتدأ من (باب بني شيبة)، لكنه في الثانية ابتدأ من (باب المعلاة) وهاك ما قاله (ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين اللذين هما حدّ الحرم من هذه الجهة: خمسة وثلاثون ألف ذراع، وثلاثة وثمانون ذراعا، وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد، يكون ذلك على القول بأن الميل ثلاثة آلاف ذراع، وخمسمائة ذراع: عشرة أميال وسبع سبع ميل، وخمس سبع عشر ميل، وخمس خمس سبع عشر ميل) اهـ.
فتأمل هذه الأرقام، وهذه الكسور، لتعرف أن هذا الرجل قد اعتبر أن الأمر أمانة في عنقه يجب أن يؤديها بكامل ما يستطيع من دقة.
ثم بعد ذلك بدأ يأخذ الأقوال الأربعة السابقة في مقدار الحدّ، ويزن كل قول بميران، علّه يجد له مخرجا مقبولا؛ فإنه يأخذ القول الأول: ويحول الميل على أنه (3500) ذراع، فإن كانت النتيجة مقاربة، فبها، وإلا فإنه يحوله على أن الميل (2000) ذراع، أو (4000) ذراع، أو (6000) ذراع؛ حتى يوجّه كل قول ذكره، ويجد له مخرجا مقبولا؛ فإن لم يجد له المخرج المقبول ردّه، وخطّأ صاحبه.
وتجد في هذا عند الفاسي نموذج العالم الفقيه الذي يحترم أقوال سابقيه من أهل العلم، ويحــاول أن يدلّل بنفســـه على أقوالهم، ويوجهها التوجيه المقبــول، فإن لم يجد بدا من ردّ القول، ردّه بكل أدب واحترام، معتذرا لصاحبه بأي عذر جميل مستساغ.
ثانيا: يحسن هنا أن أنقل ما قاله في  تحديده للحرم من جهة العراق، لأنه نموذج جيّد لما قدمناه، حيث يقول:
"من جدار باب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة حدّ الحرم في طريق العراق، وهما العلمان اللذان بجادّة وادي نخلة: سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع، واثنان وخمسون ذراعا باليد، يكون ذلك أميالا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع: سبعة أميال- بتقديم السين- وخمسة أسباع ميل، وثلاثة أسباع عشر ميل يزيد ذراعين، ومن عتبة باب المعلاة، إلى العلمين المشار إليهما: خمسة وعشرون ألف ذراع، وخمسة وعشرون ذراعا باليد؛ ويكون ذلك أميالا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع: سبعة أميال- بتقديم السين- وسبع ميل، ونصف سبع عشر ميل. وما ذكره الأزرقي في  مقدار الحرم من هذه الجهة يمكن أن يتمشّى على اعتبار المسافة من باب المعلاة، للزيادة اليسيرة على السبعة الأميال في اعتبار المسافة من باب المعلاة؛ وما ذكره ابن أبي زيد في كون مقدار الحرم من هذه الجهة ثمانية أميال يمكن أن يتخرّج على اعتبار المسافة من باب بني شيبة، للنقص اليسير عن الثمانية الأميال في اعتبار المسافة من باب بني شيبة؛ ويبعد تخريج ما ذكره ابن خرداذبه في أن مقدار الحرم من هذه الجهة ستة أميال، وأبعد من ذلك ما ذكره سليمان بن خليل في أن مقدار الحرم من هذه الجهة عشرة أميال، والله أعلم" اهـ
وهكذا وجّه قولين، وردّ قولين، لنعلم أن الفاسي من أهل الاجتهاد والتحقيق فيما يتعلق بالتأريخ المكّي، وليس ساردا لأقوال العلماء فقط.
ثالثا: وأما من جهة (التنعيم) فقاس المسافة قياسين أيضا:
1- "من جدار باب المسجد الحرام المعروف بـ (باب العمرة) إلى أعلام الحرم في هذه الجهة، التي في الأرض لا التي على الجبل: (12420) اثنا عشر ألفا وأربعمائة وعشرون ذراعا بذراع اليد، وتساوي بالأميال: ثلاثة أميال وخمسي ميل، وخمس خمس سبع ميل".
2- "من عتبة باب الشبيكة- أي ريع الرسّام اليوم- إلى الأعلام المشار إليها (10812) عشرة آلاف وثمانمائة واثنا عشر ذراعا، تكون بالأميال: ثلاثة أميال، وثلاثة أخماس سبع ميل، وخمس عشر ميل وسبع عشر ميل".
رابعا: أما من جهة اليمن، فقاسه مرتين، مرة من المسجد الحرام من باب إبراهيم إلى علامة حد الحرم في هذه الجهة فكانت (24509) أربعة وعشرين ألف ذراع وخمسمائة وتسعة أذرع، وأربعة أسباع الذراع، تساوي بالأميال: سبعة أميال تزيد سبعة أذرع، وأربعة أسباع الذراع، ومرة أخرى من عتبة  (باب الماجن) إلى حد الحرم من هذه الجهة فكانت (22876) اثنين وعشرين ألف ذراع وثمانمائة وستة وسبعين ذراعا؛ وأربعة أسباع الذراع، تكون بالأميال: ستة أميال ونصف ميل، وربع سبع ميل، تزيد ذراعا، وأربعة أسباع الذراع.
وبهذا يكون الفاسي قد انتهى من مهمته هذه التي أجهد نفسه فيها، وضبط تلك المسافات بدقة- رحمه الله- ثم قال في النهاية: "وقد حررّنا مقدار الحرم من جميع جهاته الأربع المعروفة على مقتضى الأقوال الأربعة في مقدار الميل، وذكرنا ذلك في (أصل هذا الكتاب)([261]) واقتصرنا في (هذا الكتاب) على ذكر ذلك على القول بأن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، لرجحانه وطلبا للاختصار"أهـ. 
وختم الفاسي هذا المبحث بنقل أبيات تنظم مقدار مسافات الحرم من جهاته الست، ونسبها لقائلها، ثم أنهى الباب بذكر فائدة نقلها من كتاب: "المسالك والممالك" في محيط الحرم، ومقداره (27) ميلا تدور بأنصاب الحرم([262])، وقال "هي فائدة حسنة إن صحّت، والله أعلم بحقيقة ذلك". اهـ.
جهود الصباغ المكي([263]) في ضبطه لمواضع من حدود الحرم الشريف
للصباغ المكي اهتمام كبير بتاريخ مكة، وقد توسع كثيرا في نقوله واستيفائه لموضوع حدود الحرم المكي الشريف، فنقل نقول العلماء الأوائل في هذا الموضوع، ومنهم الأزرقي، والفاكهي، وأبو الوليد الباجي، والماوردي، والفاسي، وغيرهم، ثم زاد عليهم تعليقات وتحقيقات، وقد رأيت نقل هذا النص الذي ذكره الصباغ في كتابه: "تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام والمشاعر العظام ومكة والحرم وولاتها الفخام" عن حدود الحرم: "وحّده من جهة المدينة: أربعة أميال، والمبدأ: من الكعبة، والانتهاء: مسجد عائشة، ومن جهة العراق: ثمانية أميال للمقطع، ومن جهة عرفة: تسعة أميال إلى حد عرفة، ومن جهة الجعرانة: تسعة أميال إلى شعب عبدالله بن خالد، ومن جهة جدة: عشرة أميال إلى آخر الحديبية، فهي داخلة بخلاف الغايات السابقة، ومن جهة اليمن: سبعة أميال- بتقديم السين- إلى أضاة لبن"([264]).
ثم أضاف في غير موضع قوله: "أما حدود الحرم ففي شفاء الغرام: حده من جهة عرفة من بطن نمرة، اختلف فيه نحو ثمانية عشر ميلا على ما قاله القاضي أبو الوليد الباجي، وأحد عشر ميلا على ما ذكره الفاكهي والأزرقي، وتسعة أميال- بتقديم التاء- على ما ذكره ابن أبي زيد، وسبعة على ما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية، ثم اعلم أنهم اختلفوا في قدر الميل، قيل: ألف ذراع، وهو قول ابن حبيب، ووقع في بعض نسخ ابن الحاجب تشهيره، وقيل ثلاثة آلاف وخمسمائة، وهو أصح ما قيل على ما ذكره ابن عبد البر، وهو الذي درج عليه الفاسي في شفاء الغرام في تحرير الميل، وقبل أربعة، وهذا هو الذي يعتمده أهل الحساب، وعليه أكثر الناس على ما قاله الباجي، وقيل منه، وهو قول الأصمعي، وعليه جمع من الشافعية، إذا علمت هذا فحد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن نمرة على ما حرره الفاسي بالذراع والميل، فمن باب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة حد الحرم من جهة عرفة سبعة وثلاثون ألف ذراع ومائتا ذراع وعشرة أذرع وسبع ذراع بذراع اليد، يكون ذلك أميالا عشرة وثلاثة أخماس ميل وخمس سبع ميل، وخمس سبع عشر ميل، يزيد بسبع ذراع، هذا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، وهو الذي ينبغي أن يعتبر في حدود الحرم لكونه غالبا أقرب إلى موافقة ما هو المشهور
ومن عتبة المعلا إلى العلمين اللذين هما علامة لحد الحرم من هذه الجهة خمسة وثلاثون ألف ذراع وثلاثة وثمانون ذراعا وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد يكون ذلك عشرة أميال وسبع سبع ميل وخمس سبع عشر ميل وخمس خمس سبع عشر ميل، ومقدار ما بين العلمين اللذين هما حد الحرم، والجدر القبلي من مسجد عرفة ألف ذراع وسبعمائة- بتقديم السين- وثلاثة أذرع بذراع الحديد، يكون بذراع اليد ألف ذراع وتسعمائة ذراع وأربعين ذراع، ومكتوب في العلمين اللذين هما حد الحرم: اللهم أيد بالنصر والظفر عبدك الشاكر يوسف بن عمر فهو الآمر بتجديد هذا العلم الفاصل بين الحل والحرم، وأن ذلك في سنة ثلاثة وثمانين وستمائة، ويوسف هو الملك المظفر صاحب اليمن، وما بين مكة ومنى ثلاثة عشر ألف ذراع وثلاثمائة ذراع وثمانية وستون ذراعا، وذلك من جدار باب بني شيبة إلى طرف العقبة التي هي حد منى من أعلاها، ومقدار ما بين منى والعلمين المشار إليهما ثلاثة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع واثنان وأربعون ذراعا وسبع ذراع، وذلك من طرف العقبة إلى الأميال المشار إليها.
وحده من جهة العراق: أربعة أقوال: سبعة على ما ذكره الأزرقي، وثمانية على ما ذكره ابن أبي زيد في النوادر، وعشرة على ما ذكره سليمان بن خليل، وستة على ما ذكره أبو القاسم ابن خردذابه.
وأما ما حرر الفاسي بالذراع والأميال ونصه: أما من جهة العراق فمن جدار باب بني شيبة إلى العَلَمين اللذين هما علامة على حد الحرم من هذه الجهة وهما العَلَمان اللذان بجادة وادي نخلة سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع واثنان وخمسون ذراعا باليد، يكون ذلك أميالا سبعة- بتقديم السين- وخمسة أسباع ميل وثلاثة أسباع عشر ميل يزيد ذراعين، ومن عتبة باب المعلا إلى العلمين المشار إليهما خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذراعا باليد، يكون ذلك أميالا سبعة- بتقديم السين- وسبع ميل ونصف سبع عشر ميل.
وحدّه من جهة التنعيم: أربعة أقوال: ثلاثة على ما ذكره الأزرقي، ونحو أربعة على ما ذكره ابن أبي زيد، وأربعة على ما قاله الفاكهي، وخمسة على ما ذكره أبو الوليد الباجي.
وأما ما حرره الفاسي بالذراع والأميال، ونصه: من جهة التنعيم، فمن جدار المسجد الحرام المعروف بـ "باب العمرة" إلى الأعلام التي هي علامة حد الحرم اثنا عشر ألف ذراع وأربعمائة ذراع وعشرون ذراعا بذراع اليد، يكون ذلك ثلاثة أميال وخمس ميل وسبع ميل وخمس خمس سبع ميل، ومن عتبة باب الشبيكة إلى الأعلام المشار إليها عشرة آلاف وثمانمائة واثنا عشر ذراعا، يكون ذلك أميالا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة: ثلاثة أميال وثلاثة أخماس سبع ميل وخمس عشر ميل وسبع عشر عشر ميل.
وحدّه من جهة اليمن ففيه قولان: سبعة على ما ذكره الأزرقي وابن أبي زيد، على ما وجد بخط المحب الطبري، وعلى ما حرر الفاسي من هذه الجهة بالذراع والأميال، ونصه: فمن جدار باب إبراهيم إلى علامة جدر الحرم في هذه الجهة أربعة وعشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع- بتقديم التاء- وأربعة أسباع ذراع، يكون ذلك أميالا على القول بأن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع سبعة أميال يزيد تسعة أذرع وأربعة أسباع ذراع.
ومن عتبة باب مكة المعروفة بـ "باب الماجن" إلى حد الحرم في هذه الجهة: اثنان وعشرون ألف ذراع وثمانمائة ذراع وتسعة وسبعون ذراعا- بتقديم السين- وأربعة أسباع ذراع، ومقدار ذلك أميالا ستة أميال ونصف ميل، وسبع سبع ميل يزيد ذراعا، وأربعة أسباع ذراع.
وحدّه من جهة جدة قولان: عشرة على ما ذكره الأزرقي، وابن أبي زيد، ونحو ثمانية عشر ميلا على ما ذكره الباجي، ومنتهاها حد الحرم من جهة جدة، كما نقل ابن أبي زيد في النوادر، وذكره الأزرقي: أن منتهى الحرم من هذه الجهة مقطع الأعشاش، بعضها في الحل، وبعضها في الحرم، وكذا الحديبية، على ما قاله الشافعي وابن القصار.
وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: إنها في طرف الحل، وقال مالك: إنها في الحرم، وهي الأعشاش لا يعرفان اليوم، قاله الفاسي، ويقال إن الحديبية مع البئر التي تعرف بـ "بئر الشميسى" قال الفاسي: وفى هذه الجهة لم تكن أميالا.
قلت: قد جدد في هذه الجهة أميال في سنة ألف ومائتين واثنتين وستين في دولة السلطان عبدالمجيد خان، وذلك في أيام نائب السلطنة بمكة سيدنا الشريف محمد بن عون، وشريف باشا شيخ الحرم، وقد أخبرني المعلم عطية مهندس مكة أنهم حين أرادوا بناء هذه الأعلام أخذوا في الذرع من مكة إلى أن انتهوا إلى المحل الذي به الآن، فوجدوا أثر بناء يدل على أن هذا المحل هو محل أعلام، وأخبرهم رجل من خزاعة قد كبر في السن أنه رأى بهذا المكان أثر بناء ظاهر، ولم يعلم ما هو، فشرعوا في البناء في ذلك المحل بعد التحرير.
هذا ما أخبرني به المعلم بعد صلاة العصر بالمسجد الحرام لخمس مضين من شوال سنة ألـف ومائتين وثلاث وثمانين، وبئر بجانبها على يسار الذاهب إلى جده، ولم أعلم هل كان ثم أعلام قبل هذه، أو بنيت بالتحرز والقياس على حد الحرم، لأن مثل هذا الأمر لا يكون إلا عن تثبت.
وحدّه من جهة الجعرانة، قولان: تسعة على ما ذكره الأزرقي، واثنا عشر ميلا على ما ذكره ابن خليل، وذكر الأزرقي أن حدّه في هذه الجهة إلى شعب آل خالد، قال الفاسي: وحد الحرم في هذه الجهة لا يعرف محله الآن، إلا أن بعض أعراب مكة زعم أنه في مقدار نصف الجعرانة، فسئل عن ذلك، قال: إن الموضع الذي أشار إليه في محاذاة أعلام الحرم من جهة نخلة"([265]).
تقييم الجهود المبذولة في تحرير المسافات بين الحرم والأعلام المحيطة به بعد الفاسي والصباغ
لم أقف على شيء في هذا الجانب، وقد بحثت في الكتب المؤلفة بعد الفاسي إلى زمن ابن الصباغ والذي يقارب خمسمائة سنة، ومن زمن ابن الصباغ إلى عصرنا الحاضر، وهو ما يقرب من مائة عام، فلم أرجع بما يروي الغلّة، أو يشفي العلة.
وكل الذي رأيته فيما يتعلق بهذا الأمر، هو الأسطر التي كتبها إبراهيم رفعت في كتابه (مرآة الحرمين)([266]) حيث نقل بإيجاز النتائج التي توصل إليها الفاسي في قياسات حدود الحرم، من جهاته الأربع، ثم ذكرها بالأمتار، حيث توصل إلى أن ذراع اليد هو (49) سم.
ثم قال: "دائرة الحرم، وقد نصبت عليها الأعلام في جهاتها الأربع، وقد ذكر المسافات بينها وبين المسجد الحرام" التقي الفاسي في كتابه: شفاء الغرام؛ ونحن نذكرها نقلا عنه، مبيّنين مقدارها بالأمتار.
فحد الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن عرنة (37020 ذراعا) وسبعي ذراع بذراع اليد، أي (18333) مترا، وذلك من جدر باب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما لحد الحرم من جهة عرفة.
وحدّه من جهة العراق، من جدر باب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة لحد الحرم من طريق العراق، واللذين هما بمحاذاة وادي نخلة (27252) ذراعا، بذراع اليد، وتعادل (13353,5) مترا.
وحدّه من جهة التنعيم، وهي طريق المدينة، وما يليها (12420) ذراعا بذراع اليد أي (6148) مترا، وذلك من جدر باب العمرة إلى أعلام الحرم التي في الأرض من هذه الجهة لا التي على الجبل.
وحدّ الحرم من جهة اليمن، من جدر باب إبراهيم، إلى علامة حد الحرم في هذه الجهة (24509 أذرع)  وأربعة أسباع الذراع، بذراع اليد، ويعادل ذلك (12009,75) مترا. أهـ.
هذا ما وجدته من اهتمام العلماء بهذا الأمر بعد الفاسي، وما ذكره إبراهيم رفعت، لا يخلو من فائدة، حيث ترجم تلك المسافات إلى وحدات قياس متعارف عليها اليوم، وقد ختم مبحثه هذا بقوله في الهامش: "لم نعثر على تأريخ الأعلام بعد ذلك مع شدة حرصنا على الوقوف عليه" أهـ.
وبهذا نختم هذا الفصل عن جهود العلماء المسلمين في ضبط مواضع الحرم الشريف.
كما نقل الإصطخري المعروف بالكرخي نقلا مبسطا لا يفي بما نبغي، وهو قوله: "وعلى الحرم كله منار مضروب يتميز به من غيره"([267]).
قبائل مكة وعلاقاتها بالحدّ والحرم
يتساءل الكثيرون عن سبب بُعْد وقُرب حد الحرم عن الكعبة المشرفة، وهل لذلك تعليل عقلي يمكن الاستناد إليه في تعرّجات هذا الحدّ؟
والذي يظهر لي من خلال دراستي لتاريخ مكّة المكرّمة، وأقوال الفقهاء، ووقوفي الميداني على هذه التعرّجات، القريب منها والبعيد ما يلي:
إن مكّة المكرّمة قد حرمها الله يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، ويدل على ذلك الحديث الذي أخرجه ابن ماجة، عن صفية بنت شيبة، قالت: سمعت رسول الله r يخطب عام الفتح، فقال: "يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد..." إلى آخر الحديث([268]).
ومن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي r قال: "وضع الله تبارك وتعالى لآدم صفا من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من سكان الأرض وسكانها يومئذ الجن، فالملائكة يذودونهم عنه، لا يجيز منهم شيء، وهم وقوف على أطراف الحرم حيث أعلامه اليوم، مُحْدقون به من كل جانب، ولذلك سمي الحرم، لأنهم كانوا يحوزون فيما بينهم وبينه"([269]).
وقد أشار إلى هذا القول ابن الجوزي عند ذكره لحدود الحرم وأول من نصبها([270]).
ومن هذا يظهر أن حدود الحرم وجدت قبل وجود القبائل، فقد وجدت حين أنزل آدم عليه السلام إلى الأرض.
وأعلام الحرم وجدت في عهد إبراهيم عليه السلام، وهو أول من وضعها بدلالة جبريل عليه السلام، مثلها في ذلك مثل موضع البيت العتيـق، إذ كان مطمورا مدفونا بعد طوفان نوح عليه السلام، لا يعلم موضعه أحد من البشر، حتى دل الله عليه إبراهيم عليه السلام وبوأ له([271]) مكانه، فحفر قواعده وبناه من جديد.
فكذلك شأن الأعلام، لم يكن أحد من البشر يعلم موضعها حتى دل الله إبراهيم عليه السلام عليها، فجعل على مواضعها رضما من الحجارة على الجبال والثنايا المطيفة بأرض الحرم.
ومن المعلوم أن إبراهيم عليه السلام عندما جاء إلى مكة المكرمة، جاءها وهي أرض قفر لا زرع فيها ولا ماء، فهي غير صالحة لسكني البشر إذ ليس فيها من مقومات الحياة ما يساعد على سـكناها، وهذا معلوم من نصوص القرآن الكريم: (رَبَّنَا إنّي أَسْكَنْتُ منْ ذُريَّتي بَوادٍ غَيْر ذي زَرْع عنْدَ بَيتكَ المُحَرَّم رَبَّنَا ليُقيمُواْ الصَّلاةَ فَاجعَل أَفئدَة منَ النَّـاس تَهوي إلَيهم وَارزُقهُـم منَ الثَّمَرَات لَعَلَّهُم يَشـكُرُونَ)([272]).
والمقصود بذريته هنا زوجته هاجر وابنه إسماعيل، فقد أسكنهما في وادٍ غير ذي زرع عند بيت الله الحرام، وقد فجر الله سبحانه وتعالى زمزم، وما كان من قصة بناء البيت؛ كما ذكر من قول الله جل شأنه، وتواتر النقل بذلك عند المؤرّخين من ذكر تفاصيل ذلك.
ثم بعد خروج زمزم، كان يسكنها عدد قليل من الناس، ثم توارد الناس إلى البلد الحرام، وسكنت قبيلة جرهـــم وحدها أرض الحـــرم، ثم بعد جــرهم خزاعة وقد حكمت مكة المكرمة، وتولت حجابة البيت حتى أخذها قصي بن كلاب من قريش([273]).
وفي فترة من فترات التاريخ الحديث نزحت بعض القبائل الحجازية التي لم تكن أصلا ممن يقطن مكة المكرمة فحلت محل بعض القبائل القديمة، ورحلت هذه إلى أماكن أخرى بحكم وجود الكلأ والعشب للماشية.
وقد سكنت القبائل بالقرب من حدود الحرم على النحو التالي:
الحد الشرقي: مساكن قبائل قريش.
الحد الغربي : مساكن قبائل لحيان.
الحد الشمالي: مساكن قبائل لحيان ونزلت عليهم في بعض المواقع الآن قبائل حرب.
الحد الجنوبي: مساكن قبائل خزاعة
ومن دراستنا للمصادر التي أرّخت لذلك تبَّين لنا أنه كان يستفاد أحيانا من هذه القبائل في إعادة بناء وترميم وتجديد أعلام الحرم الواقعة في جهتها، لسابق معرفتهم بوضع الأعلام وأماكنها.
ومما تقدم يتضح أن القبائل لم تسكن الحرم، ولا الأماكن الواقعة على حدوده إلا بعد وضع أعلام الحرم بزمن طويل، إذ هي قبائل رحّل، فلا علاقة لها بتحديد الحدود، بل كان لهم علاقة بالتجديد والترميم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وأما عن الحكمة في أن بعض حدود الحرم تقرب من الكعبة المشرفة، وبعضها تبعد، فإن واقع الحرم من خلال المشاهدة والدراسة والوقوف الميداني، هو أن المداخل التي تحدق بها الجبال الشامخة وتضيق مداخلها يكون حدها قريبا إلى الكعبة مثل (التنعيم)، فهي منطقة أكثر جبالها متصلة بعضها ببعض وشاهقة في الارتفاع ومترابطة ببعضها، فهذا أقرب المداخل ولا يزيد اتساعه على (900م).
وأما أبعد حدود الحرم عن الكعبة، فهي منطقة (الأعشاش) التي تقع على طريق جدة القديم، والتي تسمى بـ (الحديبية) أو (الشميسي)، فإن الحد يبعد فيها عن الكعبة بحوالي عشرين كيلو مترا.
وعندما عدل الطريق قليلا إلى الغرب، ليخترق (حنك الغراب) المسمى الآن (أظلم) أصبح اثنين وعشرين كيلو مترا، وهذه المنطقة واسعة رملية، واتساعها يصل إلى سبعة كيلو مترات، وهي منطقة مكشوفة، لا جبال فيها ولا عوائق، وبها أعلام قائمة؛ فلذلك كان الحد فيها أبعد الحدود عن الكعبة المشرفة.
وبالنظر إلى مداخل مكة من واقع الخرائط المرفقة بهذا البحث يتبين مدى تطابق هذه النظرية (فكلما ضاق المدخل قرب الحد، وكلما اتسع المدخل بعد الحد)، تمشيا مع مظاهر السطح.
وكثير من الفقهاء يرون أن حدود الحرم من الأمور التوقيفية التي سبقت عهد النبوة، فلا يجوز مثلا أن نقول: إنه ينبغي أن نسير بخط مستقيم أو بخط مائل أو منكسر أو دائري، أو نحو ذلك.
وإنما الواجب تَتَبُّع حد الحرم حيث كان (قرب أو بعد عن الحرم)، حيث توضع الأعلام على مواضع الأعلام السابقة، والأمر في هذا لله وحده وليس للاجتهاد فيه نصيب.
ويدل على ذلك ما رواه الأزرقي([274]) بسنده إلى موسى بن عقبة، قال: "عدت قريش على أعلام الحرم فنزعتها، فاشتد ذلك على النبي r، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله r فقال: يا محمد اشتد عليك أن نزعت قريش أنصاب الحرم، قال: نعم قال: أما إنهم سيعيدونها قال: فرأى رجل من هذه القبيلة من قريش ومن هذه القبيلة حتى رأى ذلك عدة من قبائل قريش قائلا يقول: حرم كان أعزكم الله به، ومنعكم، فنزعتم أنصابه، الآن تخطفكم العرب "، فأصبحوا يتحدثون بذلك في مجالسهم، فأعادوها، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله r فقال: يا محمد قد أعادوها، قال: أفأصابوا يا جبريل؟ قال: ما وضعوا منها نصبا إلا بيد ملك".
وذلك يؤيد القول بأن حدود وأنصاب وأعلام الحرم من الأمور التوقيفية، ومن مشاهدتنا حين الوقوف الميداني أنهم يضعون الأعلام متبعين لمن سبقهم حيث كان موضع العلم، وكثيرا ما نلاحظ أنهم وضعوا الأعلام على النقطة القاسمة بين سيل الحل وسيل الحرم في الجبال والسهول.
الجهود التي بذلناها في تحرير المسافات بين الحرم، ومداخل مكة المكرمة ودائرة الحرم
لقد قمت بعد دراستي لأقوال الفقهاء ومؤرّخي مكة المكرمة في تحرير قدر مسافات مداخل مكة المكرمة ودائرة الحرم التي ذكرها ابن خُرْدَاذْبَهْ وتبعه في ذلك بعض العلماء.
وقد تبين لي من خلال حصري للأعلام المحيطة بالحرم من واقع وقوفي الميداني عليها أنها تبلغ (934 علما)، وجدت بعضها مبنيا وقائما سواء ما كان على مداخل مكة المكرمة، أو ما كان على جبالها؛ وبعض هذه الأعلام وجدتها متهدمة ولكن عليها أثر النورة([275])، إما لاصقة بأحجار العلم أو قد تخللتها.
وبعد اكتمال دورتي حول الحرم من نقاط الحدود تبين لي أن دائرة الحرم تبلغ مائة وسبعة وعشرين كيلو مترا، حيث بدأت هذه الدائرة من قرن الأعفر([276])، وانتهيت إليه بعد إتمام دائرة كاملة، كما قمت بقياس مساحة الحرم من واقع الخرائط الجوية فوجدتها خمسمائــة وخمسين كيلو مترا وثلاثمائة متر مربع، ونظرا لوعورة الطــرق التي تحيط بالحرم المكي الشريف، وخاصة في منطقة الحدود فقد استعنت بالصور والخرائط والمخططات الجوية من واقع القياسات الميدانية في تحديد المسافة التي تبلغها دائرة الحرم.
ثم بعد ذلك قمت بدراسة مداخل مكة المكرمة من واقع الطرق الموجودة الآن قديمها وحديثها.
فأما عن قديم الطرق فهي كما يلي:
1 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام منطقة التنعيم بلغت ستة كيلو مترات ومائة وخمسين مترا.
2 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام منطقة ثنية النقوى الموصلة للجعرانة: ثمانية عشر كيلو مترا.
3 - ومن جدار المسجد الحرام إلى أعلام منطقة ثنية خلّ (أو جبل المقطع) طريق الطائف نجد العراق السريع: اثنا عشر كيلو مترا وثمانمائة وخمسون مترا.
4 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام عرنة طريق الطائف القديم الملغي الآن: خمسة عشر كيلو مترا وأربعمائة متر.
5 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام طريق اليمن القديم: سبعة عشر كيلو مترا.
6 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام الحديبية (الشميسي) على طريق جدة القديم: عشرون كيلو مترا.
وأما الطرق الحديثة لمكة المكرمة فهي:
7 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام طريق جدة الذي يخترق حنك الغراب([277]) (أو ما يسمى أظلم الغربي): اثنان وعشرون كيلو مترا.
8 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام طريق الليث اليمن الجديد: سبعة عشر كيلو مترا.
9 - من جدار المسجد الحرام إلى أعلام طريق الطائف الهدا الجديد المار قرب قرن العابدية: خمسة عشر كيلو مترا ونصف كيلو متر.
وبعد: فما سردته من طرق كانت هي مداخل مكة المكرمة الآن، والحمد لله الذي وفقني إلى الوصول إلى هذه القياسات رابطا بين ما قرره قدامى مؤرخي مكة المكرمة وواقعها الآن.
وقد استعملت في تحرير هذه القياسات (المتر) الذي هو وحدة القياس الرسمية المتعارف عليها دوليا في تحديد وتحرير مسافات الطرق.
القواعد الإيضاحية لمواضع الحدود
أولا: إن مواضع أسماء الحدود تنقسم إلى أربعة أقسام هي:
1- أسماء لمسميات قديمة، وقد بقي الاسم فيها حتى الآن كما كان.
2- مسميات قديمة، ولكن تغير الاسم قليلا الآن، واشتق منه اسم آخر أسهل نطقا مثل (يأجج)([278])، تسمى الآن (ياج).
3- أسماء حديثة لأماكن لم نقف على مسمَّياتها القديمة، وقد أُثبتتْ في الخرائط الجوية لمكة المكرمة بأسمائها الحديثة.
4- مواضع ليس لها ذكر في الكتب، ولا في الخرائط، وهي مشهورة بهذا الاسم عند القاطنين بها، أو حواليها.
ثانيا: إن المسافات التي قمت بقياسها ما بين الأعلام هي مقاسات (تقريبية) لأقرب درجة ممكنة، وذلك لأنها تقع على أرض جبلية وعرة، ولاشك أن الارتفاع ثم الانخفاض لا يعطي المسافة الدقيقة، كما هو معلوم لدى الجغرافيين، حيث إني قسْتُ ما بين كل علم والعلم الآخر بالمتر الطولي، وحذفت كسور المتر لأن غالب الأعلام متهدمة، ولذلك فإن المقاسات تقريبية، قابلة للزيادة والنقصان، في حدود بسيطة، علاوة على أن المتر الطولي إذا قيست به الجبال، فإن الارتفاع والانخفاض في الأطوال يؤثر في المقدار الحقيقي للمتر، ولذا أحببت التنبيه إلى ذلك قبل البدء في هذا البحث.
أما مقاسات الأعلام المهمة، والتي لا تزال قائمة، فقد قمت بقياسها ارتفاعا وقطرا أو دائرة بقياسات دقيقة أخذتها من واقع طبيعة العمل.
ثالثا: أما صور الأعلام؛ فحيث إنها كثيرة جدا؛ فقد وضعتها في ملحق للصور ألحقته في هذا البحث وأعطيته أرقاما تسلسلية؛ وأشرت عند الحاجة في البحث إلى رقم صورة العلم في ملحق الصور للرجوع إليها.
رابعا: عملت ملحقا خاصا للخرائط أوضحت فيه مواضع الأعلام على كل جبل أو ثنية أو سهل أو غير ذلك، وهذه الخرائط أخذت من واقع الخرائط الجوية لمكّة المكرّمة، كما عملت خريطة توضيحية تجمع الحدود كلها.
وأرجو من القارئ الكريم أن يتأمل هذه الملاحظات، لكي يَسْهل عليه معرفة كل ما يطلب الاطّلاع عليه.
القواعد العامة في تحديد الحرم المكي الشريف
وقبل البدء في التحدث عن أعلام([279]) حدود الحرم في كل حد من حدوده الأربعة، لابد لنا أن نوضح أن المقصود بالأعلام: هي العلامات الموضوعة على حدود الحرم من كل جوانبه الأربعة، وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم، وأن هذه الحدود قد وضعت، لتوضح للناس حدود حرم مكة المكرمة الذي جعلها الله أمنا فلا يدخله غير مسلم موحد برسالة التوحيد التي بعث الله بها نبيه محمدا r ليكون أمنا.
إن حدود الحرم من الأمور التوقيفية، ولم ينقل عن النبي r ولا أصحابه ولا أمراء المسلمين، أن أحدا منهم أخّر موضع علم من أعلام الحرم أو قدمه، وإنما كان الأمر منهم بتجديد ما كان منها منهدما.
ولا يجوز القول إننا نسير بخط مستقيم أو مائل أو منكسر أو نحو ذلك، إنما الواجب تتبع خط الحد حيث كان سواء قَرُب أو بَعُدَ من الحرم، حيث توضع الأعلام في موضع الأعلام السابقة والأمر في هذا لله وحده، وليس للاجتهاد فيه نصيب.
والضابط في هذا اتباع اتجاه سيل هذه الجبال والثنايا([280])، فتوضع الأعلام في النقطة القاسمة بين سيل الجبل والثنية يمينا ويسارا، إلا في مواضع ذكرها العلماء.
ولذلك شاهدنا موضعين أحدهما في الحد الشمالي، والثاني في الحد الغربي الجنوبي، اختلفت اللجان المجددة في إدخال شعبتين([281])، فاللجان السابقة أخرجتها من حد الحرم، واللجان اللاحقة أدخلتها في الحرم، ونظرية إدخال اللجان اللاحقة لهذين الشعبتين أن سيلهما يدخل في الحرم، فأدخلتهما في الحرم، وأعلام اللجان السابقة واللاحقة قائمة حتى الآن.
والأقدمون يرون أن سيل الحل لا يدخل إلى الحرم إلا من ناحية واحدة من بيوت نفار([282]) في التنعيم([283]) وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء وتابعهم الأزرقي.
أما الفاكهي فإنّه لما تتبع حدود الحرم ذكر خلاف ذلك وأفرد مبحثا في كتابه: "أخبار مكة"، حصر فيه أودية([284]) الحل التي تسكب في الحرم([285]) ومنها الموضعان اللذان أشرنا إليهما، ونحن شاهدنا ما ذكره الفاكهي في موضعه.
أما القواعد الإرشادية التي سارت عليها اللجان الموضحة لانتقال الحد من جهة أو جبل إلى آخر فقد أشرنا إليها، وهي قواعد هندسية دقيقة ترشد المتتبع لهذه الأعلام، فلا يضل عن علم واحد منها.
أما سير الحد لأعلام الحرم في الحدود الأربعة فإنه بعد وقوفي اتضح لي أنها تختلف بعض الاختلاف عما ذكره البعض من الخبراء ممن أوردتُ ذكرهم، ورأيت قبل البدء في التحدث عن كل حد، وأعلامه، وجباله، وثناياه، أن أبين المسار الحقيقي لكل حد والذي توصلت إليه، وذلك كما يأتي:
الحد الشرقي
 9 -  جبل الستار (ستار قريش).
 1 - جبل الأعفر.
10- جبل ستير.
 2 -  جبل عارض الحصن.
11- جبل أسلع (شرفة سلع).
 3 -  طريق الطائف السريع (الكر).
12- جبل الطارقي (ثنية الأعرج).
 4 -  جبل قرن العابدية.
13- ثنية خلّ (جبل المقطع).
 5 -  جبل نمرة (ذات السليم).
14- جبل الستار (ستار لحيان).
 6 - طريق الطائف القديم (طريق عرفة).
15- ثنية المستوفرة.
 7 - جبل الخطم.
16- جبل النقواء.
 8 -  جبل الصفيراء.
الحد الشمالي
12- جبل نعيم.
 1 -   ثنية النقواء.
13- جبل الواتد.
 2 -  جبل أم السلم.
14- شرفة اللفيفاء.
 3 -  جبل بغبغة.
 15- جبل رحا.
 4 -  جبل ياج (يأجج سابقا).
16- ثنية ذات الحنظل (ريع الرحا).
 5 -  شرفة ياج.
17- جبل الرضيع.
 6 -  جبل حجلي.
18- جبل أم القزاز.
 7 -  جبل أبو حيّة.
19- جبل أم الشبرم.
 8 -  جبل الوقير وبعده شرفة بشم.
20- جبل المرير.
 9 -  جبل صايف
21- جبل أبو بقر (وادي الجوف).
 10- جبل نعمان (العمرة)
22- جبل الناصرية.
 11- وادي التنعيم.
الحد الغربي
4- أم الهشيم.
 1- الأعشاش.
5- جبل الدومة السوداء.
 2- جبل أظلم.
 3- جبل النغيرات (الخشفان)
الحد الجنوبي
8- جبل نعيلة الشرقي.
 1- جبل نعيلة الذي بين الدومتين.
9- جبل غراب.
 2- الدّومة الحمراء.
10- جبل الخاصرة (مبعّر).
 3- جبل بشيم (البشيمات).
11- ريع مهجرة (ثنية ابن كرز).
 4- ريع السيد وجبل الخشن الأوسط.
12- جبل المظالف.
 5- جبل أبو صواعق.
13- جبل صويفة.
 6- جبل لبن، ولبين.
14- جبل صيفة.
 7- البيان (ثنية لبن)
مجددو أعلام الحرم مرتبين حسب تاريخ التجديد.
الأعلام التي تم تجديدها
 سنة التجديد
 من قام بالتجديد
 اسم مجدد الأعلام
 م
جميع أعلام الحرم المحيطة به.-
 إسماعيل عليه السلام
 1
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 -
 -
 عدنان بن أدد
 2
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 -
 -
 قصي بن كلاب
 3
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 -
 رجال من قبيلة قريش.
 قريش
 4
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 8هـ
 تميم بن أسد الخزاعي، والأسود بن خلف.
 رسول الله r
 5
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 17هـ
 مخرمة بن نوفل بن يربوع، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبدالعزى، وأزهر بن عبد عوف، وصبيحة بن الحارث بن جبيلة، وعجير بن عبد يزيد بن هاشم.
 عمر بن الخطاب رضي  الله عنه (40 ق هـ-23هـ)
 6
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 26هـ
 عبدالرحمن بن عوف، وحويطب بن عبدالعزى، وعبدالرحمن بن أزهر، ونفر من قريش.
 عثمان بن عفان رضي الله عنه (47 ق هـ- 35هـ)
 7
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 قبل سنة 48هـ
 كرز بن علقمة الخزاعي.
 معاوية رضي الله عنه (20 ق هـ- 60هـ)
 8
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 75هـ
 شيخ من خزاعة، ومن قريش، ومن بني بكر.
 عبدالملك بن مروان (26- 65هـ)
 9
 
جميع أعلام الحرم المحيطة به.
 من سنة 158هـ إلى سنة 169هـ
 -
 المهدي العباسي (127- 169هـ)
 10
 
العلمان الكبيران اللذان بالتنعيم.
 325هـ
 -
 الراضي العباسي (397- 329هـ)
 11
 
العلمان اللذان هما حد الحرم من جهة عرفة.
 616هـ
 -
 الملك المظفر صاحب أربل (ت 645هـ)
 12
 
العلمان اللذان هما حد الحرم من جهة عرفة.
 683هـ
 -
 الملك المظفر صاحب اليمن (619-694هـ)
 13
 
أعلام الحرم من جهة عرفة.
 874هـ
 -
 السلطان قايتباي (815- 901هـ).
 14
 
العلمان اللذان هما حد الحرم من جهة عرفة.
 1023هـ
 -
 السلطان أحمد خان الأول (998-1026هـ)
 15
 
جميع حدود مداخل الحرم.
 1073هـ
 -
 الشريف زيد بن محسن (1014- 1077هـ)
 16
 
أعلام الحرم من طريق التنعيم.
 1262هـ
 -
 السلطان عبدالمجيد خان (1237- 1277هـ)
 17
 
أعلام الحرم من طريق جدة.
 1263هـ
 -
 السلطان عبدالمجيد خان (1237- 1277هـ)
 18
 
العلمان الجديدان في طريق جدة القديم (الشميسي).
 بعد عام 1343هـ
 -
 الملك عبدالعزيز آل سعود
 19
 
علمان جديدان في طريق جدة القديم (الشميسي).
 1376هـ
 -
 الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود
 20
 
بناء علمين كبيرين على طريق الطائف (السيل).
 1377هـ
 -
 الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود
 21
 
أقام علمين جديدين على طريق الطائف من جهة عرفة.
 
 -
 الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود
 22
 
أقام علمين جديدين في طريق جدة القديم.
 أواخر

 عهده
 -
 الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود
 23
 
أقام علمين جديدين في منطقة التنعيم.
 1404هـ
 -
 خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود
 24
 
تجديد العلم الغربي من العلمين الأسطوانيين القديمين اللذين في التنعيم.
 1407هـ
 -
 خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود
 25

الخاتمـة
وبعد هذا العرض التاريخي لموضوع هام وهو حدود الحرم المكي الشريف وذكر أسماء المجددين من عهد رسول الله r إلى عهد الدولة السعودية أيدها الله، وذكر جهودها الكبيرة والخيرة في هذا المجال، أحب أن أنوه أن الدولة- أيدها الله- قد بدأت خطوات تنفيذية على الطبيعة ووضعت بعض الأعلام في مداخل مكة المكرمة في الطرق الرئيسية، وسيتم بمشيئة الله وضع 14 علما بنهاية هذا العام على أن يتم في المراحل المقبلة وضع أكثر من 400 علم لتجديد حدود الحرم من جميع جوانبه.
نسأل الله أن يوفق هذه الدولة السنية لما فيه رفعة الإسلام.
المصادر والمراجع

1- المصادر المخطوطة الوثائق
[1]  إتحاف فضلاء الزمن. الطبري، محمد بن فضل بن عبد الله بن مكرم. نسخة مصورة من مخطوط أصله بمكتبة الجمعية الآسيوية، كلكتا برقم 1281، منه مصورة بمعهد المخطوطات العربية، بجامعة الدول العربية، بالقاهرة تحت رقم 3143.
[2]  الآثار المبرورة لسلاطين آل عثمان في الحرمين. المكي، محمد أمين، كتاب مترجم من التركية إلى العربية، غير منشور.
[3]  الأرج المسكي في التاريخ المكي. الطبري، محيي الدين عبد القادر الطبري، مصورة عن المخطوطة المحفوظة بمكتبة مكة المكرمة.
[4]  إفادة الأنام. غازي، عبد الله غازي، مصورة مخطوط، أصله بمكتبة مكة، ولدي منه مصورة.
[5]  البدء والتاريخ. البلخي، أحمد بن سهل البلخي، مصورة مخطوط أصله في مكتبة الحرم المكي، لدى منه نسخة مصورة.
[6]  تاريخ أبي البقاء القرشي. أبو البقاء القرشي، مصورة مخطوط أصله في مكتبة مكة (لدي مصورته).
[7]  تاريخ مكة والمدينة والطائف. مخطوط مجهول المؤلف، توجد لدي مصورة منه.
[8]  تعليقات على منسك الشربيني. ابن سليمان، الشيخ محمد حسب الله بن سليمان، مصورة مخطوط موجودة بمكتبتنا.
[9]  تهنئة أهل الإسلام بتجديد بيت الله الحرام. المأموني، إبراهيم. مصورة عن النسخة المحفوظة بمكتبة حسن حسني عبد الوهاب بتونس.
[10]  حاشية ابن حجر على إيضاح المناسك للنووي. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد (ت852هـ)، مصورة مخطوط.
[11]  حدائق الأنوار ومطالع الأسرار. الشيباني، ابن ديبع، مصورة مخطوط توجـد منها نسخة بمكتبتي.
[12]  خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر. المحي، مصورة مخطوط لدي نسخة منها بمكتبتي.
[13]   الرياض النضرة في مناقب العشرة. مصورة مخطوط، لدي منه نسخة. وقد طبع. السلنامة عام 1303هـ.
[14]  عنوان المجد. الحيدري البغدادي، إبراهيم الحيدري البغدادي، فصيح الدين، مخطوط مجهول المصدر، لدي منه مصورة.
[15]  كتاب في التاريخ. مجهول المؤلف، أصله في المكتبة البريطانية، ومنه نسخة في دار الوثائق البحرينية وفيه نقل عن عبد الملك العصامي، لدي منه مصورة.
[16]  مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن. ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت597هـ)، مخطوط أصله في مكتبة رضا رامبور بالهند برقم 2226، منه مصورة في معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة تحت رقم 3059.
[17]  مرآة الزمن. الكاشاني: مخطوط مجهول المصدر، لدي مصورة منه.
[18]  معونة أولي النهى. ابن النجار الفتوحي الحنبلي (ت972هـ)، مخطوط أصله بالمكتبة الأزهرية، لدي منه مصورة.
[19]  منائح الكرم في أخبار البيت وولاة الحرم. السنجاري، علي بن تاج الدين السنجاري، مصور عن مكتبة المدينة برقم (520) في (417) ورقة بخ شيخ الإسلام عارف حكمت.
[20]  منائح الكرم في ولاة الحرم. مجهول المؤلف، نسخة مصورة عن الأصل الموجود بمكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة برقم 550.
[21]  نزهة الجليس. المنذري، مصورة مخطوط، مجهول المصدر. 
2- المصادر المطبوعة
[1]  إتحاف الورى بأخبار أم القرى. لابن فهد المكي، عمر بن فهد محمد بن محمد بن محمد بن فهد (885هـ)، تحقيق: فهيم محمد شلتوت 1-3. د.عبد الكريم علي الباز، ج4، الطبعة الأولى 1408هـ، مطبوعات مركز إحياء التراث الإسلامي- جامعة أم القرى- مكة الكرمة.
[2]  أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه. للفاكهي، محمد بن إسحاق العباس، تحقيق: د.عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الأولى 1407هـ، نشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة- مكة المكرمة.
[3]  أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار. للأزرقي، أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي، تحقيق رشدي الصالح ملحس، الطبعة الثانية 1385هـ، مطابع دار الثقافة، مكة المكرمة.
[4 ] الاستيعاب في أسماء الأصحاب. لابن عبد البر، أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري القطبي (ت462هـ)، الطبعة الأولى 1328هـ، مطبعة السعادة. القاهرة، مصر.
[5]  أسد الغابة في معرفة الصحابة. لابن الأثير، علي بن محمد بن الجزري، نشر: كتاب الشعب، القاهرة، مصر.
[6]  الإسقاط الأرضي لمدينة مكة. للدكتور حسين كمال الدين، مقالة منشورة في مجلة البحوث الإسلامية، 1395هـ.
[7]  الإصابة في تمييز الصحابة. لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد (ت852هـ)، طبع: المكتبة التجارية الكبرى بمصر، 1358هـ.
[8]  الأعلام. لخير الدين الزركلي. الطبعة الخامسة 1980م، دار العلم للملايين-بيروت.
[9]  الأنساب. للسمعاني، سعد بن عبد الكريم بن محمد بن منصور (ت562هـ)، نشره مصورا: نرجليون ليدن، لندن، 1922م.
[10]  الإنصاف. لمرداوي، علاء الدين بن سليمان (ت885هـ)، تحقيق: محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى 1375هـ، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة.
[11]  أودية مكة المكرمة. لعاتق بن غيث البلادي، الطبعة الأولى 1405هـ، دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.
[12]  البداية والنهاية. لابن كثير، عماد الدين إسماعيل عمر، الطبعة الأولى 1351هـ، مطابع السعادة والسلفية والخانجي، القاهرة.
[13]  البيان والتحصيل. لابن رشد (ت520هـ)، تحقيق: د. محمد حجي، نشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1404هـ.
[14]  تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير. لشمس الدين الذهبي، محمد بن أحمد (ت 748هـ)، نشر: مكتبة القدس، القاهرة، 1367هـ.
[15]  تاريخ بغداد. للخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن ثابت، طبعة مصورة، دار الكتاب العربي، بيروت.
[16]  تاريخ الخلفاء. لجلال الدين السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى، 1371هـ. المكتبة التجارية الكبرى. القاهرة.
[17]  تاريخ الدولة العثمانية. لمحمد فريد بك، دار الجيل، بيروت، 1397هـ.
[18]  التاريخ القويم. لمحمد طاهر كردي، نشر: مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.
[19]  تاريخ الكعبة. لحسين عبد الله باسلامه، الطبعة الثانية، 1384هـ-1964م.
[20]  تاريخ الملوك والأمم. لمحمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، طبعة جديدة منفحة. 1399هـ، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.
[21]  تذكرة الحفاظ. لشمس الدين الذهبي، محمد بن أحمد (ت 748هـ)، طبعة مصورة عن الطبعة الهندية بتصحيح المعلمي اليماني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
[22]  تفسير القرآن العظيم. لابن كثير، عماد الدين إسماعيل عمر، الطبعة الثانية، 1389هـ، دار الفكر، بيروت.
[23]  تفسير القرآن العظيم. لمحمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، تحقيق: محمود شاكر، دار المعارف، مصر.
[24]  تقريب التهذيب. لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الأولى، نشر: المكتبة العلمية بالمدينة المنورة.
[25]  تهذيب تاريخ دمشق الكبير. لابن عساكر، عبد القادر بدران بن عساكر، الطبعة الثانية، 1399هـ، دار المسيرة، بيروت.
[26]  تهذيب التهذيب. لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد ، طبعة مصورة عن الطبعة الهندية المطبوعة في دائرة المعارف النظامية محدر آباد، الدكن، سنة 1325هـ.
[27]  الجامع لأحكام القرآن. للقرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 671هـ)، الطبعة الثالثة، 1387هـ، دار الكاتب العربي، بيروت، عن طبعة دار الكتب المصرية.
[28]  الجرح والتعديل. للرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن حاتم (ت 327هـ)، الطبعة الأولى، 1271هـ، حيدر آباد، الدكن، الهند.
[29] جغرافية المدن (مكة المكرمة). للدكتور سمير الدسوقي عبد العزيز، بحث منشور ضمن بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، المجلد الخامس.
[30]  جمهرة اللغة. لابن دريد الأزدي، أبو بكر محمد بن الحسن، الطبعة الأولى، 1344هـ، دار المعارف، حيدر آباد، الدكن، الهند.
[31]  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. لأبي تميم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله، طبعة مصورة، دار الفكر، بيروت.
[32]  الدر المنثور. للسيوطي، أحمد بن علي بن حجر (ت852هـ)، دار المعرفة، بيروت.
[33]  دلائل النبوة ومعـرفة أحوال صاحب الشريعة. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: د.عبد المعطي قلمجي، الطبعة الأولى، 1405هـ، دار المكتب العلمية، بيروت.
[34]  دول الإسلام. لشمس الدين الذهبي، محمد بن أحمد (ت 748هـ)، القاهرة.
[35]  الروض الأنف. للسهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، دار النصر للطباعة، القاهرة.
[36]  الرياض النضرة في مناقب العشرة. للطبري.
[37]  سنن الدارمي. للدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام (ت 255هـ)، مطبعة الاعتدال، دمشق، 1349هـ.
[38]  سنن أبي داود. لأبي داود، سليمان بن الشعث السجستاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثانية، 1369هـ، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.
[39]  السنن الكبرى. للبيهقي: أبي بكر أحمد بن الحسين، طبعة مصورة عن طبعة دائرة المعارف بالهند، دار الفكر، بيروت.
[40]  سنن ابن ماجة. لابن ماجه، أبو عبد الله بن يزيد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1372هـ.
[41]  سنن النسائي. للنسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.
[42]  السيرة النبوية. لابن هشام، عبد الملك بن أيوب الحميري، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الإبياري، وعبد الحفيظ شلبي، نشر: مطبعة البابي الحلبي بمصر، 1355هـ.
[43]  شذرات الذهب في أخبار من ذهب. لابن العماد الحنبلي، أبو الفلاح.
[44]  شفاء الغرام. للفاسي، تقي الدين علي، نشر: مكتبة النهضة الحديثة، بمكة المكرمة، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1956م.
[45]  الصحاح. للجوهري، إسماعيل بن حماد، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية، 1402هـ، القاهرة.
[46] صحيح الترمذي بشرح الإمام ابن العربي المالكي. للترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، الطبعة الأولى، 1350هـ-1931م. المطبعة المصرية بالأزهر.
[47]  صحيح ابن خزيمة. لابن خزيمة النيسابوري، أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق: د.محمد مصطفى الأعظمي، طبع: المكتب الإسلامي، بيروت.
[48]  صحيح مسلم. لمسلم، الحافظ أبي الحسين، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، طبع: عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1374هـ.
[49] صفة الصفوة. لابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597هـ)، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، 1357هـ.
[50]  الضعفاء الكبير. للعقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى، 1404هـ، دار الكتب العلمية-بيروت.
[51]  طبقات الشافعية الكبرى. للسبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي (ت771هـ)، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحين طبع: عيسى الحلبي، القاهرة، 1383هـ.
[52]  الطبقات الكبرى. لمحمد بن سعد بن منيع البصري (ت230هـ)، طبع: دار صادر، بيروت، 1380هـ.
[53]  العبر في خبر من غبر. لشمس الدين الذهبي، محمد بن أحمد (ت748هـ)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، الكويت، 1960م.
[54] غاية النهاية في طبقات القراء. للجزري، شمس الدين أبي الخير، محمد بن محمد (ت 833هـ)، نشر: ج. برجستراسر، تصوير عن مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1352هـ-1933م.
[55]  فتح الباري، شرح صحيح البخاري. لابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد (ت 852هـ)، الطبعة الأولى، 1329هـ، المطبعة الخيرية.
[56]  الفروع. لابن مفلح، أبو عبد الله محمد، تصحيح: أسيد محمد رشيد رضا. الطبعة الأولى، 1339هـ، مطبعة المنار، مصر.
[57]  الفهرست. لابن النديم، أبي الفرج محمد بن إسحاق المعروف بالوراق (ت 380هـ)، تحقيق: رضا تجدد، طبعة طهران، 1391هـ.
[58]  فوات الوفيات. للكتبي، محمد بن أحمد، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، 1951م.
[59]  قاموس الحج والعمرة. لأحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404هـ.
[60]  القاموس المحيط. للفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ)، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1371هـ.
[61]  القرى لقاصد أم القرى. للطبري، تحقيق: مصطفى السقا، مكتبة ومطبعة الحلبي بمصر، 1367هـ.
[62]  الكامل في التاريخ. لابن الأثير، علي بن محمد الجزري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1400هـ.
[63]  كشاف القناع. للبهوتي، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت 1051هـ)، مطبعة أنصار السنة المحمدية، 1366هـ.
[64]  كشف الأستار عن زوائد البزار. للهيثمي، علي بن أبي بكر (ت 708هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 139هـ.
[65]  كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. لحاجي خليفة، مصطفى عبد الله كاتب حلبين طبعة استنابول، 1351هـ.
[66]  لسان العرب. لابن منظور، جمال الدين محمد بن منظور، دار صادر، بيروت.
[67]  ما اتفق لفظه واختلف معناه. لليزيدي، إبراهيم بن أبي محمد يحيى (ت 225هـ)، تحقيق: د. عبد الحمن سليمان العثيمين، طبعة أولى، 1407هـ، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
[68]  المبدع في شرح المقنع. بن مفلح، لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله (ت 884هـ)، نشر: المكتب الإسلامي، دمشق، 1394هـ.
[69]  المتجر الرابح. للدمياطي، الحافظ شرف الدين، تحقيق: د. عبد الملك بن دهيش، الطبعة الثانية، 1405هـ، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة.
[70]  المحبر. لأبي جعفر محمد بن حبيب، تحقيق: دكتورة ايلزة ليختن ستيتر، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت.
[71]  مرآة الحرمين. لإبراهيم رفعت باشا، طبعة مصورة.
[72]  مروج الذهب ومعادن الجوهر. للمسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثانية، 1367هـ، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة.
[73]  المسالك والممالك. لابن خرداذبة، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله، طبعة صورتها مكتبة المثنى ببغداد عن طبعة مطبعة بريل، ليدن 1889م.
[74] مسند الإمام أحمد. للإمام أحمد بن حنبل، طبعة مصورة من ست مجلدات، المكتب الإسلامي ودار صادر، بيروت.
[75] مشاهير علماء الأمصار. لابن حبان البستي (ت 356هـ)، تصحيح: م. فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت.
[76]  المصنف. لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الأولى، 1390هـ، منشورات المجلس العلمي.
[77]  مطالب أولي النهى في غاية شرح المنتهى. لمصطفى السيوطي الرحيباني، طبعة أولى، 1380هـ، منشورات المكتب الإسلامي.
[78]  المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. لابن حجر العسقلانين أحمد بن علي بن محمد (ت 852هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمين الكويت.
[79]  معالم مكة التاريخية والأثرية. لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1403هـ.
[80]  معجم البلدان. ياقوت الحموي، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله (ت 626هـ)، دار صادر، بيروت. 1397هـ.
[81]  المعجم الكبير. للطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، تحقيق: حمدي عبد الحميد السلفي، الطبعة الثانية، 1983م، وزارة الأوقاف العراقية، بغداد.
[82]  معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع. للبكري، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، تحقيق: مصطفى السقا، طبعة مصورة، عالم الكتب، بيروت.
[83]  معجم معالم الحجاز. لعاتق بن غيث البلادي، دار مكة للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1399هـ.
[84]  معجم المؤلفين. لعمر رضا كحالة، نشر: مكتبة المغني ودار إحياء التراث، بيروت.
[85]  ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لشمس الدين الذهبي، محمد بن أحمد (ت 748هـ)، تحقيق: علي البجاوي، طبع: عيسى البابي الحلبي، مصر، 1382هـ.
[86]  النجوم الزاهرة. للأتابكي، يوسف بن تغري بردي (ت 874هـ)، نشر: دار الكتب المصرية بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1349هـ-1930م.
[87]  نهاية الأرب. للقلقشندي، أبو العباس أحمد، تحقيق: إبراهيم الأبياري، الطبعة الأولى، 1959م، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة.
[88]  نهاية الأرب في فنون الأدب. للنويري، أحمد بن عبد الوهاب، مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، بالقارة.
[89]  النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن الأثير، أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1383هـ.
[90]  نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب. لعبد الله بن عبد الرحمن البسّام، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية، بمصر.
[91]  الوافي بالوافيات. للصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك، الطبعة الثانية، 1381هـ، نشر: ار فرانز شتاينز، ثيسبادن.
[92]  وفيات الأعيان. لابن خلكان، أبو العباس أحمد بن محمد (ت 681هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى، 1387هـ، مطبعة السعادة بالقاهرة.
الهوامش
(1) سورة البقرة، الآية  125 .
(1) سورة آل عمران، الآيتان  (96،97) .
(2) دلائل النبوة للبيهقي: 2/45، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير: 2/299.
(3) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه: 4/245، والدمياطى في المتجر الرابح: 291، قال ابن خزيمة: وفى القلب من القاسم بن عبدالرحمن شيء . قلت : في إسناده القاسم بن عبدالرحمن الأنصارى، قال ابن معين: ضعيف جدا. وقال ابن المديني بعد أن ذكر له حديثًا: لم يرد إلا من وجه مجهول.
(4) سورة البقرة، الآية  125.
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 22.
(2) سورة الحج، الآية (27) .
([8]) انظر: التاريخ القويم، لمحمد طاهر كردي: 4/70.
([9]) مكّة المكرّمة. دراسة في جغرافية المدن للدكتور سمير الدسوقي عبدالعزيز، بحث منشور ضمن بحوث  المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية، بالرياض، المجلد الخامس، ص 318.
([10]) المنهل، العدد 475، س 56، المجلد 51، الربيعان 1410هـ، أكتوبر/نوفمبر 1985م، ص13.
([11]) إسقاط الكرة الأرضية بالنسبة لمكّة المكرّمة للدكتور حسين كمال الدين، بحث منشور بمجلّة البحوث الإسلامية، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، 1395هـ (1975م)، ص 289.
([12]) سورة الشورى، الآية 7.
([13]) الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس: 7/543، وجاء أيضًا في الدر المنثور للسيوطي: 2/266، وانظر:  أخبار مكّة للأزرقي: 2/202-203.
([14]) روي الفاكهي بإسناد لا بأس به عن عطاء، أنه قال: "ويقال: إن العرش بحبال الحرم"، وفي ذلك ما يشير إلى أن الحرم يمكن أن يكون مركز الكون. انظر: أخبار مكّة للفاكهي: 2/272، والمطالب العالية لابن حجر: 1/363، وفيه أن الخبر عن الحارث بن أبي أسامة في مسنده.
([15]) سورة النمل، الآية 91.
([16]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى: 13/246.
([17]) الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب المناسك، باب فضل مكّة: 2/1038. وانظر مسند الإمام أحمد: 1/253.
([18]) طسم: قبيلة من العاربة . وهم بنو طسم بن لاوذ بن سام بن نوح . قال الجوهري: وكانت منازلهم الأحقاف من اليمن مع جديس، وفي العبر أن ديارهم كانت اليمامة، وأنها كانت يومئذٍ من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرًا وثمارًا وحدائق وقصورًا وقد هلكت . (انظر: نهاية الأرب للنويري: 2/292، وصبح الأعشى للقلقشندي: 1/313، والعبر فى خبر من غبر للذهبي: 2/18).
([19])جرهم: بطن من القحطانية، وكانت منازل بني قحطان اليمن، وقد نزلت جرهم الحجاز مع بني قطوراء من العمالقة لقحط أصاب اليمن، ثم غلبت جرهم العمالقة على ملكهم وملكت أمرهم، ولم يزالوا بمكّة إلى أن نزل إسماعيل عليه السلام مكّة فنزلوا عليه، فتزوج منهم وتعلّم لغتهم، وقدم عليه إبراهيم الخليل عليه السلام، وقاما ببناء البيت، وتولاّه إسماعيل، ثم بعض بنيه، ثم استولت جرهم على أمر البيت، وتفرقت قبائل اليمن بسيل العرم، فنزلت خزاعة مكّة وغلبوا جرهمًا عليها، فخرجت جرهم من مكّة ورجعوا إلى ديارهم اليمن، فأقاموا بها حتى هلكوا (صبح الأعشى للقلقشندي: 1/315، ونهاية الأرب للنويري 211).
([20]) أخبار مكّة للأزرقي:1/80؛ وأخبار مكّة للفاكهي: 2/265، 266.
([21]) سورة الحج، الآية 25.
([22]) قال ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص، رواه عنه الأزرقي في أخبار مكّة: 2/137
([23]) انظر: أخبار مكّة للأزرقى: 2/135، 136.
([24]) الجامع لأحكام القرآن: 12/32.
([25]) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكّة وصيدها: 4/109؛ وأخرج البخاري في صحيحه نحوه، انظر ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، كتاب الحج، باب فضل الحرم: 3/352.
([26]) أخبار مكّة: 2/261.
([27]) ذكره ابن حجر في: "المطالب العالية": 1/363 ونسبه للحارث بن أبي أسامة في مسنده .
([28]) المرجع السابق: 1/363.
([29]) رواه الفاكهي في أخبار مكة: 2/269، وذكره المحب الطبري في القرى لقاصد أم القرى، ص 661.
([30]) رواه مسدّد، كما في المطالب العالية: 4/166، وأخبار مكة للفاكهي: 2/252-253.
([31]) أخبار مكة للأزرقي: 2/133.
([32]) رواه الترمذي، أبواب القدر: 8/318-319، وأخبار مكة للفاكهي: 2/264.
([33]) أخبار مكة للفاكهي: 2/267.
([34]) المرجع السابق: 2/259، وإسناده حسن.
([35]) أخبار مكة للفاكهي: 2/259، وإسناده حسن، وقال شيخ الفاكهي يفسر هذا الكلام، أي: "لا تُرفع الأصوات تعظيماً لمكّة".
([36]) أخبار مكة للأزرقي: 2/131-132، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 12/34.
([37]) سورة البقرة، الآية 225، وسورة المائدة، الآية 89.
([38]) أخبار مكة للفاكهي: 2/134-135.
([39]) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس (انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، كتاب الجهاد، باب لا هجرة بعد الفتح: 6/189، حديث رقم 3077).
([40]) ومن ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس أن رسول الله r  قال : "إن الله عز وجل حّرم مكّة فلم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلّت لي ساعة من نهار..." إلى آخر الحديث . (المسند للإمام أحمد: 1/253).
([41]) سورة البقرة، الآية 126.
([42]) سورة إبراهيم، الآية 35.
([43]) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة: 4/112، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ما جاء في حرم المدينة: 5/197.
([44]) انظر تفسير ابن كثير: 1/174.
([45]) سورة النمل، الآية 91.
([46]) سورة التوبة، الآية 28.
([47]) تفسير القرطبي: 8/104، 106.
([48]) سورة الإسراء، الآية 1.
([49]) الدر المنثور للسيوطي: 4/141.
([50]) فتح الباري، شرح صحيح البخاري لابن حجر، حديث الإسراء: 7/160.
([51]) سورة البقرة، الآية 196.
([52]) تفسير القرآن العظيم لابن جرير: 4/110.
([53]) سورة البقرة ، الآية 149.
([54]) سورة البقرة ، الآية 150.
([55]) تفسير القرطبي: 2/168.
([56]) سنن ابن ماجة، كتاب المناسك، باب فضل مكة: 2/1038 حديث رقم (3109).
([57]) الإذخر: بكسر الهمزة، حشيشة طيبة الرائحة . لسان العرب: 4/303 مادة (ذخر).
([58]) مسند الإمام أحمد: 1/253.
([59]) أخبار مكة للفاكهي: 2/259.
([60]) الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبدالله بن شهاب، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أبو بكر: أول من دوّن الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء، تابعي من أهل المدينة، كان يحفظ ألفين ومائتي حديث، نصفها مسند . ولد سنة 58هـ ونزل الشام واستقر بها، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عماله: عليكم بابن الشهاب فإنكم لا تجدون أحداً أعلم بالسنة الماضية منه . ومات بشغب سنة 124هـ (741م)، آخر حد الحجاز، وأول حد فلسطين .
أخباره في: تذكرة الحفّاظ للذهبي: 1/102، ووفيات الأعيان لابن خلكان: 1/451، وتهذيب التهذيب لابن حجر: 9/445، وغاية النهاية لابن الجزري: 2/262، وصفة الصفوة لابن الجوزي: 2/77، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني: 3/360، وتاريخ الإسلام للذهبي: 5/136-252.
([61]) أخبار مكة للفاكهي: 2/261.
([62]) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجّاري الخزرجي الأنصاري أبو ثمامة، أبو حمزة، صاحب رسول اللهr وخادمه، روي عنه رجال الحديث 2286 حديثًا، مولده بالمدينة سنة 10 قبل الهجرة، وأسلم صغيرًا، وخدم النبيr إلى أن قبض، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة فمات فيها سنة 93هـ (711م).
أخباره في: الطبقات الكبرى لابن سعد: 7/10، وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: 3/139، وصفة الصفوة لابن الجوزي: 1/298.
([63]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/263.
([64]) عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي الأسدي، أبو بكر، وأبو خبيب، أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة. شهد فتح إفريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة سنة 64هـ (683م)، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق، وأكثر الشام، سيّر له عبد الملك بن مروان الحجاج الثقفي لقتاله فنشبت بينهم معارك حتى حاصر الحجاج ابن الزبير، وقاتل ابن الزبير بشجاعة حتى أتاه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه فمات، رحمه الله .
أخباره في: تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: 7/296، وصفة الصفوة لابن الجوزي: 1/322، والكامل لابن الأثير: 4/135، وأسد الغابة لابن الأثير: 3/242، 245، وفوات الوفيات للكتبي: 1/210.
([65]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/267.
([66]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/267.
([67]) تفسير القرطبي: 12/34، 35.
([68]) أخبار مكّة للفاكهي: 3/360.
([69]) هو: عمارة بن جوين، وهو متروك، ومنهم مَن كذّبه.  التقريب: 2/49.
([70]) سورة القصص، الآية 57.
([71]) قاموس الحج والعمرة لأحمد عبد الغفور عطار: 74، 116، 118، 185، 254.
([72]) انظر: سنن أبي داود، كتاب الحج، باب المواقيت: 1/404.
([73]) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب الحج: 3/303، وجاء في صحيح البخاري ما يؤيد أن عمر- رضي الله عنه- هو الذي حدّ ذات عرق لأهل العراق: إذ قال في باب ذات عرق لأهل العراق: "حدّثني علي بن سلم حدّثنا عبد الله بن نمير حدّثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قـال: لما فتح هذان المصران، أتوا عمر. فقـالوا يا أمير المؤمنين إن رسـول اللهr حدّ لأهل نجد قرنًا وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قـرنًا شقّ علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق". انظر: فتـح البـاري بشرح صحيح البخــاري: 3/303، 304.
([74]) رواه الطبراني في المعجم الكبير: 11/55، 56، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ما ورد في الحجر الأسود والمقام: 5/75، والعقيلي في الضعفاء: 2/266.
([75]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/127، وأخبار مكة للفاكهي: 2/275 مختصرًا وإسناده ضعيف أيضا.
([76]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/127، 128، بإسناده إلى الحسن بن القاسم، عن بعض أهل العلم.
([77]) سورة البقرة ، الآية 128.
([78]) سورة يوسف، الآية 82.
([79]) البيان والتحصيل لابن رشد: 17/307.
([80]) شفاء الغرام للفاسي: 1/54.
([81]) الروض الأنف للسهيلي: 2/269.
([82]) سورة فصلت، الآية 11.
([83]) القرى لقاصد أم القرى للطبري: 652، ومثير الغرام الساكن لابن الجوزي: 60، 61، وانظر: تهنئة أهل الإسلام بتجديد بيت الله الحرام للمأموني (مخطوط)، وتاريخ أبي البقاء القرشي (مخطوط) : 8/9، 10.
([84]) سورة آل عمران، الآية 97.
([85]) مثير الغرام الساكن لابن الجوزي: 62.
([86]) سورة النمل، الآية 91.
([87]) سورة التين، الآية 3.
([88]) سورة البلد، الآيتان 1، 2.
([89]) سورة القصص، الآية 57.
([90]) سورة العنكبوت، الآية 67.
([91]) النَّقْب والنُّقْب- بفتح النون وضمّها وسكون القاف-: الطريق، وقيل الطريق الضيّق في الجبل، والجمع أَنقاب ونقاب . لسان العرب: 1/767 مادة (نقب).
([92]) سورة المائدة، الآية 97.
([93]) سورة إبراهيم، الآية 37.
([94]) سورة النمل، الآية 91.
([95]) سورة التين، الآية 3.
([96]) سورة القصص، الآية 57.
([97]) سورة البقرة، الآية 126.
([98]) سورة النحل، الآية 112.
([99]) سورة آل عمران، الآية 97.
([100]) سورة الفتح، الآية 27.
([101]) سورة قريش، الآيتان 3، 4.
([102]) الحديث رواه الفاكهي في أخبار مكّة: 1/387 وفى إسناده إسحاق بن بشر، وهو الكاهلي الكوفي، قال أبو زرعة: "كان يكذب على مالك وأبي بشر بأحاديث موضوعة". وقال أبو حاتم: "كان يكذب".  انظر: الجرح والتعديل للرازي: 2/214.
([103]) الحزورة: السوق عند المسعى، وهو موضع أبواب المسجد وحيطانه عليه سور . أخبار مكّة للفاكهي: 2/87.
([104]) الحديث عن ابن ماجة، في سننه، كتاب المناسك: 2/1037، والإمام أحمد في المسند: 4/305، والدارمي في السنن: 2/239.
([105]) الحديث أخرجه الإمام أحمد فى مسنده عن جابر بن عبد الله بن الزبير 4/5، وأخرجه الدارمي في سننه، كتاب الصلاة: 1/330، وأخرجه النسائي في سننه، كتاب المساجد: 2/33.
([106]) سورة الحج، الآية 25.
([107]) سورة البقرة، الآية 196.
([108]) الحديث أخرجه ابن ماجة فة سننه، كتاب المناسك، باب فضل مكّة: 2/1038.
([109]) نيل المآرب للبسّام، 409.
([110]) سورة البقرة، الآية 126.
([111]) سورة التوبة، الآية 28.
([112]) الأرج المسكي في التاريخ المكّي للطبري: 7/9، 11، 17.
([113]) سورة القصص، الآية 57.
([114]) الطبقات الكبرى: 4/295.
([115]) عام الفتح هو السنة الثامنة من الهجرة، ويوافق سنة (629) من الميلاد.
([116]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/185، وقال إسناده حسن.
([117]) القرى لقاصد أم القرى للطبري: 652.
([118]) مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن لابن الجوزي: 60.
([119]) شفاء الغرام: 1/55.
([120]) مصنف عبد الرزاق: 5/25 . وانظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: 4/295، وأخبار مكّة للأزرقي: 2/128، وكشف الأستار للبزار: 2/42، وأخبار مكّة للفاكهي: 2/275، والمعجم الكبير للطبراني: 1/80، والمطالب العالية لابن حجر: 1/335. وفي جميعها عن طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، وإسناده حسن.
([121]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/128، 129.
([122]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/273، 3/370، ونسبه للزبير بن بكّار، وإسناده ضعيف. وانظر: أخبار مكّة للأزرقي: 2/129، والاستيعاب لابن عبد البر: 1/80، والإصابة لابن حجر: 1/44-45.
([123]) أنصاب الحرم: هي حدود الحرم من عموم جهاته، كانت رضوما ثم بُنيت بعد ذلك، وهكذا وردت تسميتها في الأحاديث . ونحن أبقينا هذه التسمية الواردة في الأحاديث كما هي، أما المقصود منها فهي العلامات أو الأعلام المبنية الموضوعة على حدود الحرم من الجهات الأربع. وقد اعتمدنا في بحثنا هذا تسميتها للأعلام المحيطة بالحرم، لأن الأعلام والأنصاب مترادفان. قال ابن منظور في لسان العرب: مادة (نصب): 1/759: "النَّصْبُ والنُّصُبُ: العلم المنصوب". ثم أضاف في مادة (علم): 12/419: "ويقال لما يبنى في جوار الطرق من المنازل يُستَدلّ بها على الطريق: أعلام، واحدها علم. والمعلم: ما جُعل علامة وعلما للطريق والحدود مثل أعلام الحرم ومعالمه المضروبة عليه، ثم قال: والعلم: المنار والعلامة، والعلم: الفصل يكون بين الأرضين، والعلامة والعلم : شيء ينصب في الفلوات يَهتدي به الضالّ".
([124]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/273، وأسنده إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما.
([125]) شفاء الغرام: 1/55.
([126]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/276.
([127]) أخبار مكّة للأزرقى: 2/129.
([128]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/273.
([129]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/128-129.
([130]) القرى لقاصد أم القرى للطبري: 652.
([131]) كشف الأستار عن زوائد البزار: 2/42، ورواه الطبراني في المعجم الكبير: 1/280 من طريق البزار.
([132]) مصنف عبد الرزاق: 5/25. ورواه البزار في تعجيل المنفعة: ص 39، ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى: 4/295، انظر: منائح الكرم للسنجاري: 1/423 (مخطوط)، والقرى لقاصد أم القرى للطبري: 652.
([133]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/274، 275.
([134]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 1/191.
([135]) السيرة النبوية لابن هشام: 2/417.
([136]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 1/42.
([137]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/129.
([138]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/273.
([139]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/274، وشفاء الغرام للفاسي: 1/66.
([140]) تاريخ الملوك والأمم: 4/206.
([141]) الكامل: 2/227.
([142]) شفاء الغرام: 1/55.
([143]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى: 2/9.
([144]) انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 6/70 .
([145]) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 3/102.
([146]) موضع في شعب عامر اليوم.
([147]) انظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 2/48، 49.
([148]) هكذا عند الفاكهي في أخبار مكّة، ورجّح ابن حجر في الإصابة: 1/235 أنه (حميد).
([149]) انظر ترجمته في:  الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 4/226.
([150]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/274، 275.
([151]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/129.([152]) تاريخ الملوك والأمم: 5/247.
([153]) الكامل: 2/36
([154]) شفاء الغرام: 1/55.
([155]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى: 2/20.
([156]) إتحاف فضلاء الزمن: 664.
([157]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 4/150.
([158]) رواه الأزرقي في أخبار مكّة: 2/129-130، والفاكهي في أخبار مكّة: 2/275، وكلاهما عن طريق يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب عن أبيه.
([159]) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 5/298.
([160]) شفاء الغرام للفاسي: 2/166.
([161]) عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، أبو الوليد، من أعظم الخلفاء الأمويين ودهاتهم، ولد سنة 26هـ، ونشأ بالمدينة، فقيه، واسع العلم، انتقلت إليه الخلافة بموت أبيه سنة 65هـ، وتوفّى سنة 86هـ (705م).
أخباره في: الكامل لابن الأثير: 4/198، وتاريخ الملوك والأمم للطبري: 8/56، وميزان الاعتدال للذهبي: 2/153، والمحبر لابن حبيب: 377، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 10/388، وفوات الوفيات للكتبي: 2/14.
([162]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/130.
([163]) شفاء الغرام: 1/55.
([164]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى: 2/105.
([165]) هو: محمد بن عبدالله المنصور بن محمد بن علي العبّاسي، أبو عبدالله، المهدي بالله، من خلفاء الدولة العبّاسية في العراق، ولد سنة 127هـ، وولي الخلافة بعد وفاة أبيه، وبعهد منه سنة 158هـ، ومات صريعًا سنة 169هـ (785م)، وكان محمود العهد والسيرة، محبّبًّا إلى الرعية وحسن الخلق جوادًا . أخباره في: فوات الوفيات للكتبي: 2/25، ودول الإسلام للذهبي: 861، والبدء والتاريخ للبلخي: 6/95، والكامل لابن الأثير : 5/50-71، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 5/391، والوافي بالوفيات لصلاح الدين بن أيبك الصفدي: 3/300، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 296.
([166]) شفاء الغرام للفاسي: 1/55.
([167]) وقفت على نص أورده الأستاذ رشدي ملحس على محقق كتاب: "أخبار مكّة للأزرقي" وهو: "تجديد المهدي كان في سنة 159هـ (775م)، بعد رجوعه من الحج". ولم يذكر الأستاذ ملحس مستنده في ذلك. راجع: أخبار مكّة للأزرقي: 2/130.
([168]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/131، وأخبار مكّة للفاكهي: 5/89. وانظر معونة أولي النهى (مخطوط: 980م، المكتبة الأزهرية) ص 213/م/1، وقال الخوارزمي بنحو ذلك إلا أنه سمّى إضاة لبن- إضاءة لبن -، وقال إن طوله من بطن نمرة على سبعة أميال. وقال الشيخ محمّد حسب الله في تعليقاته على منسك الشربيني: إن بيوت نفار دثرت اليوم، كما قال إن موضع الأعلام ومسافتها في جهة الجعرانة غير معروف، أي في زمانه، ص82-85.
([169]) محمّد بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد، أبو العبّاس، الراضي بالله: خليفة عباسي، كانت أيام خلافته أيام ضعف، وحاول إصلاح ذلك فعجز . ولد سنة 297هـ، وتولى الخلافة سنة 322هـ، وتوفّي سنة 329هـ (940م). أخباره في: الكامل لابن الأثير: 8/98، والبداية والنهاية لابن كثير: 11/196، وفوات الوفيات للكتبي: 3/185، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 2/142، ومروج الذهب للمسعودي: 2/404، 412.
([170]) شفاء الغرام للفاسي: 1/5.
([171]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى لابن فهد: 2/386.
([172]) بالوقوف الميداني على الأعلام بهذه المنطقة لم نجد سوى العلمين اللذين هما بالأرض عند مسجد التنعيم وأما العلمان اللذان أشار إليهما الفاسي فلم أعثر عليهما.
([173]) الأرج المسـكي في التاريخ المكّي للطبـري، مصورة عن النسخة المخطوطة المحفوظة بمكتبة مكّة، والمنسوخة سنة 1070هـ، ص 11. وانظر: السلنامة، عام 1303هـ، ص 123.
([174]) تعليقـات علي منسـك الشيخ الشـربيني للشـيخ محمد حسـب الله بن سليمان:  216 /م.
([175]) هو: غازي (المظفّر) بن أبي بكر (العادل) بن أيوب، صاحب أربل، من ملوك الدولة الأيوبية، كان فارسا مهيبا جوادا. قال ابن كثير: "كان من عقلاء بني أيوب وفضلائهم، وأهل الديانة منهم، وكان يحب مجالسة العلماء والأخذ عنهم"، توفي سنة 645هـ (1247م) .
أخباره في: البداية والنهاية لابن كثير: 12/186، وشذرات الذهب لابن العماد: 5/233، ومرآة الزمان للكاشاني: 8/767، والنجوم الزاهرة للأتابكي: 6/255.
([176]) إربل: مدينة كبيرة، عريضة طويلة، وهي بين الزابين، تُعَدّ من أعمال الموصل، بينهما مسيرة يومين، غالب سكانها من الأكراد . معجم البلدان لياقوت: 1/138.
([177]) شفاء الغرام: 1/55.
([178]) في شفاء الغرام: "سنة ست وعشرين وستمائة" وهو خطأ، والتصحيح من إتحاف الورى: 3/6.
([179]) الأرج المسكي في التاريخ المكّي للطبري: 11.
([180]) إفادة الأنام للغازي: 3/46.
([181]) يوسف (المظفّر) بن عمر (المنصور، نور الدين) بن علي بن رسول التركماني اليمني، شمس الدين: ثاني ملوك الدولة الرسولية في اليمن، ولد بمكّة سنة 619هـ، وولى بعد مقتل أبيه سنة 647هـ، كان جوادا عفيفا عن أموال الرعايا حسن السيرة بينهم، وهو أول من كسا الكعبة بعد انقطاع ورودها من العراق، توفّي سنة 694هـ (1294م). أخباره في: البداية والنهاية لابن كثير: 13/341، والنجوم الزاهرة للأتابكي: 8/71، وتاريخ الكعبة لباسلامة: 140.
([182]) شفاء الغرام: 1/55.
([183]) إتحاف الورى بأخبار أم القرى: 3/117.
([184]) قايتباي المحمودي الأشرفي، الظاهري، أبو النصر سيف الدين، سلطان الديار المصرية، من ملوك الجراكسة ولد سنة 815هـ، كان من المماليك اشتراه الأشرف برسباي بمصر صغيرًا سنة 839هـ، وصار إلى الظاهر جقمق بالشراء فأعتقه واستخدمه في جيشه، فانتهى أمره إلى أن كان "أتابك" العساكر في عهد الظاهر تمربغا، وخلع المماليك تمربغا في سنة 872هـ وبايعوا قايتباي بالسلطنة، فتلقّب بالملك الأشرف، وكانت مدّته حافلة بالعظائم والحروب، وسيرته من أطول السير، واستمر إلى أن توفّي بالقاهرة سنة 901هـ (1495م) . أخباره في: الأعلام للزركلي: 5/188.
([185]) التاريخ القويم: 6/26.
([186]) إتحاف فضلاء الزمن: 49/م.
([187]) إفادة الأنام: 3/153.
([188]) السلطان الغازي أحمد خان: هو الرابع عشر من سلاطين آل عثمان، ونجل السلطان محمد خان الثالث . كانت ولادته في 12 من جمادى الثانية سنة 998هـ . وجلوسه علي كرسي المملكة في 18 من رجب سنة 1022هـ، وتوفّى في 22 من ذي الحجّة سنة 1026هـ (1617م) وهو ابن 28 سنة، ومدة سلطنته 14سنة ودفن بالآستانة بجوار مسجده؛ وكان رحمه الله قد حارب أهل المجر مدة فغلبهم، وهو الذي أهدي إلي الروضة النبوية الشريفة قطعة كبيرة من المجوهرات مرصَّعة بأحجار ثمينة.
أخباره في السالنامة، سنة 1303هـ، ص 17، 18، وتاريخ الدولة العليّة العثمانية لمحمد فريد بك: 271.
([189]) الأرج المسكي في التاريخ المكّي: 11-12.
([190]) السالنامة، سنة 1303هـ، ص 122.
([191]) الآثار المبرورة لسلاطين آل عثمان في الحرمين لمحمد أمين المكّي، كتاب مترجم من التركية إلى العربية، غير منشور، ص 25.
([192]) محقق كتاب أخبار مكة للأزرقي.
([193]) زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نمي، الشريف: أمير مكّة. ولد فيها سنة 1014هـ، ووليها سنة 1041هـ، وحسنت سيرته، وحدثت في أيامه فتن تمكّن من قمعها، وكان فيه دهاء وحزم، مدحه بعض شعراء عصره. واستمر إلى أن توفّي بمكّة سنة 1077هـ (1666م) . أخباره في: خلاصة الأثر للمحبي: 2/176-186، ونزهة الجليس للمنذري: 1/287، وعنوان المجد للحيدري البغدادي: 1/52.
([194]) إتحاف فضلاء الزمن: ص 216 (مخطوط).
([195]) جاء في مخطوط في التاريخ (مجهول العنوان والمؤلف) أصله في مكتبة المتحف البريطاني. ولدي منه صورة ورقيّة، مازلت أحاول معرفة عنوانه واسم مؤلفه، ص322 مثل ما أورده الطبري في إتحاف فضلاء الزمن، وكأنه نَقل حرفي منه. ولكن ورد في حوادث سنة 1074هـ بدلا من 1073هـ.
([196]) السلطان الغازي عبد المجيد خان بن محمود بن عبد الحميد خان الأول ولد سنة 1237هـ، وتسلطن في 19 من ربيع الأول 1255هـ، وكانت له المهارة العلمية والسياسية والكياسة، وقد أعلن التنظيمات الخيرية، وانتصر على الروس في حرب القرم الشهيرة، وأجرى عدة من الإصلاحات الداخلية، وزيّن الحرمين الشريفين بالخدم المقبولة، وكانت مدة سلطنته 22 سنة وتسعة أشهر وتوفّي سنة 1277هـ (1861م). أخباره في:" السالنامة سنة 1303هـ، ص 24، 25، تاريخ الدولة العليّة العثمانية لمحمد فريد بك، ص237 .
([197]) ترجمة بالعربية غير منشورة لكتاب الآثار المبرورة لسلاطين آل عثمان في الحرمين (باللغة التركية) لمحمد أمين المكّي، ص 39.
([198]) مرآة الحرمين: 1/227.
([199]) مرآة الحرمين. انظر الصورة رقم (5) من ملحق الصور بكتاب "مرآة الحرمين" لإبراهيم رفعت باشا، ج1.
([200]) شفاء الغرام: 1/54.
([201]) المرجع السابق: 1/58.
([202]) هو طريق الطائف نجد والعراق المار علي ثنية خل الصفاح.
([203]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/283، وأخبار مكّة للفاكهي: 4/172، وشفاء الغرام للفاسي: 1/56.
([204]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/328.
([205]) الأزم: الضيق، ومنه سُمّي هذا الموضع، وهو موضع بمكّة بين المشعر الحرام وعرفة، وهو شعب بين جبلين يفضي آخره إلى بطن عرنة وهو إلى ما أقبل على الصخرات التي يكون بها موقف الإمام إلى طريق يفضي إلى حصن وحائط بني عامر عند عرفة وبه المسجد الذي يجمع فيه الإمام بين الصلاتين الظهر والعصر وهو حائط نخيل وبه عين تنسب إلى عبد الله بن عامر بن كريز. وليس عرفات من الحرم وإنما حدّ الحرم من المأزمين فإذا جزتهما إلى العلمين المضروبين فما وراء العلمين من الحل إلى الحرم أخذ من المأزم وهو الطريق الضيّق بين الجبال. معجم البلدان: 5/40.
([206]) الموقف: هو عرفة كلها، لقول النبيr: "هذا الموقف وعرفة كلها موقف". أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبيr، صحيح مسلم بشرح النووي. (طبعة دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الأولي 1347هـ/1929م) ج7، ص170، وأخرجه الترمذي في صحيحه، أبواب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف: 4/119، وأخرجه ابن ماجة في السنن، كتاب المناسك، باب الوقوف بعرفة: 2/1001، والإمام أحمد في المسند: 1/72، 75.
([207]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/293.
([208]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/131.
([209]) أخبار مكّة للفاكهي: 5/89.
([210]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/282.
([211]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/172.
([212]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/283.
([213]) سيأتي تعريف مفصّل عن الثنية في الباب الثاني.
([214]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/172.
([215]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/173.
([216]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/283، 284.
([217]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/290.
([218]) انظر: معجم معالم الحجاز للبلادي: 8/141.
([219]) هذا الشعب يسمّى الآن العسيلة، فيه بساتين كثيرة.
([220]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/188.
([221]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/301.
([222]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/227.
([223]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/301.
([224]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/320.
([225]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/293.
([226]) الردهة: النقرة في الجبل أو في صخرة يستنقع فيها الماء. لسان العرب: 13/491 مادة (رده).
([227]) أخبار مكّة للفاكهي: 5/87.
([228]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/130، 131. وانظر: أخبار مكّة للفاكهي: 5/89، وشفاء الغرام للفاسي: 1/58.
([229]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/302.
([230]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/230.
([231]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/291.
([232]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/205.
([233]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/293.
([234]) أخبار مكّة للفاكهي: 4/204.
([235]) أخبار مكّة للفاكهي:  5/86.
([236]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/130.
([237]) أخبار مكّة للفاكهي:  5/86-89.
([238]) أخبار مكّة للفاكهي:  5/86.
([239]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/131.
([240]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/130، وقد ذكر أنها بيوت غفار.
([241]) أخبار مكّة للفاكهي: 5/89.
([242]) انظر: شفاء الغرام للفاسي: 1/13، 59.
([243]) شفاء الغرام: 1/66.
([244]) هو: أحمد بن عبدالله بن محمد الطبري، أبو العبّاس، محب الدين: حافظ فقيه شافعي، متفنّن، من أهل مكّة وولـد فيهـا سنة 615هـ (1218م)، وكـان شيخ الحـرم فيها، وتوفّي سنة 694هـ (1294م) له عدة مصنفات من أهمها: "القرى لقاصد أم القرى" وهو كتاب جليل في فنّه. أخباره في: طبقات الشافعية للسبكي: 5/8، وشذرات الذهب لابن العماد: 5/425؛ والنجوم الزاهرة للأتابكي: 8/74، وخلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي: 2/457، وإتحاف الورى بأخبار أم القرى لابن فهد: 3/127، وتذكرة الحفاظ للذهبي: 4/255.
([245]) القرى لقاصد أم القرى: 651-652.
([246]) هو: أبو الطيب محمد بن أحمد بن علي بن محمد الحسني الفاسي المكّي، تقي الدين، ولد بمكّة سنة 775هـ (1373م)، ونشأ بها وبالمدينة المنورة وأخذ من علمائهما وأهل الفضل فيهما، وتولى الكثير من المناصب العلمية في مكّة المكرَّمة حتى صار شيخ الحرم، وعُني بالتأليف في كثير من الفنون وخاصّة في تاريخ مكّة، واستمرّ مشتغلاً بالعلم والتدريس والتصنيف حتى توفّي بمكّة سنة 832هـ (1428م)، له مصنفات عدة من أجلّها » العقد الثمين « ويعدّ مرجعًا وافيًا لتراجم أعيان أهل مكة، ومَن سكنها أو مات بها من الرواة والعلماء والفقهاء والولاة والأعيان وغيرهم في ثمانية قرون، وكتاب » شفاء الغرام « وهو أوسع كتاب في تاريخ مكّة المكرَّمة بعد كتابَي الأزرقي والفاكهي، علمًا بأن هذا الكتاب جاء بعدهما بما يزيد على 540 سنة حيث لم يصنّف أحد بعدهما. وهذا الكتاب مختصر من كتاب آخر للفاسي لم يصرح بعنوانه حيث قال- رحمه الله- في مقدّمة الكتاب: "وأنا لم أسأل من كل واقف على هذا المختصر وأصله المسامحة عما فيهما من التقصير وإصلاح ما فيهما من الغلط بعد التحرير فسبب الغلط في ذلك النسيان وقد جبل عليه كل إنسان وسبب التقصير ما ذكرته من أني لم أرَ مؤلفًا في المعنى الذي قصدت جمعه ممّا كان بعد الأزرق والفاكهي فأستغني به". انظر: شفاء الغرام: 1/9.
([247]) شفاء الغرام: 1/54-66.
([248]) يوجد أعلام في هذه الجهة بُنيت عام 1263هـ (1846م) من قبل السلطان الغازي عبد الحميد خان العثماني.
([249]) أعلامه في هذه الجهة قديمة وهي على ثنية النقواء.
([250]) لقد أصبحت المداخل أكثر من ذلك، وهي: مدخل مكّة من طريق الحديبية، ومدخلها من طريق جّدة السريع، ومدخلها من طريق الليث اليمن الجديد، ومدخلها من طريق اليمن القديم، ومدخلها من طريق الطائف الجديد قرب عارض الحصن، ومدخلها من عرفات، ومدخلها من طريق نجد والعراق على ثنية خلّ، ومدخلها من الجعرانة ريع النقواء، ومدخلها من التنعيم.
([251]) وهكذا ذكره ابن مفلح في كتابه الفروع : 2/377، والمبدع لابن مفلح : 2/206، والمرداوي في الإنصاف: 3/558، والبهوتي في كشاف القناع: 1/602، والرحيباني في مطالب أولي النهي: 2/381-382.
([252]) ذكره هكذا أيضًا أصحاب المراجع المذكورة في الهامش السابق، وأبو يعلى في "الأحكام السلطانية". إلا أنهم جميعًا وهموا في ذكر طريقين للطائف على بطن نمرة، أحدهما جعلوه (11) ميلا، والثاني جعلوه (7) أميال، ولم يذكر الماوردي وأبويعلى الطريق الأول.
قلت : ومنشأ هذا الوهم هو جعلهم طريقي الطائف يمرّان على بطن نمرة، وهذا غير صحيح، إذ إن طريق الطائف الثاني لا يمرّ على نمرة ولا على عرنة ولا على عرفة، بل يمرّ على (ثنية خلّ) فيكون حدّه وحدّ طريق العراق سواء، وهو (7) أميال- وهكذا يجب أن يصحّح ما في كتب هؤلاء، حيث إن للطائف طريقين، أحدهما يمرّ على بطن نمرة وعرنة وعرفة، حدّه (11) ميلا، والثاني يمرّ على ثنية خلّ، وحدّه (7) أميال . والله الموفق.
([253]) وهكذا ذكره أصحاب الكتب التالية: "المبدع" و"الفروع" و"الإنصاف" و"المطالب" و"كشاف القناع" و"الأحكام السلطانية".
([254]) وهكذا ذكره أصحاب الكتب المذكورة في الهامش السابق.
([255]) أي الأعرابي.
([256]) وهكذا ذكره أصحاب الكتب المذكورة في الهوامش السابقة.
([257]) شفاء الغرام للفاسي: 1/57.
([258]) هكذا ذكره أصحاب الكتب التالية: "الأحكام السـلطانية" و"المبـدع" و"الإنصـاف" و"المطالب" و"الفروع" و"الكشاف".
([259]) حدّه من هذه الجهة بناه السلطان الغازي عبد الحميد خان العثماني سنة 1263هـ (1846م)، وقال صاحب تاريخ مكّة والمدينة والطائف: "وحدّه من طريق جدة الحديبية عند بئر معروفة بعين شميسي في منعطف علي طريقي المدينة وجدة، وهى عند آخر الحرم"، تاريخ مكّة والمدينة والطائف (مخطوط سنة 1179هـ) لمجهول، (لدي منه مصورة).
([260]) وكذا ذكره من سبق ذكرنا لهم في الهوامش السابقة.
([261]) هذا يدل على أن له كتابا مطولا أكبر من كتاب "شفاء الغرام"، كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام على جهود الفاسي في ضبطه لمواضع من حدود الحرم.
([262]) وإلى ذلك أشار ابن حجر في حاشيته على إيضاح المناسك للنووي: ص 233، وكذا نقله صاحب منائح الكرم في ولاة الحرم، ص 9 (لدي منه مصوّرة، وهو كتاب مخطوط ضخم يقع في 417 ورقة نسخ سنة 1261هـ (1845م) مجهول المؤلف، أصله في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة) كما توجد نسخة أخرى منه في مكتبة الحرم المكّي الشريف.
([263]) الصباغ المكي، هو: محمد بن أحمد بن سالم بن محمد المكي، المالكي، المعروف بـ "الصباغ" مؤرخ فاضل، اشتغل بالتاريخ، مصري الأصل، ولد بمكة، وتوفي في رحلة بالمغرب، من آثاره: "تحصيل المرام في أخبار البيت الحرام والمشاعر العظام" انتهى فيه إلى سنة 1287هـ، قال الزركلي: "يظن أنه بخطه".
قلت: قد عثرت على نسختين من هذا الكتاب، ووفقني الله إلى إعداده للإخراج محققا، وهو الآن تحت الطبع.
ترجمته في: فهرس دار الكتب المصرية: 5/125، وفهرس المخطوطات المصورة لفؤاد السيد: 2/35، والأعلام للزركلي: 6/26، والفهرس التمهيدي: 361، ومقالة لعبد الوهاب الدهلوي بمجلة المنهل العدد السابع، ص 344، وبروكلمان: (S,ll : 815).
([264]) تحصيل المرام (مخطوط) اللوحتان:  96-97.
([265]) تحصيل المرام، مخطوط: اللوحتان: 104-105.
([266]) مرآة الحرمين: 1/225.
([267]) انظر: المسالك والممالك للإصطخرى، ص 22، تحقيق د. محمد جابر عبدالعال الحيني، ومراجعة: محمد شفيق غربال، نشر: الإدارة العامة للثقافة بوزارة الثقافة والإرشاد بالجمهورية العربية المتحدة (1381هـ/1961م).  والإصطخرى هو: ابن إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخرى المتوفى في النصف الأول من القرن الرابع الهجري.
([268]) ابن ماجة، السنن، كتاب المناسك، باب فضل مكّة: 2/1038، ومثله أخرج الإمام أحمد في المسند: 1/253 عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
([269]) أخبار مكّة للفاكهي: 2/274، والمعجم الكبير للطبراني: 11/55-56، والضعفاء للعقيلي: 2/266.
([270]) مثير الغرام الساكن لابن الجوزي: 61.
([271]) من ذلك قوله تعالى:  (وإذْ بَوَّأَنا لإبْراهيمَ مَكانَ الْبَيْت) الآية (26) من سورة الحج . قال القرطبي في تفسيره: 12/36، "بوأنا لإبراهيم مكان البيت: أي أريناه أصله ليبنيه، وكان قد درس بالطوفان وغيره".
([272]) سورة إبراهيم: الآية 37.
([273]) أخبار مكّة للفاكهي: 5/130، وأخبار مكّة للأزرقي: 1/57.
([274]) أخبار مكّة للأزرقي: 2/128-129.
([275]) النورة: نوع من الحجر الجيري كان يبنى به قديما، والذي يسمونه الآن "الجص" أو "كبريتات الكالسيوم".
([276]) قرن الأغفر: يقع في أول الحد الشرقي من ناحية الجنوب.
([277]) على يسار الذاهب إلى جدة من الطريق القديم.
([278]) يأجج موضعان: أحدهما مثل القرية، دون التنعيم . والآخر: على طريق مر، والموضع الأول كانت منازل لعبدالله بن الزبير، فلما قتله الحجاج أنزله المجذمين، ويسمى الآن (ياج). انظر: أخبار مكة للفاكهى: 3/45، ومعجم ما استعجم للبكري: 1/110، ومعجم البلدان لياقوت الحموي: 5/424، ومعجم معالم الحجاز للبلادي: 10/7 -10.
([279]) العلم: من الجبل أعلى موضع فيه أو أعلى ما يلحقه بصرك منه، والعلم: علم الطريق وهو كل ما نصب على الطريق ليهتدي به القادم من الحجاز وغيرها، وجمعها كلها : أعلام، والعلم: المنار، قال ابن سيده: والعلامة والعلم: الفصل يكون بين الأرضين، والعلامة والعلم: شيء ينصب في الفلوات تهتدي به الضالة وبين القوم أعلومة: كعلامة، وقالوا: الأعلام: الجبال والعلم: العلامة. والعلم: الجبل الطويل، وقال اللحياني: العلم: الجبل فلم يخص الطويل، ومنه قول الله تعالى:  (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام)، (الرحمن، الآية 24). والمقصود بالعلم في هذا البحث العلامات الموضوعة بين الحل والحرم سواء كانت على الجبال أو السهول.  لسان العرب لابن منظور: 12/420 مادة (علم)، والجمهرة لابن دريد: 3/138. وانظر: الأعلام في ملاحق الصور.
([280]) الثنية: الطريقة في الجبل كالنقب، وقيل: هي العقبة في الجبل نفسه، أبو عمرو: الثنايا: العقاب، قال أبو منصور: والعقاب: جبال طوال بعرض الطريق، فالطريق تأخذ فيها، وكل عقبة مسلوكة: ثنية، وجمعها ثنايا، وهى المدارج أيضًا، وفى الحديث: "من يصعد ثنية المرار حط عنه ما حط عن بني إسرائيل"، والمرار بالضم: موضع بين مكة والمدينة من طريق الحديبية.
 انظر: لسان العرب لابن منظور: 14/124مادة ( ثني) وعند ياقوت في معجم البلدان: 5/92: "ثنية المرار: مهبط الحديبية".
([281]) الشعبة: رأس الجبل، وقيل: ما تفرق من رؤوس الجبال؛ الشعبة: دون الشعب، وقيل: أخية الشعب، وكلتاهما يصب من الجبل، والشعب ما انفرج بين جبلين، والشعب: مسيل الماء في بطين من الأرض. انظر: لسان العرب لابن منظور: 1/499 مادة (شعب).
([282]) بيوت نفار: بالقرب من التنعيم . انظر: أخبار مكة للفاكهي: 5/89.
([283]) التنعيم: على لفظ المصدر من نعمته تنعيما: موضع بمكة في الحل، وهو بين (مرّ) و(سرف) بينه وبين مكة فرسخان، ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة، وهو الذي أمر رسول الله  r عبدالرحمن بن أبى بكر أن تعمر منه عائشة، ومسجد عائشة معروف بالتنعيم إلى الآن وإنما سمي التنعيم، لأن الجبل الذي عن يمينه. يقال له نعيم والذي عن يساره يقال له ناعم، والوادي: نعمان وهو حد الحرم من جهة الشمال. انظر: معجم ما استعجم للبكري:1/321، معجم البلدان لياقوت الحموي: 2/49.
([284]) الوادي: مفرج بين جبال وأكام وتلال يكون مسلكًا للسيل أو منفذا، والجمع أودية. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي: 5/343.
([285]) أخبار مكة للفاكهي: 5/86.