السياسة التركية بين الماضي والحاضر
وتطور الأحزاب الإسلامية رغم الضغوط العسكرية العلمانية
د. محمود السَّيِّد الدّغيم
باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن

صراع الجامعة الإسلامية العثمانية والاتحاد والترقي

ومن أبرز التنظيمات الحزبية التي أدت إلى انهيار السلطنة العثمانية جمعية الاتحاد والترقي التي تأسست سنة 1889م، وانخرط فيها أبناء الأقليات، والحاقدين على السلطنة والخلافة، وكان شعار الإتحاد والترقي الثلاثي: حرية، إخاء، مساواة، وانضم إلى الحركة الضباط: نيازي باشا وأنور باشا، ثم التحق بها مصطفى كمال أتاتورك سنة 1906م، وقادت جمعية الاتحاد والترقي انقلابا على السلطان عبد الحميد سنة 1909م.

وجاءت الحرب العالمية الأولى 1914 1919م فاحتل الإنكليز العاصمة إسطنبول، ولم يخرجوا منها حتى أعطوا العسكر دورا رئيسيا في إدارة شؤون البلاد، وفي حماية الحركة العلمانية والحركات المناوئة للخلافة الإسلامية.

حزب الشعب الجمهوري بدلاً من جمعية الاتحاد والترقي

مرحلة الحزب الواحد والرئيس الخالد

ونظراً لافتضاح تآمُر جمعية الاتحاد والترقي، ومُعارضتها للجامعة الإسلامية فقد استُبدلت الجمعية بحزب الشعب الجمهوري(CHP) الذي أسسه سنة 1920 م الجنرال مصطفى كمال أتاتورك بشكل سري مع بعض العسكريين العلمانيين والقوميين، وأغلبيتهم من الذين كانوا في جمعية الاتحاد والترقي سيئة السمعة، ثم أعلن عن تشكيله العلني في التاسع من أيلول/ سبتمبر سنة 1923م، وانضم إليه الإشتراكيون والعلمانيون والقوميون والكثيرين من غير المسلمين السنة، واختار أتاتورك وعسكره للجمهورية التركية، قبل إعلانها، دستوراً مستوحى من الدستور السويسري بدلاً من الدستور العثماني الإسلامي، وكان ذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1922م، ثم استولى العسكر على السلطة بقيادة الجنرال أتاتورك الذي أعلن قيام الجمهورية التركية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1923م، ثم أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية في 3 آذار/ مارس سنة 1924م، ونفى جميع أبناء الأسرة العثمانية وأقاربهم بالمصاهرة خارج تركيا، فمات منهم المئات على دروب الشتات وفي المنافي، وبدأ تحول جذري في الحياة السياسية والدينية والاجتماعية التركية في ظل الجمهورية التركية العلمانية، وبدأت مسيرة تراجع الجامعة الإسلامية، وتقدُّم أتباع جمعية الاتحاد والترقي الذين يشكلون العمود الفقري لحزب الشعب الجمهوري الحاكم.

وبعدما سيطر الجنرال أتاتورك ورفاقه على الجمهورية التركية تَمَّ تبنى المبادئ العلمانية، ثم أصدر الرئيس مصطفى أتاتورك قانون الملابس الرسمية لموظفي الدولة سنة 1925م فحظر الملابس الإسلامية في الدوائر الرسمية وغير الرسمية.

وفي سنة 1928م ألغيت الكتابة بالحروف العربية، واعتمدت الحروف الهجائية اللاتينية مكانها، وفي سنة 1932م حصلت تركيا على عضوية عصبة الأمم،

 وحكم أتاتورك تركيا باعتباره القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ورئيس الحزب الواحد، ورئيس الجمهورة، فحل محله نائبه الجنرال عصمت إينونو الذي ترأس الوزارة التركية سبع مرات من سنة 1923 حتى سنة 1937م، ثم ترأسها ثلاث مرات مابين سنة 1961م، وسنة 1965م، واستمر في رئاسة الجمهورية التركية الثانية من سنة 1938م حتى سنة 1950م.

وبقي حزب الشعب الجمهوري الحزب الوحيد الفعاّل على الساحة التركية طيلة مدة حياة أتاتورك، واستمرت مسيرة تجديد رئاسته، وبقي الحاكم الأوحد منذ سنة 1923م حتى موته سنة 1938م، وكان يشغل رئاسة الحزب القائد، ورئاسة الجمهورية، والقيادة العليا للجيش والقوات المسلحة، والمفكر الوحيد. وبعد موت أتاتورك سنة 1938م خلفه برئاسة الجمهورية التركية، ورئاسة حزب الشعب الجمهوري الجنرال عصمت إينونو، ولم يكن على الساحة السياسية التركية في أيام أتاتورك سوى حزب الشعب الجمهوري وريث جمعية الاتحاد والترقي.

وكانت السنوات الممتدة من 29 تشرين الأول سنة 1923م حتى سنة 1938م من أقسى السنوات التي مرت على شعوب تركيا الحديثة حيث كانت القبضة العسكرية قوية جداً، وبعد موت أتاتورك ترأس الوزارة التركية التاسعة والعشرة جلال بايار حتى كانون الثاني سنة 1939م.

أما أنصار حركة الجامعة الإسلامية فقد انضم بعضهم إلى حزب الشعب الجمهوري التركي على أمل تغييره من الداخل، أي من داخل الحزب، وبعدما ارتخت اليد العسكرية في أيام عصمت إينونو انتقلت تركيا إلى نظام الأحزاب المتعددة منذ سنة 1945 م حيث انشق أربعة نواب عن قيادة حزب الشعب الجمهوري بسبب سياساته السيئة.

وأولئك الأربعة هم : الشهيد عدنان مندرس، والراحلون : جلال بيار وفؤاد كوبريلى ورفيق قورآلطان،  وهُم الذين أعلنوا تشكيل حزب جديد هو الحزب الديمقراطي(DP) ثم انتخبوا الشهيد جلال بايار زعيما للحزب، ثمَّ تَمَّ الخروج من فترة ديكتاتورية الحزب الواحد في الساحة السياسة التركية، وبدأت مرحلة التعددية الحزبية، والتحق أنصار الجامعة الإسلامية بالحزب الديموقراطي.

التعددية الحزبية التركية

وبعد ذلك أجريت أول انتخابات تركية عامة في 21 تموز/ يوليو سنة  1946 م،  فأطلت الديموقراطية الخجولة على تركيا، واستمرت المعوقات المخيفة حيث كانت عملية الإدلاء بالأصوات علنية دون وجود غرفة سرية، مما يعرض معارضي الحزب الحاكم للمساءلة والمضايقة، وربما للتصفية الجسدية، في حين كانت عملية الفرز غاية في السرية حرصاً على تزوير نتائج الانتخاب، وهذه الخطة السيئة تمّ توريدها إلى بعض الدول العربية ذات الديموقراطية الثورية.

ورغم كل العقبات  فإن الحزب الديمقراطي المعارض شارك في الانتخابات فقط في 16 محافظة، ولم يشارك في باقي المحافظات التركية، ومع ذلك حصل على 62 مقعداً نيابياً، وفاز حزب الشعب الجمهوري الحاكم بـ396 مقعدا في البرلمان ؛ وشهد البرلمان التركي صراعاً بين أكثرية الحزب الحاكم والأقلية البرلمانية المعارضة التي تعبر عن رأي الأكثرية الشعبية التركية الصامتة، وبمعنى آخر: كان جوهر الصراع بين أنصار جمعية الاتحاد والترقي الممثلة في حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، وأنصار الجامعة الإسلامية الممثلة في الحزب الديموقراطي المعارض.

سقوط حزب أتاتورك ونجاح الإسلاميين

وبناء على ذلك نستطيع القول: كان المشروع الانتخابي للحزب الديموقراطي مشروعاً إسلامياً بشكل ضمني في انتخابات 1950 م، وكان يدعو إلى التجديد والتعددية والحرية والديمقراطية، والانفتاح على العالم، وإنشاء المصانع وفتح المدارس والجامعات، وجعل تركيا واحةً للحرية وحقوق الإنسان.

وشكلت الانتخابات منعطفاً تاريخيا هاما في مسيرة السياسة الحزبية التركية حيث أَلحقَ الحزبُ الديمقراطي هزيمةً منكرة بحزب الشعب الجمهوري بعدما تفرّد بالسلطة مدة 28 سنةً مضت، وحصل الحزب الديمقراطي على نسبة 52.68% من الأصوات، وفاز بـ397 مقعدا من مجموع 487 مقعدا في البرلمان، فانتخب جلال بايار رئيساً للجمهورية، فاستمرّ من سنة 1950 حتى سنة 1960م، وترأس عدنان مندريس الوزارة التركية خمس مرات متتاليات ابتداء بالوزارة التاسعة عشرة، وانتهاءً بالوزارة الثالثة والعشرين، وبوصول الحزب الديموقراطي إلى السلطة بدأت مسيرة ردَّ الاعتبار للشعب التركي من الناحية الدينية الإسلامية.

وخرجت تركيا من عزلتها، ودخلت  في مرحلة عمرانية جيدة، فتولى البرفسور نجم الدين أربكان قيادة النهضة الصناعية، وبتأسيس المصانع، وتولى النهضة الزراعية المهندس سليمان ديمريل  الذي بدأ إنشاء السدود والطرقات والجسور، واهتمت الوزارة بإنشاء المدارس الشرعية (الأئمة والخطباء) وأدخلت الدروس الدينية إلى مناهج المدارس العامة، وفتحت أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم المسماة : قرآن كورس، كما أنشأت الجامعات في معظم المحافظات التركية، فازدادت شعبية رئيس الوزراء عدنان مندريس وحزبه عندما أعاد الأذان باللغة العربية بقرار من البرلمان التركي بعدما جعله أتاتورك باللغة التركية منذ سنة 1928م، واستمر الأذان باللغة التركية حتى نهاية رئاسة عصمت إينونو.

وجاءت انتخابات سنة 1954 م، فأعرب الشعب التركي عن حبه وتقديره لمندرس فازدادت أصواته وحصل حزبه على 503 مقاعد من أصل 541 مقعداً، وشكل الوزارة الحادية والعشرين منفرداً، ونال حزب الشعب الجمهوري 31 مقعدا فقط، وقام مندريس بحلّ حزب الشعب الجمهوري ومصادرة ممتلكاته، وبعد ذلك بدأت الحملة العسكرية ضد الحزب الديموقراطي انتقاماً لحزب الشعب الجمهوري تحت شعار حماية العلمانية، مما أضعف شعبية الحزب الديموقراطي جراء حملة الترغيب والترهيب العسكرية.

ورغم مُعاداة جنرالات العسكر للحزب الديموقراطي في انتخابات سنة 1957م ؛ فقد حصل الحزب الديمقراطي على نسبة 48% من مجموع الأصوات، ونال 424 مقعدا من أصل 610 مقاعد في البرلمان، ونال حزب الشعب الجمهوري نسبة 41% من الأصوات وشغل 178 مقعدا برلمانياً، فتمكن عدنان مندريس من تشكيل الوزارة الثالثة والعشرين، وهي خامس وزارة برئاسته، مما خيب آمال العسكر الذين تضايقوا من النتائج، وقرروا التخلص من رئيس الوزراء  وحزبه، واستغلوا فرصة سفره على رأس وفد حكومي تركي إلى لندن ففعلوا ما فعلوه بالطائرة التي انفجرت حينما حطت على أرض المطار، وكانت المفاجأة موت جميع الذين كانوا على متن الطائرة ماعدا رئيس الوزارة التركية عدنان مندريس الذي عاد إلى تركيا حياًّ.

ديكتاتورية العسكر

ولما خابت آمال العسكر بقتل مندريس بواسطة الطائرة المنكوبة قاموا بانقلابهم سنة 1960م، وسلموا رئاسة الوزارة الرابعة والعشرين إلى جمال غورسيل، ثم سلموه رئاسة الجمهورية في تشرين الثاني/ أكتوبر سنة 1961م، وسلموا الوزارة السادسة والعشرين إلى عصمت إينونو، فترأس ثلاث وزارات متتالية، وبعد الإنقلاب أصدرت المحكمة العُرفيةُ العسكرية أحكامها بحق المعتقلين في جزيرة ياسي التركية  في 15 أيلول/ سبتمبر سنة 1961م، وحكمت بالسجن مدى الحياة على رئيس الجمهورية جلال بايار، ثم أُفرج عنه لاحقاً، وحكمت بإعدام أَعدموا  12 عضوا من أعضاء مجلس الشعب التركي المتدينين، إضافة إلى رئيس الوزراء ورئيس الحزب الديموقراطي  عدنان مندرس، ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو، ووزير ماليته حسن بولات قان  بحجة اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية إسلامية.

وتم تنفيذ حكم الإعدام لمندريس شنقاً في 16 أيلول/سبتمبر/ 1961 م، فكانت مأساة مؤلمة أبكت الشعب بمواجهة صفحة دموية كتبها الجنرالات بدماء الديموقراطية في تاريخ الجمهورية التركية، وبعد أيام من إعدام مندريس نفذ حكم الإعدام بحق رشدي زورلو وحسن بولات قان، ودفن الشهداء الثلاثة في الجزيرة، وبذلك انتصرت مُخلفات جمعية الاتحاد والترقي على بقايا حركة الجامعة الإسلامية في تركيا.

ومرت السنونُ والناس يخشون زيارة قبور شهداء الحرية حتى جاءت أيام رئيس الجمهورية المرحوم طورغوط أوزال الذي شهد عهده ردَّ الاعتبار لأولئك الشهداء بقرار من البرلمان التركي الذي كان يسيطر عليه حزب الوطن الأم، ثمّ تمّ نقلُ رُفات الشهداء الثلاثة من جزيرة ياسي إلى ضريح خُصِّصَ لهم في مدينة إسطنبول.

وهذا دليل على أن جذور حزب الوطن الأم الذي أسسه أوزال تعود إلى الحزب الديموقراطي، شأنه في ذلك كشأن حزب العدالة 1961 م، وحزب الطريق الصحيح اللذين أسسهما سليمان ديميريل، وأحزاب النظام الوطني (MNP) 1970 م، والسلامة 1973 م،والرفاه 1983 م ؛ التي أسسها نجم الدين أربكان، ثم حزب الفضيلة الذي ورث حزب الرفاه، ثم حزب السعادة وحزب العدالة والتنمية اللذين ورثا حزب الفضيلة، وغير ذلك من الأحزاب ذات الجذور المتصلة بالجامعة الإسلامية.

وبعدما قام الجنرالات بانقلابهم العسكري سنة 1960م، أزالوا الحزب الديموقراطي عن الحكم بالقوة العسكرية، ووضعوا دستوراً جديداً لتركيا سنة 1961م، وأتاح الدستور الجديد لمجلس الأمن القومي فرصة التحكم بكل شيء في تركيا، وظهرت المحكمة الدستورية التركية في سنة 1961م للتأكد من عدم مخالفة القوانين التي تسنها الحكومة لمواد الدستور، والغاية الحقيقية هي محاربة التوجهات الإسلامية بطريقة تتصف بصفة قانونية تمثلها المحكمة الدستورية.

عودة التعددية الحزبية

ثم بدأت مرحلة التعددية الحزبية في تركيا من جديد سنة 1964م، فظهرت الأحزاب اليمينية واليسارية، وشكل أعضاء من الحزب الديموقراطي السابق حزب العدالة الذي أوصل المهندس سليمان ديميرل إلى منصب رئاسة الوزراء بعدما فاز الحزب في انتخابات سنة 1965م بنسبة 53 في المئة، مما مكنه من تشكيل ثلاث وزارات متتالية، وأطاح وزارة خيري أورغوبلو رئيس الوزارة التركية التاسعة والعشرين، وفي آذار/ مارس سنة 1966م تولى جودت صوناي رئاسة الجمهورية التركية خلفا للجنرال جمال غورسيل، وتكاثرت الأحزاب، فشكل البروفسور نجم الدين أربكان سنة 1973م بدلاً من حزب النظام الوطني الذي كان قد أسسه سنة 1970م.

عودة الديكتاتورية العسكرية

ولما تعاظمت قوة أحزاب المعارضة قاد الجنرال ممدوح طغماتش انقلابا عسكرياً سنة 1971م، وأجبر الجيشُ سليمانَ ديميرل على الاستقالة، وحُلّت الأحزاب السياسية، وسُلمت رئاسة الوزارة الثالثة والثلاثين إلى نهاد إريم، ثم ترأس الوزارة الرابعة والثلاثين، وفي سنة 1972 صار بولنت أجاويد رئيساً للحزب، وهو الزعيم الثالث في تاريخ حزب الشعب الجمهوري. ولكن أجاويد لم يستطع تشكيل وزارة بمفرده بعد انتخابات 1973 م فشكل الوزارة السابعة والثلاثين في كانون الأول/ ديسمبر سنة 1974م، واستمرت حتى تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1974م، وهي وزارة ائتلافية مع حزب السلامة الوطني الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان الذي ينتمي أساساً إلى تيار عدنان مندريس من حيث التوجه الإسلامي.

ولم تكن الوزارة الائتلافية منسجمة، وحينما كان أجاويد خارج البلاد، وحصل اعتداء القبارصة اليونان على القبارصة الأتراك سنة 1974م، أصدر رئيس الوزراء بالنيابة نجم الدين أربكان أوامره للجيش التركي بدخول قبرص لإنقاذ المسلمين الأتراك من المذابح الجماعية، فتم تحرير شمالي قبرص، وحينذاك فرضت الولايات المتحدة حظراً تجارية على تركيا، ثم رفعت ذلك الحظر سنة 1978م.

حرب اليمين واليسار

وحصل بولنت أجاويد رئيس حزب الشعب على رئاسة الوزارة الثانية والأربعين سنة 1978 م، ولكنه كان ضعيف الأداء، وانتشرت موجة العنف السياسي بين اليمين واليسار في تركيا، واستقال وزير الداخلية وتبعه وزير الدفاع وأعلنت الوزارة عجزهما عن مواجهة العنف الداخلي، وأعلن بولنت أجاويد استقالة الوزارة التركية سنة 1979م.

ثم شكل زعيم حزب العدالة سليمان ديميرل حكومة تركية إئتلافية جديدة مع نجم الدين أربكان رئيس حزب السلامة الوطني بتكليف من الرئيس فخري كوروتورك.

العسكر يصادرون الديموقراطية

ضاق العسكر ذرعاً بصراع الأحزاب، وخافوا على مكتسباتهم، فقام الجنرالات بقيادة الجنرال كنعان إيفرين بالانقلاب العسكري في 12 أيلول/ سبتمبر 1980 م، وقام العسكريون بحلِّ حزب الشعب الجمهوري إلى جانب الأحزاب السياسية الأخرى، وفرض الأحكام العرفية، وحظر العمل السياسي على قادة الأحزاب، وحل أحزابهم أيضاً، واجتاحت البلاد موجة اعتقالات، وتعذيب للسجناء، وتنفيذ لأحكام الإعدام، وأنيط حكم البلاد بجنرالات مجلس الأمن القومي برئاسة كنعان إيفرين، ثم وضع الإنقلابيون دستوراً جديداً لتركيا ووافقت عليه الأغلبية الساحقة من الشعب في استفتاء عام، ثم فاز الرئيس كنعان إيفرين بكرسي رئاسة الجمهورية لمدة سبع سنوات سنة 1982م بعدما تعطل منصب رئيس الجمهورية من نيسان سنة 1980م.

وأعيد تشكيل المحكمة الدستورية التركية في سنة 1982م، وبحسب دستور 1982 تتألف المحكمة من 11 عضوا منتظماً وأربعة أعضاء غير منتظمين يختارهم رئيس الجمهورية من الجهاز القضائي المدني والعسكري التركي، وتعتبر أحكامها نهائية.

وأكثر ما يثير الجدل في الدستور التركي هو موقع المؤسسة العسكرية التي نصَّبت نفسها للدفاع عن المبادئ العلمانية اللادينية منذ عهد الرئيس أتاتورك وحتى اليوم، وحفظت المؤسسة العسكرية التركية لنفسها دوراً رقابياً وتنفيذياً في الحياة السياسية عبر مجلس الأمن القومي التركي الذي يتألف من رئيس الأركان، والقادة الأربعة: لقوات الجيش البرية والبحرية والجوية وقائد الجندرما، إلى جانب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية ووزير الداخلية، وينعقد المجلس برئاسة رئيس الجمهورية الذي يعد برنامج الاجتماع ويأخذ بعين الاعتبار اقتراحات رئيس الوزراء ورئيس الأركان.

السماح بتشكيل أحزاب جديدة

وبعد وصول الجنرال كنعان إيفرين إلى كرسي الرئاسة في كانون الأول/ يناير سنة 1982م سمح بتشكيل أحزاب جديدة في تركيا، فشكل أنصار نجم الدين أربكان حزب الرفاه الذي حل محل حزب السلامة، وشكل تورغوت أوزال حزب الوطن الأم الذي ضم عدداً كبيراً من أعضاء حزب السلامة سابقاً، وشكل أنصار سليمان ديميريل حزب الطريق القويم، وجرت الانتخابات العامة في تركيا سنة 1983م، ففاز حزب الوطن الأم "آني وطن بارتيسي" بزعامة تورغوت أوزال بأغلبية المقاعد البرلمانية فتمكن حزبه من تشكيل الوزارة الخامسة والأربعين، وهي أول حكومة مدنية بعد ثلاث سنوات من الحكم العسكري.

وشارك الأتراك في استفتاء شعبي سنة 1987م، وصوتوا بنسبة عالية لصالح قرار رفع الحظر عن السياسيين القدماء الذين فرض عليهم الإنقلابيون العسكريون عدم المشاركة في السياسة، فتحرر العديد من المسؤولين الأتراك، ومنهم نجم الدين أربكان الذي ترأس حزب الرفاه بشكل علني بعد رفع الحظر، وسليمان ديميريل الذي ترأس حزب الطريق القويم.

وصول المدنيين إلى رئاسة الجمهورية التركية

وانتهت مدة رئاسة الجنرال كنعان إيفرين سنة 1989م، واختار البرلمان التركي تورغوت أوزال رئيسا للبلاد خلفاً للجنرال إيفرين، وعادت رئاسة الجمهورية إلى المدنيين، وتراجع نفوذ العسكر، ثم ترأس الوزارة السابعة والأربعين يلدريم أق بولوت من حزب الوطن، ثم تلاه في رئاسة الوزارة الثامنة والأربعين مسعود يلماظ فمُني حزب الوطن الأم بهزيمة في الانتخابات سنة 1991م لسوء إدارة زعيمه الجديد مسعود يلماظ، وتقدم حزب الطريق الصحيح بزعامة ديميريل، وحزب الرفاه بزعمة أربكان، وأعيد تشكيل حزب الشعب الجمهوري سنة 1992 بقيادة دنيز بايكال، وشكل بولنت أجاويد حزب اليسار الديموقراطي.

وتوفي الرئيس التركي تورغوت أوزال في نيسان/ إبريل سنة 1993م، فخلفه الرئيس سليمان ديميرل بتصويت الأكثرية البرلمانية في أيار/ مايو سنة 1993م، وحلت محل ديميريل في زعامة الحزب طانسو تشيلر التي ترأست الوزارة.

وصول حزب الرفاه الإسلامي إلى رئاسة الوزراء

وبدأ الشعور الديني بالتنامي في تركيا، في ظل الديموقراطية النسبية، وجرت انتخابات برلمانية عامة سنة 1995م، ووصلت إلى البرلمان عدة أحزاب، وحصل حزب الشعب الجمهوري على نسبة 11% من الأصوات التي مكنته من إحراز 49 مقعدا في البرلمان، وحقق حزب الرفاه ذو التوجه الإسلامي المرتبة الأولى بحصوله على نسبة 38،21 في المئة مما مكنه من الوصول إلى لسلطة في رئاسة الوزارة الثانية والخمسين، وهي وزارة إئتلافية مع حزب الطريق القويم، وتولى نجم الدين أربكان منصب رئيس الوزراء، وهو أول رئيس وزراء إسلامي في تاريخ تركيا العلمانية، وتولت طانسو تشيلر منصب نائب رئيس الوزراء.

وبدأت الضغوط العسكرية على رئيس الوزراء نجم الدين أربكان من قبل الجنرالات، ورغم ذلك حقق حزب الرفاه إنتصارات ساحقة في الانتخابات البلدية، ففاز رجب الطيب أردوغان برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، ومليح غولتيك برئاسة بلدية العاصمة أنقرة.

استقالة أربكان وحلّ حزب الرفاه الإسلامي

وتحت الضغط العسكري قدم نجم الدين أربكان استقالته، وشكلت طانسو تشيلر إئتلافا مع مسعود يلماظ وبولنت أجاويد بطريقة غير دستورية، فشكلت الوزارة الثالثة والخمسين برئاسة مسعود يلماظ في كانون الأول/ ديسمبر سنة 1997م، ثم حُلت في آذار من نفس السنة لعدم شرعيتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا، فحلت محلها الوزارة الرابعة والخمسين برئاسة بولنت أجاويد رئيس حزب اليسار الديموقراطي، وتم حل حزب الرفاه تعسّفياً بقرار من محكمة الأمن القومي، وفُرض حظر العمل السياسي على نجم الدين أربكان، وسُجن رئيس بلدية إسطنبول رجب الطيب أردوغان

 وبضغط من العسكر والقوى العلمانية تم تعديل نظام التعليم، وألغيت المرحلة الإعدادية من المدارس الشرعية ( الأئمة والخطباء) وهكذا تمت مصادرة منجزات الشهيد عدنان مندريس. 

وصدق رئيس الجمهورية سليمان ديميرل على قانون التعليم الأساسي المتصل، الذي يقسم مراحل التعليم إلى مرحلتين مدة الأولى 8 سنوات، والثانية 3 سنوات، وصدر القانون في 16 آب/ أغسطس سنة 1997م، وبذلك قضي بإلغاء المرحلة الإعدادية من المدارس الدينية، واستقال وزراء حزب الرفاه، وحل محلهم وزراء حزب الوطن الأم بزعامة مسعود يلماظ، ثمَّ تَمَّ حظر حزب الرفاه الإسلامي بحكم جائر من المحكمة الدستورية التركية في 16 كانون الثاني/ يناير سنة 1998م، وحظر العمل السياسي على البروفسور نجم الدين أربكان مدة خمس سنوات، وانتهت المدة في نهاية العام 2002م، وقامت الدولة بالاستيلاء على مقرات حزب الرفاه وممتلكاته، وادعى القادة العسكريون أن نشاط حزب الرفاه مناهض للعلمانية.

تشكيل حزب الفضيلة الإسلامي

وبعد حظر العمل السياسي على نجم الدين أربكان، شكل أعضاء حزب الرفاه حزبا جديداً هو حزب الفضيلة بزعامة رجائي قوطان، وحصلت انتخابات سنة 1999م، فحصل حزب الفضيلة على 115 مقعداً في البرلمان من أصل 550مقعد، ونجحت بعض النائبات المحجبات، فثارت ثائرة العلمانيين والعسكر، وتم حرمان النائبة الْمُحجبة مروة قاوقجي من مقعدها البرلماني، مما أثار أزمة أربكت الشارع التركي والحكومة، والنيابة العامة في نفس الوقت، وادعت النُّخب العلمانية أن حرمان النائبة من مقعدها تتويج لانتصارات العلمانية في الحد من دور السياسيين الإسلاميين في تركيا. ولكن حزب الشعب الجمهوري فشل في الانتخابات وحصل على نسبة  8.7% فقط أصوات الناخبين مما حرمه من دخول مجلس الشعب التركي الذي دخلته خمسة أحزاب هي: حزب اليسار الديموقراطي أجاويد، وحزب العمل القومي بغجلي، وحزب الفضيلة رجائي قوطان، وحزب الوطن الأم يلماظ، وحزب الطريق القويم طانسو تشيلر.

ولما انتهت مدة رئاسة الرئيس سليمان ديميريل سنة 2000م فشلت الأحزاب الممثلة في البرلمان في الاتفاق على رئيس للجمهورية من أعضاء تلك الأحزاب، وبذلك أتيحت الفرصة للرئيس الحالي المستقل: أحمد نجدت سيزر الذي خَلَفَ الرئيس سليمان ديميرل، ونشب خلاف بين رئيس الجمهورية التركية أحمد سيزر، ورئيس الوزراء بولنت أجاويد بسبب استشراء الفساد المالي بين أعضاء الوزارة والمحسوبين عليهم من أنصارهم ومنتسبي أحزابهم، وقد أدى ذلك الخلاف إلى اضطراب الأسواق المالية التركية، فهوت قيمة الليرة التركية إلى أكثر من النصف، وخسر الاقتصاد التركي أكثر من 9 مليارات دولار في أقل من شهر، وتم وضع الكثير من البنوك تحت إدارة لجنة حكومية لحمايتها من الفساد والإفلاس والسرقات.

حل حزب الفضيلة الإسلامي

وفي سنة 2001م أصدرت المحكمة الدستورية في تركيا قراراً بحظر حزب الفضيلة الإسلامي الذي يتزعمه رجائي قوطان، بدعوى أنه امتداد لحزب الرفاه المحظور، وجاء ترتيب حزب الفضيلة: الثالث والتسعون بعد المائة ضمن سلسلة الأحزاب السياسية التي دخلت الحياة السياسية التركية ؛ ثم حُلّتْ بأحكام عرفية، أو بسبب إفلاسها.

تشكيل حزب السعادة وحزب العدالة والتنمية

انتسب أعضاء حزب الفضيلة إلى حزبين جديدين هما:حزب السعادة، وحزب العدالة والتنمية (AKP) وخاضا الإنتخابات  الأخيرة التي أجريت في يوم الأحد 03/11/2002 م، ففشل حزب السعادة في الانتخابات، ونجح حزب العدالة والتنمية الذي حاز أكثرية مقاعد البرلمان مما مكنه من تشكيل الوزارة التركية الخامسة والخمسين برئاسة عبد الله كُول، ثم رُفع الحظر عن رجب الطيب أردوغان، ونجم الدين أربكان بقرار من مجلس الشعب، فالتحق أربكان بحزب السعادة، واستقالت الوزراة وحلت محلها الوزارة السادسة والخمسين الحالية برئاسة أردوغان، ومازالت هذه الوزارة على رأس عملها.

هوية حزب العدالة والتنمية التركي

تشكَّل حزبُ العدالة والتنمية في تركيا بتاريخ 14 آب/أغسطس/ سنة 2001 م برئاسة رجب الطيب أردوغان ومعه : 55 من النواب الذين انشقوا عن حزب الفضيلة الإسلامي قَبْلَ حله بقرار صدر عن المحكمة الدستورية التركية في 22 حزيران/ يونيو سنة 2001 م، وكان أولئك النواب يمثلون جناح الشباب المجددين في حزب الفضيلة، وكان جناح العدالة والتنمية يتهم جناح رجائي قوطان بتلقي التعليمات من مرشد الحزب البروفسور نجم الدين أربكان الذي مُنِعَ من ممارسة السياسة بحكم غير عادل رغم حظوة الحزب بأصوات أكثرية الناخبين الأتراك الذين منحوا لحزب الرفاه أعلى نسبة من الأصوات وهي: 21,38 في المئة في انتخابات سنة 1995 م مما أوصله إلى رئاسة الوزارة الإئتلافية حينذاك.

نتيجة

هذه هي خريطة الصراع السياسي الداخلي التركي التي تتوزع على خطين متناقضين، أحدهما إسلامي، وهو يُعتبرُ امتداداً للجامعة الإسلامية، والثاني علماني وهو يعتبر امتدادا لجمعية الاتحاد والترقي، والخطان يتجليان بوضوح من خلال حزب الشعب الجمهوري الذي قاده أتاتورك ثم عصمت إينونو، والحزب الديموقراطي الذي تزعمه عدنان مندريس، ومن تحت عباءة هذين الحزبين خرجت جميع الأحزاب التركية التي قارب عددها : 200 حزب، حيث نجد أن مؤسسي الحزب الديموقراطي قد انشقوا بداية عن حزب الشعب الجمهوري، ثم نجد أنّ جميع مؤسسي بقية الأحزاب التركية قد كانوا سابقاً أعضاءً في أحد هذين الحزبين، أوفي حزب أسسه أعضاء منهما. باستثناء الحزب الشيوعي التركي (TKP ) الذي تأسس سنة 1921م، ثم حُظر، وتحول إلى حزب سريّ، وأعيد تشكيله سنة 2001 م وخاض الانتخابات التشريعية الماضية لأول مرة في تاريخ تركيا، ولكنه لم يستطع الحصول على أي مقعد من مقاعد البرلمان التركي.

 وفي الإنتخابات التركية الماضية لم ينجُ من السقوط الإنتخابي سوى حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب الطيب أردوغان الذي حصل على 363 مقعداً، وحزب الشعب الجمهوري بزعامة دنيز بايكال الذي حصل على 178مقعداً، ونجح إلى جانب الحزبين المتصارعين تسعة نواب مستقلين من الوجهاء وزعماء العشائر، وتحولت بقية الأحزاب إلى صفوف المعارضة السلبية من خارج البرلمان.

 

 

ملحق

قائمة الأحزاب التي انفردت بتشكيل الوزارات التركية حسب السنوات وعدد النواب

الحزب

السنة

عدد النواب

 

الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس

1950 م

408

 

الحزب الديمقراطي، مندريس

1954 م

490

 

الحزب الديمقراطي، مندريس

1957 م

419

 

حزب العدالة، سليمان ديميريل

1965 م

240

 

حزب العدالة

1969 م

256

 

حزب اسليمان ديميريل، لوطن الأم

1983 م

212

 

حزب الوطن الأم، طورغوت أوزال

1987 م

292

 

حزب العدالة والتنمية، أر دوغان

2002 م

363

نتائج الانتخابات التركية سنة  1995 م

 اسم الحزب الذي نال نسبة العشرة بالمئة فما فوق

 النسبة المئوية لأصوات الأحزاب

حزب الرفاه

21.38

حزب الوطن الأم

19.65

حزب الطريق القويم

19.18

حزب اليسار الديمقراطي

14.64

حزب الشعب الجمهوري

10.71

 

 

نتائج الانتخابات التركية سنة  1999 م

 

الحزب

عدد المقاعد

نسبة الفوز

عدد الأصوات

حزب اليسار الديمقراطي، أجاويد

136

22.17

6900322

حزب العمل القومي، بغجلي

129

17.98

5594375

حزب الفضيلة، نجاتي قوطان

111

15.39

4790430

حزب الوطن الأم، يلماظ

86

13.22

4114705

حزب الطريق القويم، تشيلر

85

12.03

3742317

حزب الشعب الجمهوري، بايكال

81

8.72

271205

نتائج الانتخابات التركية سنة  2002 م

 

الحزب

عدد المقاعد

نسبة الفوز

عدد الأصوات

حزب العدالة والتنمية، أردوغان

 363 

66 في المئة

 

حزب الشعب الجمهوري، بايكال

178  

32,2

 

 نواب مستقلون

  9

  1,8

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعاونت إيران وروسيا والدول الأوروبية ضد السلطنة العثمانية، وطرح أعداء السلطنة مئة مشروع لتدميرها، وقد جمع نصوص تلك المشاريع في كتاب واحد وزير خارجية رومانيا: ت. ج. دجوفارا، ونشرت طبعة الكتاب باللغة الفرنسية في باريس سنة 1914م، وتقع الطبعة في 650 صفحة، وقدم للكتاب أستاذ كلية الحقوق الفرنسية لويس رينو، وأول من ترجم مقتطفات من ذلك الكتاب وعلق عليها أمير البيان شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي، ثم علق على تلك المشاريع الشيخ محمد العبدة، وأصدرت عمله في كتاب دار ابن حزم في بيروت، ومطالعة الكتاب تدلّ على كثرة المؤامرات التي حيكت ضد الدولة العثمانية، وتجلى الصراع في القرن التاسع عشر والقرن العشرين على محورين أساسيين مثلت أحدهما الجامعة الإسلامية، ومثلت الثاني جمعية الاتحاد والترقي، ومن تحت عباءة هذين المحورين خرجت الأحزاب التركية والعربية أيضاً.
thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16430623
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة