بغداد بين الأحلام و الأوهام

 و تداول الشعوب و ا لحكام

بغداد بين الأحلام و الأوهام ؛ و تداول الشعوب و ا لحكام

 محمود السيد الدغيم - جرجناز - سوريا


عندما يُذكر اسم مدينة بغداد ، تستيقظ الأسماء النائمة من سُباتِهافي ليالي الذكريات ، و تنشطُ الذاكرة ، و مع النشاط يتخيل المرءُ قوَّةَ و شجاعةَ أبي جعفر المنصور ، وعلوّ همته التي ورثها عنه البغداديون منذ تحويله ذلك المكان المغمور الذي كان يسمى بغذاذ إلى عاصمة العالم منذ سنة 145 هـ / 762 م ، و التي سماها المدينة المدورة تماهياً مع هندستها المعمارية ، فكانت إسماً على مُسَمّى بهمة الخليفة الذي تخلى عن الراحة ؛ وشارك في تخطيط المدينة و متابعة إنجاز بُنيانها ، و أوكل مهمة الإشراف الدائم على أعمال بناء المدينة المدورة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان الذي يرقد في الأعظمية ؛ فبلغت كلفة بنائها : 882000 دينار .


و جُعِلَت الأسواق على جوانب الطرق الأربعة الرئيسية التي تؤدي إلى أبواب المدينة المدورة الأربعة ، و تخترق المسافة التي بين السورين : الثاني والثالث ؛ و الفصيل الأقل ارتفاعاً من السورين ، و تلك الأبواب هي : باب خراسان من جهة المشرق ، وباب الكوفة من جهة المغرب ، و باب الشام من الشمال؛ و باب البصرة من الجنوب ، وكانت دكاكين السوق على أطراف الطرقات الأربع .
وشُيدتْ للمدينة المدورة أربعة أبواب فرعية أصغر من الأبواب الرئيسية ، و لم تكن أبواب القصور الداخلية بمواجهة أبواب المدينة المدورة ، وإنما كانت مزورة عنها ، ولذلك سميت المدينة باسم الزوراء لازورار الأبواب عن بعضها .
كما سماها بعضهم مدينة أبي جعفر المنصور بالله ، وشاع لها اسمان لهما علاقة باسمها القديم ، وهما : بغداد و بغدان ، أما سبب تسميتها بمدينة السلام فمرده إلى أمرين :
الأول : لأن نهر دجلة يقال له وادي السلام .
و الثاني : لأن المدينة - على ما ذكر ابن الفقيه الهمداني - مدينة الله ولأن الله هو السلام ، و هذه التسمية المأخوذة من لفظ الجلالة الذي كان يضرب على الدنانير الذهبية ، والدراهم الفضية ، والناس يدعونها بغداد أو بغدان و تغنوا بها.
بلاد الْعُرب أوطاني
من الشام لبغدان

وكانت أسوارُ بغداد المدورة عريضةً ؛ بلغ عرض قاعدتها : 18 ذراعاً ، وبلغ عرض ذروتها من الأعلى : 6 أذرع ، أما قصر الخليفة فكانت مساحته : 160 ألف ذراع مربع ،و مساحة المسجد الجامع : 120 ألف ذراع مربع تعلوه القبَّةُ الخضراء بارتفاع : 80 ذراعاً .
وبنى الناس المنازل والحمامات و الدكاكين ، و بعد إتمام البناء رحل الخليفة أبو جعفر المنصور وحاشيته من مقرّه في الهاشمية إلى بغداد سنة149 هـ ، و مع حلوله في العاصمة توافد إليها طلاب العلم والمعرفة ، والباحثين عن الرزق فراحت بغداد تتسع ، فتمّ بناء الرصافة في الجانب الشرقي من بغداد سنة 159هـ فبلغ عدد المنازل 12 ألف منزلاً ، واصبحت الرصافة مقراً للخليفة العباسي المهدي ، و تضمن بناء الرصافة سوراً وخندقاً و مسجداً ، و بستاناً وقصرا للأمارة ، و قصورا للحاشية الحاكمة .
و شهدت بغداد رعاية حكومية للزراعة المنظمة فازدانت بالبساتين التي تحيط بها مياه نهر دجلة من الغرب ، و نهر ديالي من الشرق ، فقال المعجبون بها : " الأرض كلها بادية وبغداد حاضرتها " . وتفنن الخلفاء العباسيون في رعاية الحضارة و الفنون و العلوم حتى أصبحت بغداد عاصمة الدنيا ، و مقصد طلاب العلوم والمعارف و الجاه المادي والمعنوي ، مما أذهل زوارها لكثرة ما بها من العجائب التي لا تجتمع في مدينة أخرى غيرها في ذلك الزمان .
و ظلت المدينة المدورة على تلك الحال حتى ضاقت الأسوار عن استيعاب السكان فأمر الخليفة المنصور ببناء الجسر بين ضفتي نهر دجلة ، ثم أمر ببناء ضاحية الكرخ ؛ و بنقل الأسواق إليها خارج أسوار المدينة المدورة ، وسكن الوافدون من أطراف الدولة في محلة الكرخ إلى جانب أصحاب الْحِرف و عمال السوق فنمتْ و ازدهرت و عجت بخليط سكاني عجيب شكل تنوعاً دينياً و عرقياً و ثقافياً و فنياً ؛ و ملجأً آمناً لليهود الوافدين من أقطار الدنيا ، و قد ذكر الرصافة و الجسر الشاعر أبو الحسن علي بن الجهم القرشي( 188 هـ - 249 هـ / 803 – 863 م ) وذلك في قوله :
عيونُ المها بينَ الرَّصافةِ والْجِسْرِ
جَلَبْنَ الْهَوَىْ مِنْ حَيْثُ أَدْرِيْ وَ لا أدري
أَعَدْنَ لِـيَ الشَّوقَ القديمَ ولم أكُنْ
سَـلوتُ ولكن زِدْنَ جَمْراً على جَمْرِ

بغداد العباسية والعباسيون
ارتبطت أمجاد بغداد بنهوض الخلافة الإسلامية العباسية التي ورثت الخلافة الإسلامية الأموية سنة 32 1 هـ/0 75 م ، وجذبت بغداد العلماء إليها :
و أولهم أبو حنيفة النعمان إمام مدرسة الرأي و من حوله محمد بن الحسن وزُفر و أبو يوسف ، و من التف حولهم من العلماء .
و ثانيهم الإمام محمد بن إدريس الشافعي الذي كتب كتبه القديمة في بغداد قبل رحيله إلى القاهرة ، و كانت مدرسته وسطى بين الأحناف والحنابلة .
وثالثهم الإمام أحمد بن حنبل و تلاميذه الذين ألفوا مدرسة أهل الحديث التي أحيت المدرسة المالكية و كونت رابع المدارس الإسلامية ، وكانت المدرسة المالكية في المدينة المنورة .
و شهدت بغداد أبهى السنوات في عصر القوة أيام الخليفة هارون الرشيد ، وزجته السيدة زبيدة التي يسمى باسمها درب زبيدة الذي كان يسلكه حجاج بيت الله الحرام من بغداد إلى الكوفة ثم مكة المكرمة فالمدينة المنورة ، وقد تم تمهيد ذلك الطريق ورصف مناطق كثيرة منه بالحجارة ، و أنشأت زبيدة الكثير من البرك و أحواض المياه لشرب المارة على طول تلك الطريق مسافة: 1500 كم ، وفي بغداد ازدهرت الصناعات الدقيقة ، و أرسل الرشيد هدية إلى شارلمان تتضمن ساعة دقاقة مما لم تكن تعرفه أوروبا حينذاك ، و كانت ساعات جامعة المستنصرية عجيبة من عجائب الدنيا ، وقد صنعها الساعاتي تغلب البعلبكي سنة 632 هـ / 1234 م قبل اجتياح هولاكو بأربع وعشرين سنة .
و ازدهر الأدب في بغداد ترجم كتاب كليلة ودمنة ، و نسجت قصص ألف ليلة وليلة التي تضمنت الكثير من صور حياة البغداديين و غيرهم ، و ظرفهم و حُسن معشرهم ، وتطور حياتهم ، و لما ترجم الأوربيون ذلك الكتاب منحوه اسم الليالي العربية ، و مازالت أطياف تودد الجارية ، و علاء الدين و السندباد تطوفُ العالم و تفرضُ الأسماء على العشاق والمعجبين .
و في أيام عز بغداد الأدبي ازدهر الشعر و قصدها المتنبي و أبو العلاء المعري و أبو تمام والبحتري ، ومروان بن أبي حفصة ، و زَيَّنَ مجالسَها أبو العتاهية ، وأبو نواس و الشريف الرضي وأبو الشيص و دعبل الخزاعي.
و في القرن السابع الهجري كتب إبن الشعار كتابه الموسوعي : عُقود الْجُمان في شعراء هذا الزمان ، ويقع الكتاب في ثمانية مجلدات ضخمة فُقدَ أحدها وبقيت ثمانية منها في المكتبة السليمانية في مدينة إسطنبول ، وفي هذا الكتاب مئات الشعراء البغداديين المجهولين .
و في بغداد ازدهرت مقامات بديع الزمان الهمذاني ، ومقامات الحريري ، والمقامات الزينبية التي كانت تُقرأ في مدارس بغداد ويسمعها الشيوخ وعلى رأسهم إمام الأحناف ابن الساعاتي مؤلف كتاب بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي والإحكام المتوفى سنة 694 هـ / 1294 م .
أما في مجالس الغناء و الموسيقى فقد كان لها أثر بالغ في نفوس الناس في العصر العباسي الأول حيث جذبت بغداد المغنين والمغنيات ونثرت عليهم الأموالَ نثراً منذ أيام المهدي العباسي و تبعه الهادي ثم هارون الرشيد الذي صارت في عهده للمغنين مراتب وطبقات:
الطبقة الأولى : إبراهيم الموصلي ، وإسماعيل أبو القاسم ، وابن جامع ؛ وزلزل.
الطبقة الثانية : سليم بن سلام ؛ وعمرو الغزال ؛ ومن شابههما.
الطبقة الثالثة : أصحاب المعازف والصنوج والطنابير وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزُهم وصِلاتُهم ، وبرز ما يشبه التخصصَ الموسيقي في كل آلة من الآلات .
وارتفعت أسعار الجواري المغنيات وصارت صنعةُ الغناء مهنةً في العصر العباسي الأول،
فصارت أثمان بعضهن غالية مثل (زبيدة) قينة ابن غانم ، و(حثيثة) جارية عوف ، وكان للقيان والجواري الفضل في نهوض الموسيقا ، ورُقيّ الآداب العامة ؛ والشعر بصورة خاصة حيث ساهم الغناء بنشر الشعر في مجالس الطرب ، و حظي الغناء برعاية البغداديين ، و اشتهرت المغنيات في بغداد، مثل (عُريب) المأمونية ، و(دنانير) جارية محمد بن كناسة، و(قيم الهشامية) و(محبوبة) و وحيد التي أغرم بها الشاعر إبن الرومي ، و مازال الموال البغدادي منتشراً في عالم الغناء ، أما المقامات الموسيقية البغدادية فمازالت تتطور في بغداد و الموصل و كركوك .
اتسعت بغداد مع الأيام و تطورت مرافقها العامة ، و كثرت فيها الجوامع والمساجد و المدارس و الجامعات و المشافي ، وشهدت نهضة طبية و صيدلانية بشرية ، كما تطور فيها الطب البيطري الخاص بالحيوانات ، إلى جانب طب البيزرة الخاص بالطيور و لا سيما الجارحة منها كالصقور ، ولم يقتصر التطور على مساكن المدنيين بل شمل ثكنات الجُند ، و ما يتبعها من إسطبلات الخيول و مصانع العربات ، و مراكز البريد ، والأسواق والحمامات و الحدائق العامة والشوارع .
و تتابع التطور الحضاري في بغداد مع مرور السنين فازدانت بغداد بالمعالم العمرانية التاريخية الكثيرة الدينية والدنيوية ، ومنها : جامع المنصور ، و جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ، و مرقد الإمام أحمد بن حنبل في باب حرب ، والمرقد الكاظمي ، والحضرة القادرية ، و مرقد الشيخ عمر السهروردي ، وكنيسة اللاتين ، و كنيسة الأرمن الأرثوذكس ، و كنيسة الكلدان ، وكنيسة السريان الكاثوليك
، ومنها : المدرسة المستنصرية ، و القصر العباسي ، و المدرسة المرجانية التي تعرف حالياً باسم جامع مرجان ، و منها خان مرجان ، و سور بغداد الشرقي وأبوابه: باب المعظم ، و باب الظفرية الوسطاني ، و باب الحلبة ، و باب البصلية .
وفي العصر الحديث ضمت بغداد العديد من المتاحف ، و أبرزها المتحف العراقي ، و المتحف البغدادي ، متحف الأزياء والمأثورات الشعبية ، و متحف الحزب ، و متحف التاريخ الطبيعي ، و متحف الفنانين العراقيين الرواد ، و المتحف الوطني للفن الحديث ، كما توجد فيها مكتبات التراث العربي المخطوط الغنية بمخطوطاتها مثل مكتبة المتحف الوطني ، ومكتبة وزارة الأوقاف العراقية ، و إلى جانب المتاحف توجد الأسواق مثل سوق الصفافير ، سوق البزازين ، و سوق السبح (سوق الاستربادي) ، و سوق السجاد والبسط .
بغداد من عاصمة عالمية إلى مدينة مهجورة
ظلت بغداد عاصمة للعباسيين حتى اجتاحتها قوات هولاكو سنة 656 هـ/258 م ، و لما حصل ذلك الاجتياح تمَّ إعدامُ الخليفة العباسي المستعصم بالله ، كما أعدم أستاذُ دار الخلافة محيي الدين يوسف ابن الجوزي و معه أولاده العلماء عبد الرحمن و عبد وعبد الكريم ، و معهم كبار علماء أهل السنة والجماعة الذين كانوا يسكنون الرصافة و بغداد الشرقية ، وكانت ساحة الإعدام عند باب كلواذى بظاهر أسوار بغداد ، و لم يكتف التتار بقتل العلماء بل ألقوا مخطوطات بغداد في مياه نهر دجلة بتحريضٍ من بعض المتعاونين مع الغُزاة .
أما منطقة الكرخ فكانت مقر إقامة وزير الخليفة المدعو ابن العلقمي الشيعي الذي هلل للقوات الغازية و التقى مستشارهم الخواجة الشيعي نصير الدين الطوسي الذي قدم معهم ، وتمت مكافأة ابن العلقمي ببقائه في منصبه بعد مقتل الخليفة العباسي المستعصم، ولكنه مات بعد سنة من خيانته ، أما الطوسي فاصطفى مجموعة من كتب الفلسفة والفلك والطب ونقلها إلى مرصد مراغة، وأمر بإلقاء كتب المسلمين السُّنَّة في نهر دجلة ، وذاق أهالي بغداد كل أنواع الذل على أيدي الغزاة ، و بعد ذلك قامت الخلافة العباسية في القاهرة ؛ و بقيت فيها حتى حولها السلطان العثماني سليم الأول إلى إسطنبول سنة 1517 م ، ومازالت بعض مخطوطات الخليفة العباسي الأخير موجودة في مكتبة كوبريلى في إسطنبول .
و وقف الشعراء على أطلال بغداد و رثوا بشرها و شجرها وحجرها ، و ملاعب الصبا ، و أسهب المؤرخون في سرد صور المأساة التي صنعها نظام هولاكو الجديد في عاصمة المسلمين ، و مما قاله المؤرخ الإمام ابن كثير في تاريخه : ( استهلت سنة 656 هـ / 1258 م ( .. ) وكان قدوم هولاكو بجنوده كلها – وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل – إلى بغداد في ثاني عشر المحرم من سنة 656 هـ / 1258 م ، وهو شديد الحنق على الخليفة العباسي (..) فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية (..) و قتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان ، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش (دورات المياه) ، وكمنوا أياماً لا يظهرون ، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة ، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة (..اليهود والنصارى..) ومَن التجأ إليهم ، أو إلى دار الوزير ابن العلقمي الشيعي ، وطائفة من التجار أخذوا لهم أماناً بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت لهم أموالهم . للمزيد من التفاصيل انظر تاريخ ابن كثير ، أحداث سنة 656 هـ .
استمرت حملات اجتياح بغداد فبعد هولاكو اجتاحها تيمورلنك الشيعي وقتل عشرات الآلاف من السكان ، ثم حررها منه السلطان احمد ، ولكن تيمور لنك عاد إلى بغداد فحاصرها أربعين يوما حتى استسلمت فأمر تيمورلنك بابادة سكان بغداد من المسلمين السنة ، و أمر بهدم وتدمير منازل المدينة وجوامعها ، ورغم ذلك فقد أعاد البغداديون بناء أجزاء من مدينتهم ثم احتلها قره يوسف وقتل الكثير من سكانها .
و ما كادت تسترد أنفاسها حتى اجتاحها عنوةً شاه جهان الشيعي حاكم تبريز الإيرانية بعد حصار طويل ، ثم قام بقطع رؤوس جميع الذكور في المدينة وعين على المدينة الوالي " محمد الطواشي " ولكن جيوش التركمان التي عرفت بالخروف الأبيض طردت القوات الإيراني بعد حرب ضروس .
و لما قويت دولة إسماعيل الصفوي الشيعي في تبريز قام بالإجتياح التاسع لمدينة فأمر بذبح جميع سكان بغداد من المسلمين السنة ، وهدم قبور أئمتهم السنة ، و عيّنَ خادمه خليفة حاكماً فيها وأطلق عليه لقب " خليفة الخلفاء " للسخرية من المسلمين ، مما أثار نخوة السلطان العثماني سليم الأول فتوجه نحو بغداد و لما اصطدم بالجيش الصفوي ضرب المماليك مؤخرة جيشه من ناحية سوريا ، ولكن السلطان سليم احتل تبريز عاصمة الصفويين ، و أسقط حكم المماليك في سوريا ومصر سنة 1517 م .
وقدم العثمانيون الدعم لتحرير بغداد بمساعدة القائد الكردي ذو الفقار بن علي وعشيرته ، و لكن شاه إيران الشيعي" طهماسب " استلم الحكم الإيراني سنة 1524 م و استغل حروب الدولة العثمانية مع الصليبيين على جبهة النمسا الأوروبية فهاجم بغداد على رأس جيش وحاصرها دون أن يتمكن من دخولها إلا بالتآمر مع الأخ الأكبر للوالي الكردي ذو الفقار حيث قام أخوه بفتح أبواب بغداد ليلا للجيش الإيراني الذي ارتكب مجازر في المدينة ولم يغادرها إلا بعد تعيين الأخ الذي غدر بأخيه والياً على بغداد واطلق عليه لقب " سلطان علي ذو الفقار كش " أي " قاتل ذو الفقار " وكان هذا السقوط الحادي عشر لبغداد . (ومازال لاعبو الشطرنج يستعملون كلمة كش للدلالة على القتل)

بعدما استقر وضع الجبهة الأوروبية العثمانية سنة 1534م حاصر السلطان العثماني سليمان القانوني بغداد فحررها من الصفويين الشيعة وأمر بإعادة بناء المدارس والمساجد الإسلامية السنية التي هدمها الصفويون ، و ازدهرت بغداد بعض الشيء في ظل العثمانيين ، ثم احتل الفرس الشيعة الرافضة بغداد سنة 1623 م وقتلوا المسلمين السنة فيها فبدأت الحرب بين العثمانيين و الإيرانيين ، وأخذت طابعاً مذهبياً بين المسلمين السنة والشيعة فاستمرت خمس عشرة سنة مما دفع السلطان العثماني مراد الرابع إلى قيادة الجيش العثماني والتوجه نحو بغداد فحاصرها حتى تمكن من تحريرها سنة 1638 م ، و فرض الصلح على إيران .
وبقيت بغداد تابعة للعثمانيين حتى احتلها الإنكليز سنة 1917 م ، ثم سلموها للحكم الملكي الهاشمي الذي بدأ بفيصل الأول ثم غازي الأول ثم فيصل الثاني ، ثم انتهى الحكم الهاشمي في العراق بمجزرة قصر الرحاب سنة 1958 م .
ثم تتابعت الانقلابات العسكرية الدموية في العهد الجمهوري ابتداءً بعبد الكريم قاسم 1958 م ، ثم عبد السلام عارف 1963، ثم عبد الرحمن عارف 1966، ثم أحمد حسن البكر 1968 م ، ثم صدام حسين 1979 م الذي اجتاحت بغداد في أيامه القوات الأنكلو – أميركية ابتداء بمنطقة الكرخ كما كانت الحال على مرِّ التاريخ ، و شهدت بغداد أعنف قصف جوي وبري وبحري في تاريخا ، و أعقبت دخول القوات الغازية موجة من الحرب الأهلية الطائفية بين السنة والشيعة تحت ستار ما يسمى بتصفية أنصار النظام البائد الذين يقصد بهم السنة، حيث نجد أن التصفيات الجسدية استهدفت المسلمين السنة فقط أما الشيعة فلم تتم تصفيتهم، والدليل الذي يعرفه الجميع: أن وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف هو شيعي من الحلة، وقد رفض الأمريكيون اعتقاله، وهو يعيش معززا مكرما في دولة الأمارات العربية المتحدة!!!! ، وانتشر اللصوص في شوارع بغداد يسرقون مايستطيعون سرقته تحت أعين جنود القوات الغازية .
وتم تهجير المسلمين السنة من منطقة البصرة، ومن مدينة صدام التي سميت مدينة الصدر، ومازالت الحرب مستمرة حتى يتم تحول عراق بني العباس إلى عراق بني بويه، وبمعنى آخر سيحل عراق العجم محل عراق العرب، والعرب كالنعام يدفنون رؤوسهم في الرمال النتنة رمال الغباء.

thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
17251821
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة