المسلمون في قفص الاتهام، ومتَّهمون بالإرهاب في "داريّ العروبة والإسلام" ابتداءً

المسلمون في قفص الاتهام، ومتَّهمون بالإرهاب في "داريّ العروبة والإسلام" ابتداءً
د . محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري في جامعة  لندن


ربما يستغرب بعضُ المزاودين هذا العنوان، ويدَّعون أن ذلك غير صحيح لأن المسلمين والإسلام في أحسن حال، ويزيدون: إن الدين الإسلامي هو الأكثر انتشاراً في العالم؛ رغم أنه الأكثر اندحاراً في عقر داره، أي في البلاد التي كانت تسمى سابقاً "دار الإسلام" والتي كانت تواجه ما كان يُسمى "دار الكفر" وقد نشأ هذا الوضع الْمُزري بعدما تبدّلت الأحوال، وصارت الدار التي كانت تسمى "دار الكفر" أكثر إنسانية وحرية للمسلمين من غيرها.
والدليل أن الدول التي تُسمى "دور الكفر" توفر للمسلمين الفارين بدينهم ملجأ آمناً بعدما ضاقت بهم بلدانهم التي مازال حكامها يدعون أنها "دارُ الإسلام" رغم أن المسلم القابض على دينه فيها أصبح كالقابض على الجمر.
هذه حقيقة ساطعة يعرفها القاصي والداني، فمئات ملايين المسلمين يعيشون في ظل حكومات غير إسلامية، وعشرات ملايين المسلمين الْمهجَّرين ينتشرون في القارات الخمس ولا يستطيعون العودة إلى أوطانهم خشية القمع وضياع الحقوق الإنسانية والدينية والثقافية والاقتصادية ، وينقسمون إلى قسمين بحسب التصنيف الديني الموروث هما:
1:  المسلمون غير المحظوظين: وهؤلاء ينقسمون بدورهم إلى قسمين:
آ: يعيش القسم الأول في مسقط رأسه في بلده الأصلي مجرداًّ من الحقوق الإنسانية والمدنية والعسكرية والسياسية وغيرها، وقد يكون بدون جنسية، أو بدون حق بالسفر، وعلى العموم بدون حرية.
ب: ويعيش القسم الثاني خارج دولته الأصلية، ولكن في دولة من دول "دار العروبة" أو "دار الإسلام" ولذلك فهو مقموع جراء الاتفاقيات الأمنية التي يشرف عليها وزراء الداخلية وجلاوزة الأجهزة القمعية "الأمنية" وتتخذ شرعيتها تحت مظلة جامعة الدول العربية حرصاً على الهيكل العظمي للأمن القومي.
وأما من ابتعد عن "دار العروبة" ووقع في "دار الإسلام" فهو مقموع جراء الاتفاقيات الأمنية المعمول بها تحت مظلة "منظمة المؤتمر الإسلامي" الذي تم اختراقه، وتحويله إلى يافطة تستر هيكلاً عظمياًّ "لِطِرْحٍ" تأخر دفنُه منذ ولادته، وشكل حاجزاً يمنع العلوم والمعارف باسم الدين، والدين من ذلك براء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
وهكذا أصبح حال المسلم المهجَّر من دولة عربية أو إسلامية إلى أخرى من ذات الفصيلتين، أصبح حاله كحال المستجير بعمروٍ الذي قال فيه الشاعر:
والْمُستجيرُ بعَمْرٍ عِندَ كُرْبَتِهِ
كَالْمُستجيْرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بالنَّارِ

2: المسلمون المحظوظون دينياًّ وإنسانياًّ، وَهُم الذين يعيشون في الدول غير الإسلامية في أوروبا وغيرها من الدول التي تُصنَّف "دار كفر" وهم مسلمون محظوظون دُنيوياًّ ودينياًّ لأن هذه الدول تحترم إنسانيتهم، وتوفر لهم الأمن والأمان، وتوفر لهم العمل أو المساعدة الإنسانية دون مِنَّةٍ، وتتيح لهم فرصةَ بناء مساجدهم التي انتشرت في كل بقاع الأرض، ولم تخلُ من المساجد حتى في روما معقل الكاثوليك ووريثة مراسم محاكم التفتيش التي سمحت ببناء مسجد للمسلمين. وقَبْلَ روما موسكو معقل الروم الأرثوذكس، ودلهي معقل الهندوسية، وطوكيو وبكين البوذيتان.
المسلم المحظوظ هاجر أو هُجِّر من "دور العروبة والإسلام" إلى إحدى "دور الكفار" لأنه يعيش في دولة تمتلك قوانين تُتيح له حقوق الإقامة لأسباب سياسية أو إنسانية أو دينية، وتتيح له حمل وثيقة سفر، أو حق الجنسية وحمل جواز سفر دولة عظمى تحافظ على حقوق مواطنيها داخل البلاد وخارجها.
أما المسلم المضطهد، فهو الذي يعيش على تراب مسقط رأسه، أوهُجَّر من بلده إلى دار من "دور العروبة والإسلام" لأسباب قد تكون واهية، وربما لأسباب لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، وإنما فرَّ بعرضه وروحه ودينه عملاً بقول القائل : أُنجُ سعد فقد هلك سعيدٌ.
وهذا المسكين يستبدلُ أعظم الشرين بأهون الشرين، ويعيش تحت رحمة قوى الابتزاز المضيفة التي تفرض عليه التعامل مع "أجهزة التجسس الوطنية" وغير الوطنية، فتمديد إقامته لايخضع للقانون وإنما لتقارير أجهزة الأمن والمخابرات، وجواز سفره لا يجدَّد إلا بعد دفع الرشوة المعلومة للعاملين في سفارة بلده، ولو توقفت سفارة دولته عن تجديد سفره، فمصيره الترحيل من مكان إقامته عند انتهاء مدة جواز السفر، وترحيله إلى غير دولته مستحيل لعدم وجود جواز سفر صالح للاستعمال، ومنحه وثيقة سفر دولية مستحيل لعدم توفر مكاتب تمنح الوثائق في "دور العروبة والإسلام" وهكذا يعيش المسلم بين نار الوطن الأم، ونار الدولة المستضيفة عربية كانت أو مسلمة.
وبعد كل هذا الواقع البائس يتبحج المتسلطون الديكتاتوريون والمزاودون المتآمرون، ويدّعون أن بلدانهم هي "دور العروبة والإسلام" والدول الأخرى هي "دور الكفر" والقسطاس المستقيم لمعرفة "دار العروبة" هو عضويتها في جامعة الدول العربية، ولمعرفة "دار الإسلام" هو عضويتها في "منظمة المؤتمر الإسلامي" وهكذا يذبح العربي بسيف العروبة، ويذبح المسلم بسيف الإسلام، ويوضع في قفص الاتهام، ويُتَّهم بالإرهاب في "داريّ العروبة والإسلام" ولا يبقى أمامه من ملجأ سوى الرحيل إلى ما يزعمون أنه "دار الكفر" وتلاحقه تُهمةُ العمالة للأجنبي، وتهمة خيانة العروبة، وتهمة الارتداد عن الدين الإسلامي، وموالاة غير المسلمين، فأي واقع بائسٍ أسوأ من الواقع الذي يعيشه المسلمون المتّهمون بالإرهاب والجناية وَهُم المجني عليهم.

المقال منشور في جريدة الحياة بلندن على الرابطين التاليين
اضغط هنا

وهنا

http://www.daralhayat.com/opinion/currents/07-2004/20040710-11P19-04.txt/story.html




thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
17291163
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة