صور بعض قضايا المرأة في الأدب النبوي، من خلال السُّنَّة الْمُطهَّرة
الدكتور محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري في جامعة لندن
كلية الدراسات الشرقية والإفريقية
SOAS
حصلت تناقضات كثيرة في ما يخص قضايا المرأة خلال المئة سنة الأخيرة، ومعظم الأفكار الهدامة كانت نتيجة من نتائج سيطرة العادات السيئة، والعُرف المجحف، وما يستورده دُعاة التغريب من أفكار إباحية في ظل تغييب الأحكام الشرعية، وقد بدأ الصراع بإيحاءات من أنصار السفارات والقنصليات الغربية أثناء القرن الأخير من عهد الخلافة الإسلامية العثمانية التي كانت تعاني من المؤامرات الداخلية والخارجية في كافة أنحاء بلدان السلطنة.
والآن تشهد الساحات النسائية صراعا ذكوريا لا يتورع عن استغلال الإناث من قِبَل الذكور بصور شتى، وتصول في الميادين النسائية ثلاث مجموعات ذكورية هي: مجموعة المؤيدين للحقوق الشرعية الإسلامية، ومجموعة المعادين للشريعة، ومجموعة المذبذبين والمدلسين والانتهازيين.
وتلتحق بكل مجموعة من المجموعات الذكورية الثلاث مجموعات نسائية مؤيدة لأسباب متباينة، ولكن السواد الأعظم من النساء يبقى مُغيَّباً جرّاء التعتيم الإعلامي، وسيادة القوى السياسية والاقتصادية التي تمتلك وسائل القوة الْمستخدمة لتنفيذ الغايات التي تبرر استخدام تلك الوسائل مِمَّا يُمكِّنها من رَفعِ أصواتها، والتشويش على الآخرين، وبذلك يتِمُّ التحوير والتزوير، والتصحيف والتحريف والتخريف، ومسخ الحقائق، وتنطلي الحيَل على البسطاء المخدوعين.
إن مَن يستعرض واقع حال المجموعات الفاعلة والمنفعلة على الساحات النسائية يجد خللاً فظيعاً في كافة المجموعات، ويلاحظ تغيير المواقف بشكل سريع ومفاجئ تلبيةً لمصالح ذاتية تخصُّ أولئك المتقلبين، والمائلين مع رجوح موازين القوى المسيطرة، فبعض الذين يؤيدون الحقوق الشرعية صباحاً يغيرون مواقفهم مساء، وحال المعارضين للحقوق الشرعية شبيه بأحوالهم، ومجموعات الانتهازين هي التي تتمتع بالنفوذ بين الرجال، وهذا هو سبب ضياع الحقيقة مما يكرِّس ضياع الأمَّة ويتهدَّدها بالانقراض جراء أعمال أبنائها قَبْل أعدائها.
وفي ظلِّ هذا الواقع يتوجَّب علينا عرض قضايا المرأة من منظور شرعي يكشف تدليس المدلسين، وتآمر المتآمرين، وجهل الجاهلين، ولنا بالأدب النبوي مرشد ومخرج مما نحن فيه بعدما صارت تشكل - قضايا المرأة - تهديدا بالتدخل الأجنبي في شؤون البلاد العربية والإسلامية بحجّة حماية المرأة من عدوان الذكور الذين يضطهدون المرأة في بلادنا بعادات جاهلية يدَّعي المتحاملون أنها إسلامية، والإسلام منها براء.
مقارنة بين الشرعي والعرفي
عندما نقارن بين الحقوق التي حجبتها العادات والنِّحَل، والحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية نجد أن الشرائع السماوية والأعراف الأرضية القديمة، وفلسفات العالم لم تعطِ المرأة جزءاً من الحقوق التي أقرتها لها الشريعة الإسلامية، وحتى فلاسفة أثينا كانوا يعنون بكلمة الشعب الرجال دون النساء.
أما تعدد الزوجات فقد كان مُطلقاً لا يحدِّده عدد عند كل ما سبق الإسلام من شرائع وفلسفات، ومازال النصارى في إفريقيا يتزوجون أكثر من أربعة دون معارضة من كنائسهم خشية أن يتحولوا عن النصرانية إلى غيرها، وفي الهند تُحرق المرأة الحية مع زوجها الميت، ولا نسمع اعتراضات علمانية أو عولمياًّ تشبه الاعتراضات التي تتضافر ضد الإسلام والمسلمين.
المرأة قبل الإسلام
لم تكن جزيرة العرب معزولة عن بقية البلاد المأهولة بالسكان بل كان التفاعل الحضاري موجودا منذ قديم الأزل، ولعل في سيرة ورحلات النبي إبراهيم الخليل عليه السلام خير شاهد على العلاقات الدولية في زمانه بين العراق والأناضول ومصر والشام، والحجاز حيث أقام قواعد البيت الحرام مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، ولكن الكفرة حاربوه، وحاربوا الأنبياء من بعده، ورجَّحوا ما ليس بشرعي على ما هو شرعي، ومن هنالك بدأ اضطهاد المرأة، وذلك بإقرار عادات ما أنزل الله بها من سلطان، وتمَّ استيراد عادة الوأد من النحل الهندية التي أباحت وأد البنات.
وفي البلدان المجاورة لشبه الجزيرة العربية كانت المرأة تعاني القهر والحرمان، ولم ينصفهنَّ العُرف الكنعاني، ولا قوانين حمورابي التي اعتبرت المرأة سُلعة تنتقل ملكيتها من الأب إلى الزوج لقاء مبلغ من المال، ثم يتمُّ توريثها مع تركته، ولم يكن حال المرأة في القانون الروماني بأفضل من حالها في قوانين حمورابي لأنها بقيت سُلعة متداولة بين الرجال، وظلَّت النظرةُ إلى المرأةِ نظرةً ماديةً لا تتجاوز الاستفادة من جسدها، ولذلك حُرمت من القيمة الروحية المعنوية، ومازالت حتى الآن بعضُ النِّحَل الدينية تُحرِّم على المرأة معرفةَ الدين، وبعض النحل تعتبرها نجسةً أثناء الحيض، ولم تتحرر المرأة من العبودية السلعية حتى جاء الإسلام فأنصفتها الشريعة، وأقرت إنسانيتها على أساس التكامل بين الذكور والإناث، والأدلة واضحة في القرآن الكريم في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيْرٌ] سورة الحجرات، الآية:13.
هذه الآية وغيرها شكلت القاعدة القانونية الشرعية التي جسَّدها وطبقها رسول الله، وصحابته الأبرار، وبذلك انتقلت المرأة من كهوف الظلمات والظلم إلى رحابة العدل الشرعي الإسلامي.
توارث النساء قبل الإسلام
جاء في صحيح البخاري، "كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ، كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاؤُوا زَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاؤُوا لمْ يُزَوِّجْهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذلكَ [يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَل اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيْراً] سورة النساء، الآية:19، وبذلك وضعت الشريعة الإسلامية حدّاً لتلك العادة السيئة.
وصية النبي بحسن معاملة النساء
أوصى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ بالنساء خيرا، وجاء في صحيح البخاري: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ" وجاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: قَوْلُهُ: (اِسْتَوْصُوا) قِيل مَعْنَاهُ: تَوَاصَوْا بِهِنَّ، وَقِيل مَعْنَاهُ: اِقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ، وَاعْمَلُوا بِهَا، وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتهنَّ. وَفِي الْحَدِيث النَّدْب إِلى الْمُدَارَاة لاسْتِمَالةِ النُّفُوس وَتَأَلُّف الْقُلُوب، وَفِيهِ سِيَاسَة النِّسَاء بِأَخْذِ الْعَفْو مِنْهُنَّ وَالصَّبْر عَلى عِوَجهنّ.
وجاء في خطبة حجة الوداع الواردة في صحيح مسلم: "فَاتَّقُوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ اللهِ وَاسْتَحْللْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَلكُمْ عَليْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلهُنَّ عَليْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللهِ"، وفي هذا دليل على تكرار وصية النبي بالنساء حتى أواخر أيام حياته، ووصيته ملزمة للمسلمين.
الرفق بالنساء
أثبتت العلوم والتجارب الإنسانية أن المؤهلات الجسدية عند الرجال تختلف عنها عند النساء حيث أن كل مخلوق مُيسّر لما خُلق له، فخشونة الرجال تناسب الأعمال الشاقة التي لا تناسب نعومة النساء، وقد شبههُنَّ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ بالقوارير الزجاجية التي تتطلب عناية خاصة، والدليل ما ورد في صحيح مسلم: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَغُلامٌ أَسْوَدُ، يُقَالُ لهُ: أَنْجَشَةُ يَحْدُو، فَقَال لهُ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدك سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ." وَفِي رِوَايَة "يَا أَنْجَشَة لا تَكْسِر الْقَوَارِير" يَعْنِي ضَعَفَة النِّسَاء.
وَقَال الرّامَهُرْمُزِيّ: كَنَّى عَنْ النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لِرِقَّتِهِنَّ وَضَعْفهنَّ عَنْ الْحَرَكَة، وَالنِّسَاء يُشَبَّهْنَ بِالْقَوَارِيرِ فِي الرِّقَّة وَاللطَافَة وَضَعْف الْبِنْيَة، وَقِيل: الْمَعْنَى سُقْهُنَّ كَسَوْقِك الْقَوَارِير لوْ كَانَتْ مَحْمُولة عَلى الْإِبِل،
أمر رسول الله برعاية البنات
كانت علاقة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ببناته مشهورة قائمة على المحبة والحنان، وذلك واضح في السنة النبوية المطهرة التي تدل على أن تربية البنات على الفضيلة عبادة إسلامية تُدخِل الْمُربي الجنة، وتحجب عنه النار، وقد جاء ذلك في الحديث المتفق على صحته، ورواه البخاري بسنده عن عَائِشَةَ عن النَّبِيّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ، قال: "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا، فَأَحْسَنَ إِليْهِنَّ كُنَّ لهُ سِتْرًا مِنْ النَّار"
قال ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس عِنْدَ مُسْلِم” مَنْ عَال جَارِيَتَيْنِ” وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث أُمّ سَلمَة” مَنْ أَنْفَقَ عَلى اِبْنَتَيْنِ أوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ذَاتَيْ قَرَابَة يَحْتَسِب عَليْهِمَا” وَاَلذِي يَقَع فِي أَكْثَر الرِّوَايَات بِلفْظِ الْإِحْسَان.
وَشَرْط الإِحْسَان أَنْ يُوَافِق الشَّرْع لا مَا خَالفَهُ، وَالظَّاهِر أَنَّ الثَّوَاب الْمَذْكُور إِنَّمَا يَحْصُل لِفَاعِلِهِ إِذَا اِسْتَمَرَّ إِلى أَنْ يَحْصُل اِسْتِغْنَاؤُهُنَّ عَنْهُ بِزَوْجٍ أَوْ غَيْره كَمَا أُشِيرَ إِليْهِ فِي بَعْض أَلْفَاظ الْحَدِيث، وَالإِحْسَان إِلى كُلّ أَحَد بِحَسَبِ حَاله، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ الثَّوَاب الْمَذْكُور يَحْصُل لِمَنْ أَحْسَن لِوَاحِدَةٍ فَقَطْ.
وَقَال النَّوَوِيّ: إِنَّمَا سَمَّاهُ اِبْتِلاء، لأَنَّ النَّاس يَكْرَهُونَ الْبَنَات، فَجَاءَ الشَّرْع بِزَجْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، وَرَغَّبَ فِي إِبْقَائِهِنَّ وَتَرْك قَتْلهنَّ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الثَّوَاب الْمَوْعُود بِهِ مَنْ أَحْسَنَ إِليْهِنَّ، وَجَاهَدَ نَفْسه فِي الصَّبْر عَليْهِنَّ.
حرية المرأة في الخروج من المنزل
أوضحت السنة النبوية مجالات الحرية الإنسانية، ومنحت المرأة ثقة، وخولتها الخروج من منزلها ليلاً في سبيل الطاعات والعبادات، وذلك واضح في قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري، عَنْ عبد الله ابْن عمر: "كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيل لهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟
قَالتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِيَ؟ قال: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ:" لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ الله".
وقَال الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَوْرَدَ الْبُخَارِيّ حَدِيث مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر بِلفْظِ” اِئْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِالليْلِ إِلى الْمَسَاجِد” وقال في حديث آخر في صحيح مسلم: ”لا تَمْنَعُوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله".
مراعاة خصوصيات المرأة واحترامها
لقد راعت الشريعة الإسلامية خصوصيات المرأة، ومنحتها الثقة، وحرمت التجسس عليها، ومفاجأتها من قِبل زوجها، ويثبت ذلك ما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث جاء فيه "كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلهُ طُرُوقًا"، وذكر ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري في حَدِيث أَنَس "أَنَّ النَّبِيّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَانَ لا يُطْرق أَهْله ليْلا، وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غَدْوَة أَوْ عَشِيَّة" أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وورد في صحيح مسلم بشرح النووي، وَفِي رِوَايَة (إِذَا قَدِمَ أَحَدكُمْ ليْلا فَلا يَأْتِيَنَّ أَهْله طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدّ الْمُغِيبَة وَتَمْتَشِط الشَّعِثَة) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (نَهَى أَنْ يَطْرُق أَهْله ليْلاً يَتَخَوَّنَهُمْ، أَوْ يَطْلُب عَثَرَاتهمْ).قَال أَهْل اللُّغَة: الطُّرُوق بِالضَّمِّ الْمَجِيء بِالليْلِ مِنْ سَفَر أَوْ مِنْ غَيْره عَلى غَفْلة، وَيُقَال لِكُلِّ آتٍ بِالليْلِ طَارِق وَلا يُقَال بِالنَّهَارِ إِلا مَجَازًا.
الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ
تتضمن السنة النبوية أدلة كثيرة على التكافؤ بين الرجل والمرأة في رعاية الأسرة، وولاية الشؤون الإنسانية، وفي هذا الصدد أخرج البخاري قول رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالإِمَامُ رَاعٍ، وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيت زوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْؤُولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
التشجيع على النفقة والصدقات على الأهل
التبذير رذيلة والبخل رذيلة، وبين هاتين الرذيلتين تقع فضيلة الكرم التي أقرها الإسلام، وأفضل الكرم هو الكرم على الأهل وصلة الرحم، وغير ذلك من الصدقات، وقد تضمنت كلمة الأهل الزوجة والأبناء والبنات، وشوَّق النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ الأزواج كي ينفقوا على أهلِهم، فقال في صحيح البخاري: "نفَقَةُ الرَّجُلِ عَلى أَهْلِهِ صَدقة" وفي صحيح مسلم عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ قَال: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لهُ صَدَقَة". ومن المعلوم أن الصدقات يرجّحن ميزان الحسنات على السيئات.
مساهمة النبي في العمل المنزلي
كان رسول الله صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ متواضعا حَسن الأخلاق مع أمَّته يساهم في العمل المنزلي مع أزواجه، وهذا مؤكد في صحيح البخاري حيث يقول: "كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ قَامَ إِلى الصَّلاة"، وجاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري، قَوْله: "فِي مِهْنَة أَهْله" بِخِدْمَةِ أَهْله،
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث آخَر لِعَائِشَة مِنْ رِوَايَة هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ
"قُلْت لِعَائِشَة: مَا كَانَ رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَصْنَع فِي بَيْته؟ قَالتْ: يَخِيط ثَوْبه، وَيَخْصِف نَعْله، وَيَعْمَل مَا يَعْمَل الرِّجَال فِي بُيُوتهمْ" وَفِي رِوَايَة لابْنِ حِبَّان عَنْ عَائِشَة بِلفْظِ "مَا كَانَ إِلا بَشَرًا مِنْ الْبَشَر، كَانَ يُفَلِّي ثَوْبه، وَيَحْلُب شَاته، وَيَخْدُم نَفْسه".
قَال اِبْن بَطَّال: مِنْ أَخْلاق الْأَنْبِيَاء التَّوَاضُع، وَالْبُعْد عَنْ التَّنَعُّم، وَامْتِهَان النَّفْس لِيَسْتَنّ بِهِمْ، وَلِئَلا يَخْلُدُوا إِلى الرَّفَاهِيَة الْمَذْمُومَة.
عِشْرَة النِّسَاء
قَال رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ” خَيْركُمْ خَيْركُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْركُمْ لأَهْلِي” وَكَانَ مِنْ أَخْلاقه صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ جَمِيل الْعِشْرَة دَائِم الْبِشْر، يُدَاعِب أَهْله، وَيَتَلطَّف بِهِمْ وَيُوسِعهُمْ نَفَقَة، وَيَجْمَع نِسَاءَهُ كُلّ ليْلة فِي بَيْت التِي يَبِيت عِنْدهَا رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ، فَيَأْكُل مَعَهُنَّ الْعَشَاء فِي بَعْض الأَحْيَان ثُمَّ تَنْصَرِف كُلّ وَاحِدَة إِلى مَنْزِلهَا، وَكَانَ إِذَا صَلى الْعِشَاء يَدْخُل مَنْزِله يَسْمُر مَعَ أَهْله قَلِيلا قَبْل أَنْ يَنَام يُؤَانِسهُمْ بِذَلِكَ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ.
حق النساء باختيار الأزواج
راعت الشريعة الإسلامية مشاعر الرجل والمرأة في مسألة اختيار شريك الحياة الزوجية، والدليل ما أخرجه البخاري في صحيحه بسنده عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها: "قُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ ، يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَال: نَعَمْ. قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحْيِي فَتَسْكُتُ، قَال: سُكَاتُهَا إِذْنُهَا".
وورد في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: وفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن جَرِير بسنده عن عَائِشَة: "سَأَلتْ رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَنْ الْجَارِيَة يَنْكِحهَا أَهْلهَا هَلْ تُسْتَأْمَر أَم لا؟ فَقَال: نَعمْ تُسْتَأْمَر" وهذا دليل على منح المرأة حرية اختيار الزوج.
مراعاة هستريا الحيض
اشتق علماء اللغة اللاتينية كلمة هستريا من أصل الكلمة التي تعني الرَّحِم، وذلك لأنهم رأوا أن المرأة تُهسِتر أثناء الحيض، أما الإسلام فلم ينظر إليهن تلك النظرة اللاتينية الدونية أثناء الحيض، بل راعت الأحكام الشرعية الأوضاع العصبيبة العصيبة للمرأة الحائض، فمنعت طلاقها أثناء الحيض، وأمرت الشريعة بإعطائها فرصة حتى تتجاوز مدة الاضطراب النفساني الذي ينتابها أثناء الحيض، وما يترتب عليه من اضطرابات عصبية، والدليل على مراعاة الشريعة لذلك ماورد في صحيح مسلم بسنده عَنْ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أَنَّهُ طَلقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ، فَسَأَل عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ، عَنْ ذَلِكَ، فَقَال لهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلقَ قَبْل أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التِي أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَل أَن يُطَلقَ لهَا النِّسَاءُ".
قال النووي بشرح صحيح مسلم: قَال أَصْحَابنَا، الطَّلاق أَرْبَعَة أَقْسَام: حَرَام وَمَكْرُوه وَوَاجِب وَمَنْدُوب، وَلا يَكُون مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ.
وَأَمَّا الطلاق الْحَرَام فَفِي ثَلاث صُوَر:
أَحَدهَا: فِي الْحَيْض بِلا عِوَض مِنْهَا وَلا سُؤَالهَا.
وَالثَّانِي: فِي طُهْر جَامَعَهَا فِيهِ قَبْل بَيَان الْحَمْل.
وَالثَّالِث: إِذَا كَانَ عِنْده زَوْجَات يَقْسِم لهُنَّ وَطَلقَ وَاحِدَة قَبْل أَنْ يُوفِيها قَسْمهَا.
وَأَمَّا الْمَنْدُوب فَهُوَ أَلا تَكُون الْمَرْأَة عَفِيفَة أَوْ يَخَافَا أَوْ أَحَدهمَا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله أَوْ نَحْو ذَلِكَ وَاَلله أَعْلم.
صلة الرَّحِم في الإسلام
لئن اشتق اللاتين معنى الهيستريا من الرحم، فإن الشريعة الإسلامية أوجبت صلة الرحم، وجاء في الأَحَادِيث النبوية تَعْظِيم أَمْر الرَّحِم، وَأَنَّ صِلتهَا مَنْدُوبة مُرَغَّب فِيهِا، وَأَنَّ قَطْعهَا مِنْ الْكَبَائِر، لِوُرُودِ الْوَعِيد الشَّدِيد فِيهِ.
وروى البخاري بسنده عَنْ عَائِشَةَ رَضي الله عنها، عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ، قَال: "الرَّحِمُ شِجْنَةٌ فَمَنْ وَصَلهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قطعته".
ملاحظة : المقال منشور في جريدة الحياة بلندن يوم السبت 30 /10/ 2004م = 16 رمضان 1425 هـ ، على الرابط التالي : اضغط هنا