العبقريات العسكرية التاريخية
الإسكندر المقدوني و حنا بعل بن همليقار وخالد بن الوليد
العبقريات العسكرية التاريخية
د . محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري في جامعة لندن
1
العبقريات العسكرية التاريخية
يذهب عدد من المؤرخين العسكريين إلى القول: إن أفضل القادة العسكريّين عبر التّاريخ هم: الإسكندر المقدوني، ثم حنا بعل قبل الميلاد، ثم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم جِنْكيز خان المغولي الذي احتل بغداد، وقضى على الخلافة العباسية فيها سنة 656 هـ/ 1258م، ثم محمّد الثاني الفاتح العثماني الذي فتح القسطنطنية سنة 857 هـ/ 1453م، وسماها إسلامبول، ثم الامبراطور الفرنسي نابُلْيون بونابارت.
2
الإسكندر المقدوني
احتل الاسكندر الأكبر المقدوني بلاد الفُرس المجوس سنة 334 ق:م، وأحرق مدينة برسيبوليس انتقاماً لحرق مدينة أثينا. وكان يعتبر نفسه خليفة للملوك الأخمينيين، ولكنه حاول تكوين ثقافة جديدة مزجت بين الفارسية والإغريقية (الهلينية) وخضع له العالم القديم في آسيا وإفريقيا وأوروبا، ومات سنة 323 ق:م، وبعد وفاته تقاسم الجنرالات إمبراطوريته، فقامت على أنقاضها الدولة السلوقية من سنة 323 ق:م حتى سنة 141م، وكانت تضم آسيا الصغرى وبلاد الشام والعراق وإيران، وكانت عاصمتها الشرقية "سلوقية" على نهر دجلة في العراق، وعاصمتها الغربية "إنطاكية" على نهر العاصي في الأراضي التركية.
3
الكنعانيون
هاجر الكنعانيون من جزيرة العرب إلى البحرين، وبعد نحو ألفين سنة، هاجر قسم منهم إلى بلاد الشام، أما القسم الذي بقس في البحرين فقد أسس حضارة دلمون، وكانت لدى الكنعانيين معرفة بعلم البحرية فأسسوا أسطولاً بحريا خضعت له سواحل البحر الأبيض المتوسط عسكريا وثقافيا حيث أصبحت اللغة الآرامية لغة عالمية قبل الميلاد بآلاف السنين.
تضايق الإغريق اليونانيون من السيطرة الكنعانية، فأطلقوا عليهم لقب البونيقيين، ويعنون به سُمر اللون، وفي ذلك انتقاص منهم لونيا، أو عنصريا بمصلحات العالم المعاصر، ولما ورث الرومان السيطرة بعد اليونان، حولوا كلمة البونيقيين إلى كلمة الفينيقيين، لأن قواعد اللغة الرومانية تقتضي تحويل حرف الباء اليوناني إلى فاء روماني، وهكذا صار الكنعانيون بونيقيون ثم فينيقيون رغم أنهم لم يقبلوا ذلك اللقب لأنه بمثابة الشتيمة لهم، ومع الأسف الشديد أن كتب العرب المدرسية المعاصرة قد استعملت اللقب الذي كرهه أصحابه.
4
اللغة الإرمية (الآرامية)
أصبحت اللغة الآرامية لغة عالمية في ظل سيطرة البحرية الكنعانية على حوض البحر الأبيض المتوسط، واقتبس الإغريق الحروف الآرامية - السريانية، ولكنهم غيروا اتجاه الكتابة من اليمين إلى اليسار، ولم يغيروا أسماء الحروف، ومازال اليونان يستخدمون نفس أسماء الحروف الآرامية: ألفا بتا غاما إلخ..، ومع مرور آلاف السنين تراجعت اللغة الآرامية عن مكانتها الأولى للغة العربية الفصحى في بلاد الشام، وشمال إفريقيا والأندلس، ولكن مفردات اللغة الآرامية امتزجت باللهجات العامية، وبقيت اللغة الآرامية لغة رسمية في جزيرة مالطة، ولكنها استغنت عن حروفه القديمة وتقمصت الحروف اللاتينية الخاصة بها، ولذلك يستطيع العربي فهم خمسين بالمئة من اللغة المالطية المعاصرة دون مترجم.
5
إسبانيا الكنعانية
بعدما استقر الكنعانيون في سواحل إفريقا أقاموا مدينة قرطاجة، واتخذوها عاصمة لهم، وسيطرت قرطاجة على الأندلس وما حولها، وشيد القرطاجيون مدينة إشبيليا، ومنحوها اسم: إسفيليا، واستمدوا الاسم من أرضها السفلى المنخفضة، وأصبحت شبه الجزيرة الإيبيرية قاعدة من قواعد الكنعانيين، ومنها انطلقت الجيوش لخوض حروبها ضد أعدائها من اليونان والرومان وغيرهم.
6
قرطاجة
غادرت الملكة الفينيقية أليسار مدينة صور على الساحل الشامي، ووصلت إلى تونس، فبنت مدينة قرطاجة التي تعرف حاليا بقرية سيدي بو سعيد، وتبعد عن مدينة تونس بـ 16 كم، ويقال : أسستها الأميرة ديدون سنة 814 قبل الميلاد، حسب رواية المؤرخين القدماء، وقد جاءت الأميرة مع أصحابها من مدينة صور في لبنان، وسموا المدينة "قَرْتْ حَدَشْتْ"، وتعني "مدينة جديدة"، فأصبح الاسم "قرطاج" في العربية عن طريق النطق اللاتنية، وأما الإغريق فكانوا يطلقون على قرطاجة أسم (كارخيدون) ، وأما الرومان فكانوا يسمونها (كرثاج)، وقد صارت قرطاجة دولة عظيمة، وسيطرت على غرب البحر المتوسط عسكرياً و تجارياً وثقافياًّ، وكانت مملكة قرطاجة ذات نظام حكم ديمقراطيّ أفضل من الحكم الروماني الطبقي الديكتاتوري، وأسس القرطاجيون مدناً صغيرة على شواطئ صقلية والمغرب العربي وسردينية واسبانيا، وسادوا حوض البحر الأبيض المتوسط قبل القرن الخامس قبل الميلاد.
7
حروب قرطاجة
وقعت الحرب الأولى بين روما و قرطاجة (264-241 ق.م) و انتهت بفوز متواضع لروما، ثم وقعت الحرب الضارية الثانية (218-201 قبل الميلاد)، و انتهت بنصر حاسم لروما، وتعتبر الحرب الثانية بين قرطاجة و روما نموذجاً فظيعا للحروب المدمرة في التاريخ القديم، حيث دُمرت قرطاجة بعدما كانت من أكثر المدن غنىً و ترفاً لسيطرتها على التجارة البحرية في العالم آنذاك، ولذلك تخلى أهلها عن صنعة القتال، وتركوها للمرتزقة.
وقد أسس القرطاجيون أوتيكا (العتيقة) سنة 1101 ق.م، وبعدما ازدهرت سقطت سنة 310 ق:م بكل سهولة بيد أغاثاكوليس اليوناني في حربه ضد قرطاجة .وفي الحرب البونيقية الأولى (264 -241 ق.م ) وقفت أوتيكا إلى جانب الرومان ضد قرطاجة، ولكن القرطاجيين تمكنوا من إستعادتها، ورغم ذلك وقفت مع الرومان في الحرب البونيقية الثالثة (149-146 ق.م)، وبعد سقوط قرطاجة سنة 146 ق.م أتخذ الرومان من أوتيكا مقرا للحاكم الروماني في أفريقيا و أصبحت مقرا للمواطنيين الرومان، وبعد معركة ثابسوس في عام 46 ق.م قام كاتو حفيد كاتو الأكبر بالتقوقع في أوتيكا في كفاحه الأخير ضد يوليوس قيصر وفيها قام بالإنتحار.
8
حروب حنا بعل بن همليقار
اعتمد قائد الجيش القرطاجي حنا بعل بن همليقار على المرتزقة، فشكل منهم جيشاً عرمرما، فعبر جبال الألب و معه الفيلة، فانتصر على الرومان في معارك حاسمة، ولم يخسر حنا بعل أيّة معركة رئيسيّة في إيطاليا، ويقدر المؤرخون الإيطاليون خسائر الرومان بمائة ألف جنديّ رومانيّ، وذلك خلال خمس عشرة سنة من القتال المستمر، و دمّرت جيوش قرطاجة الرّيف الإيطاليّ و 400 مدينة في إيطاليا الجنوبيّة وحدها، وفرضَ أسطول قرطاجة حصاراً بحرياً على روما و عزلها عن العالم الخارجي، فتخلى الرومان عن نظام الحكم الضعيف، وشكلوا حكما فرديا ديكتاتوريا للصمود والتصدي، ولكن حنا بعل انتصر عليهم في معركة كانا الفاصلة سنة 203 ق:م، ويقال: حصلت المعركة في صيف 216 ق:م، وبعد المعركة، قرر حنا بعل متابعة الغزو، وقصد روما ليحسم الحرب النهائية، وطلب الإمدادات من أثرياء وطنه في قرطاجة، ولكن التجار بخِلوا عليه بالمال اللازم، فتخاذل المرتزقة، وعاندته عوامل الطبيعة، والبعد عن قواعد الانطلاق في إسبانيا وقرطاجة، وقابله الرومان باتحاد ألحق به الهزيمة في معركة زاما سنة 202 ق:م، وبدأت قوّة روما تزداد تدريجيّاًمع اتساع وحدة المدن الإيطالية تحت سيطرة القيادة الرومانية الموحدة التي بدأت حروب الاستيلاء على المدن والمواقع القرطاجية، فسيطرت على كامل الأراضي الإسبانية خلال 13 سنة من القتال، وغزا الرومان قرطاجة نفسها، و أجبر الرومانُ القرطاجيين على توقيع معاهدة استسلام مُهينة، وسيطرت القوات الرومانية على البحر الأبيض المتوسط و أغلب أقاليم العالم القديم، وخاضت صراعا مع الامبراطورية الفارسية المجوسية للسيطرة على بلاد الشام وشمال إفريقيا.
9
فجر الإسلام
استمرت تلك السيطرة الدخيلة حتى جاء العرب المسلمون، فبدأت غزوات التحرير بغزوة مؤتة على تخوم البلقاء الأردنية جنوب الكرك في السنة الثامنة للهجرة/ 629م، ثم غُلب الروم في معركة اليرموك يوم الاثنين (5 من رجب، سنة 15 هـ/ 12 من شهر آب/ أغسطس سنة 636م) وتتابعت الانتصارات الإسلامية في ظل ترحيب السكان المحليين ذوي الأصول السامية.
10
خالد بن الوليد
هو خالد بن الوليد بي المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي رضي الله عنه، أبو سليمان، ويلقب بسيف الله الفاتح، وأمه لبابة الصغرى بنت الحارث الهلالية, وهي أخت أم المؤمنين ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت لبابة الكبرى زوجة العباس بن عبد المطلب، وعثمان بن طلحة, سُرَّ بإسلامه النبي صلى الله عليه وسلم وولاه الخيل، وشهد وقعة مؤتة وتولى قيادة الجيش بعد مقتل قادته: زيد بن الحارثة, ثم جعفر ابن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة، شهد فتح مكة، وهدم صنم العزى، وأَمَّره أبو بكر الصديق رضي الله عنه على جيوش اليمامة يوم الرّدة, وأرسله إلى العراق ,فبدأ فتوحاته بمواقع شهيرة مهدت السبيل لفتح بلاد فارس وما وراءها، ثم أمَّره على جيوش الشام، فكان بطل وقعة اليرموك حتى جاء عمر بن الخطاب، فعزله وولى أبا عبيدة بن الجراح قائدا عاما, فلم يثن ذلك من عزمه، واستمر يقاتل تحت راية أبي عبيدة إلى أن تم لهما فتح حمص وحماة وسلمية وشيزر ومعرة النعمان وقنسرين وحلب, فعاد إلى المدينة، ودعاه عمر ليوليه، فأبى وعاد إلى الشام فسكن حمص وفيها توفي، ويقول المؤرخون: ما كسرت له راية, وعلى يديه قامت دعائم الإسلام بعد تضعضعه بموت النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي أخضع أهل الردة، وأخمد فتنة العرب، واستهل فتح العراق, وفتح كثيرا من بلاد الشام، ودحر جيوش الروم في وقعة اليرموك، ولما حضرته الوفاة قال: لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها, وما في بدني موضع شبر إلا فيه ضربة أو طعنة أو رمية ,وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير ,فلا نامت أعين الجبناء, وما من عمل أرجى من (لا إله إلا الله) وأنا أتترس بها، وكانت وفاته سنة 21 هـ/ 642م.
ملاحظة: نشر هذا المقال في الصفحة 15 من جريدة الحياة بلندن ، العدد : 15320، يوم السبت 12/3/ 2005م