العنوان : استهجان الحوار العربي ــ العربي، ودعوة إلى الحوار العربي ــ العبري
(الكاتب: محمود السيد الدغيم )
(تاريخ.ميلادي: 07-08-1994 )
(تاريخ.هـجري: 30-02-1415 )
(المواصفات: نشر في جريدة الحياة - لندن )
(العدد: 11494 )
(الصفحة: 19 )
الكتاب: أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر مقاربات نقدية وسجالية.
المؤلف: علي حرب.
الناشر: دار الطليعة - بيروت.
الطبعة الأولى: ٤٩٩١م.
ملاحظة : د. علي حرب فيلسوف شيعي لبناني
“ أهدى علي حرب كتابه إلى “قيصر حداد، رجل التربية القدير الذي يعامل نفسه، ويدير أفكاره بصورة خلاقة مثمرة”. وبعد الاهداء مهّد لكتابه تحت عنوان “علاقتنا بأفكارنا” وذكر ان هذا الكتاب يتضمن “فصولاً متفرقة، ومقالات متناثرة قد جُمعت ورُتبت على نحو عرضي، إذ لا اتصال بينها ولا مفهوم ينتظمها، ولا سيرورة تخضع لها، ومن الممكن قراءتها من الآخر أو من الوسط أو من الفصل الأول نفسه. ولا فرق في ذلك. فلسنا هنا ازاء خطاب استدلالي يفضي فيه السابق إلى اللاحق، أو ينتج اللاحق عن السابق.
انها مقالات مستقلة حول قضايا ومحأور أمارس التفكير فيها من خلال ممارستي لعلاقتي بأشياء كالنصّ، والحقيقة، والحوار، والتراث، والليبرالية، والديموقراطية، والايديولوجية وسواها من العنأوين التي هي مدار الكلام في هذه الفصول (… ) ما أُمارسه في معالجاتي هو انني أمارس التفكير كفاعلية نقدية ثمرتها كسر القوالب أو التحرر من الأنساق، أو اختراق الكثافات، أو كشف الفراغات، أو تبيان التداخل والتخارج، أو ممارسة الاختلاف والمغايرة (… ) وأشير بنوع خاص إلى منطقة الخطاب، وهي المنطقة التي أوليها اهتمامي وأحاول استثمارها، والتي آثرت تسميتها “نقد النص” أو “انطولوجيا النص” وأعني بالخطاب هذه المنطوقات التي ننتجها ونتدأولها وندونها، والتي هي ملازمة لنا ملازمة وجودنا. الا انها لم تكن تحظى بالاهتمام والاعتراف…”.
نقد
ان ما يدعيه الكاتب من عدم الاهتمام والاعتراف بالخطاب حظي بالاهتمام والاعتراف منذ قرون عدة.
وعرّف إمام الحرمين الجويني (٩١٤ - ٨٧٤هـ- ٨٢٠١ - ٥٨٠١م ) الخطاب فقال: “وأما الخطاب، والتكلم، والتخاطب، والنطق - واحد في حقيقة اللغة - وهو ما به يصير الحيّ متكلماً. وقد قيل: حقيقته ما يُفهم منه الأمر والنهي والخبر، ومتى فُهم منه أحد هذه، فقد فهم الكل. فإن كل أمر نهيٌ وخبر. وكل نهي: أمر.
وكل خبر: أمر ونهي.
ولو اقتصرت في تحقيقه على واحد فقلت: ما فهم منه الأمر أو النهي أو الخبر أو الاستخبار، لاستقام. والكتابة والعبارة لا يفهم منهما ذلك، وإن فهم بهما، فلذلك لم يكونا على الحقيقة كلاماً.
وقد قيل في العبارة: انه كلام ايضاً حقيقة. فمن أجرى اسم الكلام على العبارة - مع انها دلالة على ما في النفس من الكلام - لم يستبعد اجراء اسم الكلام على الكتابة المفهوم بها الكلام.
والصحيح: انهما يُسميان كلاماً مجازاً، لأنه يفهم بهما الكلام، كما سبق علماً وإرادة، إذ فهم بهما الكلام، لأن حقيقة صفة الحيّ لا تقف في الايجاب على الاصطلاح، أو التوقيف، كالقدرة والحياة والإرادة، والسمع والبصر وغيرهما من صفات الاجسام، كالحركة والسواد والطعوم وغيرها…” (الكافية في الجدل ص: ٢٣ - ٣٣، الفقرة: ٥٧ ).
وأورد الشهيد يوسف بن عبد الرحمن ابن الجوزي (ت ٦٥٦هـ- ٨٥٢١م ) حدّ الخطاب فقال:
“هو الكلام الذي يفهم المستمع منه شيئاً.
والحكم: عبارة عن ورود خطاب الشرع في أفعال المكلفين، بالأمر والنهي، أو الإباحة.
وعن ورود خطابه في حادثة يجعلها سبباً أو شرطاً أو مانعاً.
وأما مفهوم الموافقة فهو فحوى الخطاب ولحنه.
وحقيقته هي: ان يكون حكم مسكوته موافقاً لحكم منطوقه، ويكون أولى به، كقوله تعإلى:
“فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ” (سورة الإسراء، الآية ٣٢ )
فإن تحريم التأفيف يدلّ على تحريم الضرب العنيف، بطريق الأولى”. (الإيضاح لقوانين الاصطلاح، الورقة ٩ ب ).
ان ما ذكره الجويني وابن الجوزي يؤكد ان الخطاب حظي بالاهتمام والاعتراف، ومن يتتبع النصوص في كتب أصول الفقه والجدل وعلم الكلام يمكنه جمع كتاب يساوي أضعاف الكتاب الذي كتبه " المتفلسف على حرب"، وحجتنا الدامغة هي النصوص الواردة في كتب العلماء، والمكانة السامية التي أولتها الشريعة الاسلامية للمنقول حيث وُضع الصحيح منه في مرتبة أعلى من مرتبة المعقول، لأن الثابت بالنقل منزّه عن الخطأ، اما المستند على العقل فصحته وفساده مرتبطان بنوعية العقل لأنه الآلة المنتجة للمعقول.
والشواهد كثيرة على فساد المعقول، ودليلنا ما نشاهده من تقلبات الداعين إلى المعقول الذين يُمسون في أقصى اليسار، ويصبحون في أقصى اليمين، يمسون عرباً ويصبحون عبرانيين وتذبذهم هذا دليل على اضطراب الآلية العقلية عندهم.
وهم يدعون إلى الديموقراطية ويلغون الآخر إذا خالفهم ومثل هذا التناقض واضح في آراء دعاة المعقول حينما تضطرب العقول وتختلط المفاهيم.
وفي الكتاب الذي بين أيدينا أمثلة كثيرة.
كيف يمكننا أن نسلّم بما ادعاه الكاتب في أن “المنطوقات (… ) لم تكن تحظى بالاهتمام والاعتراف”؟
وبين أيدينا منطوقات لا يحصرها عدد حظيت باهتمام العلماء واعترافهم بالإجماع؟
ولو عدنا إلى كتب أصول الفقه لوجدنا مبحثاً في وضع اللفظ للمعني يضم مطالب في الخاص وما يتضمنه من المطلق والمقيد،
والأمر والنهي وفي العام وما يتضمنه، والمشترك وما يتضمنه،
ومبحثاً في اللفظ باعتبار استعماله في المعنى ويتضمن الحقيقة والمجاز والصريح والكناية،
ومبحثاً في دلالة اللفظ على المعنى يتضمن واضح الدلالة وفيه: الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم،
كما يتضمن غير واضح الدلالة وفيه: الخفي، والمشكل، المجمل، والمشابه،
ومبحثاً عن كيفية دلالة اللفظ على المعنى ويتضمن عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص، ومفهوم المخالفة.
وتحت هذه العناوين الرئيسية عناوين فرعية تدل دلالة واضحة على ما حظي به الخطاب من اهتمام، وما ناله من اعتراف العلماء الأجلاء.
في القسم الأول “انطولوجيا النص” تناول الكاتب على حرب: زحزحة المعنى، وقراءة تنويرية، وقراءتين، وطرق استنطاق، وكشف، وصراع التأويلات.
وخلص إلى القول: “وحدها النظرية الجديدة التي أوثر تسميتها (انطولوجيا النص ) تعيد الاعتبار في آن للنص ولتفاسيره وقراءاته.
وذلك بقدر ما تتعامل مع الخطاب بوصفه مصدراً للمعنى أو منتجاً للحقيقة، فالفكر والقصد والعني، كل ذلك يمرّ في مخرطة اللغة، ويخضع لتقاطيع الخطاب” (ص: ٤٣ ).
اما القسم الثاني “الفلسفة واشكالاتها” فتتضمن عنأوين فرعية هي: الفلاسفة روحانيون، إذن زنادقة.
ومَنْ هو الفيلسوف، وسقراط الحاضر أبداً، وهايدغر يحاكم في قبره، وقراءة في سيرورة الفلسفة،
وهل الفلسفة ضرورية؟
والفلسفة ومؤتمراتها، وازدهار الوجود.
وفي هذا القسم يدّعي الكاتب علي حرب “ان تصور الاسلاميين للاسلام لا يتطابق من جهة أولى مع الرؤية القرآنية، ولا يتطابق من جهة ثانية مع تصور المسلم العادي لدينه…” (ص: ٦٣ ).
ووضع الكاتب للقسم الثالث عنوان “اسئلة الحقيقة والواقع نقد الحقيقة” وضمّنه قطعاً هي:
السؤال الحقيقي، والتعريب والتغريب، والمفكر والداعية، والمؤمن والدهري، ونقد الحقيقة، والحق يشهد للحقيقة: فرويد والقرآن، وحقيقة الهداية، والغيب اللاهوتي والغيب الانطولوجي.
يبلغ الكاتب علي حرب " الشيعي اللبناني " - في القسم الثالث - مرتبة التعسف عندما يتناول “فرويد والقرآن” إذ يقول:
“لا يبتعد فرويد، بعلمه التحليلي، عن الرؤية القرآنية كلّ البعد. بل هو أقرب اليها مما نظن. يتبين لنا ذلك، إذا اجرينا مقارنة بسيطة بين نظرية فرويد في النفس، وبين كلام القرآن عليها. فمن المعلوم ان مؤسس التحليل النفسي يحلل النفس يتناولها على صعد ثلاثة. مميزاً بذلك بين قوى ثلاث يتكون منها الجهاز النفسي، وتمثل العوامل الرئيسية الفاعلة في نشاط الانسان وسلوكه، وهي:
“الهُوَ” و”الأنا” و”الأنا الأعلى”. وهذه المراتب الثلاث تضاهي نفوساً ثلاثاً يشير اليها القرآن، وهي:
“النفس الامّارة”
و”النفس المطمئنة”
و”النفس اللوامة”.
اما “الهُوَ” فإنه نظير “النفس الامارة” كونه يشكل منبع الغرائز وبؤرة الشهوات (… )
وأما “الأنا الأعلى” فهو نظير “النفس اللوامة” فإنه على الضد من “الهو” يمثل نظام الجماعة، ويصدر عن النمإذج الاصلية، ويخشى المحرم، ويستلهم المثل، ويتوحد بالقوانين والمعايير، وينوب مناب السلطات التي يخضع لها الفرد. سلطة الحاكم، وسلطة الأب والرب.
وبالاجمال: فالأنا الأعلى يستبطن الأمر اخلاقي الواجب بذاته. من هنا فإنه يشكل مؤسسة للاقتصاد في الهوى وقمع الشهوات، انه أداة ضبط الحاجات، وتقنين الرغبات بقدر ما هو آلة التهذيب ووسيلة الترويض والتطبيع، فهويته هي إذن أنسية مدنية، ومجتمعية سلطوية.
وأما “الأنا” فإنه نظير “النفس المطمئنة” وهو يشكل مبدأ الانسجام والتوازن في حياة النفس. لأنه يوازن بين “الهو” و”الأنا الأعلى” ويوفق بين الأهواء، وسُلّم القيم (… )”.
نقد
الكاتب علي خرب في هذه المقارنة بين ما نزل في القرآن، وما ابتدعه فرويد، هو واحد من اثنين:
إما جاهل بأحوال النفس وأنواعها،
وإما عالم بذلك ولكنه من الذين “يحرّفون الكَلِمَ عن مواضعه”.
ودليلنا على ذلك شرحه معاني النفس شروحاً تتفق مع النمط الفرويدي، وتتعارض مع الشرح العربي الاسلامي، والدليل هو ما تضمنته كتب التراث، ونكتفي بما قاله الشريف علي بن محمد الجرجاني (٠٤٧ - ٦١٨هـ- ٩٣٣١ - ٣١٤١م ) في كتاب التعريفات، ص: ٣٤٢.
١ - “النفس الامارة: هي التي تميل إلى الطبيعة البدنية، وتأمر باللذات والشهوات الحسية، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، فهي مأوى الشرور، ومنبع الأخلاق الذميمة.
٢ - النفس اللوامة: هي التي تنورت بنور القلب، قدر ما تنبهت به عن سنّة الغفلة، كلما صدرت عنها سيئة - بحكم جِبلتها الظلماتية - اخذت تلوم نفسها، وتنوب عنها.
٣ - النفس المطمئنة: هي التي تم تنوّرها بنور القلب حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة، وتخلقت بالاخلاق الحميدة”.
ويقول الجرجاني في معرض تعريفه النفس الناطقة: “فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت مطمئنة، وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت موافقة للنفس الشهوانية، ومتعرضة لها سميت: لوامة. لأنها تلوم صاحبها عن تقصيرها في عبادة مولاها.
وان تركت الاعتراض وإذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات، ودواعي الشيطان سميت: أمارة”. (التعريفات ص: ٤٤٢ ).
وكلام الجرجاني ليس بعيداً عن كلام المفسرين في تفسيرهم النفس الامارة، في سورة يوسف، الآية: ٣٥، والنفس اللوامة، في سورة القيامة، الآية: ٢، والنفس المطمئنة، في سورة الفجر، الآية: ٧٢.
والعلماء مجمعون على ان النفس المطمئنة هي الناجية، والنفس الامارة هي الهالكة، والنفس اللوامة بين المرتبتين فإن تابت وآبت نجت، وإلا فمصيرها كمصير النفس الأمارة.
ان مقارنة الكاتب علي خرب “الأنا” بالنفس المطمئنة، و”الأنا الأعلى” بالنفس اللوامة و”الْهُوَ” بالنفس الأمارة غير موفقة لأنها تناقض الحقيقة وتنسلك في سلك التعسف غير المنطقي.
ومثل هذه الهفوات يتكرر في طيات هذا الكتيب.
أدرج الكاتب علي خرب القسم الرابع تحت عنوان “لبنانيات” وفيه عنأوين فرعية هي:
فلنصنع ليبراليتنا، والوجه الآخر، وحق المشاهد، وسلطة أهل الفكر، وما وراء الكتابة، والديموقراطية والدعوة، وتحت العنوان الأخير يقول الكاتب: “عندما يتحول المثقف إلى داعية يتراجع عن مهمته النقدية ويؤسس للاستبداد. هذا هو الدرس الذي يستفاد من التجارب الحديثة، تجارب الديموقراطية الاشتراكية أو الاشتراكيات الديموقراطية: ان الديموقراطية تنتج أسوأ الحكومات عندما تتحول إلى عقيدة أو مذهب أو دعوة. ولا نعجبن فالدعوة هي نقيض الديموقراطية. لأن الديموقراطية تفترض سلطة حرة مفتوحة تستوعب المختلف وتقبل النقاش، بينما تؤول الدعوة إلى الانغلاق والوحدانية (… ) ان الداعية يتصرف على أساس انه أوعى من الناس وأولى بهم من أنفسهم، ولهذا فإن كل دعوة، أياً كان عنوانها، تنطوي على بذور الاستبداد وجرثومة الفاشية” (ص: ٥٥١ ).
هكذا ينظّر الكاتب المتفلسف علي خرب بشكل عبثي، ودعواه “ان كل دعوة (… ) تنطوي على بذور الاستبداد وجرثومة الفاشية” هي دعوة متهاوية تساوي بين الانساني والوحشي. وكفى بهذا للدلالة على الخلط والاختلاط الذي وقع فيه.
ويتضح تناقض الكاتب علي خرب عندما ينتقد بيان “الملتقى الديموقراطي في لبنان” ويبرر نقده بوصفه: “هو دعوة لنقد الدعوات على اختلافها، فما أكثر الدعاة، وما أقل النقاد”. (ص ٦٥١ ).
وهنا من حقنا ان نسأل الكاتب الكاتب علي خرب : أليس ناقد شيءٍ ما من الأشياء هو داعية إلى شيء آخر؟
وكيف يمكننا الفصل بين الناقد والداعية؟
أليس الداعية إلى مذهب ما هو ناقد للمذهب الآخر؟
ويقدم الكاتب الكاتب علي خرب القسم الخامس تحت عنوان “سجالات” ويندرج تحته: عماء الايديولوجية، وحوار الحقيقة، ونحو وعي كوكبي، وفي النقد قوة.
يقع الكاتب الكاتب علي خرب في مغالطات منها قوله: “ولا مراء ان للماركسية بُعدها المثالي، فهي ككل ايديولوجية ذات طابع طوبأوي بل لاهوتي (ص ٩٥١ ) والماركسيون يشبهون في هذا الموقف - أعني في هذه الحيلة الفكرية - الدعاة الاسلاميين الذين تنهض دعوتهم على الفصل بين الاسلام كرسالة، ومعتقد، ونموذج وبين الدولة التي حكمت باسمه”. (ص ٠٦١ ).
وواضح ان مقارنة الماركسي باللاهوتي والاسلامي ما هو الا من باب التعسف الذي يرفضه الطرفان اللذان لا يلتقيان إلا في مخيلة الكاتب الكاتب علي خرب.
هكذا يبشر الكاتب بالنظام المرتقب، ثم يهاجم من يخالف رأيه الفاسد، ففي رأيه “غريب امر أولئك الكتاب اللبنانيين والعرب الذين يقيمون في عواصم الغرب هرباً من أهلهم وديارهم، أو ضيقاً بهويتهم وانتماءاتهم، ثم هم ينكرون على المقيمين وسط أهلهم، وفي أوطانهم ان ينتقدوا هويتهم، ويراجعوا ذوات انفسهم، والذي يبدو من مقالاتهم وتعليقاتهم ان ثمة استراتيجية للرفض تتحكم في مناقشاتهم وردود فعلهم الفكرية. فهم يتعاملون مع هويتهم الثقافية كشيء لاهوتي لا ينبغي المساس به أو النيل منه…” (ص ٩٧١ ).
ويختتم علي خرب كتابه بالقسم السادس “قضايا الحوار” الذي ضمنه: لغة الحوار، وامكان الحوار، ووَهْم الحقيقة الساطعة، والماركسيات، واسلام متعدد، والحقيقة أقل مما هي، والمساواة في الابتداع، وتاريخية الأصل، والتبشير ضد الحوار.
يُثبط الكاتب علي خرب هِمَمَ دُعاة الحوار، ويشكّك بمصداقية الحوار الاسلامي - الاسلامي، والمسيحي - المسيحي، والاسلامي - المسيحي، والاسلامي - الماركسي فيقول: “من هنا الشك بمصداقية الحوار الدائر الآن بين الأرثوذكس والكاثوليك، أو بين المسيحيين والمسلمين، أو بين السنّة والشيعة، وكذلك شأن الحوار الذي يُراد له ان يجري بين الاسلاميين والماركسيين، من دون اغفال التفاوت بين هذين الطرفين. (ص ٣٠٢ ) .
ولكن علي خرب يعلّق آماله على “الحوار بين العرب والاسرائيليين بعد كل تلك اللاءات المشهورة، هو حوار بين من يتحدرون من أصل واحد وينتمون إلى أرومة لغوية واحدة، واللغة تجمع وتفرق في آن (… ) فعسى ان يؤدي الحوار بينهما إلى خرق أسوار الممنوع، واجتياز حدود المصطنع لصنع سلام يرضى به الطرفان…” (ص ٧٨١ ).
هكذا تبدو هوية الكاتب الشيعي اللبناني المتفلسف علي خرب انه يائس من كل أنواع الحوار إلا الحوار العربي - العبري، عرب = عبر. ولا خلاف بين الجذرين اللغويين في ذهنه.
(الحياة )...........عام
(العنوان: استهجان الحوار العربي ــ العربي، ودعوة إلى الحوار العربي ــ