مقابلة مع مدير مكتبة الغازي خسروبك
د.  محمود السيد الدغيم
العنوان: لقاء مع مدير مكتبة الغازي خسروبك في ساراييفو
مصطفى يحيتش : الحرب دمرت آلاف المخطوطات وما بقي يحتاج الى انقاذ

مقابلة مع مدير مكتبة الغازي خسروبك

الكاتب: د. محمود السيد الدغيم

العنوان: لقاء مع مدير مكتبة الغازي خسروبك في ساراييفو
 
مصطفى يحيتش : الحرب دمرت آلاف المخطوطات وما بقي يحتاج الى انقاذ
الكاتب: محمود السيد الدغيم
تاريخ النشر في جريدة الحياة : ميلادي: 18/3/ 1998م
تاريخ هـجري : 20/11/ 1418هـ
المواصفات:   العدد: 12798
الصفحة : 18
البوسنة والهرسك : سراييفو

أسوأ ما تعرضت له ساراييفو، إضافة إلى القتل والتشريد والتهجير وتدمير الممتلكات، تخريب معالمها التاريخية وحرق مكتباتها التي تحتوي على كنوز من المخطوطات والكتب النادرة.
 التقت »الحياة« في جولتها مع مدير مكتبة خسرو بك وتحدثت معه عن الموضوع.
 وهنا نص الحوار:

 
لماذا نقلت مكتبة الغازي خسروبك من جامع السلطان الى هنا؟ : استهدفت نيران الصرب كل المرافق والمؤسسات الاسلامية. وهم يعرفون مقر المكتبة اذ دمروا المكتبة الشعبية والجامعية في ساراييفو، وكانت الى الشمال من نهر ميليسكا وكان مقرنا على ضفته الجنوبية. أدركنا قبل ذلك خطورة الموقف فنقلنا المخطوطات والسجلات والوثائق من المقر القديم الى مقر موقت. ثم غيرنا الأماكن خمس مرات خلال أربع سنوات.
 في المرة الأولى نقلنا المخطوطات وهي حوالى عشرة آلاف من مقرها في جامع السلطان الى المقر القديم في المدرسة الخسروية التي تسمى مدرسة كورشنلي وبقيت هناك عدة شهور من سنة 1992. اشتد القصف على العاصمة واتت الحرائق أكثر الأماكن وخشينا على الكتب فنقلنا المحتويات من المدرسة الخسروية الى مكان آخر ثم غيرناه أربع مرات.

ووضعنا المخطوطات النفيسة )حوالى مئتين) في خزائن المصرف : البنك وبقيت هنالك طوال سنوات الحرب.
 ومتى أحضرتم محتويات المكتبة الى المقر الحالي؟ : نقلنا محتويات المكتبة الى هذا المكان في السنة الأخيرة من الحرب )1995). وكانت في هذا البناء )الذي نحن فيه) المدرسة الخسروية سابقاً قبل عشرين سنة وتخرجت منها سنة 1974. ثم حُولت الى مركز الأدب البوسنوي، ونُقلت المدرسة الى مبنى الكلية الاسلامية الذي يقابل جامع الغازي خسروبك. وحينما أحضرنا محتويات المكتبة كانت هذه البناية فارغة الا الطابق الأرضي فكان مقراً لوحدة الفاتح العسكرية. ثم انضمت الى باقي وحدات الجيش البوسنوي في ثكناته، وبقي البناء لمكتبة خسروبك. 
 كيف تنبهتم الى ضرورة نقل مخطوطات المكتبة من مقرها القديم؟ : لدينا تجربة تاريخية وطويلة الأمد مع أعداء الفكر. فهم حرقوا المخطوطات في غرناطة في الأندلس، وحرقوها في بغداد. وفي ساراييفو حَرَقت امبراطورية النمسا : المجر مخطوطاتنا ثم سرقوا بعضها الذي ما زال في مكتبات فينا. لذلك شعرنا بالخطر وتحقق ما توقعنا، فقد حَرَقت قذائف الصرب جوامعنا وبيوتنا، واستهدفت المكتبة الوطنية الجامعية، واحترق بها أكثر من 600 مخطوطة ومليون كتاب ومطبوع. وقصفوا معهد الاستشراق واحترقت معه أكثر من خمسة آلاف مخطوطة نفيسة واحترقت مجموعة الوثائق التاريخية المتعلقة بالبوسنة والهرسك. وتلك خسائر لن تُعوض لأننا لا نملك لها مصورات ولا ميكروفيلم. وهذه خسارة لنا في الدرجة الأولى وللمسلمين ثانية وخسارة للانسانية في الدرجة الثالثة.
 لكن الصرب والكروات يرون في تدمير التراث البوسنوي نصراً لهم في سبيل الغاء هويتنا الوطنية والاسلامية. واجتثاث جذورنا من القارة الأوروبية حسب زعمهم. بفضل الله وعونه نجت مكتبة المجاهد خسروبك من نيران الحقد لكننا ما زلنا نخشى العدوان الرامي الى تدمير تراثنا ولا سيما محتويات مكتبة خسروبك.
 
 ماذا حصل للمكتبة الوطنية بعد الحرق؟ : نجت آلاف الكتب التي نقلت من المكتبة الوطنية الى أماكن أخرى قبل الحرق لكنه داهم المكتبة قبل استكمال عمليات النقل لذلك حرقت الكتب والمجلات والدوريات والوثائق التي كانت داخل البناء وعددها يتجاوز المليون ما بين كتاب ومجلة وجريدة وأطروحة. كانت المكتبة بمثابة المركز الوطني لبلادنا البوسنة والهرسك. والآن يُعاد ترميم البناء القديم. ونُقلت الكتب الناجية الى المقر الأصلي لجامعة ساراييفو، الذي حوله في ما مضى الشيوعيون الى مقر ثكنة عسكرية للجيش اليوغوسلافي وسموه سابقاً ثكنة المارشال تيتو. واسترجاع البناء هويته شيء طيب فعلته الحكومة حين حولت المعسكر الى جامعة تنشر العلم بدلاً من ممارسة القمع والقهر.
 
 ماذا عن معهد الاستشراق؟ : حُرق  كل شيء. أكثر من خمسة آلاف مخطوطة. ومكتبة المطبوعات الخاصة بالباحثين في العلوم الاسلامية والتراث العالمي.
 واحترقت أيضاً الدوريات المحلية والعالمية. وكان معهد الاستشراق يصدر مجلة أبحاث بوف )PRILOZI) فأصدر ٣٤ عدداً لغاية سنة 1992. واحترق العدد الأخير الذي طُبع  ولم يوزع. بعد ذلك أُعيدت طباعتُه ثانية ثم صدر عدد مزدوج )44 : 45) سنة 1996 من المقر الجديد في ثكنة المارشال تيتو. وعلى رغم جسامة الخسارة فإن الذين يدعون الى الاهتمام بالاستشراق لم يتحركوا.
 
 ما هي الصعوبات التي تواجهكم في عملكم المكتبي؟ : أول الصعوبات المبنى الذي نعمل فيه. فهذا البناء غير ملائم للمكتبة. فنحن نحتاج الى مبنى تتوافر فيه مواصفات المكتبة الحديثة للمحافظة على المخطوطات كي يتمكن الباحثون الاستفادة منها. الصعوبة الثانية هي ضعف الامكانات المادية. فنحن نعيش في دولة تعاني آثار العدوان ولا نملك القدرة على شراء الاحتياجات، ما زالت كُتُبنا مُكدسة على الأرض وهذا يُعرضها للرطوبة. فنحن بحاجة الى 732 متراً من الرفوف لوضع الكتب عليها ولدينا عرض من النمسا لاصلاحه يكلف 31 الف مارك ألماني. وهذا المبلغ غير متوافر.
 
 ألم تساعدكم جهات خارجية من اجل تصوير المخطوطات؟ : قدم المعهد العالمي للبحوث الاسلامية في كوالالمبور في ماليزيا لنا هدية مكونة من جهازين لتصوير الميكروفيلم قياس 16 ملم، وجهاز لقراءة الميكروفيلم وتصوير فوتوكوبي من الميكروفيلم، وجهاز تحميض الأفلام. ومع الأسف الشديد لم تصلنا مساعدات اخرى.
 
 كم انجزتم من مشروع تصوير المخطوطات؟ : صورنا حتى الآن 700 مخطوطة بعضها مجاميع، وبلغ عدد صفحاتها حوالى 350 الف صفحة. ونحن نستمر في هذا العمل. ونحتاج الى جهاز تصوير عيار 35 سم لزيادة كمية التصوير. فنحن في سباق مع الزمن، ويجب ان نُسرع لكن الطاقة الانتاجية للاجهزة محدودة ولا ندري هل سنتمكن من اتمام التصوير أم لا؟ لو حصل مكروه لهذه المخطوطات قبل اتمام تصويرها فستكون خسارة جسيمة لنا وللعالم الاسلامي لأنها تراث مشترك. نتصل بالجهات القادرة على مساعدتنا غير ان الجواب لم يتجاوز الوعود.
 
 وماذا عن الفهارس؟ : طبعنا سابقاً ثلاثة مجلدات من الفهارس بامكاناتنا المادية المحدودة.
 
صدر المجلد الأول سنة 1963 ويقع في 600 صفحة، وفيه وصف 795 مخطوطة وضعه قاسم دوبراجا.
 
ثم صدر المجلد الثاني فوصل في الوصف الى المخطوطة الرقم 1957.
 وجاء المجلد الثالث الذي وضعه زينك فاييتش، فشمل وصف المخطوطات من 1958 الى 2627 وصدر سنة 1991.

ولدينا المجلد الرابع وهو جاهز للطباعة غير اننا لا نملك السيولة النقدية لطباعته وننتظر من يتقدم لمساعدتنا.

 ما هي آمالك في ما يخص المكتبة؟ : لدينا مخطط جاهز لبناء مقر جديد للمكتبة الى الشمال الغربي من جامع خسروبك، والى جوار المدرسة الكورشونلية. استملكنا الأرض، لكن التنفيذ مرهون بالمساعدات التي نحلم بوصولها، ومشروع المكتبة الجديدة سيعود بالفائدة علينا وعلى الجميع.
 
 لماذا لا تطلبون المساعدات من الدول غير الاسلامية؟ : ان الدول غير الاسلامية هي التي حاصرتنا ومنعت وصول المساعدات الاسلامية أيام الحرب لكن الله ثبت اقدامنا في هذه البلاد. وأود ان أعلمك ان الدولة غير الاسلامية الوحيدة التي ساعدت على ترميم جامع واحد هي السويد اذ ساهمت برصد مليون مارك ألماني لترميم جامع كورشونلي )الرصاص) في مدينة ماغلاي في شمال البوسنة.
 وأكد الباحث بالتراث المعماري كمال ذوكيتش انهم نفذوا المرحلة الأولى بمبلغ نصف مليون مارك، وباشروا بالمرحلة الثانية التي لم تكتمل بعد.

 ماذا قدمت مكتبة المجاهد خسروبك في المجال الثقافي؟ : ساهم العاملون في المكتبة بالكتابة وتقديم الوثائق المفيدة لمجلة البلاغ )غسنيك) التي بدأت اصدارها المشيخة الاسلامية من سنة 1937 ولم تتوقف حتى الوقت الراهن.
 
وتفتخر المكتبة باصدار مجلة التراث والأخبار التاريخية )ANALI) التي صدر أول أعدادها سنة 1972 في 162 صفحة، وأصدرنا العدد المزدوج 17 : 18 سنة 1996 في 412 صفحة. لكننا لم نستطع اصدار العدد المزدوج 19 : 12 لهذا العام لعدم توافر السيولة النقدية.

 ما هي المواضيع التي طرقتها مجلة التراث؟ : اللغة البوسنية هي اللغة الأساسية للمجلة، وتنشر فيها المتون العربية والعثمانية، وفيها ملخصات للمقالات والبحوث باللغة الانكليزية.
 أما المواضيع الأساسية للمجلة فهي التراث الاسلامي والانساني، وامتازت المجلة بنشر صور المخطوطات النادرة والوقفيات، والنصوص الشعرية، والفنون الاسلامية من زخارف وتذهيب وتجليد، وبناء، وتعدين الخ. فمنذ العدد الأول قامت المجلة بتأصيل التراث الاسلامي في البوسنة والهرسك والبلقان. وأبرزت المجلة علاقات مسلمي البلقان مع العالم الاسلامي.
 
 ما هي اهم ممتلكات المكتبة؟ : لدينا مجموعة نادرة من المصاحف الشريفة النادرة، نذكر منها مصحف أمر بتدوينه السيد محمد فاضل باشا شريفوفيتش المولوي. وهو منقول عن مصحف بخط محمد بن ألطون تاش بن عبدالله المقري البغدادي الذي نقله عن المصحف الإمام المكتوب بخط الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه بناء على اجتهاد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه )
أبعاد المصحف: 32 x 20.5 سم).
 لدينا أيضاً من النوادر المخطوطة جزءان كبيران مكتوبان بالحبر الأسود وماء الذهب، أحضرا سابقاً من جامع فرحد )فرحات) باشا صوقولي فيتش في مدينة بانيالوكا التي احتلها الصرب. )والأبعاد هي: 59 x 40 سم).
 واجزاء عددها 21 جزءاً مما أوقفه الصدر البوسنوي محمد باشا صوقولي فيتش )1579) في جامع قرية صوقلو البوسنوية. والأبعاد هي: 24.5 x 17.5 سم.
 
وتاريخ البوسنة والهرسك )1463 : 1927) باللغة العثمانية، تأليف محمد أنور قاضيتش )توفي سنة 1931)، الكتاب في 28 مجلداً من القطع الكبير، وفي كل مجلد 400 صفحة، وهو بخط المؤلف. وليس له نظير في باقي مكتبات العالم.
 
وديوان تحفة الأزهار لعبدالرحمان الجامي، ونسخ في مكة المكرمة سنة 1575. وديوان حافظ الشيرازي المزين بالرسوم المنمنمة.
 الى ذلك لدينا الكثير من النفائس المخطوطة في بغداد والموصل ومكة المكرمة ومصر وسورية وتركيا ولدينا سجلات المحاكم الشرعية والكثير مما يجدر ذكره ويحول ضيق المجال تعداده.


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16437949
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة