مجالس 23 رمضان 1430 هـ - السمهودي المدني الشافعي، وكتابه : طيب الكلام بفوائد السلام

majalis2.jpg

***********
مجالس - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي، وكتابه «طيب الكلام بفوائد السلام»

جريدة الحياة - لندن - الأحد: 23 من شهر رمضان المبارك 1430 هـ/ 13 أيلول/ سبتمبر 2009م
محمود السيد الدغيم 
***********
 

 نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الله السمهودي المدني الشافعي، وكتابه : طيب الكلام بفوائد السلام

محمود السيد الدغيم *
* باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن

تزخر المكتبة العربية الإسلامية بكُتُبٍ قيِّمة ألّفها عُلماء مُبدعون، ورغم مرور قرون من الزمن، فإن تلك الكُتب مازالت تحظى باهتمام الناشرين والقُرّاء العاديين والعلماء، ومِن العُلماء الذين أثروا المكتبة العربية المؤرخ السمهودي (844 - 911 هـ = 1440 - 1506 م)، الذي اهتمّ بالعِلمِ والعلماء، واهتم به العلماءُ بعد وفاته فترجموا له في مؤلّفاتهم، ومِمّن ترجم له المؤرخُ ابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب؛ إذ قال في وفيات سنة إحدى عشرة وتسعمائة:
وفيها توفى " نور الدين أبو الحسن علي بن القاضي عفيف الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن جلال الدين أبي العلياء بن أبي الفضل جعفر بن علي بن أبي الطاهر بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن حسن بن محمد بن إسحق بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ابن الحسن الأكبر بن علي بن أبي طالب الحسني رضي الله عنهم، ويعرف بالسمهودي. نَزيلُ المدينة المنورة وعالِمُها ومُفتيها ومُدرّسُها ومُؤرّخها الشافعيّ، الإمامُ القدوة الحجة المفنّن.
وُلِدَ السمهودي في صفر سنة أربع وأربعين وثمانمائة بسمهود (في صعيد مصر) ونشأ في القاهرة، وحفظ القرآن، والمنهاج الفرعي وكُتُباً، ولازم والده حتى قرأه عليه بحثاً مع شرحه للمحلي، وشرْح البهجة، وجمع الجوامع، وغالب ألفية ابن مالك، وسمع عليه بعضَ كُتب الحديث. وقَدِمَ القاهرةَ معه غير مرّةٍ، ولازم الشمسَ الجوجريّ في الفقه وأصوله والعربية، وقرأ على الجلال المحليّ بعضَ شَرْحيه على المنهاج وجَمْعِ الجوامع، ولازَمَ الشرفَ المناويّ وقرَأَ عليه الكثيَر وألبسه خرقةَ التصّوف، وقرأ على النجم بن قاضي عجلون تصحيحه للمنهاج، وعلى الشمس البامي تقاسيمَ المنهاج؛ وغيره، وعلى الشيخ زكريا في الفقه والفرائض، وعلى السّعد الديري، وأذِنَ له في التدريس هو والياميّ والجوجريّ، وقرأ على مَن لا يُحْصَى ما لا يُحْصَى.
قال السخاويّ: وسَمِعَ مِنِّي مُصَنّفي الابتهاج وغيرَه، وكان على خير كثير، وقطَنَ بالمدينة المنورة من سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة هجرية، ولازَم فيها الشهابَ الأبشيطي، وقرأ عليه تصانيفه وغيْرَها، وأذِن له في التدريس، وأكثرِ من السماع هناك على أبي الفرج المراغيّ، وسمع بمكة من كمالية بنت النجم المرجانيّ، وشقيقِها الكمال، والنجم عمر بن فهد في آخرين، وانتفعَ به جماعةُ الطلبة في الحرمين الشريفين.
وفي سنة ستّ وثمانين وثمانمائة هجرية سافر إلى القاهرة فلقِي سلطانها المملوكي الأشرف قايتباي، فأحسن إليه بمرتب على الذخيرة وغيره، وبعد ذلك أوقف قايتباي كُتبا بالمدينة المنورة وجعل السمهوديَّ ناظِرَها، وزار السمهوديّ بيتَ المقدس، وعاد إلى المدينة المنورة مُستوطنًا، وتزوّج بها عدّة زوجات، ثم اقتصر على السراري، ومَلَكَ الدُّورَ وعمّرها.
قال السخاويّ: قَلَّ أن يكون أحد من أهل المدينة لم يقرأ على السمهوديّ، وأستقرَّ في النظر على الجمع بمدرسة الأشرف وما بها من الكتب في مصارف المدرسة المزهرية مع الصرف من الصدقات كالقضاة، وتقرَّر في التدريس مع ما رتَّبه له أيضاً السلطان العثمانيّ، وأنقادَ له أمير داود بن عمر في صدقاته حين حجَّ وبعدها، وكذا ابنُ خير وغيرهما لِمَا تقرَّر عندَهم من عِلْمِهِ وتديُّنه مع التكسُّب بالبيع والشراء والمعاملة، وبالجملةِ: فهو إمامٌ مُفنن مُتميز في الأصلين والفِقه، مُديم العِلم والجمع والتأليف، مُتوجّه للعبادة والمباحثة والمناظرة، قويّ الجلادة؛ طَلقُ العبارة مع قوَّةِ يقينٍ، ورُبّما أدّاه البحث إلى مُحاسنةٍ مع المبحوث معَه، وعلى كلِّ حال فهو فريدٌ في مجموعِهِ، ومن شِعْرِه قوله:
تحكَّمَ الحبُّ مني كيفَ أكتمُهُ
أمْ كيفَ أخفي الهوى والدمعُ يُظهرُهُ
أهوى لقاءً ويهوى سيدي تلفي
ما كلّ ما يتمَنّى المرءُ يُدركُهُ
وتوفي السمهوديّ في المدينة النبوية المنوّرة يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة للهجرة. (شذرات الذهب: 8/50 -51).
وألّف السمهوديّ عدّة تآليف منها: كتاب جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العِلم الجليّ والنسب العليّ؛ وهو كتاب مطبوع؛ وتوجد نسخة منه في مكتبة مغنيسا، الرقم: 284، كُتبت سنة 930 هـ، ومخطوطة بمكتبة أيا صوفيا في إستانبول، الرقم: 3171، ومنه نُسخٌ كثيرة متفرِّقة، وله أيضاً اقتفاء الوفا بأخبار دار المصطفى؛ احترق قبل تمامه، ومختصر الوفا، ومختصر خلاصة الوفا لما يجب لحضرة المصطفى، مطبوع اختصر به الاول، وحاشية على الإيضاح في مناسك الحج للإمام النووي سَمَّاها الإفصاح، وكذا على الروضة وسَمّاها أمنية المعتنين بروضة الطالبين؛ وصَلَ فيها إلى باب الرِّبا. وجمع فتاويه في مجلد وهي مفيدة جدا، وحصَّل كُتباً نفيسة احترقت كلها وهو بمكة المكرمة في سنة ست وثمانين وثمانمائة.
ومن مؤلفات السمهودي: الجوهر الشفاف في فضائل الأشراف؛ مخطوط في: مكتبة الحرم المكي برقم 39 السيرة. ومن كتبه " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى؛ مطبوع في مجلدين، والغماز على اللماز مخطوط، رسالة في الحديث، ودر السموط، رسالة في شروط الوضوء، والأنوار السنية في أجوبة الأسئلة اليمنية؛ مخطوط في الرباط المجموعة: د/ 301، والفريد في أحكام التقليد؛ مخطوط جزء صغير في مدينة الرباط:2810 كتاني، ومنه نُسخ متعدِّدة متفرِّقة. وقد أُعْجب الشاعرُ إبراهيم المدنيّ الشافعيّ بكتاب السمهوديّ؛ تاريخ المدينة المنورة المسمّى: بخلاصة الوفا، فقال:
مَنْ رامَ يَستقصي مَعالِمَ طَيبة ... ويُشاهِدُ المعدومَ كالموجودِ
فعليه باستخلاصِ تاريخ الوفا ... تأليف عَالِمِ طَيبة السّمهودي

طيب الكلام بفوائد السلام
قال حاجي خليفة؛ كاتب جلبي في كتاب كشف الظنون: "كتاب طيب الكلام بفوائد السلام، لعلي بن عبد الله الحسني السمهودي الشافعي نزيل طيبة، المتوفى سنة 911 هـ، أوله: ( الحمد لله الملك القدوس . . . الخ ) ذَكَرَ فيه: أنه وقف على ثلاثين سؤالا تتعلّق بالسلام، جَمَعَها شيخُهُ قاسم بن قُطلوبُغا ثم بعث بها مع نجله سيدي محمد البدريّ لبعض عُلماء الحنفية، وقد توفي جامِعُها ولم يكتب جوابها، فأجاب، وفرغ من تبييضه في العشر الأول من جمادى الآخرة سنة 892 هـ". كشف الظنون: 2/1119.

وقد صدرت الطبعة الأولى من كتاب: طيب الكلام بفوائد السلام؛ سنة 1430 هـ/ 2009م؛ عن دار المنهاج في مدينة جدّة في المملكة العربية السعودية باعتناء أنور بن أبي بكر الشيخي الداغستاني، ويقع الكتاب في 336 صفحة، وصنعته مُتقنة من حيث التجليد ونوعية الورق والتدقيق والتصحيح، وقد اعتمد المحقق على ستّ مخطوطات هي مخطوطة مكتبة الفاتح في إستانبول رقم: 4005، ومخطوطة الخديوية بدار الكتب المصرية رقم: 41322، ومخطوطة دار الكتب المصرية في مجاميع طلعت رقم: 9455، ومخطوطة المكتبة الوطنية النمساوية رقم: 835 في مجموعة هيلين رقم: 2125، ومخطوطة مكتبة برلين رقم: 1599، ومخطوطة مكتبة جامعة برنستون رقم: 2047.
وهذا الكتاب متصدِّرٌ في بحث أحكام وحِكَم السلام وأسراره ، أجاب فيه مؤلفه العلامة السمهودي على أسئلة في غاية الدّقة والتمحيص تتعلق بهذه السنة النبوية الحميدة . ولقد ضمّت هذه الأسئلة الكثيرَ من المسائل النحوية والاشتقاقية والحِكَمية، إضافةً لما حوته من العلوم الشرعية واللغوية، حتى كاد هذا المؤلَّف أن يكون مرجعاً من أمتن المراجع في بحث علل وأحكام السلام.

*********
رابط المقال في جريدة الحياة
اضغط هنا
*****
نسخة للطباعة
اضغط هنا
-----------
copyright © daralhayat.com
*******