مجالس 13 رمضان 1430 هـ

majalis2.jpg

 ************

مجالس - فوائد الصوم في أحاديث الجامع الصحيح
جريدة الحياة - لندن - الخميس: 13 من شهر رمضان المبارك 1430 هـ/ 3 أيلول/ سبتمبر 2009م


محمود السيد الدغيم 

***********

مجالس شهر رمضان المبارك: 4-4
فوائد الصوم حسب ما ورد من الأحاديث في الجامع الصحيح للإمام محمد بن إسماعيل البخاري

محمود السيد الدغيم *
* باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن

*****

فوائد الصوم كثيرة ومنها: أن الصوم كفارة تُكفِّرُ الذنوب، وقد أورد الإمام البخاري في الصحيح حديثا شريفاً، فقال: "‏حَدَّثَنَا ‏‏عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ‏‏حَدَّثَنَا ‏‏سُفْيَانُ، ‏‏حَدَّثَنَا ‏‏جَامِعٌ ‏‏عَنْ ‏‏أَبِي وَائِلٍ ‏‏عَنْ ‏‏حُذَيْفَةَ ‏‏قَالَ: ‏قَالَ أمير المؤمنين ‏‏عُمَرُ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ‏‏مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ ‏‏حُذَيْفَةُ: ‏‏أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ‏‏فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ. قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ‏‏ذِهِ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ، قَالَ: وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لا يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقُلْنَا ‏‏لِمَسْرُوقٍ: ‏‏سَلْهُ أَكَانَ ‏‏عُمَرُ ‏‏يَعْلَمُ مَنْ الْبَابُ؟ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ".

‏وجاء في صحيح البخاري: "حَدَّثَنَا ‏‏خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ‏‏حَدَّثَنَا ‏‏سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ ‏‏قَالَ: حَدَّثَنِي ‏‏أَبُو حَازِمٍ ‏‏عَنْ ‏‏سَهْلٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ: ‏‏إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ، فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ‏قَوْله: (حَدَّثَنِي أَبُو حَازِم) ‏‏هُوَ اِبْن دِينَار، وَسَهْل هُوَ اِبْن سَعْد السَّاعِدِيّ. ‏و‏قَوْله: (إِنَّ فِي الْجَنَّة بَابًا) ‏‏قَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير: إِنَّمَا قَالَ فِي الْجَنَّة، وَلَمْ يَقُلْ: لِلْجَنَّةِ، لِيُشْعِر بِأَنَّ فِي الْبَاب الْمَذْكُور مِنْ النَّعِيم وَالرَّاحَة فِي الْجَنَّة فيكون أبلغ في التشوق إليه. قلتُ: وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ: "إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَة أَبْوَاب، مِنْهَا بَاب يُسَمَّى الرَّيَّان لا يَدْخُلهُ إِلاّ الصَّائِمُونَ". أخرجه هكذا الْجَوْزَقِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي غَسَّان عَنْ أَبِي حَازِم، وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق، لكن قال: "فِي الْجَنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب". ‏

‏وقَوْله: (فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُل مِنْهُ أَحَد) كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدا، وأما قوله: "فَلَمْ يَدْخُل" فهو معطوف على "أُغْلِقَ" أَيْ: لم يدخل منه غير مَن دخل. ووقع عند مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ خَالِد بْن مَخْلَد شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ "فَإِذَا دَخَلَ آخِرهمْ أُغْلِقَ" هَكَذَا فِي بَعْض النُّسَخ مِنْ مُسْلِم، وَفِي الْكَثِير مِنْهَا " فَإِذَا دَخَلَ أَوَّلهمْ أُغْلِقَ ". قَالَ عِيَاض وَغَيْره: هُوَ وَهْمٌ. وَالصَّوَاب: آخِرهمْ. قُلْت: وَكَذَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي مُسْنَده وَأَبُو نُعَيْم فِي مُسْتَخْرَجَيْهِ مَعًا مِنْ طَرِيقه، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الإِسْمَاعِيلِيّ وَالْجَوْزَقِيّ مِنْ طُرُق عَنْ خَالِد بْن مَخْلَد، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن وَغَيْره وَزَادَ فِيهِ "مَنْ دَخَلَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لا يَظْمَأ أَبَدًا" وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيق هِشَام بْن سَعْد عَنْ أَبِي حَازِم نَحْوه وَزَادَ "وَمَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأ أَبَدًا" وَنَحْوه لِلنَّسَائِيِّ وَالإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق عَبْد الْعَزِيز بْن حَازِم عَنْ أَبِيهِ لَكِنَّهُ وَقَفَهُ، وَهُوَ مَرْفُوع قَطْعًا لِأَنَّ مِثْله لا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ. ‏
 ‏
 وجاء في صحيح البخاري: ‏"حَدَّثَنَا ‏‏إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، ‏‏قَالَ: حَدَّثَنِي ‏‏مَعْنٌ، ‏‏قَالَ: حَدَّثَنِي ‏‏مَالِكٌ ‏‏عَنْ ‏‏ابْنِ شِهَابٍ ‏‏عَنْ ‏‏حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ‏‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ: ‏‏مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّه، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ ‏‏أَبُو بَكْرٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ‏‏بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ".

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ‏قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَة)‏ ‏قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: اِتَّفَقَ الرُّوَاة عن مالك على وصْله، إلاّ يَحْيَى بْن بُكَيْر وَعَبْد اللَّه بْن يُوسُف فإنهما أرسلاه، ولم يقع عند الْقَعْنَبِيّ  أصلا. قلتُ: هذا أخرجه الدارقطني في "الموطآت" من طريق يحيى بن بكير موصولاً، فلعله اخْتُلِفَ عليه فيه، وأخرجه أيضا من طريق القعنبي، فلعله حدّث به خارج الموطإ. ‏
و‏قوله: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّه) ‏‏زاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك "مِن مالِهِ" واختُلف في المراد بقوله: "فِي سَبِيلِ اللَّه" فقِيل: أراد الجهاد، وقيل: ما هو أعمّ منه، والمراد بالزوجين: إنفاق شيئين من أي صنفٍ من أصناف المال مِن نوع واحدٍ. 

‏وقَوْله : (هَذَا خَيْرٌ) ‏‏ ليس اسم التفضيل، بل المعنى هذا خير من الخيرات، والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة. ‏و‏قَوْله: (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الصِّيَام دُعِيَ مِنْ بَاب الرَّيَّان) ‏
‏فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ الزُّهْرِيِّ عِنْد أَحْمَد "لِكُلِّ أَهْل عَمَل بَاب يُدْعَوْنَ مِنْهُ بِذَلِكَ الْعَمَل, فَلأَهْلِ الصِّيَام بَاب يُدْعَوْنَ مِنْهُ يُقَال لَهُ: الرَّيَّان" وهذا صريح في مقصود الترجمة.

وجاء في صحيح البخاري: "‏حَدَّثَنَا ‏قُتَيْبَةُ، ‏حَدَّثَنَا ‏إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، ‏عَنْ ‏أَبِي سُهَيْلٍ، ‏عَنْ ‏أَبِيهِ ‏عَنْ، ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ‏قَالَ: ‏إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ" ‏

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ‏قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سُهَيْل) :‏هُوَ نَافِع بْن مَالِك بْن أَبِي عَامِر بْن عَمْرو بْن الْحَارِث بْن أَبِي غَيْمَان، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ، الْأَصْبَحِيُّ , عَمّ مَالِكِ بْنِ أَنَس بْن مَالِك, وَأَبُوهُ تَابِعِيٌّ كَبِير أَدْرَكَ عُمَر رضي الله عنه. ‏وقَوْلُهُ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَان فُتِحَتْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) ‏
‏ كذا أخرجه مُخْتَصَرًا , وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ من هذا الوجه بتمامه مثل رواية الزُّهْرِيّ الثَّانِيَةِ, والظاهر أن البخاري جمع المتن بإسنادين وذكر موضع الْمُغَايَرَةِ وَهُوَ "أَبْوَاب الْجَنَّةِ" و في رواية إسماعيل بن جعفر "وَأَبْوَاب السَّمَاءِ" فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ.

 

*********
رابط المقال في جريدة الحياة
اضغط هنا
*****
نسخة للطباعة
اضغط هنا
-----------
copyright © daralhayat.com
*******