مجالس 4 رمضان 1430 هـ

majalis2.jpg

************

majalis1.jpg

شهر رمضان المبارك شهر الصيام، وشهر القرآن الكريم: 4-4
محمود السيد الدغيم *
* باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن

تطرق القرطبي في تفسيره للمسائل النحوية والفقهية، فأورد أقوال العلماء في ما أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه، ورجح القرطبي بعض الأقوال على بعضها حسب اجتهاده، فقال في قوله تعالى: "أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ" سورة البقرة، الآية: 184. " أياما " مفعول ثان ب " كُتب "، قاله الفراء: وقيل: نصب على الظرف ل " كُتب "، أي " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" في أيام، والأيام المعدودات: شهر رمضان، وهذا يدل على خلاف ما روي عن معاذ، والله أعلم.
وفس القرطبي قوله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا" فقال: للمريض حالتان:

إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال، فعليه الفطر واجبا.
الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل.
قال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر، قياسا على المسافر لعِلّة السفر، وإن لم تدع إلى الفطر ضرورة. وقال طريف بن تمام العطاردي: دخلت على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل، فلما فرغ قال: إنه وُجعت أصبعي هذه. وقال جمهور من العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه أو يخاف تماديه أو يخاف تزايده، صح له الفطر. قال ابن عطية: وهذا مذهب حُذاق أصحاب الإمام مالك وبه يناظرون، وأما لفظ مالك فهو: المرض الذي يشقّ على المرء ويبلغ به، وقال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر، فقال مَرّة: هو خوف التلف من الصيام. وقال مرّة: شدّة المرض، والزيادة فيه، والمشقة الفادحة، وهذا صحيح مذهبه، وهو مقتضى الظاهر؛ لأنه لم يخصّ مرضا من مرض، فهو مباح في كل مرض، إلا ما خصّه الدليل من الصّداع والْحُمّى والمرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام. وقال الحسن: إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائما أفطر، وقاله النخعي: وقالت فرقة: لا يفطر بالمرض إلا مَن دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر، ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر. وهذا قول الشافعي رحمه الله تعالى.

قال القرطبي: قلت: قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى. قال البخاري: اعتللت بنيسابور علّةً خفيفة وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم، فقال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة. قلت: حدثنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان، كما قال الله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا" قال البخاري: وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق، وقال أبو حنيفة: إذا خاف الرجل على نفسه وهو صائم إن لم يفطر أن تزداد عينه وجعا أو حُمّاه شدة أفطر.
وفسر القرطبي قوله تعال: "أَوْ عَلَى سَفَرٍ" فقال: اختلف العلماء في السَّفر الذي يجوز فيه الفطر والقصر، بعد إجماعهم على سفر الطاعة كالحج والجهاد، ويتصل بهذين سَفَر صلة الرحم، وطلب المعاش الضروري. أما سَفر التجارات والمباحات فمُختَلف فيه بالمنع والإجازة، والقول بالجواز أرجح، وأما سَفر العاصي فيُختَلَفُ فيه بالجواز والمنع، والقول بالمنع أرجح، قاله ابن عطية، ومسافة الفطر عند مالك حيث تُقصَر الصلاة، واختلف العلماء في قدر ذلك، فقال مالك: يوم وليلة، وروي عنه: يومان، وهو قول الشافعي. وفصل مرة بين البر والبحر، فقال: في البحر مسيرة يوم وليلة، وفي البر ثمانية وأربعون ميلا، وفي المذهب ثلاثون ميلا، وفي غير المذهب ثلاثة أميال، وقال ابن عمرو وابن عباس والثوري: الفطر في سفر ثلاثة أيام، حكاه ابن عطية.
قال القرطبي: والذي في البخاري: وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة بُرُد (جمع بريد)، وهي ستة عشر فرسخا. واتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر، لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية بخلاف المقيم، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض، والمقيم لا يفتقر إلى عمل؛ لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين؛ لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل فافترقا، ولا خلاف بينهم أيضا في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج، فإن أفطر، فقال ابن حبيب: إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في أسباب الحركة فلا شيء عليه، وحكي ذلك عن أصبغ وابن الماجشون، فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة، وحسبه أن ينجو إن سافر، وروى عيسى عن ابن القاسم: أنه ليس عليه إلا قضاء يوم؛ لأنه متأول في فطره.

قال القرطبي: قول ابن القاسم وأشهب في نفي الكفارة حَسَن؛ لأنه فعل ما يجوز له فعله، والذمة بريئة، فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف، ثم إنه مقتضى قوله تعالى: "أَوْ عَلَى سَفَرٍ" وقال أبو عمر: هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة، لأنه غير منتهك لحرمة الصوم بقصد إلى ذلك وإنما هو مُتأول، ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة لأنه كان قبل خروجه ما أسقطها عنه خروجه، وقد روى الدارقطني: عن محمد بن كعب أنه قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سُنّة؟ قال نعم. وقال الحسن البصري: يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج. وقال أحمد: يفطر إذا برز عن البيوت. وقال إسحاق: لا، بل حين يضع رجله في الرحل. قال ابن المنذر: قول أحمد صحيح؛ لأنهم يقولون لمن أصبح صحيحا ثم اعتل: إنه يفطر بقية يومه، وكذلك إذا أصبح في الحضر ثم خرج إلى السفر فله كذلك أن يفطر، وقالت طائفة: لا يفطر يومه ذلك وإن نهض في سفره، كذلك قال الزهري ومكحول ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، واختلفوا إن فعل، فكلهم قال: يقضي ولا يُكفّر. قال مالك: لأن السفر عذر طارئ، فكان كالمرض يطرأ عليه.

*************

thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16430774
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة