للتحميل والقراءة والبحث: كتاب إظهار الحق، تأليف: ابن خليل الرحمن الهندي، وموضوع الكتاب: علوم الإيمان والتوحيد.. نبذة: كتاب عبارة عن مجالس مناظرات بين الشيخ وبعض القسيسين، ويتكون الكتاب من مقدمة وستة أبواب
****
رابط تحميل الكتاب مضغوطا
********
إظهار الحق في الجدل والمناظرة في علوم الإيمان والتوحيد
إظهار الحق تأليف: ابن خليل الرحمن الهندي
موضوع: علوم الإيمان والتوحيد
نبذة: كتاب عبارة عن مجلس مناظرة بين الشيخ وبعض القسيسين، يرد فيه على اليهود والنصارى
جاء الكتاب في مقدمة وستة أبواب. وقد ظهرت الغلبة للشيخ في مسألتي النسخ والتحريف اللتين كانتا من أدق المسائل وأقدمها في زعم القسيسين، فلما رأى ذلك سَدَّ باب المناظرة في المسائل الثلاث الباقية.
***********
المقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها
(الأول) أني إذا أطلقت الكلام في هذا الكتاب في موضع من المواضع فهو منقول عن كتب علماء (البروتستنت)
بطريق الإلزام والجدل، فإن رآه الناظر مخالفًا لمذهب أهل الإسلام فلا يقع في الشك، وإذا نقلت عن الكتب الإسلامية
أشرت إليه غالبًا إلا أن يكون مشهورًا.
(الثاني) أن النقل غالبًا في هذا الكتاب من كتب فرقة البروتستنت سواء كانت تراجم أو تفاسير أو تواريخ، لأن هذه
الفرقة هي المتسلطة على مملكة الهند، ومن علمائها وقعت المناظرة والمباحثة، ووصلت إلى كتبها، وقليلًا ما يكون
عن كتب فرقة الكاثوليك أيضًا.
(الثالث) أن التبديل والإصلاح بمنزلة الأمر الطبيعي لفرقة البروتستنت، ولذلك ترى أنه إذا طبع كتاب من كتبهم مرة
أخرى يقع غالبًا فيه تغيير كثير بالنسبة إلى المرة الأولى، إما بتبديل بعض المضامين أو بزيادتها أو نقصانها، أو
تقديم المباحث وتأخيرها فإذا قوبل المنقول عن كتبهم بالكتب المنقول عنها، فإن كانت تلك الكتب مطبوعة من جنس
الكتب التي نقل عنها الناقل فيخرج النقل مطابقًا وإلا فخرج غير مطابق غالبًا، فمن لم يكن واقفًا على عادتهم يظن أن
الناقل أخطأ والحال أنه مصيب، وحصل هذا الأمر من عادات هؤلاء القسيسين، ووقعت أنا أيضًا في المغالطة مرتين
قبل العلم بعادتهم، فلا بد أن يكون الناظر في هذا الأمر على تنبه تام؛ لئلا يقع في الغلط أو يوقعه أحد فيه، ولئلا يتهم
الناقل. وأنا أبين الكتب التي أنقل عنها فأقول: الكتب المذكورة هذه :
[1] ترجمة الكتب الخمسة لموسى عليه السلام في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس في لندن سنة 1848 من
الميلاد على النسخة المطبوعة في الرومية العظمى سنة 1264
[2] ترجمة كتب العهد العتيق والجديد كلها في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس المذكور أيضًا سنة 1844
وجعل في هذه الترجمة الزبور التاسع والعاشر زبورًا واحدًا، وقسم الزبور المائة والسابع والأربعين إلى قسمين
وجعله زبورين، فصار فيها عدد الزبورات ما بين العاشر والمائة والسابع والأربعين أقل منها بواحد بالقياس إلى
التراجم الأخرى وفيما عداها متفقة، فلو وجد الناظر الاختلاف في هذا الأمر بالنسبة إلى التراجم الأخرى فلا بد أن
يحمل على ما ذكرت
[3] ترجمة العهد الجديد باللسان العربي وطبعت في بيروت سنة 1860 ونقلت عبارة العهد الجديد غالبًا عن هذه
الترجمة لأن عبارتها ليست ركيكة مثل عبارة الترجمة الأولى
[4] تفسير آدم كلارك على العهد العتيق والجديد الذي طبع في لندن سنة 1851
[5] تفسير هورن الذي طبع في لندن سنة 1882 في المرة الثالثة
[6] تفسير هنري واسكات الذي طبع في لندن
[7] تفسير لاردنر الذي طبع في لندن سنة 1717 في عشرة مجلدات
[8] تفسير دوالي ورجردمينت الذي طبع في لندن سنة 1848
[9] تفسير هارسلي
[10] كتاب واتسن
[11] ترجمة فرقة البروتستنت بلسان الإنكليز المثبت عليها الخاتم المطبوعة سنة 1819 وسنة 1830 وسنة 1821
وسنة 1836
[12] ترجمة العهد العتيق والجديد لرومن كاثلك بلسان الإنكليز وطبعت في دبلن سنة 1840، وما سواها من كتب
أخرى أيضًا يجيء ذكرها في مواضعها وهذه الكتب في بلاد تسلط عليها الإنكليز، كثيرة الوجود فمن شك فليطابق
النقل بأصله.
(الرابع) إن صدر عن قلمي في موضع من المواضع لفظ يوهم بسوء الأدب بالنسبة إلى كتاب من كتبهم المسلّمة
عندهم، أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، فلا يحمل الناظر عليَّ سوء اعتقادي بالنسبة إلى الكتب الإلهية،
والأنبياء عليهم السلام؛ لأن إساءة الأدب إلى كتاب من كتب اللّه أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام من أقبح
المحذورات عندي أعاذني اللّه وجميع أهل الإسلام منها. لكن لما لم يثبت كون الكتب المسلمة عندهم المنسوبة إلى
الأنبياء بحسب زعمهم كتبًا إلهية بل ثبت عكسه وثبت أن بعض مضامين هذه الكتب يجب على كل مسلم أن ينكره
أشد الإنكار، وثبت أن الغلط والاختلاف والتناقض والتحريف واقعة فيها جزمًا فإني معذور في أن أقول: إن هذه
الكتب ليست كتبًا إلهية وأن أنكر بعض القصص مثل: أن لوطًا شرب الخمر وزنى بابنتيه وحملتا بالزنا منه، أو أن
داود عليه السلام زنا بامرأة أوريا وحملت بالزنا منه، وأشار إلى أمير العسكر لأن يدبر أمرًا يقتل به أوريا فأهلكه
بالحيلة، وتصرف في زوجته، وأن هارون صنع عجلًا وبنى له مذبحًا فعبده هارون مع بني إسرائيل وسجدوا له
وذبحوا الذبائح أمامه، وأن سليمان ارتد في آخر العمر وعبد الأصنام وبنى المعابد لها، ولا يثبت من كتبهم المقدسة
أنه تاب بل الظاهر أنه مات مرتدًا مشركًا. فإن هذه القصص وأمثالها يجب علينا أن ننكرها ونقول إنها غير صحيحة
جزمًا، ونعتقد اعتقادًا يقينيًا أن ساحة النبوة بريئة من أمثال هذه الأمور القبيحة.
وكذا معذور في أن أقول للغلط إنه غلط، وهكذا فلا يناسب لعلماء البروتستنت أن يشكوا في هذا الباب، ألا يرون إلى
أنفسهم كيف يتجاوزون الحد في مطاعنهم على القرآن المجيد والأحاديث النبوية والنبي صلى اللّه عليه وسلم؟ وكيف
يصدر عن أقلامهم ألفاظ غير ملائمة؟ لكن الإنسان لا يرى عيب نفسه ولو كان عظيمًا ويتعرض لعيب غيره ولو كان
صغيرًا، إلا من فتح اللّه عين بصيرته ولنعم ما قال المسيح عليه السلام: (لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما
الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك يا
مرائي. أخرج أوّلًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك) كما هو مصرح في الباب
السابع من إنجيل متى.
(الخامس) قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ألا ترى أن المسيح عليه السلام كيف خاطب الكتبة والفريسيين مشافهة
بهذه الألفاظ (ويل لكم أيها الكتبة الفريسيون المراءون وويل لكم أيها القادة العميان، وأيها الجهال العميان، وأيها
الفريسي الأعمى، وأيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) وأّظْهَرَ قبائحهم على رؤوس الأشهاد حتى
شكا بعضهم بأنك تشتمنا، كما هو مصرح في الباب الثالث والعشرين من إنجيل مَتَّى، والباب الحادي عشر من إنجيل
لوقا، وكيف أطلق لفظ الكلاب على الكنعانيين الذين كانوا كافرين، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من إنجيل
متى، وكيف خاطب يحيى عليه السلام اليهود بقوله: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي"، كما
هو مصرح في الباب الثالث من إنجيل متى، سيما في مناظرات العلماء الظاهرية تقع أمثال هذه الكلمات بمقتضى
البشرية، ألا ترى إلى مُقْتَدى فرقة البروتستنت ورئيس المصلحين جناب لوطر كيف يقول في حق الذي كان مقتدى
المسيحيين وفي عهده أعني البابا معاصِرَه وكيف يقول في حق السلطان الأعظم والملك الأفخم هنري الثامن ملك
لندن، وأنقل بعض أقواله بطريق الترجمة عن الصفحة 277 من المجلد التاسع من (كاثُلك هرلد) وادعى صاحبه أنه
نقل هذه الأقوال عن المجلد الثاني والسابع من المجلدات السبعة التي لجناب رئيس المصلحين.
قال الرئيس الممدوح في الصفحة 274 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 في حق البابا: "هكذا أنا أول من
طلبه اللّه لإظهار الأشياء التي يوعظ بها فيما بينكم، وإني أعلم أن كلام اللّه المقدس عندكم، امش مشيًا هينًا يا
بولسي الصغير، واحفظ نفسك يا حماري من السقوط احفظ نفسك يا حماري البابا، ولا تقدم يا حماري الصغير لعلك
تسقط وتنكسر الرجل؛ لأن الهواء في هذا العام قليل جدًا حتى أن الثلج يوجد فيه دسومة كثيرة، وتزل فيه الأقدام، فإن
سقطت فيستهزئ الخلق، إن أي أمر شيطاني هذا أبعدوا عني، أيها الأشرار الغير المبالين الحمقاء الأذلاء الحمير،
أأنتم تخيلون أنفسكم أنكم أفضل من الحمير، إنك أيها البابا حمار بل حمار أحمق وتبقى حمارًا دائمًا"، ثم قال في
الصفحة 474 من المجلد المسطور هكذا: (لو كنتُ حاكمًا لحكمت أن يكتّف الأشرار البابا ومتعلقوه ثم يغرقوا في "
استيا" الذي من الروم على ثلاثة أميال وههنا غدير عظيم) يعني البحر (لأنه حَّمام جيد لحصول الشفاء للبابا، وجميع
متعلقيه من جميع الأمراض والضعف، وإني أعطي قولي بل أعطي المسيح كفيلًا على أني لو أغرقتهم إغراقًا لينًا إلى
نصف ساعة لبروءا من جميع الأمرض اهـ)، وقال في الصفحة 451 من المجلد المذكور: (إن البابا ومتعلقيه زمرة
الأشرار المفسدين الخادعين الكاذبين وكنيف الأشرار الذي هو مملوء من أعظم الشياطين الجهنميين، وهو مملوء
بحيث يخرج من بصاقه ومخاطه الشياطين) وقال في الصفحة 109 من المجلد الثاني المطبوع سنة 1562 (قلت أولًا
إن بعض مسائل جان هس مسائل الإنجيليين، والآن أرجع عن هذا القول وأقول: ليس البعض بل كل مسائله التي
ردها الدجال وحواريه في محفل كون ستس، وأقول لك مشافهة أيها النائب المقدس للّه: إن جميع مسائل جان هس
المردودة واجبة التسليم، وكل مسألة من مسائلك شيطانية كفرية، فلذلك أسلم مسائل جان هس المردودة وأستعد
لتأييدها بفض اللّه).
وكان من مسائل جان هس (أن السلطان أو القسيس إذا ارتكب كبيرة من الكبائر لا يبقى سلطانًا وقسيسًا) فلما كانت
جميع مسائله مسلّمة عند رئيس المصلحين كانت هذه المسألة أيضًا مسلمة فعلى هذا لا يخرج أحد من مقتديه أهلًا
للسلطنة والقسيسية، لأنه لا يوجد أحد منهم لا يصدر عنه كبيرة من الكبائر، والعجب كل العجب أن العصمة ليست
شرطًا للأنبياء، وهم ما كانوا معصومين عند الرئيس، وتشترط للسلطان والقسيس. لعل منصب النبوة أدون من
منصب القسيسية عنده.
وأما ألفاظ الرئيس المذكور في حق السلطان الأعظم هنري الثامن فهذه: قال في الصفحة 277 من المجلد السابع
المطبوع سنة 1558 هكذا: [1] لا ريب أن لوطر يخاف إذا بذل السلطان هذا القدر من ريقه في الكذب واللغو [2]
إني أتكلم مع الكاذب الديوث ولما لم يراع هو لأجل الحمق منصبه السلطاني فلم لم أرد كذبه في حلقومه [3] أيها
الحوض الخشبي الجاهل أنت تكذب وسلطان أحمق سارق الكفن [4] كذا بلغو هذا السلطان الأحمق الْمُصِرُّ).
والظاهر أن أمثال هذه الألفاظ يكون إطلاقها على الخصم جائزًا عند علماء البروتستنت إلا أن يقولوا إنها وقعت منهم
بمقتضى البشرية، فأقول إني إن شاء اللّه لا أذكر عمدًا لفظًا يوازن لفظًا من ألفاظ مقتداهم في حق العلماء
المسيحية، لكن لو صدر من غير العمد لفظ لا يكون مناسبًا لشأنهم في زعمهم أرجو منهم المسامحة والدعاء؛ قال
المسيح عليه السلام: (باركوا لأعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) كما هو
مصرح في الباب الخامس من إنجيل متى.
(السادس) إنه كثر في ديار أوربا وجود الذين يعبر علماء البروتستنت عنهم بالملاحدة، وهم ينكرون النبوة والإلهام،
ويستهزؤون بالمذاهب سيما بالمذهب المسيحي، ويسيئون الأدب بالنسبة إلى الأنبياء سيما بالنسبة إلى المسيح عليه
السلام، ويزيدون في الديار المذكورة يومًا فيومًا، واشتهرت كتبهم في أقطار العالم فيجيء نقل أقوالهم أيضًا على
سبيل القلة في هذا الكتاب، فلا يظن من هذا النقل أحدٌ أني أستحسن أقوالهم وأفعالهم، حَاشا وكَلاَّ لأن منكر نبي من
الأنبياء الذين ثبتت نبوتهم عندنا سيما منكر المسيح عليه السلام كمنكر محمد صلى اللّه عليه وسلم، بل النقل لتنبيه
علماء البروتستنت ليعلموا أن ما أوردوا على الملة الإسلامية ليس بشيء بالقياس مما أورد أهل ديارهم وصنْفهم
على الملة المسيحية.
(السابع) إن عادة أكثر علماء البروتستنت في تحرير جواب المخالف جارية بأنهم يتفحصون في كتابه بنظر العناد
والاعتساف، فإن وجدوا في جميع الكتاب الأقوال القليلة ضعيفة اغتنموها ونقلوها لتغليط العوام، ثم يقولون: إن
جميع كتابه من هذا القبيل، والحال أنهم ما وجدوا مع غاية تفحصهم إلا القدر المسطور، ثم بعد ذلك يأخذون أقوال
المخالف حيث يقدرون على التأويل والجواب، ويتركون الأقوال القوية بالمرة ولا يشيرون إليها أيضًا، ولا ينقلون
جميع عبارة كتابه في الرد ليظهر على الناظر حال كلام الجانبين، بل يصدر عنهم الخيانة، تارة في النقل فيحرّفون
كلامه، وغرضهم الأصلي إيقاع الناظر في مغلطة ليظن بملاحظة بعض الأقوال التي نقلوها أن كلام المخالف كله كما
قالوا وهذه العادة غير مستحسنة، ومن كان واقفًا عليها يجزم أنهم ما وجدوا في كتاب المخالف إلا هذا القدر، وظاهر
أنه لا يلزم منه على تقدير صحة النقل أيضًا ضعف كتاب المخالف كله سيما إذا كان كبيرًا، لأن الكتاب إذا لم يكن
إلهاميًا يوجد فيه عادة أقوال ضعيفة، لأن كلام البشر يتعسر خلوه عن هذا، كما قيل لكل صارم نبوة ولكل جواد كبوة،
وأول ناسٍ أولُ الناس، والعصمة عن الخطأ والسهو والضعف عندنا خاصة الكلام الإلهامي والكتاب الإلهامي لا غير،
ألا يرون أنه لا يوجد محقق من محققيهم من زمانِ إمام الفرقة جناب (لوطر) إلى هذا الحين بحيث لا يكون في كلامه
خطأ أو ضعف في موضع من المواضع من تصنيفاتهم، وإلا فعليهم البيان وعلينا الجواب. أيجوز في الصورة
المذكورة عندهم أن ننقل بعض الأقوال الضعيفة التي صدرت عن إمامهم، الممدوح أو عن إمامهم الآخر (كالون) أو
عن محقق مشهور من محققيهم، ونقول: إن كلامه الباقي كله باطل وهذيان من هذا القبيل وما كان له دقة النظر؟
حَاشا! لا نقول ذلك بل هو خلاف الإنصاف، ولو كان هذا القدر يكفي عندهم لحصلت لنا الراحة العظيمة، فننقل
الأقوال من أقوال أئمتهم ومحققيهم في المواضع التي اعترف مُتَّبعوهم وأهلُ ملتهم أيضًا بأنها ضعيفة أو غلط، ثم
نقول بعد ذلك إن كلامهم الباقي كله من هذا القبيل، وإنهم كانوا كذا، فالمرجو منهم أنهم إن كتبوا جواب كتابي هذا
فلا بد أن ينقلوا عبارتي كلها في الرد، ويراعوا الأمور التي هي مذكورة في المقدمة، ولو اعتذروا عن عدم
الفرصة، فهذا العذر غير مقبول؛ لأنه قد صرح صاحب مرشد الطالبين في الصفحة 210 من كتابه المطبوع سنة
1848 في الفصل الثاني عشر من الجزء الثاني (أن نحو ألف سوّاح من البروتستنت يواظبون على بث الإنجيل،
ولهم قدر مائة معاون على ذلك من الواعظين والمعلمين وغيرهم ممن تنصروا)، فهؤلاء كلهم خرجوا من بلادهم
وليس لهم أمر مهم غير الوعظ والدعوة إلى ملتهم، فكيف يقبل عذر عدم الفرصة من هذا الجم الغفير.
وأذكر شيئًا لتوضيح ما قلت من حال ترجمة إمام الفرقة جناب (لوطر) وحال كتاب ميزان الحق للقسيس النبيل (فندر)
وكتاب حل الإشكال ومفتاح الأسرار للقسيس الممدوح أيضًا. قال (وارد كاثُلك) في كتابه المطبوع سنة 1841 في
حال الترجمة المذكورة التي كانت في لسان دجهه (قال زونكليس الذي هو من أعظم علماء البروتستنت مخاطبًا (
للوطر): يا لوطر أنت تخرب كلام اللّه أنت مخرب عظيم ومخرب الكتب المقدسة ونحن نستحي منك استحياء لأنا كنا
نعظمك في الغاية، وتظهر الآن أنك كذا) ورد لوطر ترجمة زونكليس ولقبه بالأحمق والحمار والدجال والمخادع،
وقال القسيس (ككرمن) في حق الترجمة المذكورة: (ترجمة كتب العهد العتيق سيما كتاب أيوب وكتب الأنبياء معيبة
وعيبها ليس بقليل، وترجمة العهد الجديد أيضًا معيبة وعيبها ليس بقليل)، وقال بسروا وسياندر للوطر: ترجمتك
غلط، ووجد ستا فيلس وامسيرس في ترجمة العهد الجديد فقط ألفًا وأربعمائة 1400 فساد هي بدعات)، فإذا كان
الفساد في ترجمة العهد الجديد ألفًا وأربعمائة فالغالب أنه لا يكون في جميع الترجمة أقل من أربعة آلاف فساد، ولا
ينسب الجهل وعدم التحقيق إلى إمامهم المعظم مع وجود هذه الفسادات. فكيف ينسبهما أهل الإنصاف إلى من كان
كلامه مجروحًا في خمسة أو ستة مواضع على زعم المخالف.
وإذا فرغت من بيان ترجمة إمامهم أتوجه إلى الميزان الحق وغيره، فاعلم أيها الأخ أن لهذا الكتاب نسختين نسخة
قديمة كانت متداولة إلى مدة بين القسيسين الواعظين قبل تأليف الاستفسار، ولما ألف الزكي الفاضل آل حسن
الاستفسار، ورد الباب الأول والثالث من النسخة المذكورة، وانكشف على القسيس النبيل (فندر) حال كتابه بعد
ملاحظة الاستفسار، استحسن أن يهذبها ويصلحها مرة أخرى ويزيد فيها شيئًا ويطرح عنها شيئًا، ففعل هذا
المستحسن، وأخرج نسخة جديدة سواها بعد الإصلاح التام، وطبع هذه الجديدة في اللسان الفارسي سنة 1849 في
بلدة أكبر أباد وفي لسان أردو سنة 1850، فصارت تلك النسخة العتيقة بهذه النسخة الجديدة كالقانون المنسوخ
عندهم، لا يعبأ بها، فلا أنقل عنها إلا قولًا واحدًا، وإن كان مجال واسع للكلام فيها، وأنقل عن هذه الجديدة الفارسية
بطريق الأنموذج أربعة وعشرين قولًا، وعن كتاب حل الإشكال المطبوع سنة 1847 تسعة أقوال، وقولين عن مفتاح
الأسرار القديم والجديد على سبيل الترجمة باللسان العربي مع الإشارة إلى الباب والفصل والصفحة فأقول وباللّه
التوفيق.
(القول الأول) في الفصل الثاني من الباب الأول من ميزان الحق في الصفحة 17: "يدعي القرآن والمفسرون في
هذا الباب" أي نسخ "أنه كما نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل فكذلك نسخ الإنجيل بسبب
القرآن" انتهى، فقوله: (نسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل) بهتان لا أثر له في القرآن ولا في
التفاسير، بل لا أثر له في كتاب من الكتب المعتبرة لأهل الإسلام، والزبور عندنا ليس بناسخ للتوراة، ولا بمنسوخ
بالإنجيل، وكان داود عليه السلام على شريعة موسى عليه السلام، وكان الزبور أدعية لعله سمع من بعض العوام،
فظن أنه يكون في القرآن والتفاسير فنسب إليها، فهذا حال هذا المحقق في بيان الدعوى في الطعن الذي هو أول
المطاعن وأعظمها.
(القول الثاني) في الفصل المذكور في الصفحة 24 هكذا: "لا أصل لادعاء الشخص المحمدي بأن الزبور ناسخ
للتوراة والإنجيل ناسخ لهما" وهذا أيضًا غير صحيح كالأول؛ لما عرفت أن الزبور ليس بناسخ للتوراة ولا بمنسوخ
بالإنجيل ولما طلبت منه تصحيح النقل في هذين القولين في المناظرة التي وقعت بيني وبينه في المجمع العام، ما
وجد ملجأ سوى الإقرار بأنه أخطأ، كما هو مصرح في رسائل المناظرة، التي طبعت مرارًا في أكبر أباد ودهلي
باللسان الفارسي ولسان الأردو، فمن شاء فليرجع إليها.
(القول الثالث) في الفصل المذكور في الصفحة 25: "يلزم من قانون النسخ هذا التصور: أن اللّه أراد عمدًا بالنظر
إلى مصلحته وإرادته أن يعطي شيئًا ناقصًا غير موصِّلٍ إلى المطلوب ويبينه، لكنه كيف يمكن أن يتصور أحد مثل هذه
التصورات الناقصة الباطلة في ذات اللّه القديمة الكاملة الصفات" وهذا لا يَرِدُ على أهل الإسلام نظرًا إلى النسخ
المصطلح [عليه] عندهم كما ستعرف في الباب الثالث إن شاء اللّه، نعم يَرِدُ على مقدسهم بولس، لأن هذا المقدس
ابتلي بهذا التصور الناقص الباطل الذي كان عند القسيس غير ممكن، وأنقل عبارته عن الترجمة العربية المطبوعة
سنة 1860، قال في الباب السابع من الرسالة العبرانية هكذا:" 18فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها
وعدم نفعها [19] إذ الناموس لم يكمل شيئًا" الخ، وفي الباب الثامن من الرسالة المذكورة هكذا :" [7] فإنه لو كان
ذلك الأول (16) بلا عيب لما طُلب موضعٌ للثاني" [13] "فإذا قال جديدًا، إما الأول، وإما ما عَتُق وشاخ فهو قريب
من الاضمحلال"، وفي الآية التاسعة من الباب العاشر من الرسالة المذكورة هكذا: "يَنْزع الأول حتى يُثبت الثاني"
فأطلق مقدسهم على التوراة أنه أبْطل ونزع، وكان ضعيفًا وعديم النفع، وغير مكمل لشيء ومعيبًا وجعله أحق
بالاضمحلال والإبطال، بل يُرد على زعم هذا القسيس أن اللّه ابْتُلي أولًا بهذا التصور الباطل الناقص والعياذ باللّه،
لأنه قال على لسان حزقيال هكذا: "إذن أعطيتهم أنا وصايا غير حسنة وأحكامًا يعيشون بها" كما هو مصرح في
الآية الخامسة والعشرين من الباب العشرين من كتاب حزقيال، فالعجب كل العجب من إنصاف هذا المحقق أنه ينسب
إلى أهل الإسلام ما يلزم على مذهبه لا على مذهبهم.
(القول الرابع) في الفصل المذكور في الصفحة 26: "لا بد أن تبقى أحكام الإنجيل وكتب العهد العتيق جارية ما دامت
السماوات والأرض بمقتضى هذه الآيات"، وهذا غلط؛ لأنه إن كان مقتضاها بقاء أحكام العهدين يلزم أن يكون جميع
القسيسين واجبي القتل، لأنهم لا يعظمون السبت، وناقضُ تعظيمه على حكم التوراة واجب القتل، على أنه أقر في
هذا الفصل في الصفحة 19: "أن الأحكام الظاهرية" من التوراة "كملت بظهور المسيح، ونسخت بمعنى أنها ما
بقيت محافظتها لازمة" فهذه الأحكام الظاهرية على اعترافه ما بقيت جارية ما دامت السماوات والأرض، وتكميلها
ونسخها بالمعنى المذكور عندهم هو نسخ الأحكام المصطلح عندنا، وقال عيسى عليه السلام للحواريين حين أرسلهم
إلى طريق أمم: "لا تمضوا، وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا" و "قال لم أُرْسَلْ إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة"
فسهى عن دعوة أمم والسامريين، وخصص رسالته ببني إسرائيل، ثم قال وقت العروج إلى السماء: "اذهبوا إلى
العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" فأمر بدعوة جميع العالم وعمم رسالته فنسخ حكمه الأول، ونسخ
الحواريون بعد المشاورة جميع الأحكام العملية المدرجة في التوراة إلا أربعة أحكام: حرمة ذبيحة الصنم، وحرمة
الدم، وحرمة المخنوق، وحرمة الزنا، وكتبوا في هذا الباب كتابًا إلى الكنائس، كما هو مصرح في الباب الخامس
عشر من كتاب الأعمال. ثم نسخ مقدسهم بولس من هذه الأربعة أيضًا الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامة المندرجة
في الآية الرابعة عشر من الباب الرابع عشر من رسالته إلى أهل رومية، وفي الآية الخامسة عشرة من الباب الأول
من رسالته إلى طيطوس، فنسخ الحواريون أحكام التوراة، ونسخ مقدسهم أحكام الحواريين، فظهر مما ذكرت أن
النسخ كما وقع في أحكام التوراة كذلك وقع في أحكام الإنجيل، فهذه الأحكام المنسوخة من كليهما ما بقيت جارية ما
دامت السماوات والأرض، وستعرف هذه الأمور مفصلة في الباب الثالث إن شاء اللّه تعالى، والآيات التي تمسّك بها
هذا القسيس النبيل أربع على ما نقلها في الصفحة 26 و 27 في الفصل المذكور، الأولى الآية الثالثة والثلاثون من
الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا هكذا: "السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول"، والثانية: الآية الثامنة
عشرة من الباب الخامس من إنجيل متى هكذا: "فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف
واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكمل الكل"، الثالثة: الآية الثالثة والعشرون من الباب الأول من الرسالة
الأولى لبطرس هكذا: "أنتم مولودون ثانية، لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة اللّه الحية الباقية إلى الأبد"
الرابعة: الآية الثامنة من الباب الأربعين من أشعيا هكذا: "يبس الحشيش وسقط الزهرُ وكلمة ربنا تدوم إلى الأبد".
ولا يصح للمسيحيين التمسك بالآية الثانية والرابعة، على أن حكمًا من أحكام التوراة لا ينسخ، لأن أحكامه العملية
كلها صارت منسوخة في الشريعة العيسوية، ولا بالأولى والثالثة أن حكمًا من الإنجيل لا ينسخ؛ لأن النسخ قد وقع
في أحكامه أيضًا لما عرفت وستعرف في الباب الثالث مفصلًا إن شاء اللّه تعالى، فالصحيح أن الإضافة في لفظ (
كلامي) الواقع في الآية الأولى للعهد، والمراد به الكلام الذي أخبر فيه عن الحوادث الآتية كما اختار المفسر (دوالي
ورجردمينت) على مختار القسيس (بيرس) (ودين استان هوب) وستعرف في الباب المذكور، وليست هذه الإضافة
للاستغراق؛ ليفيد أن كل كلامي يبقى إلى الأبد، سواء كان حكمًا أو غيره، وأنه لا يصح أن ينسخ حكم من أحكامي،
وإلا لزم كذب إنجيلهم في الأحكام المنسوخة، على أن عدم الزوال في الآية الثانية كان مقيدًا بقيد الكمال، وقد حصل
كمال أحكام التوراة في الشريعة العيسوية على زعم القسيس النبيل فلا مانع للزوال بعده، ولفظ إلى الأبد في الآية
الثالثة محرفٌ إلحاقيُّ لا وجود له في أقدم النسخ وأصحها، ولذلك كتب قوسان في جانبه هكذا (إلى الأبد) في النسخة
العربية المطبوعة سنة 1860 في بيروت، وقد قال طابعوه ومصححوه في التنبيه الذي أوردوه في الديباجة هكذا: و
"الهلالان يدلان على أن الكلمات التي بينهما ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها"، وقول بطرس الحواري (كلمة
اللّه) الحية (الباقية إلى الأبد) كقول أشعيا (كلمة ربنا تدوم إلى الأبد) فكما لا يفيد قول أشعيا عليه السلام عدم نسخ
حكم التوراة، فكذلك لا يفيد قول بطرس عدم نسخ حكم الإنجيل، والتأويل الذي يجري في قول أشعيا هو بعينه يجري
في قول بطرس. فهذه الآيات الأربعة لا يصح التمسك بها في مقابلة أهل الإسلام لإبطال النسخ المصطلح (عليه)
عندهم، ولذلك كانت أقوال القسيس النبيل مضطربة في التمسك بهذه الآيات وقت المناظرة التي وقعت بيني وبينه،
كما لا يخفى على ناظر رسائلها التي طبعت باللسان الفارسي ولسان الأردو في دهلي وأكبر أباد مرارًا.
(القول الخامس) نقل القسيس النبيل قول (الفاني) في بيان مذهب الشيعة الاثني عشرية في حق القرآن المجيد من
كتابه المسمى بدبستان في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق في الصفحة 29 وحرَّف قوله حيث كانت
عبارته هكذا (بعضي أزيشان كوبندكه عثمان مصحف راسوخته) الخ، ونقل القسيس النبيل هكذا: كه (مي كوبند)
فأسقط لفظ بعضي أزيشان وزاد لفظ (مي) ليكون النسبة بحسب الظاهر إلى كل الفرقة، وهكذا نقل القسيس النبيل
عبارة الاستفسار في الصفحة 103 من كتابه حل الإشكال هكذا (قوانين الصرف والنحو والمعاني والبيان وسائر
الفنون لا ترى قبل عهد الإسلام عند أحد من اليهود والمسيحيين)، وما كان في عبارة الاستفسار لفظ سائر الفنون،
بل كان بدله مفردات اللغة، وكان غرض صاحب الاستفسار أن الفنون التي تتعلق باللسان الأصلي للتوراة والإنجيل
ما كانت قبل عهد الإسلام عند أحد من اليهود والمسيحيين، فحَرَّف القسيس النبيل لفظ مفردات اللغة بسائر الفنون ثم
اعترض عليه (وفرقة الكاثلك) يقولون: إن التحريف في مثل هذه الأمور عادة فرقة البروتستنت، نقل (وارد كاثلك)
في كتابه "إنه وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون: أن الزبورات التي
هي داخلة في كتاب صلواتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضوع تخمينًا".
وقال طامس انككلس كاتلك في الصفحة 176 و 177 من كتابه المسمى (بمرآة الصدق) وهو بلسان الأردو وطبع
سنة 1815: (إن نظرتم إلى الزبور الرابع عشر فقط الذي هو موجود في كتاب الصلوات العام الذي يظهر عليه
علماء البروتستنت رضاهم وقبولهم بالحلف، ثم طالعتم هذا الزبور في الكتاب المقدس للبروتستنت لوجدتم أن أربع
آيات في كتاب الصلوات ناقصة بالقياس إلى الكتاب المقدس، لكن هذه الآيات إن كانت من كلام اللّه فَلِم تركوها، وإن
لم تكن من كلام اللّه، فَلِمَ لَمْ يُظهروا عدم صدقها في كتاب الصلوات، والحق الصريح أن البروتستنتيين حرفوا كلام
اللّه، وهذا الخبر الذي عن الأمر المستقبل إما بالزيادة أو بالنقصان) فإسقاط لفظ (بعضي أزيشان) أهون من إسقاط
أربع آيات في الزبور الواحد، وكذا تبديل لفظ مفردات اللغة أهون من التحريف في مائتي موضع من كتاب الزبور.
(القول السادس) في الصفحة 54 في الفصل الثالث من الباب الأول من ميزان الحق هكذا: "واعتقادنا في النبي هذا،
أن الأنبياء والحواريين وإن كانوا قابلي السهو والنسيان في جميع الأمور لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير"،
وهذا أيضًا غلط كما سيظهر في الفصل الثالث من الباب الأول، وفي الباب الثالث عشر من سفر الملوك الأول في حال
النبي الذي جاء بأمر اللّه من يهودا إلى (يور بعام) ثم رجع إلى يهودا بعد ما أخبر بأن المذبح الذي بناه (يور بعام)
يهدمه السلطان (يوشيا) الذي يكون من أولاد داود عليه السلام وقع هكذا: (وكان في بيت إبل شيخا نبيًا أتاه بنوه
وأخبروه بكل ما صنع رجل اللّه في ذلك اليوم) الخ 12 (فقال لهم أبوهم أي طريق أخذ، فدله بنوه على الطريق الذي
أخذ رجل اللّه) الخ 13 (فقال لنبيه أسرجوا لي الحمار فأسرجوا له الحمار وركبه) 14 (ولحق رجل اللّه فوجده جالسًا
تحت شجرة البطم) الخ 15 (قال مُرَّ معي إلى بيتي لتأكل خبزًا) 16 (قال لا أقدر أن أرجع وأدخل معك ولا آكل طعامًا
ولا أشرب ماء في هذه البلاد) 17 (لأن الْمَلَكَ (20) قال لي: يقول الرب قائلًا: لا تأكل طعامًا ولا تشرب ماء هنالك،
ولا ترجع من الطريق التي جئت منها) 18 (قال له أنا أيضًا نبي مثلك وقد قال ليَ الملاك عن قول الرب قائلًا: رده
معك إلى بيتك ويأكل طعامًا ويشرب ماء فكذب له وخدعه) 19 (فرجع معه وأكل طعامًا وشرب ماء في منزله) 20
(فبينما هما على المائدة كان قول الرب إلى النبي الذي رده) 21 (فدعا إلى الرجل الذي جاء من يهودا وقال له هكذا:
يقول الرب إنك خالفت قول فم الرب ولم تحفظ ما أمرك به اللّه ربك) 22 (ورجعتَ وأكلت الخبز وشربت الماء في
الموضع الذي قال لك لا تأكل فيه خبزًا ولا تشرب ماء فلا يدخل جسدك قبر آبائك) 23 (فلما أكل وشرب أسرج حماره
للنبي الذي رده) 24 (وخرج منصرفًا فاستقبله أسد في الطريق وقتله وصارت جثته مطروحة في الطريق) الخ 25
(فَمَرَّ قوم ورأوا الجثة مطروحة في الطريق والأسد قائمًا عند الجثة فدخلوا القرية التي فيها النبي الشيخ وأخبروا
بذلك) 26 (فسمع النبي الذي رده) الخ 27 (فقال لبنيه أسرجوا لي الحمار فأسرجوه) 28 (وانطلق) الخ 29 (فأخذ
النبي الشيخ جثة رجل اللّه وحملها على الحمار فرجع، وجاء بها إلى القرية التي كان فيها ذلك النبي الشيخ لينوح
عليه).
فأطلق فيه هذه العبارة على النبي الشيخ لفظ النبي في خمسة مواضع، وفي الآية الثامنة عشرة نقل عن حضرته
الأقدس ادعاء الرسالة الحقة، وفي الآية العشرين ثبت تصديق رسالته الحقة أيضًا، وهذا النبي الشيخ الصادق النبوة
افترى على اللّه وكذب في التبليغ، وخدع رجل اللّه المسكين وألقاه في غضب الرب وأهلكه، فثبت عدم عصمتهم في
التبليغ أيضًا. فإن قلت: إنهم يفترون على اللّه ويكذبون في التبليغ قصدًا لا سهوًا أو نسيانًا وكلام القسيس النبيل في
السهو والنسيان، قلت: هذا وإن كان توجيهًا مناسبًا لعبارته لكنه يلزم عليه شناعة أقوى من السهو والنسيان، ومع
ذلك هو غلط أيضًا كما ستعرف.
ثم قال القسيس النبيل بعده: "إن ظهر لأحد في موضع من المواضع في تحريرهم اختلاف أو محال عقلي فذلك دليل
نقصان فهمه وعقله" أقول: هذا أيضًا ليس بصحيح، بل تغليط وتمويه محض ومخالف لتصريح علماء اليهود
والمفسر (آدم كلارك) الذي هو من المفسرين من فرقة البروتستنت، ولتصريح كثير من المحققين من هذه الفرقة
كما ستعرف في الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، والشاهد السادس عشر من المقصد الأول من الباب الثاني،
ولو ادعى هذا القسيس صدق ما ادعاه فعليه أن يوجه جميع الاختلاقات والأغلاط التي نقلتها في الفصل الثالث؛
ليظهر الحال، لكنه لا بد أن يكون بيانه مشتملًا على توجيه جميعها لا بعضها ولا بد أن يكون جوابه بعد نقل عبارتي
وتقريري ليحيط الناظر بكلام الجانبين، ولو وجه بعضها الذي يمكن تأويله ولو بعيدًا وترك نقل عبارتي فلا يُسمع
ادعاؤه.
(القول السابع) في الصفحة 60 في مقدمة الباب الثاني من ميزان الحق: "خلص اللّه اليهود من انقضاء سبعين سنة
على ما وعد (أرميا) وأوصلهم إلى إقليمهم"، وهذا أيضًا غلط؛ لأن إقامتهم كانت في بابل ثلاثًا وستين سنة لا سبعين
كما ستعرف في الفصل الثالث من الباب الأول إن شاء اللّه تعالى.
(القول الثامن) في الصفحة 105 في الفصل الثالث من الباب الثاني: "وتم سبعون أسبوعًا التي هي عبارة عن
أربعمائة وتسعين سنة في وقت ظهوره" أي المسيح (كما أخبر دانيال الرسول أنه يمضي من رجوع بني إسرائيل
عن بابل إلى مجيء المسيح المدة بالقدر المذكور)، وهذا أيضًا غلط كما ستعرفه في الفصل الثالث من الباب الأول.
على أن هذا القول غير صحيح بالنظر إلى تحقيقه أيضًا، وإن فرضت أن اليهود أقاموا في بابل سبعين سنة ثم أطلقوا
لأنه صرح في الصفحة 60: (أن أسر اليهود كان قبل ميلاد المسيح بستمائة سنة فإذا أسقطنا سبعين من ستمائة يبقى
خمسمائة وثلاثون فتكون المدة من الإطلاق إلى ظهور المسيح بهذا القدر لا بقدر أربعمائة وتسعين سنة).
(القول التاسع) في الصفحة 100 في الفصل الثالث من الباب الثاني: (أخبر اللّه داود الرسول أن هذا المخلِّص يظهر
من أولادك، وتكون سلطنته إلى الأبد كما هو مصرح في الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من الفصل السابع من
سفر صموئيل الثاني) والتمسك بهاتين الآيتين غلط كما ستعرف مفصلًا في الفصل الثالث من الباب الأول.
(القول العاشر) في الصفحة 101 في الفصل الثالث من الباب الثاني هكذا: "علم مكان ولادة هذا المخلص في الآية
الثانية من الفصل الخامس من كتاب (ميخا) الرسول هكذا، وأنت يا بيت لحم أفراثا وإن كنت صغيرًا في ألوف يهوذا،
لكن منك يخرج لي الذي هو يكون سلطانًا في إسرائيل، وخروجه من الْبَدْي منذ أيام الأزل"، وهذه العبارة محرفة كما
حقق محققهم المشهور (هورن) كما ستعرف في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول من الباب الثاني،
ومخالفة للآية السادسة من الباب الثاني من إنجيل (متى) فيلزم على القسيس، إما أن يعترف بتحريف عبارة (ميخا)
كما اعترف محققهم المشهور أو يعترف بتحريف عبارة الإنجيل، وهو يتحاشى عن إقراره عند العوام وفي صورة
الإقرار يلزم عليه في الصورة الأولى أنه كيف تمسك بالعبارة المحرمة، وفي الصورتين أن يبين مَنْ حَرَّف ومتى
حَرَّف ولماذا حَرَّف، أحَصَل له شيء من المناصب الدنيوية أو شيء من ثواب الآخرة؟، كما هو يسأل أهل الإسلام،
ويقول: إن هذا البيان دَيْنٌ عليهم، وهم بفضل اللّه بُرآء من هذا الدين، كما فصل في الإعجاز العيسوي، وإزالة
الشكوك، ومعدل اعوجاج الميزان، وهذا الكتاب.